«داعش» يهاجم أقرب موقع عسكري من بغداد منذ 2014

باغت بالقنابل اليدوية والأسلحة الخفيفة قوات «الصحوة» جنوب غربي العاصمة

مظاهرة ضد الفساد وسوء الأوضاع المعيشية في بغداد أول من أمس (أ.ب)
مظاهرة ضد الفساد وسوء الأوضاع المعيشية في بغداد أول من أمس (أ.ب)
TT

«داعش» يهاجم أقرب موقع عسكري من بغداد منذ 2014

مظاهرة ضد الفساد وسوء الأوضاع المعيشية في بغداد أول من أمس (أ.ب)
مظاهرة ضد الفساد وسوء الأوضاع المعيشية في بغداد أول من أمس (أ.ب)

في وقت تواصل فيه القوات العراقية ملاحقة خلايا تنظيم «داعش» بمناطق جبال محكول والخانوكة في محافظة صلاح الدين، شن التنظيم هجوماً مباغتاً وغير مسبوق على موقع عسكري يعدّ الأقرب إلى العاصمة بغداد جنوب غربيها في منطقة الرضوانية. ويعدّ هذا الهجوم الذي وقع بالقنابل اليدوية والأسلحة الخفيفة على نقطة تابعة لـ«الصحوات العشائرية» ضمن قاطع «الفرقة 17» للجيش العراقي، الأول من نوعه منذ أن اقترب تنظيم «داعش» من أسوار بغداد خلال شهر يونيو (حزيران) عام 2014 حين احتل نحو 3 محافظات عراقية.
وأدى الهجوم إلى مقتل وجرح نحو 11 شخصاً من قوات «الصحوة» والمواطنين من أهالي المنطقة الذين هبوا لمواجهة التنظيم الذي باغت المنطقة التي كانت وعلى مدى السنوات الست الماضية تنعم بالأمن والاستقرار.
وفيما عدّ زعيم «تيار الحكمة» عمار الحكيم ما وقع في الرضوانية خرقاً أمنياً كبيراً، فإن المحلل الأمني والخبير في شؤون الجماعات المسلحة، فاضل أبو رغيف، قلل من الخطورة التي يمكن أن يمثلها هذا الخرق مع أنه يحدث للمرة الأولى منذ سنوات. الحكيم وفي تغريدة له على موقع «تويتر» دعا «الجهات المعنية إلى تكثيف الجهد الاستخباري وتفعيل العمليات الاستباقية على أوكار الإرهاب، ومنعه من استغلال أي ثغرة أمنية». وأضاف أن «جريمة الرضوانية تعدّ خرقاً أمنياً كبيراً يستدعي وبشكل عاجل مراجعة الملف الأمني وسد الثغرات في مناطق حزام بغداد، تلافياً لأحداث قد تكون أكبر، وتتسبب في انتكاسة أمنية».
لكن أبو رغيف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» يقول إنه «من غير الممكن أن نبني مواقف من قبيل القول إن (داعش) على الأبواب وإنه على حدود بغداد، لمجرد أن خرقاً أمنياً حصل في منطقة تعدّ بالفعل قريبة من بغداد». ويضيف أبو رغيف أن «الذي حدث له ملابساته؛ حيث إن الهجوم حصل على نقطة (صحوة) وليست نقطة تابعة للجيش العراقي، ومثلما هو معروف أن (الصحوات) كانت وما زالت علاقتها ملتبسة مع كل التنظيمات الإرهابية، خصوصاً بعد أن واجهتها وقدمت تضحيات، وهو أمر جعل التنظيم الإرهابي يتحين الفرص من أجل شن هجمات على (الصحوات)»، مبيناً أن «الجانب الآخر فيما حصل هو أن الحادث وقع تحت جنح الظلام، وكان الجو مغبراً تماماً، مما سهل على المهاجمين مباغتة تلك النقطة، وحيث إن الهجوم تم بطريقة عشوائية إلى حد كبير ورد فعل الأهالي من أبناء تلك المنطقة كان هو الآخر عشوائياً؛ فقد أدى ذلك إلى وقوع خسائر بين صفوف أبناء (الصحوات) والأهالي من المدنيين».
إلى ذلك، أكد عضو لجنة الأمن والدفاع السابق في البرلمان العراقي ومسؤول «الصحوات» في قاطع الرضوانية، إياد الجبوري، لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا الحادث يؤكد بشكل قاطع ما كنا قد قلناه وحذرنا منه سابقاً وأبلغنا به المسؤولين المعنيين؛ سواء أكانوا في الحكومة أم البرلمان أم المؤسسة العسكرية، من أن تنظيم (داعش) يبقى يتحين الفرص من أجل البحث عن ثغرة ينفذ منها، وهو ما حصل بكل أسف وأدى إلى هذه الخسارة لمجموعة من منتسبي (الصحوات) والمواطنين الأبرياء الذين هبوا دون سلاح دفاعاً عن أنفسهم ومنطقتهم». وأضاف الجبوري أن «هذا الحادث يؤكد الحاجة الماسة إلى ضرورة تسليح (الصحوات) التي قاتلت الإرهاب منذ عام 2006 أيام (القاعدة)، وصولاً إلى (داعش)، ولا تزال تقدم التضحيات تلو التضحيات في وقت لا يلتفت فيه أحد إليها من المسؤولين؛ سواء على مستوى التسليح والتجهيز وتثبيتهم على الملاك الدائم».
ودعا الجبوري الحكومة والبرلمان إلى «القيام وبشكل عاجل بدراسة ما حصل ومواجهته بشكل جاد، وذلك من خلال المباشرة بتسليح أبناء (الصحوات) والالتفات إلى حقوقهم الأساسية؛ لأنه من غير الإنصاف أن يستمروا في تقديم التضحيات دون أن ينصفهم أحد، بينما تنظيم (داعش) يعدّ أبناء (الصحوات) هم عدوه الأول».
ويتزامن هجوم الرضوانية مع هجمات عدة قام بها التنظيم خلال اليومين الماضيين في محافظات كركوك وصلاح الدين وديالى ونينوى، في وقت تواصل فيه العملية العسكرية في جبال خانوكة مهامها في ملاحقة خلايا التنظيم هناك. ففي كركوك جرى استهداف موكب لـ«الحشد التركماني» أدى إلى مقتل اثنين من أبناء «الحشد» وإصابة عدد آخر بجروح. وفي صلاح الدين سقط 9 من «الحشد الشعبي» وشرطة حماية منشآت النفط بانفجار عبوة ناسفة في قضاء طوز خورماتو.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.