في مواجهة «كورونا»... أهالي غزة يلجأون للمشي للتخلص من توتر العزل

فلسطينيون يسيرون على كورنيش شاطئ البحر الأبيض المتوسط ​​عند الفجر وسط جائحة «كورونا» في مدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون على كورنيش شاطئ البحر الأبيض المتوسط ​​عند الفجر وسط جائحة «كورونا» في مدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

في مواجهة «كورونا»... أهالي غزة يلجأون للمشي للتخلص من توتر العزل

فلسطينيون يسيرون على كورنيش شاطئ البحر الأبيض المتوسط ​​عند الفجر وسط جائحة «كورونا» في مدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون على كورنيش شاطئ البحر الأبيض المتوسط ​​عند الفجر وسط جائحة «كورونا» في مدينة غزة (أ.ف.ب)

مع بزوغ الفجر، يتوافد سكان غزة مرتدين سترات وأحذية رياضية إلى الكورنيش في مسعى للتخلص من التوتر الذي تسبب به فيروس كورونا، العدو الجديد للقطاع الفقير والمحاصر.
ويمشي وليد اللوح (40 عاماً) على الكورنيش برفقة طفلته الصغيرة، مرتدياً سروالاً قصيراً باللون الزيتي وقميصاً وقبعة.
يقول وليد، وهو موظف في مؤسسة ألمانية في غزة: «يعاني مجتمعنا الغزي من ضغط شديد، كثير من الناس يخرجون للمشي على كورنيش البحر للتخفيف عن أنفسهم والهروب من الأجواء الصعبة، وأيضاً لبناء جسم صحي»، وفقاً لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.
ويضيف الرجل وهو يهرول بعد أن أخذ استراحة قصيرة «قبل كورونا كنت أتمشى وأشاهد عشرات الناس يمشون، أما الآن أرى المئات يمشون يومياً وفي الصباح والمساء على شاطئ البحر».

وعلى الكورنيش ذاته تمشي هنادي العكاوي (32 عاماً) يومياً خمسة كيلومترات مع زوجها أشرف «للتخلص من الضغوط النفسية» وبدء يوم جديد «بشكل إيجابي» قبل العودة للاهتمام بأمور منزلها.
وتقول الشابة بابتسامة: «المشي فجراً ينعكس على أسرتي إيجابياً، حياتي تصبح أفضل وبيتي أجمل».
ويقع القطاع وهو جيب ساحلي ضيق تحت حصار إسرائيلي مشدد جواً وبراً وبحراً منذ نحو أربعة عشر عاماً.
ويتواصل القطاع مع العالم من خلال معبر إيريز الإسرائيلي، ومعبر رفح مع مصر، اللذين يفتحان بين الفينة والأخرى بشكل جزئي.
وفرضت حركة حماس التي تدير القطاع، ومنذ الإعلان عن أول إصابات محلية بالفيروس في أغسطس (آب)، إغلاقاً شاملاً على سكان القطاع الذين ساد بينهم الخوف، لنحو شهرين، قبل أن تبدأ بتخفيف قيود الإغلاق. لكنها أبقت على الإغلاق الليلي من الثامنة مساء وحتى الثامنة صباحاً.
ويعتبر الإغلاق بسبب فيروس كورونا، أول إغلاق يعايشه أهالي القطاع منذ حظر التجول الذي كان يفرضه الجيش الإسرائيلي خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى (من 1987 - 1993).
وأحصى قطاع عزة، حيث يعيش نحو مليوني شخص يعانون من أزمات إنسانية عديدة، حتى الاثنين نحو 11 ألف إصابة و48 وفاة بسبب «كورونا».

وسجل اليوم أعلى عدد للإصابات بالفيروس منذ بدء انتشاره في القطاع بلغ 453 حالة.
تقطع أم العبد عيد (39 عاماً) يرافقها زوجها فؤاد الذي يعمل مديراً للبنك العربي في القطاع مسافة خمسة كيلومترات مشياً «ونتنفس الهواء النقي».
يستريح الزوجان، اللذان ينطلقان الخامسة فجراً، على طاولة خشبية في مقهى صغير على الكورنيش لارتشاف القهوة قبل أن يعودا إلى البيت في السابعة.
وتقول أم العبد: «المشي مفيد نفسياً وصحياً وجسدياً، نتحرر من الطاقة السلبية التي تسبب بها الفيروس والحروب من قبله».
ويقاطعها زوجها فيضيف: «نقضي أجمل ساعتين ونحن نمشي سوياً، نتخلص من الطاقة السلبية ونتعافى من آثار الحصار والحرب».
وخاض قطاع غزة منذ عام 2008 ثلاث حروب دامية مع إسرائيل.

ويقول الاختصاصي النفسي سمير زقوت «فيروس كورونا بالنسبة لهم عدو جديد غير مرئي، وليس باستطاعتهم قتاله في ظل جهاز صحي شبه منهار».
ويصف زقوت الوضع في قطاع غزة بأنه «صعب جداً».
ويضيف: «بعض الناس لا يريدون التقيد بوضع الكمامة، لأنهم لا يريدون أن تحبس أنفاسهم في ثلاثة سجون هي البيت والكمامة والقطاع المخنوق».
ويعتبر أن رياضة المشي «فرصة لتقليل المشاكل النفسية وللتعبير عن مشاعرهم، قبل الرجوع إلى الزنزانة (البيت)».
بالنسبة للاختصاصي النفسي فإن «الناس في حالة ضغط كبير أشبه بطنجرة الضغط (وعاء طهي الطعام)، ولولا أن الإسرائيليين يخففون الضغط بين وقت وآخر لانفجر الوضع».
وتقوم إسرائيل بين الحين والآخر بتخفيف القيود التي تفرضها على حركة البضائع عبر المعبر التجاري الوحيد كرم أبو سالم، بشكل جزئي.
ويشرح زقوت كيف «ارتفعت حالات الطلاق وتضاعفت أعداد المراجعين للعيادات النفسية مع انعدام الأمل بمستقبل أفضل، كل هذا بسبب الفيروس».
ويعاني القطاع من نسبة مرتفعة لحالات الاكتئاب والاضطرابات النفسية في المنطقة، وفق برنامج غزة للصحة النفسية.

وفي أغسطس أطلقت شبكة المنظمات الأهلية ومجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية نداء قالت فيه إن نسبة الأسر التي تعاني من انعدام الأمن في قطاع غزة «نحو 62.2 في المائة والتي تتزايد بشكل خطير جراء إجراءات مكافحة الفيروس».
وبحسب استطلاع للرأي أجرته منظمة الإغاثة الإسلامية الخيرية البريطانية العام الحالي، أفاد 80 في المائة من بين 2000 عامل شملهم الاستطلاع في غزة، عن وجود «مشاكل عقلية» بسبب الوباء، الأمر الذي قلل من دخلهم المحدود أصلاً.
وعلى أطراف كورنيش المدينة، يوشك مدرب ألعاب القوى أكرم المملوك (47 عاماً) على إنهاء ساعتين من المشي.
يقول المملوك: «البحر متنفس غزة الوحيد للانتصار على الاكتئاب بسبب تداعيات كورونا وآثار الحروب الإسرائيلية».
ويمسك مروان العصار، الذي يرتدي فوق ملابسه الرياضية معطفاً واقياً من المطر باللون الأصفر، بدراجته الهوائية.
ويمشي العصار كل يوم نحو عشرة كيلومترات من منزله في مخيم النصيرات حتى ميناء الصيادين غرب القطاع، قبل أن ينزل للسباحة في البحر لنصف ساعة ومن ثم يتوجه إلى متجره.
ويصف تاجر الألبسة الستيني نفسه بـ«البطل». ويقول: «أمشي منذ 35 عاماً واليوم أرى الناس تقلدني، ثقافة المشي تنمو بشكل أكبر، إنها غذاء للروح، المشي هو الحياة».


مقالات ذات صلة

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».