زواج محتمل بين روبوت وآدمية في فيلم ألماني

ما بين تاريخ روماني وحاضر ياباني

TT

زواج محتمل بين روبوت وآدمية في فيلم ألماني

أفضل ما في مهرجانات السينما عموماً ربما حقيقة أن المعروض على شاشاتها (إلا إذا كان المهرجان متخصصاً في نوع محدد) يبحر في الزمن كما يُريد. من أفلام تقع في أي فترة من رحاب التاريخ، إلى أخرى تعكس حاضرنا اليوم وثالثة تتحدّث عن مستقبل آتٍ تقوم بزيارته.
لا يختلف هذا الوضع في عروض مهرجان برلين هذه السنة التي تستمر لخمسة أيام فقط بسبب وباء كورونا. لكنها خمسة أفلام حاشدة تستطيع أن تشاهد فيها الأفلام لأربع وعشرين ساعة والكثير من الشاي والقهوة.
أحد الأفلام التي تدق على باب المستقبل هو الفيلم الألماني «أنا رجلك» (I Am Your Man) لماريا شرادر الذي عُرض داخل المسابقة كواحد من حفنة من الأفلام الألمانية المشتركة فيها. هو، حتى كتابة هذه الكلمات، أفضلها لكن جودته محط تساؤل حين مقارنتها ببعض الأفلام الأخرى التي شاهدنا أو سنشاهدها من خارج الطاقم الألماني.
يلتقي الفيلم الذي تقع بطولته على كاهل مارن إيغرت ودان ستيفنز، مع القصّة القصيرة التي كتبها البريطاني الراحل برايان ألديس في 1969 تحت عنوان «سوبر تويز تدوم طوال الصيف» (Super Toys Last All Summer Long) الذي رغب ستانلي كوبريك في تحويلها إلى فيلم بتوقيعه لكنه تخلّى عن المشروع وحوّله إلى عناية ستيفن سبيلبرغ الذي صنع من الرواية فيلمه «ذكاء اصطناعي» سنة 2001. تلتقي من حيث إن الصبي في قصّة ألديس مصنوع كروبوت مبرمج على الحياة مع الآدميين كما لو كان منهم. هذا ما يقع هنا بالنسبة للروبوت بفارق أنه ليس ولداً صغيراً، بل شاب مكتمل الرجولة.
هنا، تعيش ألما وحيدة. بلغت الأربعين ولا تكترث للزواج. تشرف على مشروع كبير في مؤسسة أبحاث تريد من خلاله تحديد النصوص الشعرية التاريخية البعيدة. تحت المجهر هنا نصٌ اعتبرته الأقدم في التاريخ. ولدعمه بالتمويل اللازم لاستكماله توافق على قيام مؤسسة علمية بإعارتها رجل - لعبة (روبوت) اسمه توم يتمتع بكل مواصفات الرجولة وبالمعرفة غير المحدودة. بطل «أنا رجلك» متقدّم بمداركه عن البشر وبعض هذه المدارك تكشف لألما بأنها على الطريق الخطأ بالنسبة لذلك النص القديم، إذ هو، حسب حسابات الروبوت السريعة، لا يعود إلى 4 آلاف سنة، وبالتالي ليس بالقيمة التاريخية التي تصوّرته.
هذا الاكتشاف يطيح بدراستها جميعاً ويتيح لبطلي الفيلم، ألما وتوم، استكمال علاقة مضطربة بدأت عندما رضيت باستضافته لثلاثة أسابيع لأجل مساعدتها في ذلك المشروع. هذه العلاقة العقلانية تتحوّل إلى عاطفية وجنسية في الوقت الذي تتحاشى فيه المخرجة نقد طرفيها. ما تعمل عليه ماريا شرادر هو طرح السؤال حول ما إذا كان بالإمكان التعايش بين امرأة من لحم ودم وروبوت وتستخدم في ذلك مقاييس بارعة في طرح السؤال وما يتفرّع عنه قبل أن تضطر، في نصف الساعة الأخيرة، لاستكمال الحكاية صوب الخاتمة المنشودة وبأقل عتاد فكري ممكن.
في النهاية، وبعد خلاف حول مستقبل ألما وتوم، يلتقيان مجدداً وينتهي الفيلم بهما طارحاً احتمال أن يبقيا معاً كثنائي أو ربما ينتهيان كزوجين.

- حكاية مدرّسة ووطن
بعض المطروح في «أنا رجلك» هو وضع الإنسان في المستقبل القريب إذا ما تم صنع مثيل له. لكن «حظ سيء في الحب» للمخرج الروماني رادو يود يتحلّق حول الحاضر ويمضي منه صوب التاريخ من قبل عودته إلى الحاضر في ثلاث قصص.
يختار المخرج البدء بمشهد إباحي واضح. كثير من الأفلام الغربية بدأت هكذا في السابق لكن المعروض هنا يحاكي فيديو «بورنو». لعل إحداث الصدمة هو إحدى غايتين هنا. الثانية هي اكتشاف الممثلة التي كانت تمارس الحب مع زوجها أمام كاميرا منزلية أن الفيلم انتهى إلى الإنترنت وشاع بين المشاهدين بوفرة. كونها مدرّسة تاريخ لتلاميذ صغار سيجعلها هدفاً لجمهور من الآباء والمدرّسين في محاكمة تقع في الفصل الثالث من الفيلم.
قبل ذلك وطوال الفصل الأول، تمضي المدرّسة (كاتيا بشاريو)، الوقت وهي تسير في شوارع بوخارست. تدخل وتخرج من بعض المحلات لكنها تسير طويلاً وتدخّن كثيراً. يتابعها المخرج وكاميرته وهي تجتاز الشوارع ويتركها تمضي أحياناً ليلتقط مشاهد لآخرين لا علم لهم بوجود الكاميرا وهم يمشون في الشوارع المكتظة والتي تصطف على جوانبها مبانٍ قديمة. تقوم الكاميرا (تصوير ماريوش باندورو) أكثر من مرّة بحركة أفقية لليمين (عادة) ترتفع عند نقطة معيّنة لتصوير أعلى المباني (بعضها من الأثريات).
‫المستوحى في كل ذلك بشاعة المدينة ووحدة بطلته التي تجهّز نفسها للعواقب. الفصل الثاني تاريخي الصفة. يتابع المخرج هنا كل ما يمكن له عرضه من تاريخ البلاد فإذا بذلك التاريخ لا يقل بشاعة عن تلك الشوارع والمباني إن لم يكن يتجاوزها. يمر على مراحل متعددة من التاريخ: الشيوعية والفاشية والعنصرية والهولوكوست والتحالفات مع وضد النازية وكل ما يمكن مروره في خانة سوء المعاملة حيال المرأة والطفل والمجتمع عموماً.‬
في الفصل الثالث يعود إلى حكاية إلما فإذا بها تجلس في محاكمة تقع ليلاً في حديقة. إلما تجلس وراء طاولة وجمهور من المعلّمين والمعنيين بما حدث يجلس على كراسي موزّعة في تلك الحديقة. تدافع إلما عن نفسها وترش مبيدات كتبها لها المخرج ضد فساد المنتقدين لها. هنا يستخدم المخرج بعض التوازن: هي على حق في انتقادها لممارسات مزدوجة تشي بفساد الآخرين لكنه يمنح بعضهم زاداً في انتقاده. امرأة تنتقد دروس إلما حول تاريخ الهولوكوست وتتساءل «ماذا عن الهولوكوست الممارس ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة». رجل بزي عسكري يقف ويقول: «لو تحدثت عن الهولوكوست لتم تغريمي، لكن لا أحد يسأل عمن وراء انتشار الوباء».
الوباء موجود في فصلي الفيلم الأول والثالث. حين بدأ التصوير قبيل منتصف العام الماضي قرر المخرج تصوير الناس بكمّاماتها ما يمنح الفيلم حضوراً في الحاضر رغم أن سهامه النقدية وطريقة عمله لا تصيبان الهدف المرجو دائماً.

- صدف قاتلة
فيلم آخر مؤلّف من فصول هو «عجلة الحظ والفانتازيا» للمخرج الياباني رايوسوك هاماغوشي لكن كل قصّة هنا لا ترتبط، درامياً، بالأخرى. الأولى (بعنوان «سحر لشيء أقل تأكيداً») عن صديقتين تحبّان شاباً واحداً. الثانية («الباب مفتوح كلياً») عن امرأة تتسبب في طرد أستاذ جامعي من منصبه بالتواطؤ مع طالب يريد الانتقام منه. الثالثة («مرّة أخرى») عن امرأتين تتعرّفان على بعضهما البعض كل منهما تعتقد أن الأخرى هي امرأة أخرى.
الفيلم نوع من تلك الأفلام التي تُكتب كأفكار وحوارات أكثر منها كأحداث ويتم لاحقاً إلباسها أماكن تصوير وعناصر عمل أخرى. خلال فعل الكتابة يشيّد السيناريست (المخرج ذاته هنا) عالماً من السجال الحواري الواقع في أماكن محدودة: داخل سيارة تاكسي، داخل منزل، داخل مكتب... إلخ) ومن دون الرغبة في تقديم أحداث تقع خارج الأماكن الداخلية إلا في القليل من المناسبات. بذلك تتكوّن أمام المُشاهد نتيجة مسرحية ولولا حسن دراية المخرج بتفاصيل أسلوبه وبحسن إدارته للممثلين لما تجاوز الفيلم مبدأ الحوار كفعل ثرثري مصوّر بالكاميرا.
في هذه الحكايات الثلاث ثلاث صدف اثنان منها قاتلان: مرور الشاب المتنازع عليه، في القصّة الأولى، بالصدفة أمام المقهى الذي تجلس فيه الفتاتان تتحدثان عنه، ولقاء المرأة بصديقها القديم بعد خمس سنوات صدفة في الحافلة ذاتها في القصة الثانية، ثم هو لقاء صدفة بين المرأتين في القصّة الثالثة). هنا فقط يمكن قبول الصدفة لأن اللقاء يقع في مطلع القصّة. عدا ما سبق، هناك أحكام لأسلوب تشكيل الصورة المؤسسة كلاسيكياً (تصوير جيد من يوكيكو ليوكو). أما الحوار ذاته فيتراجع في النهاية لدوره التقليدي في سبر غور الذوات الشخصية بدلاً من تفعيل الصمت والسلوكيات لهذه الغاية.


مقالات ذات صلة

فيلم «ولاد رزق 3» يحقق مبيعات تتجاوز 12 مليون دولار

الخليج فريق عمل «ولاد رزق 3» عبّروا عن سعادتهم بنجاحات الجزء الثالث (هيئة الترفيه)

فيلم «ولاد رزق 3» يحقق مبيعات تتجاوز 12 مليون دولار

واصل فيلم «ولاد رزق 3» نجاحاته اللافتة في دور السينما العربية والغربية، محققاً إيرادات بلغت أكثر من 12 مليون دولار خلال 13 يوماً منذ بداية عرضه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق دنيا سمير غانم في مشهد من «روكي الغلابة» (حسابها على إنستغرام)

الأفلام الكوميدية تسيطر على موسم الصيف في مصر

تنتظر دور العرض السينمائية في مصر طرح مجموعة من الأفلام يغلب عليها الطابع الكوميدي أو الاجتماعي الرومانسي؛ لإنعاش موسم الصيف الحالي.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفيلم هو التجربة السينمائية الأولى لعبد الرحمن اليماني (الشرق الأوسط)

«فيلا 54»... فيلم جريمة وغموض بين القاهرة والطائف

في مزيج من الجريمة والغموض، يأتي الفيلم السعودي «فيلا 54»، للمخرج وسام المدني.

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق المخرج المصري الراحل عاطف الطيب (فيسبوك)

عاطف الطيب... «البريء» الذي انتصرت أعماله للمهمشين

رغم سنوات عمره القصيرة ومرور نحو 3 عقود على رحيله عن عالمنا فإن المخرج المصري عاطف الطيب يحتل مكانة مرموقة في قائمة المخرجين المصريين البارزين.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق أبطال «ولاد رزق... القاضية» (برومو الفيلم)

لماذا تصدَّر فيلم «ولاد رزق 3» قائمة الإيرادات التاريخية بمصر؟

تصدَّر فيلم «ولاد رزق... القاضية» قائمة الإيرادات التاريخية للسينما المصرية بعد 10 أيام فقط من طرحه، بإيرادات وصلت إلى أكثر من 147 مليون جنيه حتى الجمعة.

أحمد عدلي (القاهرة )

أفلام إيليا سليمان تطرح صورة فلسطينية مختلفة

«لا بدّ إنها الجنّة» (ركتانغل برودكشنز)
«لا بدّ إنها الجنّة» (ركتانغل برودكشنز)
TT

أفلام إيليا سليمان تطرح صورة فلسطينية مختلفة

«لا بدّ إنها الجنّة» (ركتانغل برودكشنز)
«لا بدّ إنها الجنّة» (ركتانغل برودكشنز)

احتفى العدد الجديد من مجلة «Sight and Sound» البريطانية بـ25 فيلماً من إنتاج القرن الحالي (فيلم عن كل سنة)، وذلك في محاولة لقراءة معالم سينما هذا القرن وتوجهاتها.

كل فيلم اختير (من بين مئات الأفلام الأخرى)، انتخب لسبب وجيه وتقديراً لمخرجه. بين هؤلاء، المخرج إيليا سليمان عبر فيلمه «يد إلهية» (2002)، الذي ما زال أشهر أفلامه وأكثرها رواجاً عالمياً. هذا تقدير كبير يفتح الباب واسعاً لاستعراض هوية السينما، فنياً وسياسياً، التي حقّقها سليمان في عدد لم يتجاوز 5 أفلامٍ طويلة و3 قصيرة و3 أخرى لأفلام اشترك في تحقيق جزء (Segment) منها.

على ذلك، حرّكت معظم أفلامه المنوال السائد في السينما العربية. هو من المخرجين الذين لا يهمّهم تقديم فيلم يحكي قصّة بفصولها الثلاثة (البداية، المنتصف، النهاية)، بل تبعاً لأسلوب ذاتي خاص به. لا يعني ذلك أن أفلامه لا قصص فيها، بل الحقيقة أن القصّة هي محيطها العام. الغلاف والبعد وكل ما بينهما كما يتضح من هذه النماذج الثلاثة.

إيليا سليمان (شاترستوك)

«مفكرة غياب» (2002)

بعد فيلم متوسط الطول بعنوان «مقدّمة لنهايات جدال» (1991)، استعرض فيه عدداً من الأفلام الغربية التي دارت أو تطرّقت إلى الصراع في المنطقة العربية (أفلام مثل «لورنس العرب» و«إكزودوس»)، أنجز سليمان هذا الفيلم الذي حمل بصمته الفنية كاملة. لم تكن قد تطوّرت على نحو كامل بعد، لكنها جاءت تعبيراً شاملاً لكل منهاجِ أعماله اللاحقة والفورميلات التي يوفرّها مشاهداً وأفكاراً.

عن قصد استبعد المخرج أي محاولة للربط بين مشاهده بخيط روائي، جعل الدراما نتاج الملاحظات التي ساقها حوله تبعاً لما يشاهده ويدوّنه من موزاييك وتابلوهات. الفلسطيني المتذمر الذي يقود سيارته وسط البلدة شاتماً كلّ من يمر به. المشهد مضحك لأنه، من ناحية فعلٌ نعرفه من كثب، ومن ناحية ثانية، لأنه، لجانب مشاهد نقد تصرّفات قبله وبعده (مثل تعبئة الزجاجات بماء الحنفيات وبيعها على أساس أنها مياه مقدّسة)، يعكس حالة أوسع من حياة متضاربة. وما يلبث سليمان أن ينتقل إلى كل تلك المشاهد اللاحقة التي حين عرضها متوالية تدلّنا على أن ما هو مضحك هو في الأساس مُبْكٍ في عرضه لحياة الناس تحت الاحتلال الذي لم يكن، في ذلك الحين، بالضراوة التي هو عليها الآن. ومن ثمّ ما يلبث الفيلم في نهايته أن يكوّم ملاحظاته لتتحوّل إلى مشهد ساخر كبير في نهايته.

«يد إلهية» (2002)

شهد فيلم سليمان التالي «يد إلهية» اكتمال فن صياغته لما يتناوله. هناك ثوابت بدأها في الفيلم السابق وطوّرها، هنا بحيث لم تعد عرضة للريب. مثلاً، ثابر على الانتقال من فصل من المشاهد إلى فصل آخر، من دون رابط قصصي، بل بالاعتماد على ربط تلك الفصول بحياكة كبيرة تنبع من ملاحظاته وتتولى استعراض مواقفه وملاحظاته.

لقطة من «يد إلهية» (Arte France Cinema)

على سبيل المثال أيضاً واستنتاجاً مما سبق، لم يتحدّث عن حقّ وباطلٍ وحرية واحتلال، بل دمجها كلّها في فيلم بلا آيديولوجيا، فيلم يطرح كل المسائل المفهومة حول هوية الصراع بين شعبين إنما على نحو يخلو تماماً من الخطابة والإعلان المباشر.

ما يطرحه سليمان هنا واضح. مشاهد سوريالية توفر معاني رمزية: بذرة المشمش التي يرميها على دبابة إسرائيلية تجوب الشارع فتنفجر. صديقته التي يتخيّلها قد تحوّلت إلى فنانة قتال نينجا وهي تنقضّ على رتلٍ من العساكر وتطيحُ بهم كما في الأفلام الصينية (ولاحقاً الأميركية) من النوع. هذا التخيّل مصاحب بمشاهد واقعية: هو وصديقته في سيارة فوق تلٍّ يشرف على معبر إسرائيلي يشاهدان (ونحن) منه كيف يُعامَل الفلسطينيون عند تلك المعابر.

في المشهد الأخير يتنبأ سليمان بأن الوضع لن يبقى على ما هو عليه. ها هو يقف مع والدته ينظران إلى طنجرة على النار وهي تغلي. هذا ترميز واضحٌ لما وصل إليه الوضع الحالي إن لم يكن «نبوءة» فعلية.

«لا بد أنها الجنة» (2020)

من البداية كشف إيليا سليمان عن شخصية غير متداولة عربياً يُؤديها بمفهوم واضح ومؤكد. شخصية هي نقطة لقاء بين عملاقين من الكوميديين هما الأميركي باستر كيتون والفرنسي جاك تاتي. استعار من الأول الوجه الذي لا يضحك ومن الثاني فعل المراقبة ووضعهما في صورة تخصّه مثل فرع ثالثٍ لفن أداء كوميدي عريق.

ما يتغيّر هنا هو أن سليمان الملاحظ لمشاهد الحياة من حوله ينتقل من الناصرة، حيث وُلد إلى باريس ونيويورك حيث يكتشف تشابهاً بين ما تركه وراءه وبين ما يحدث أمامه. سيكتشف أن التشابه موجود. نرى ذلك في استعراضٍ عسكري وفي مشهد دبابات تمرّ في أحد شوارع، تبدو كما لو كانت ماضية في مهمّة عسكرية.

هذا الجانب بعيدٌ عن الواقع، لكن سليمان يلوي الواقع كما يريد ما دام يمارس أفلامه رمزياً وسوريالياً وكوميدياً. يتحرّر من اللوم. رغم ذلك ومع ابتعاده عن طرح ما هو فلسطيني أكثر (في هذا الفيلم قد يكون سليمان مواطناً من دولة عربية ما) يبدو الفيلم كما لو كان يبحث عن سبب في هذه الموازاة، وهو على الغالب يفعل.

مشاهده ما زالت تابلوهات لأفكاره. في مشهد نيويوركي يراقب شراء الأميركيين الأسلحة النارية كما يشتري الواحد منّا زجاجة حليب. بذلك، ومع ما سبق من مشاهد، هو لا يتحدّث عن فلسطين بقدر ما يتحدّث عن عالم يتدحرج - مثله - بعيداً عنها (المنتج الأميركي الذي يتحدّث سليمان إليه طالباً التمويل يخبره بأن مشروعه المقدّم يحتاج لأن يكون «فلسطينياً» أكثر).