أفلام إيليا سليمان تطرح صورة فلسطينية مختلفة

«سايت آند ساوند» تحتفي بأحد أفلامه

«لا بدّ إنها الجنّة» (ركتانغل برودكشنز)
«لا بدّ إنها الجنّة» (ركتانغل برودكشنز)
TT

أفلام إيليا سليمان تطرح صورة فلسطينية مختلفة

«لا بدّ إنها الجنّة» (ركتانغل برودكشنز)
«لا بدّ إنها الجنّة» (ركتانغل برودكشنز)

احتفى العدد الجديد من مجلة «Sight and Sound» البريطانية بـ25 فيلماً من إنتاج القرن الحالي (فيلم عن كل سنة)، وذلك في محاولة لقراءة معالم سينما هذا القرن وتوجهاتها.

كل فيلم اختير (من بين مئات الأفلام الأخرى)، انتخب لسبب وجيه وتقديراً لمخرجه. بين هؤلاء، المخرج إيليا سليمان عبر فيلمه «يد إلهية» (2002)، الذي ما زال أشهر أفلامه وأكثرها رواجاً عالمياً. هذا تقدير كبير يفتح الباب واسعاً لاستعراض هوية السينما، فنياً وسياسياً، التي حقّقها سليمان في عدد لم يتجاوز 5 أفلامٍ طويلة و3 قصيرة و3 أخرى لأفلام اشترك في تحقيق جزء (Segment) منها.

على ذلك، حرّكت معظم أفلامه المنوال السائد في السينما العربية. هو من المخرجين الذين لا يهمّهم تقديم فيلم يحكي قصّة بفصولها الثلاثة (البداية، المنتصف، النهاية)، بل تبعاً لأسلوب ذاتي خاص به. لا يعني ذلك أن أفلامه لا قصص فيها، بل الحقيقة أن القصّة هي محيطها العام. الغلاف والبعد وكل ما بينهما كما يتضح من هذه النماذج الثلاثة.

إيليا سليمان (شاترستوك)

«مفكرة غياب» (2002)

بعد فيلم متوسط الطول بعنوان «مقدّمة لنهايات جدال» (1991)، استعرض فيه عدداً من الأفلام الغربية التي دارت أو تطرّقت إلى الصراع في المنطقة العربية (أفلام مثل «لورنس العرب» و«إكزودوس»)، أنجز سليمان هذا الفيلم الذي حمل بصمته الفنية كاملة. لم تكن قد تطوّرت على نحو كامل بعد، لكنها جاءت تعبيراً شاملاً لكل منهاجِ أعماله اللاحقة والفورميلات التي يوفرّها مشاهداً وأفكاراً.

عن قصد استبعد المخرج أي محاولة للربط بين مشاهده بخيط روائي، جعل الدراما نتاج الملاحظات التي ساقها حوله تبعاً لما يشاهده ويدوّنه من موزاييك وتابلوهات. الفلسطيني المتذمر الذي يقود سيارته وسط البلدة شاتماً كلّ من يمر به. المشهد مضحك لأنه، من ناحية فعلٌ نعرفه من كثب، ومن ناحية ثانية، لأنه، لجانب مشاهد نقد تصرّفات قبله وبعده (مثل تعبئة الزجاجات بماء الحنفيات وبيعها على أساس أنها مياه مقدّسة)، يعكس حالة أوسع من حياة متضاربة. وما يلبث سليمان أن ينتقل إلى كل تلك المشاهد اللاحقة التي حين عرضها متوالية تدلّنا على أن ما هو مضحك هو في الأساس مُبْكٍ في عرضه لحياة الناس تحت الاحتلال الذي لم يكن، في ذلك الحين، بالضراوة التي هو عليها الآن. ومن ثمّ ما يلبث الفيلم في نهايته أن يكوّم ملاحظاته لتتحوّل إلى مشهد ساخر كبير في نهايته.

«يد إلهية» (2002)

شهد فيلم سليمان التالي «يد إلهية» اكتمال فن صياغته لما يتناوله. هناك ثوابت بدأها في الفيلم السابق وطوّرها، هنا بحيث لم تعد عرضة للريب. مثلاً، ثابر على الانتقال من فصل من المشاهد إلى فصل آخر، من دون رابط قصصي، بل بالاعتماد على ربط تلك الفصول بحياكة كبيرة تنبع من ملاحظاته وتتولى استعراض مواقفه وملاحظاته.

لقطة من «يد إلهية» (Arte France Cinema)

على سبيل المثال أيضاً واستنتاجاً مما سبق، لم يتحدّث عن حقّ وباطلٍ وحرية واحتلال، بل دمجها كلّها في فيلم بلا آيديولوجيا، فيلم يطرح كل المسائل المفهومة حول هوية الصراع بين شعبين إنما على نحو يخلو تماماً من الخطابة والإعلان المباشر.

ما يطرحه سليمان هنا واضح. مشاهد سوريالية توفر معاني رمزية: بذرة المشمش التي يرميها على دبابة إسرائيلية تجوب الشارع فتنفجر. صديقته التي يتخيّلها قد تحوّلت إلى فنانة قتال نينجا وهي تنقضّ على رتلٍ من العساكر وتطيحُ بهم كما في الأفلام الصينية (ولاحقاً الأميركية) من النوع. هذا التخيّل مصاحب بمشاهد واقعية: هو وصديقته في سيارة فوق تلٍّ يشرف على معبر إسرائيلي يشاهدان (ونحن) منه كيف يُعامَل الفلسطينيون عند تلك المعابر.

في المشهد الأخير يتنبأ سليمان بأن الوضع لن يبقى على ما هو عليه. ها هو يقف مع والدته ينظران إلى طنجرة على النار وهي تغلي. هذا ترميز واضحٌ لما وصل إليه الوضع الحالي إن لم يكن «نبوءة» فعلية.

«لا بد أنها الجنة» (2020)

من البداية كشف إيليا سليمان عن شخصية غير متداولة عربياً يُؤديها بمفهوم واضح ومؤكد. شخصية هي نقطة لقاء بين عملاقين من الكوميديين هما الأميركي باستر كيتون والفرنسي جاك تاتي. استعار من الأول الوجه الذي لا يضحك ومن الثاني فعل المراقبة ووضعهما في صورة تخصّه مثل فرع ثالثٍ لفن أداء كوميدي عريق.

ما يتغيّر هنا هو أن سليمان الملاحظ لمشاهد الحياة من حوله ينتقل من الناصرة، حيث وُلد إلى باريس ونيويورك حيث يكتشف تشابهاً بين ما تركه وراءه وبين ما يحدث أمامه. سيكتشف أن التشابه موجود. نرى ذلك في استعراضٍ عسكري وفي مشهد دبابات تمرّ في أحد شوارع، تبدو كما لو كانت ماضية في مهمّة عسكرية.

هذا الجانب بعيدٌ عن الواقع، لكن سليمان يلوي الواقع كما يريد ما دام يمارس أفلامه رمزياً وسوريالياً وكوميدياً. يتحرّر من اللوم. رغم ذلك ومع ابتعاده عن طرح ما هو فلسطيني أكثر (في هذا الفيلم قد يكون سليمان مواطناً من دولة عربية ما) يبدو الفيلم كما لو كان يبحث عن سبب في هذه الموازاة، وهو على الغالب يفعل.

مشاهده ما زالت تابلوهات لأفكاره. في مشهد نيويوركي يراقب شراء الأميركيين الأسلحة النارية كما يشتري الواحد منّا زجاجة حليب. بذلك، ومع ما سبق من مشاهد، هو لا يتحدّث عن فلسطين بقدر ما يتحدّث عن عالم يتدحرج - مثله - بعيداً عنها (المنتج الأميركي الذي يتحدّث سليمان إليه طالباً التمويل يخبره بأن مشروعه المقدّم يحتاج لأن يكون «فلسطينياً» أكثر).


مقالات ذات صلة

المخرج عمرو سلامة يجدد أزمة انتقاد رموز الفن المصري

يوميات الشرق إسماعيل ياسين ونجله الراحل ياسين (الشرق الأوسط)

المخرج عمرو سلامة يجدد أزمة انتقاد رموز الفن المصري

جدّد حديث المخرج المصري عمرو سلامة عن الفنان المصري الراحل إسماعيل ياسين خلال حضوره ضيفاً على «ليك لوك 3» أزمة انتقاد رموز الفن المصري.

داليا ماهر (القاهرة )
سينما «طريق الريح» لترينس مالك (بابلسبيرغ بيكتشرز)

12 فيلماً جديداً برسم الدورة الـ78 لمهرجان «كان»

محظوظة السينما بأفلامها، وأفلامها محظوظة بمهرجاناتها. من «برلين» إلى «نيويورك» ومن «تورنتو» و«مونتريال» إلى «سان سيباستيان».

محمد رُضا (لندن)
سينما «المستعمرة» (ماد سوليوشن)

شاشة الناقد: المستعمرة

بعد بداية تُثير القلق حول مستوى الفيلم، تتبدَّى الخيوط على نحوٍ أوضح يقود المخرج الجديد محمد رشاد فيلمه صوب نتائج فنية ملائمة لما يريد الحديث فيه وكيف.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق لدى المسلسل ما يقوله وسط الكلام المُكرَّر وما يُصوِّره خارج المشهد الجاهز (البوستر الرسمي)

«ليالي روكسي»... حكايةُ ولادة أول فيلم سينمائي سوري

للمسلسل مزاجه، وقد يراه البعض بطيئاً ومملاً. لا تتسارع الأحداث ولا تتزاحم المفاجآت، بقدر ما يتمهَّل برسم ملامح زمن ساحر تلفحه ذكريات الأوقات الحلوة...

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق إيفان فوند خلال تسلمه الجائزة على المسرح في برلين (إدارة المهرجان)

المخرج الأرجنتيني إيفان فوند: السينما مساحة للتجربة والدهشة

وصف المخرج الأرجنتيني، إيفان فوند، «السينما بأنها مساحة للتجربة والدهشة تعيدنا إلى الطفولة».

أحمد عدلي (القاهرة)

12 فيلماً جديداً برسم الدورة الـ78 لمهرجان «كان»

«طريق الريح» لترينس مالك (بابلسبيرغ بيكتشرز)
«طريق الريح» لترينس مالك (بابلسبيرغ بيكتشرز)
TT

12 فيلماً جديداً برسم الدورة الـ78 لمهرجان «كان»

«طريق الريح» لترينس مالك (بابلسبيرغ بيكتشرز)
«طريق الريح» لترينس مالك (بابلسبيرغ بيكتشرز)

محظوظة السينما بأفلامها، وأفلامها محظوظة بمهرجاناتها. من «برلين» إلى «نيويورك» ومن «تورنتو» و«مونتريال» إلى «سان سيباستيان». من «ڤينيسيا» الإيطالي إلى «كان» الفرنسي، ومن «مهرجانات البحر الأحمر» و«مراكش» و«القاهرة» و«قرطاج» إلى مهرجانات «كارلوڤي ڤاري» و«لوكارنو» و«نيويورك» و«سان فرنسيسكو» وألوف سواها من بينها عشرات لا بدّ من متابعتها وحضورها.

«كان» يبقى وسطها أفقياً وفي المقدّمة عمودياً. الحدث الذي يسعى إليه أولاً كل منتج ومخرج. بالتالي تجد أهم الأفلام المنتجة عالمياً سبيلها للعرض على شاشات هذا الحدث الكبير. في حفل الأوسكار الأخير 9 أفلام عُرِضت في «كان» 2024 بينها ما فاز بجوائز ذلك المحفل الأميركي.

هذا العام بدأت الأفلام الجديدة تحوم حول الدورة الـ78 المقبلة. بعضها صار جاهزاً وبعضها الآخر ما زال في مراحل ما بعد التَّصوير. التالي 12 فيلماً من بين نحو 40 فيلماً يتنافس «كان» و«ڤينيسيا» على استقطابها.

Calle Malaga -1

هذا هو الفيلم الجديد للمخرجة المغربية مريم توزاني التي كانت شاركت سنة 2022 بفيلمها الجيد «القفطان الأزرق». يدور «شارع مالاغا» حول امرأة تعيش في طنجة وترفض محاولات ابنتها لبيع المنزل والانتقال إلى مدينة أخرى، وعندما تبيع الابنة أثاث البيت تبحث الأم عن المشتري لتستعيده.

المخرجة السعودية هيفاء المنصور

Unidentified-2

‫فيلم المخرجة السعودية هيفاء المنصور الجديد؛ «مجهولة الهوية» هو حكاية لغزية بوليسية حول جثة امرأة وُجِدت في منطقة غير مأهولة من دون هوية. عرضت هيفاء المنصور أفلامها السابقة (بدءاً من «وجدة» سنة 2012) في مهرجان «ڤينيسيا»، بيد أن هناك مصادر تُعزِّز احتمال انتقالها إلى المهرجان الفرنسي هذه المرّة.‬

The Avenging Silence-3

الفيلم الأول للمخرج الدنماركي نيكولاس ويندينج ريفين منذ 2016 عندما شارك في فيلمه «The Neon Demon»، أعلن حينها عن هذا الفيلم، بيد أنه انشغل في مشروعات أخرى، ومن ثمَّ باشر بتصويره في خريف العام الماضي.

The Way of the Wind-4

‫ترينس مالك هو أحد أفضل فناني السينما في هذا العصر، وسبق له أن خطف السعفة الذهبية من دورة 2011. لا يُعبِّر عنوانه عن فحواه، بيد أن حكايته تدور حول السيد المسيح. باشر المخرج تصوير هذا الفيلم سنة 2019 واحتوى على 3 آلاف ساعة تصوير قبل دخوله التوليف منذ عام ونصف العام، ‬مع علي سليمان وبن كينغسلي وآخرين.

Die‪,‬ My Love-5

المخرجة لين رامزي من زبائن مهرجان «كان» منذ أن قدّمت أفلامها القصيرة، مثل «Small Deaths» و«Gasman» في التسعينيات. وانتقلت في عام 1999 إلى الأفلام الروائية الطويلة مع فيلم «Ratcatcher»، الذي عرضته في قسم «نظرة ما». منذ ذلك الحين تَعرِضُ أفلامها، على تباعد مسافاتها الزمنية، في المهرجان الفرنسي.

‫ The Chronology of Water-6‬

كريستين ستيوارت من الوجوه التي يُحبها «كان»، وسبق لها أن حضرته مرات عدّة بصفتها ممثلة. ستسعى هذه المرّة إلى الحضور مخرجة و«التَّسلسل الزمني للماء» هو أول عمل لها في هذا الاتجاه ومقتبس عن مذكَّرات الكاتبة اليهودية ليديا يوكنافيتش وعمّا تعرضت إليه من اعتداءات جنسية من والدها. موضوعٌ حساسٌ، ولطالما رحَّب «كان» بالموضوعات الصعبة.

Eleanor the Great-7

مثل كريستين ستيوارت تُقدِم سكارلت جوهانسون على الانتقال لأول مرّة، من أمام الكاميرا إلى خلفها. يسرد «إليانور العظيمة» حياة امرأة مات صديقها الأقرب إليها. تحاول التعايش مع فقدان من تحب إلى أن تجد بديلاً.

توم هانكس في «الخطة الفينيقية» (أميركان إمبريكال بيكتشرز)

The Phoenician Scheme-8

المخرج ويس أندرسن زبون دائم للمهرجان، وفيلمه الجديد «الخطة الفينيقية» هو آخر أعماله التي ستدخل المسابقة بلا ريب. وصف الفيلم بأنه كوميديا، وكتبه المخرج مع السيناريست رومان كوبولا (ابن فرنسيس). أما الممثلون فهم كثيرون من بينهم توم هانكس، وريز أحمد، وجيفري رايت، وهوب ديڤيز، وبنثيو دل تورو.

One Battle After Another-9

أندرسن آخر ليس غريباً عن «كان» والمهرجانات الكبرى هو، ربول توماس أندرسون. المخرج الذي قدّم، فيما قدّم، تحفته «سيكون هناك دم» (There Will Be Blood). الفيلم الجديد مختلف، فهو الأعلى تكلفة بين كلِّ أعماله (140 مليون دولار). إذا انتهى توليفه في الوقت المناسب فسيذهب إلى «كان» وإن لم ينتهِ فموعده «ڤينيسيا».

Dracula‪:‬ A Love Story-10

المخرج الفرنسي لوك بيسون يقف على مسافة بعيدة من النُّقاد الفرنسيين الذين يُعيبون عليه تحقيقه أفلاماً أميركية باللغة الفرنسية تبعاً لتأثُّره بالنمط الهوليوودي من العمل. هذه المرّة وعبر فيلمه الجديد «دراكولا: قصة حب»، يُبدي استعداده لدخول «كان»، وفي المقابل أبدت إدارة المهرجان استعداها المبدئي. الاعتقاد السائد أن الفيلم سيُعرض رسمياً خارج المسابقة.

The Stories-11

المخرج المصري أبو بكر شوقي ليس غريباً عن «كان»؛ إذ سبق له أن قدّم باكورة أعماله قبل 7 أعوام تحت عنوان «يوم الدين»، وحصد حينها إعجاباً كبيراً بين النقاد. الفيلم الجديد يدور حول كاتبي رواية مصري ونمساوية، اعتادا على التواصل بالمراسلة منذ 1967 حتى آخر الثمانينات.

Rosebush Pruning-12

‫جال المخرج البرازيلي كريم عينوز (من أصول جزائرية) المهرجانات الرئيسية الثلاثة وقطف بعض الحصاد. هذه المرَّة يختار «كان» لعرض جديدِهِ «جذب شحيرات الورد»، الذي اقتبسه عن فيلم إيطالي قديم هو (Fists in the Poxket) «القبضات في الجيب» لماركو بيلوكيو (1965).‬