كيف قضى الانقلاب على ما تبقى من رموز التعايش في عدن؟

جانب من أكبر معبد هندوسي في عدن (الشرق الأوسط)
جانب من أكبر معبد هندوسي في عدن (الشرق الأوسط)
TT

كيف قضى الانقلاب على ما تبقى من رموز التعايش في عدن؟

جانب من أكبر معبد هندوسي في عدن (الشرق الأوسط)
جانب من أكبر معبد هندوسي في عدن (الشرق الأوسط)

حافظت عدن طيلة تاريخها على ما تبقى من رموز التعايش الديني حتى اجتاحت الميليشيات الحوثية المدينة الساحلية التي تميزت بالتعايش منذ قرون، واقتحمت آخر معبد هندوسي في المدينة، وعبثت بمحتوياته، وفتحت أبوابه أمام عناصر تنظيم القاعدة الإرهابية لتدميره، فأطفأ نيران طقوسه حتى اليوم، حيث أطلال المعبد تظل شاهداً على مرحلة فاصلة بين التعايش والتنوع ومرحلة الإقصاء والتدمير.
يعود بناء معبد شري هينغراج إلى عام 1865، داخل كهف طبيعي في أسفل الجبل المطل على حي الخساف في مديرية صيرة، ضمن عدة معابد هندوسية أقيمت في عدن اختلفت الروايات في عددها، حيث كانت الجالية الهندية في عام 1861 تمثل أكبر تجمع سكاني في المستعمرة البريطانية الني احتفظت بطابعها التعددي بعد خروج بريطانيا، وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية، وكذلك الأمر عقب قيام الدولة الواحدة عام 1990.
وظلت الشعائر تؤدى في هذا المعبد حتى عام 2015، عندما اجتاح الحوثيون المدينة، حيث اقتحموا المعبد، وعبثوا بمحتوياته، ثم فتحوا الباب أمام مسلحين يعتقد أنهم من تنظيم القاعدة لتدمير كل ما بداخله من تماثيل وزينة، ونهب محتوياته من خزائن وكتب. كما قاموا بإلصاق شعارات التنظيم على جدرانه. وبعد ذلك، نادوا على مجموعة من البلاطجة، وأبلغوهم أن ما في المعبد مباح، فقام هؤلاء بنزع المراوح والمكيفات وأسلاك الكهرباء، وحتى البلاط.
ومنذ ذلك الحين، توقف أداء الشعائر الهندوسية، وغادر المدينة أكثر من 3 آلاف من أتباع هذه الديانة على ظهر بوارج حربية هندية تولت إجلاء الرعايا الهنود من اليمن. وقد أقيم جزء من المبنى داخل الكهف وجزء إلى خارجه، في مساحة واسعة محاطة بسور من الحجر يعبر من خلالها المرتادون عبر طريق مرصوف بالأحجار إلى داخل المبنى المكون من 3 أدوار. وفي إحدى الغرف الداخلية في جوف الجبل، ثمة غرفة مبنية بالرخام عليها بقايا تماثيل، وغرف أخرى داخلية تربطها ممرات وسلالم، إحداها تمتد إلى سقف المعبد.
وهناك أيضاً بقايا خزائن تم اقتلاعها ونهب محتوياتها في عدد من غرف المعبد، وبقايا آثار منحوتات محطمة، إذ تكررت هذه الاعتداءات بعد ذلك أكثر من مرة، حيث تعرض لاقتحام آخر في 23 سبتمبر (أيلول) 2016، وفي 2 أبريل (نيسان) 2019. واقتحم مسلحون المعبد وأرادوا هدمه بالكامل، وقيل حينها إن المجموعة مدعومة من أحد المتنفذين الذي يسعى إلى هدم المبنى، وبناء مركز تجاري مكانه.
ووفق أسرة عبد الجليل التي تقيم في المبنى، وتتولى مند زمن حراسته، فإن الشعائر الدينية في المعبد توقفت مع بداية اجتياح الحوثيين لمدينة عدن، حيث غادرها معظم أفراد الجالية الهندوسية. ويشرح أن هؤلاء كانوا يأتون إلى المعبد في الثامنة صباحاً، ويصعدون إلى الطابق العلوي لأداء الصلوات وسماع المواعظ، ثم بعد ذلك ينزلون إلى الدور الأرضي، ويشعلون النار في موقع يتوسط القاعة، ثم يدورون حولها وهم يرددون الأدعية، وتابع: «بعد ذلك، يقومون بتقديم ما حملوا من مأكولات وفواكه، ويتناولون الوجبة جماعياً، وما فاض يعطوه للحارس كي يوزعه على المحتاجين في الحي القريب من المعبد».
ولم تتوقف محاولات الاستيلاء على ما تبقى من المعابد الهندوسية عند اقتحام وتدمير ذلك المعبد، وهو الأكبر، إذ إنه في 24/ 10/ 2013 قام أحد النافذين باقتحام معبد هندي آخر، يسمى جين شوتاير، يقع في شارع (البز) خلف المتحف الحربي وسط مدينة كريتر. لكن الحملة التي نفذها سكان الحي وتحرك النشطاء أوقف عملية الاستيلاء.
ويقول أحمد، وهو أحد الخياطين الذين يعملون في الدكاكين الواقعة أسفل المعبد، إن أحد التجار، بمساعدة مسلحين، حاول «الاستيلاء على المعبد وهدمه، وتحويله إلى محلات تجارية، إلا أن السكان أوقفوه، ولكن المعبد أغلق كما أغلقت الدكاكين، ونحن نعمل على الرصيف». ويضيف: «أعمل هنا خياطاً منذ عشرات السنين، وكان الهنود يأتون للمعبد كل أسبوع لأداء الصلاة، وبعد دخول الحوثيين عدن وشيوع الفوضى أغلق المعبد، وما يزال كذلك حتى الآن».
وخلافاً للروايات المتداولة في المدينة عن وجود أربعة معابد فقط، يقول السفير الهندي في السعودية، أوصاف سعيد، في دراسته المعنونة بـ«المعابد الهندوسية في عدن»، إن في المدينة 10 معابد هندوسية بعد الاستقلال عن الحكم البريطاني، وإنها بقيت هندوسية على الرغم من ضمها لوزارة الأوقاف والإرشاد. وبعد الوحدة عام 1990، تبدلت الأمور، فأصبحت المعابد جزءاً من ممتلكات الدولة.
ويُذكر أن عدداً من المعابد إما هُدم أو عُدل بشكل لا يمكن التعرف عليه، كمعبد هانومانجي في مديرية الشيخ عثمان الذي يعود بنائه إلى عام 1882، وأن أربعة معابد لا تزال باقية حتى الآن، وهي: معبد «شري رامشانديرجي» الذي شيد عام 1875، ويقع في معسكر الفتح بالتواهي، لكنه غير مفتوح لوجوده ضمن منطقة عسكرية، ومعبد «شري تريكامرايجي - هافيلي» المُشيَد عام 1862 في شارع حسن علي بكريتر، ومُرفق به «مكتبة بهارات»، ومعبدي «شري جاين سويتامبر» و«شري هينغراج ماتاجي ماندير».
ويعد معبد «شري جاين سويتامبر»، المعروف بـ«معبد جين»، أقدم معابد المدينة، وأصله دكان لتاجر هندي أسَس فوقه المعبد عام 1860. وفي عام 1872، افتتح معبد هندوسي آخر في مديرية التواهي، اسمه شري رام جي. وبعدها بعشر سنوات، افتتح معبد هندوسي ثالث باسم هانو مان في مديرية الشيخ عثمان.
وما تزال المدينة تحتفظ بأحد المعابد اليهودية، وإن كان مغلقاً، إلا أن يد الدمار لم تطله. أما معبد الفرس، واسمه معبد النار، فكان مقاماً على مسافة قريبة من المعبد الهندوسي في الخساف. كما بنيت مقبرة لهم في سفح الجبل المطل على المعبد والصهاريج باسم مقبرة الصمت التي ما تزال موجودة إلى الآن، ويطلق عليها السكان اسم المهلكة، غير أن الصعود إليها أصبح مقيداً الآن لوجود مواقع عسكرية قربها.


مقالات ذات صلة

الانفلات الأمني يفتك بمناطق سيطرة الحوثيين

العالم العربي تشييع قيادي حوثي توفي بشكل غامض في إب وسط تكهنات باغتياله جراء خلافات مالية (إعلام حوثي)

الانفلات الأمني يفتك بمناطق سيطرة الحوثيين

تشهد مناطق سيطرة الجماعة الحوثية تسارعاً غير مسبوق في الإعدامات الميدانية للمدنيين، وعلى خلفيات مناطقية، وتسبب الانفلات الأمني في حوادث اغتيال عدد من القيادات

وضاح الجليل (عدن)
مسلح حوثي يراقب تجمعاً لرجال القبائل في صنعاء (إ.ب.أ)

انفلات الثأر القبلي يكشف زيف مزاعم الحوثيين باحتواء الصراعات

تصاعدت حوادث الثأر والعنف القبلي في مناطق الحوثيين على الرغم من ادعاءاتهم تبني سياسات للصلح وإنهاء النزاعات التي يستغلونها لتعزيز نفوذهم وجني مزيد من الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي دعا عدد من السفراء الأجانب لخفض التصعيد وتسوية الخلافات بالحوار في اليمن (السفارة البريطانية)

دعوات دولية لخفض التصعيد وتسوية الخلافات بالحوار في اليمن

العليمي:«الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي تمثل خرقاً صريحاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية وتهديداً مباشراً لوحدة القرار الأمني، والعسكري».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي يمنيان يبيعان الحبوب المنتجة محلياً في سوق بوسط صنعاء (إ.ب.أ)

انفجار أسعار في مناطق سيطرة الحوثيين يخنق معيشة السكان

التهمت موجة غلاء جديدة ما تبقّى من قدرة السكان الشرائية، في مناطق سيطرة الحوثيين الذين يضاعفون الجبايات، بالتوازي مع تراجع عالمي في أسعار المواد الاستهلاكية

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي أكد طارق صالح أن الظروف الراهنة مواتية لصالح حسم المعركة واستعادة الدولة ومؤسساتها (سبأ)

مسؤولان يمنيان يرفعان جاهزية الجبهات العسكرية

يعتقد المسؤولون اليمنيون أن جماعة الحوثي هي العدو الرئيسي والوحيد للشعب اليمني، وأن الظروف الراهنة مواتية لصالح حسم المعركة، واستعادة الدولة ومؤسساتها.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

العليمي يشيد بجهود السعودية والإمارات في خفض التصعيد شرق اليمن

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
TT

العليمي يشيد بجهود السعودية والإمارات في خفض التصعيد شرق اليمن

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

أشاد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، بجهود السعودية والإمارات في احتواء التصعيد وخفض التوتر بالمحافظات الشرقية، مؤكداً أهمية عدم الانزلاق إلى خطوات أحادية، أو تحركات عسكرية خارج الأطر المرجعية للمرحلة الانتقالية.

وجاءت تصريحات العليمي خلال لقائه، الخميس، في الرياض، رئيس مجلس النواب، سلطان البركاني، وعضوي هيئة رئاسة المجلس، محمد الشدادي ومحسن باصرة، للتشاور حول المستجدات الوطنية، وفي مقدمتها التطورات في محافظتي حضرموت والمهرة، وجهود احتواء تداعياتها السياسية والاقتصادية والخدمية.

وبحسب المصادر الرسمية، استعرض العليمي خلال اللقاء، نتائج الاتصالات الجارية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، مشدداً على ضرورة الحفاظ على التوافق الوطني القائم، وعدم اتخاذ أي إجراءات أحادية قد تعقّد المشهد أو تقوّض مسار الشراكة السياسية، مع التذكير بالمرجعيات الناظمة للمرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وأشاد رئيس مجلس القيادة الرئاسي بالدور الذي تضطلع به السعودية، ومعها الإمارات، في قيادة مسار تهدئة مسؤول يهدف إلى خفض التصعيد وإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية، بما يشمل انسحاب القوات الوافدة من خارج هذه المحافظات، وتمكين أبنائها من إدارة شؤونهم المحلية، بما يعزز الاستقرار ويحافظ على السلم الأهلي.

وجدد العليمي التأكيد على موقف الدولة من القضية الجنوبية، بوصفها «قضية وطنية عادلة»، وجزءاً أصيلاً من أي تسوية سياسية شاملة، تبدأ بمعالجة مظالم الماضي، وتنفتح على الخيارات التي تقررها الإرادة الشعبية في ظروف طبيعية. كما رحب بما صدر عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من دعم جهود خفض التصعيد، والتنبيه إلى مخاطر أي توترات على فرص العيش والسلم الأهلي والأمن الإقليمي.

تشييع قتلى ومخاوف حقوقية

ميدانياً، شُيعت في مدينة مأرب، الجمعة، جثامين عدد من قتلى المنطقة العسكرية الأولى في موكب جنائزي رسمي وشعبي، بحضور رئيس هيئة الأركان العامة، قائد العمليات المشتركة الفريق ركن صغير بن عزيز، وقيادات عسكرية وأمنية، وأعضاء مجلس النواب، وشخصيات اجتماعية. وأكد المشيعون، بحسب الإعلام الرسمي، المضي في استكمال ما وصفوه بالأهداف الوطنية، مع التشديد على استعادة مؤسسات الدولة وإنهاء انقلاب الجماعة الحوثية.

تشييع جنود في مأرب قتلوا خلال التصعيد العسكري بوادي حضرموت (سبأ)

من جهتها، أعلنت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات توثيق 312 حالة اعتقال تعسفي وإخفاء قسري، قالت إن عناصر تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي نفذتها في وادي وصحراء حضرموت خلال الفترة من 2 إلى 18 ديسمبر (كانون الأول) 2025. وأوضحت الشبكة أن الاعتقالات شملت عسكريين ومدنيين من محافظات عدة، بينها حضرموت وتعز وريمة وذمار وحجة وأبين.

وأشارت الشبكة إلى تلقي بلاغات عن حملات اقتحام واعتقال واسعة في مدينة الشحر دون أوامر قضائية، إضافة إلى توثيق حالات اختطاف في مدينة سيئون، من بينها قاصران، معتبرة أن ذلك يمثل انتهاكاً خطيراً للقوانين الوطنية والمواثيق الدولية، لا سيما اتفاقية حقوق الطفل. وطالبت الشبكة بالإفراج الفوري عن جميع المحتجزين وفتح تحقيقات مستقلة، محذرة من مخاطر استمرار هذه الممارسات على السلم المجتمعي وسيادة القانون.

الزبيدي: الوجهة صنعاء

في موازاة ذلك، قال عضو مجلس القيادة الرئاسي ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، إن الهدف المشترك للقوى الوطنية المناهضة للجماعة الحوثية، يتمثل في تحرير مناطق الشمال الخاضعة لسيطرتها، وصولاً إلى العاصمة صنعاء.

وجاءت تصريحاته خلال لقائه، في القصر الرئاسي بمدينة عدن، قيادات جبهة مريس وحجر شمال محافظة الضالع، حيث استعرض مستجدات الأوضاع العسكرية وسبل تنسيق الجهود لمواجهة ما وصفه بالتصعيد الحوثي.

ونقل إعلام المجلس الانتقالي الجنوبي عن الزبيدي قوله إن الإجراءات التي نفذتها القوات التابعة للمجلس أخيراً في محافظتي حضرموت والمهرة، جاءت في سياق «تأمين الجنوب»، ليكون منطلقاً لتحرير مناطق الشمال، مؤكداً أن «الوجهة هي صنعاء»، رغم ما عدّه محاولات بعض القوى «حرف مسار المعركة عبر افتعال صراعات جانبية».

الزُّبيدي مجتمعاً في القصر الرئاسي بعدن مع قيادات عسكرية مرابطة في جبهات الضالع (المجلس الانتقالي الجنوبي)

ودعا الزبيدي إلى عدم الالتفات لما وصفها بـ«حملات التشويش والضجيج الإعلامي» الصادرة عن قوى فقدت تأثيرها السياسي، معتبراً أن الالتزام بالمسؤولية الوطنية والشراكة الصادقة يمثل الطريق الوحيد لتحقيق النصر.

وأضاف أن المجلس الانتقالي والقوات الجنوبية «ماضون على العهد» في مواجهة الحوثيين، مجدداً التأكيد على أن المعركة الأساسية يجب أن تبقى موجهة نحو الجماعة المدعومة من إيران.

وتطرق الزبيدي إلى الأوضاع الإنسانية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، معرباً عن أسفه لما يتعرض له السكان هناك من «قتل واضطهاد»، ومحملاً قيادات سابقة مسؤولية ما وصفه بالتخلي عن مسار التحرير والانحراف نحو مصالح خاصة، على حساب المصلحة الوطنية العليا، وفق تعبيره.


«اجتماع ميامي»... لتفادي فجوات المرحلة الثانية لـ«اتفاق غزة»

تجمُّع فلسطينيين نازحين لتلقي حصص غذائية في مطبخ خيري بخان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
تجمُّع فلسطينيين نازحين لتلقي حصص غذائية في مطبخ خيري بخان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«اجتماع ميامي»... لتفادي فجوات المرحلة الثانية لـ«اتفاق غزة»

تجمُّع فلسطينيين نازحين لتلقي حصص غذائية في مطبخ خيري بخان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
تجمُّع فلسطينيين نازحين لتلقي حصص غذائية في مطبخ خيري بخان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

لقاء جديد للوسطاء في مدينة ميامي، بولاية فلوريدا الأميركية، وسط تعثر في الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ذلك الاجتماع الذي قال الوسطاء إنه «سيناقش تصوراً للمرحلة الثانية»، يراه خبير «ضمن تحركات تفادي الفجوات، المتمثلة في كيفية تنفيذ الانسحاب الإسرائيلي، ونشر قوات الاستقرار، ونزع سلاح حماس»، مرجحاً «إمكانية بدء خطوات فعلية الشهر المقبل».

وتشهد مدينة ميامي، في ولاية فلوريدا، لقاء المبعوث الخاص للرئيس الأميركي، ستيف ويتكوف، مسؤولين كباراً من دول الوساطة: قطر ومصر وتركيا؛ لدفع المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار قدماً، وفقما أفاد مسؤول في البيت الأبيض «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس.

وأعلن رئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، خلال زيارته، الأربعاء، لواشنطن أنه جارٍ التحضير لاجتماع للوسطاء، الجمعة؛ لبحث تصور للدفع بالمرحلة الثانية من اتفاق غزة. وقبيل انطلاق «اجتماع ميامي»، قال عضو المكتب السياسي لـ«حماس»، باسم نعيم في تصريحات: «يتوقع شعبنا من هذه المحادثات أن يتفق الحاضرون على وقف الخروقات والانتهاكات الإسرائيلية كاة، وأن يُلزموا الاحتلال بمقتضيات اتفاق شرم الشيخ».

المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، قال إن «اجتماع ميامي» ضمن تحركات تفادي الفجوات، المتمثلة في كيفية تنفيذ الانسحاب الإسرائيلي، ونشر قوات الاستقرار، ونزع سلاح حماس، وحال استمرَّ هذا الزخم قد نرى خطوات فعلية الشهر المقبل.

وأكد لـ«الشرق الأوسط» أهمية أن تكون المقاربات التي يجب أن نراها من واشنطن في «اجتماع ميامي» تصبُّ في تنفيذ الاتفاق وليس بناء رفح جديدة وتقسيم القطاع، مشيراً إلى أن «فجوات المرحلة الثانية مرتبطة بتنفيذ انسحاب إسرائيل، ونشر قوات استقرار، ونزع سلاح حماس، وبالتالي أي حديث يجب أن يكون على حلول تنفيذية، وليس الحديث عن تصورات أميركية تخدم على أفكار إسرائيل».

أفراد من الدفاع المدني الفلسطيني يبحثون عن جثث عائلة سالم في أنقاض مبنى دُمِّر عام 2023 في حي الرمال بغزة (أ.ف.ب)

في حين شدَّد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الجمعة، خلال لقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف في القاهرة على «ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن 2803 بشأن تنفيذ اتفاق غزة، وتشغيل معبر رفح من الاتجاهين». وقال لافروف: «يجب استمرار الجهود الدبلوماسية لاستدامة وقف إطلاق النار في غزة».

كما استعرض عبد العاطي مع وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، بالقاهرة الجمعة، الجهود المصرية الجارية لتثبيت وقف إطلاق النار وضمان استدامته، وتنفيذ استحقاقات المرحلة الثانية، مع التأكيد على ضرورة نفاذ المساعدات الإنسانية دون عوائق، وتهيئة الظروف لبدء مسار التعافي المبكر وإعادة الإعمار، ورفض أي إجراءات من شأنها تقويض وحدة الأراضي الفلسطينية أو تصفية القضية الفلسطينية، وفق بيان لـ«الخارجية المصرية».

كما رحَّب «المجلس الأوروبي» في ختام قمة رؤساء دول وحكومات دول الاتحاد الـ27 في بروكسل، بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2803 الداعي إلى إنشاء «مجلس سلام»، و«قوة استقرار دولية» مؤقتة في إطار خطة إنهاء الصراع في غزة. وأكد القادة الأوروبيون ضرورة تنفيذ القرار الدولي كاملاً، وضمان استقرار أمني دائم في غزة، مجددين التزام الاتحاد الأوروبي بـ«حل الدولتين» وبالقانون الدولي.

ويرى الرقب أن الجهود المصرية تراهن على تحقيق انفراجة بجانب جهود قطر وتركيا، والوصول لآليات حقيقية لتنفيذ الاتفاق وسط دعم أوروبي لهذا المسار، مؤكداً أن «أي ترتيبات تنتظر لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وترمب أواخر الشهر وصفه حاسماً».


موجة اعتقالات حوثية إضافية تطول 10 موظفين أمميين

الحوثيون يُرهِبون المجتمع اليمني بالاعتقالات وتلفيق تهم التجسس (إ.ب.أ)
الحوثيون يُرهِبون المجتمع اليمني بالاعتقالات وتلفيق تهم التجسس (إ.ب.أ)
TT

موجة اعتقالات حوثية إضافية تطول 10 موظفين أمميين

الحوثيون يُرهِبون المجتمع اليمني بالاعتقالات وتلفيق تهم التجسس (إ.ب.أ)
الحوثيون يُرهِبون المجتمع اليمني بالاعتقالات وتلفيق تهم التجسس (إ.ب.أ)

صعّدت الجماعة الحوثية من انتهاكاتها ضد الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني، باحتجازها عشرة من موظفي المنظمة اليمنيين في صنعاء، الخميس، في أحدث حلقة من سلسلة توقيفات واعتقالات تعسفية طالت عشرات الموظفين خلال السنوات الماضية.

وأعلنت الأمم المتحدة أن عدد موظفيها المحتجزين لدى سلطات الأمر الواقع الحوثية ارتفع إلى 69 شخصاً، مؤكدة رفضها القاطع للاتهامات التي تروّج لها الجماعة بشأن «التجسس» لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل. وقال نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، إن المنظمة «تؤكد الاحتجاز التعسفي لعشرة من موظفيها»، مشيراً إلى أن جميع المحتجزين يمنيون. ولفت إلى أن هذه الممارسات تأتي في سياق متواصل من التضييق والاستهداف. وتُعدّ تهمة «التجسس» من أخطر التهم في مناطق سيطرة الحوثيين؛ إذ قد تصل عقوبتها إلى الإعدام، وهو ما ترى فيه الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية «ذريعة» لتبرير الاعتقالات الواسعة وإخضاع العاملين في المنظمات الدولية، فضلاً عن المعارضين والصحافيين والأكاديميين.

عنصر حوثي أمام مبنى أممي في صنعاء اقتحمته الجماعة (رويترز)

وجاءت موجة الاعتقالات الأخيرة بعد تحركات دبلوماسية أممية مكثفة، كان أبرزها لقاء الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بسلطان عُمان هيثم بن طارق آل سعيد، الذي يضطلع بدور وساطة في النزاع اليمني.

وحسب إحاطة أممية، شكر غوتيريش السلطان على دعمه المتواصل لعمل الأمم المتحدة، وتبادل الجانبان وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية، وفي مقدمها الوضع في اليمن وملف الموظفين الأمميين والعاملين في البعثات الدبلوماسية والمنظمات غير الحكومية المحتجزين لدى الحوثيين.

توقف العمل الإنساني

في إفادة لاحقة للصحافيين، حذّر غوتيريش من أن عمليات الأمم المتحدة «باتت غير قابلة للاستمرار» في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، خصوصاً في صنعاء وشمال غربي البلاد ذي الكثافة السكانية العالية. ودعا جميع الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتهدئة التوتر، وحل الخلافات عبر الحوار، مؤكداً أهمية الانخراط الإقليمي البنّاء لدعم جهود الوساطة الأممية وضمان المصالح الأمنية الجماعية.

وكان الأمين العام قد أعلن، عقب عودته من زيارة إلى السعودية وسلطنة عُمان، أن سلطات الحوثيين أحالت ثلاثة من موظفي الأمم المتحدة إلى محكمة جنائية خاصة، مطالباً بإلغاء هذه الإحالات وإسقاط التهم المرتبطة بأدائهم مهامهم الرسمية. وشدد على أن المنظمة «يجب أن يُسمح لها بأداء عملها دون أي تدخل»، مؤكداً استمرار التزام الأمم المتحدة بتقديم الدعم المنقذ للحياة لملايين اليمنيين، رغم التحديات المتزايدة.

مسلحون حوثيون على متن عربة أمنية في أحد شوارع العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (إ.ب.أ)

وفي مؤشر على خطورة الوضع، كانت الأمم المتحدة قد نقلت، منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، مقر عمل منسقها للشؤون الإنسانية من صنعاء إلى عدن، الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، بعد تضييق متصاعد من الحوثيين على أنشطة المنظمة.

ويغرق اليمن، منذ نحو عقد، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، ومع استمرار احتجاز موظفي العمل الإنساني وعرقلة عمل المنظمات الدولية، تتزايد المخاوف من تفاقم الكارثة الإنسانية، في وقت تجدّد فيه الأمم المتحدة مطالبتها بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع موظفيها المحتجزين.

مداهمات واعتقالات

على الأرض، كشفت مصادر يمنية عن تفاصيل مداهمات نفذتها الجماعة، الخميس، لاعتقال عدد من الموظفين الأمميين من منازلهم في صنعاء. ومن بين المعتقلين الدكتور محمد عبد اللطيف عبد المغني، طبيب عيادة الأمم المتحدة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمسؤول عن التقارير والحالات المرضية للموظفين، حيث داهم الحوثيون شقته في حي فج عطان أثناء وجود أطفاله. ويأتي اعتقاله - حسب المصادر - بعد نحو شهرين من توقيف زوجته، حنان الشيباني، الموظفة في برنامج الغذاء العالمي.

موالون للحوثيين خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيم الجماعة (أ.ف.ب)

كما شملت الاعتقالات ماجد السياغي، وهو سائق في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وعماد الشريف، وهو سائق في إدارة السلامة والأمن التابعة للأمم المتحدة، إضافة إلى محمد صالح الضبي، مساعد أمن ميداني في الإدارة نفسها، الذي داهم الحوثيون منزله في منطقة قاع القيضي، وصادروا مقتنيات خاصة قبل اقتياده إلى جهة غير معلومة.

ويأتي هذا التصعيد ضمن توجّه أوسع للجماعة الحوثية لاستخدام القضاء الخاضع لها أداةً لتصفية الخصوم وترهيب المجتمع. ففي مطلع ديسمبر (كانون الأول)، أحالت النيابة الجزائية في صنعاء 12 شخصاً إلى المحكمة الجزائية المتخصصة بتهمة «التخابر» مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

وهي خطوة قالت منظمات حقوقية إنها امتداد لمحاكمات استهدفت مئات اليمنيين خلال السنوات الماضية بذريعة التجسس. كما أفادت وسائل إعلام تابعة للجماعة بأن محكمة حوثية أصدرت الشهر الماضي أحكاماً بالإعدام رمياً بالرصاص بحق 17 شخصاً بتهم مماثلة.