الكابتن رولا حطيط... ربع قرن بين السماء والأرض

روت لـ «الشرق الأوسط» تحديات مسيرتها

الكابتن رولا حطيط تدعو المرأة اللبنانية للتمسك بأحلامها
الكابتن رولا حطيط تدعو المرأة اللبنانية للتمسك بأحلامها
TT

الكابتن رولا حطيط... ربع قرن بين السماء والأرض

الكابتن رولا حطيط تدعو المرأة اللبنانية للتمسك بأحلامها
الكابتن رولا حطيط تدعو المرأة اللبنانية للتمسك بأحلامها

لم يكن من السهل أن تتحول رولا حطيط إلى مثال أعلى للمرأة العربية عموماً، واللبنانية على وجه خاص. فهي استطاعت أن تخترق واحدة من المهن الذكورية بامتياز في لبنان، ألا وهي مهنة قيادة الطائرات.
اليوم، وبعد مرور نحو 25 عاماً على عملها بين السماء والأرض، تفتخر رولا بما أنجزته. ولكن هذا النجاح لا تضعه في خانة التباهي والفخر، بل في خانة التحدي الذي خاضته ونجحت فيه. وتقول: «كان هدفي أن أنجح وأبرهن للمجتمع أن المرأة أيضاً تستطيع أن تطال أهدافها، ولو كانت في السماء».
رولا، ابنة بلدة الدوير الجنوبية، سبحت عكس التيار، وكافحت لتصل بالتحدي الذي خاضته إلى نهاية سعيدة. قصتها مع هذه المهنة بدأت بالصدفة، ووالدها لم يكن مشجعاً لها. فهي متفوقة في مادة الرياضيات، وأرادها أن تكمل في هذا الطريق وتصبح أستاذة جامعية. عن هذا الأمر تقول رولا: «هناك أفكار تقليدية يتعلق بها أهلنا، وهي أن المرأة أم في النهاية، وعليها أن تفكر في مستقبلها انطلاقاً من هذا المنظار. كان والدي يرى أن مهنة قبطان الطائرة تتعارض مع ما يتمناه لي، فخاف ألا أستطيع تكوين عائلة».
وعن التحديات التي واجهتها بين السماء والأرض بفعل طبيعة مهنتها، تقول: «السماء كانت مركز عملي، والأرض كانت موقعا طبيعيا لبيتي وأهلي وعائلتي. وأنا معزولة في السماء مع إمكانيات التواصل الضئيلة مع الأرض، كان هاجسي يتعلق بمن تركتهم على البر. فالإنسان وُلد ليمشي وليس ليطير، وفي بيئته الغريبة هذه يصبح التقريب بين هذين المكانين تحدياً من نوع آخر يواجهه. فهاجسي الأكبر كان أن أعود وألتقي الجميع سالمين، وألا يحتاجوني وأنا في الأجواء. فهنا كان التحدي الأكبر لي، أن أنجح كمواطنة عادية عندها همومها العائلية، وكقبطان طائرة».
تشبثت رولا حطيط بأحلامها، وواجهت كل الصعوبات بصلابة. عن هذا تقول: «مسؤوليتي كانت تحفزني على المضي في عملي، فأكون مثالاً للمرأة الناجحة، وأفتح الباب والفرص أمام من هنّ خلفي ليتبعوني».
لم يحدّ عمل حطيط من طموحاتها وأحلامها. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «أن أكون قبطان طائرة وزوجة وأماً في الوقت نفسه، هي صورة أنثوية بامتياز، يكمل بعضها البعض. فأنا لم أتخلَّ يوماً عن أنوثتي ولم أهملها، وبعدما بدأت بالطيران عدت إلى الجامعة وأكملت دراستي، وحصلت على أول شهادة ماجيستير، واليوم أكمل الثانية في علم الفلسفة».
وعما إذا كان ينظر إليها في البداية ككائن ضعيف لن يستطيع تحمل طبيعة مهنة ذكورية، ترد: «لم تكن النظرة إلي نظرة دونية لكوني امرأة، بل من باب الاكتشاف والفضول. فكنت وزوجي نخضع للامتحانات نفسها التي تخولنا ممارسة قيادة الطائرة. وعندما كنا نعود إلى المنزل كنت ألاحظ أنه مرتاح، بعكسي تماماً، إذ كنت أشعر بتعب كبير. هذا الأمر دفعني إلى طرح أسئلة كثيرة على نفسي. فهل يمكن أن أشعر بكل هذا التعب لأني امرأة؟ ولكن، اكتشفت فيما بعد، أن من كان يجري لي الامتحان، كان يعتبرني كحقل تجارب جديد. فهو كان يتعرف من خلالي إلى ردود الفعل التي يمكن أن تقوم بها المرأة القبطان تجاه مشكلات معينة تصادفها أثناء الطيران. فكان همّه الأكبر أن يعرف مدى تحمل المرأة، انطلاقاً من بنيتها، لأمور معينة. فهل هي ستبكي إذا ما واجهت صعوبة ما؟ هل ستنهار أمام خبر خطف الطائرة التي تقودها؟ كل هذه الأسئلة كان يطبقها عليَّ، فيضاعف من جرعات المواجهة والمشكلات عندي، ما يتسبب في شعوري بتعب أكبر».
وعن كيفية نظرتها لتطوير مهنتها في المستقبل، تقول: «الأساسي في هذا الموضوع هو تطوير المهنة على صعيد عام، أي بما يطبق على المرأة والرجل معاً. فهذا الجدار الوهمي الموجود بيننا علينا كسره، كي نستطيع التقدم في هذه المهنة معاً. وأصبو دائماً لأن تتعلم مني النساء الأخريات، فتتمسكن بأحلامهن. لم يكن يخطر على بالي أبداً في أحد الأيام أن أطل على الإعلام، وأن أتحدث في محاضرات وطاولات مستديرة تنظمها جمعيات معينة. ولكن، كان علي أن أجد الوسيلة لأوصل رسائلي إلى المرأة بشكل عام، وأحفزها على تحقيق طموحاتها. إذ إن نسبة كبيرة من النساء لم تكن قد سمعت بي من قبل، ولا تعرف بأن المرأة في إمكانها أن تقود طائرة».
ولا تفكر رولا حطيط بدخول المعترك السياسي، وتفضل العمل الاجتماعي التوعوي والمحفز للمرأة. وتقول: «أفضل العمل من أجل بلدي انطلاقاً من المجتمع. فمهما أعطيت هذا البلد يبقى قليلاً. وأنا جاهزة لأفني عمري وأنا أقدم له التضحيات والأمل، فأنا مغرمة ببلدي إلى أبعد حدود».
وترفض رولا حطيط فكرة الهجرة من لبنان، وتقول: «قد يعتقد البعض أني أبالغ في كلامي، ولكن ليس هناك أجمل من لبنان، حتى في ظل الفساد والأزمات المتراكمة. فأنا جلت العالم ولم أجد أفضل منه من ناحية طبيعته، ومن ناحية طيبة أهله وتعاطيهم الإنساني مع بعضهم البعض، بعيداً عن السياسة وأهلها».
وتجد «الكابتن» رولا حطيط أن وضع المرأة اللبنانية تقدّم بشكل عام. وتوضح: «بالنسبة لمجتمعات متحضرة أخرى، قد نكون تأخرنا ولسنا سباقين في هذا المجال. ولكن من دون أي مقارنة، نستطيع القول إن المرأة اللبنانية معطاءة إلى أبعد الحدود، وناجحة في أي عمل تمارسه. ولكن مجتمعنا الذكوري يؤخر من تطورها، وكذلك التربية التقليدية التي تعيش في كنفها. ولكنني متأكدة من أن المرأة اللبنانية تسير على الطريق الصحيح».
وعما تتوجه به إلى الشابة اللبنانية الطموحة تقول: «أتوجه أولاً إلى الرجل، وأطالبه بأن يضع ثقته في المرأة. ولها أقول: عندما تواجهين الصعوبات، اعلمي تماماً أنك على طريق النجاح، فلا تستسلمي للمطبات التي تطالعك من هنا وهناك. أنت ستكونين المثل الذي يحتذى به من قبل أولادك، فاحلمي ولا تيأسي».


مقالات ذات صلة

امرأة تلد في سن الـ61 وتصبح أكبر أم جديدة في مقدونيا الشمالية

يوميات الشرق امرأة مع طفلها المولود (رويترز - أرشيفية)

امرأة تلد في سن الـ61 وتصبح أكبر أم جديدة في مقدونيا الشمالية

أصبحت سيدة تبلغ 61 عاماً أكبر امرأة تلد طفلاً في مقدونيا الشمالية، وفق ما أعلنت السلطات الصحية في الدولة الواقعة في منطقة البلقان الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (سكوبيي (مقدونيا الشمالية))
شؤون إقليمية رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الحليف الأقرب لإردوغان متحدثاً أمام نواب حزبه بالبرلمان الثلاثاء (حزب الحركة القومية)

حليف إردوغان يؤكد دعوة أوجلان للبرلمان ويتخلى عن إطلاق سراحه

زاد رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الجدل المثار حول دعوته زعيم حزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان للحديث بالبرلمان وإعلان حل الحزب وانتهاء الإرهاب

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
يوميات الشرق جانب من جلسة في دورة سابقة لمنتدى المرأة العالمي في دبي (الشرق الأوسط)

منتدى المرأة العالمي ينطلق اليوم في دبي ويناقش دورها في 3 محاور رئيسية

ينطلق منتدى المرأة العالمي دبي 2024 اليوم ويناقش محاور رئيسية ذات أبعاد استراتيجية تتعلق بدور المرأة العالمي ويبحث اقتصاد المستقبل والمسؤوليات المشتركة.

مساعد الزياني (دبي)
شؤون إقليمية إردوغان خلال استقباله الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته بالقصر الرئاسي في أنقرة الاثنين (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته عدداً من الملفات الأمنية والقضايا التي تهم الحلف.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
يوميات الشرق في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

«نانسي» و«سهى» و«هناء»... 3 أسماء لـ3 نساءٍ كدن يخسرن حياتهنّ تحت ضرب أزواجهنّ، قبل أن يخترن النجاة بأنفسهنّ واللجوء إلى منظّمة «أبعاد».

كريستين حبيب (بيروت)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.