«القاعدة» و«داعش»... الأخوة الأعداء

مسلحون مناصرون لتنظيم «القاعدة» خلال عرض عسكري نظموه في بنغازي عام 2012 (أ.ف.ب)
مسلحون مناصرون لتنظيم «القاعدة» خلال عرض عسكري نظموه في بنغازي عام 2012 (أ.ف.ب)
TT

«القاعدة» و«داعش»... الأخوة الأعداء

مسلحون مناصرون لتنظيم «القاعدة» خلال عرض عسكري نظموه في بنغازي عام 2012 (أ.ف.ب)
مسلحون مناصرون لتنظيم «القاعدة» خلال عرض عسكري نظموه في بنغازي عام 2012 (أ.ف.ب)

ينظر كثيرون إلى تنظيمي «داعش» و«القاعدة» على أنها يخدمان الهدف نفسه عن طريق العنف في العالم أجمع، لكن التنظيمين في الواقع غريمان فكريان لا يلتقيان، وفي الميدان، هما عدوان يسفكان دماء بعضهما البعض.
ففي 11 سبتمبر (أيلول) 2001، نفذ تنظيم «القاعدة» الهجوم الأكثر دموية في التاريخ على برجي التجارة في نيويورك، الذي أسفر عن مقتل 3 آلاف شخص. وبين عامي2014 و2017، أعلن تنظيم «داعش» ما سماها «الخلافة في العراق وسوريا» قبل أن يمنى بالهزيمة تحت ضغط ضربات التحالف الدولي.
ويهيمن التنظيمان بذلك على الساحة «الجهادية» العالمية منذ سنوات، لكن بينهما منازعات تؤدي أحياناً إلى أن يكرسا طاقاتهما في قتال بعضهما البعض، وليس على خدمة هدفهما النهائي. وكمثال على ذلك، نشر تنظيم «داعش» في غرب أفريقيا مقطع فيديو يظهر رجالاً يذبحون مقاتلين قدموا على أنهم عناصر في جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، أحد فروع «القاعدة»، معلنين قتل 52 منهم، حسبما لاحظت وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها حول هذا الملف.
ويعتبر محمد حافظ الأستاذ في جامعة مونتيري في كاليفورنيا، في مقال نشر في مجلة «سي تي سي سانتينل»، أن حدة المعارك مع الجيوش العربية والغربية كان من شأنها توحيد التنظيمين. لكن، حسب حافظ، «ففي الواقع واعتباراً من عام 2013، دخلت التنظيمات بالعمق في عنف أخوي في مناطق نزاع متعددة، بدءاً بسوريا ثم ليبيا، وصولاً إلى اليمن وأفغانستان»، ومؤخراً، في الساحل الأفريقي.
وغالباً ما تكون أسباب المعارك بين الفروع التي تبايع أحد التنظيمين غير مهمة، كالاختلاف مثلاً على السيطرة في منطقة ما، أو التحكم بحركة السير، وإعادة توزيع المناصب بعد وفاة قياديين كانوا متفاهمين فيما بينهم.
لكن الخلاف بينهما آيديولوجي أيضاً؛ ففي أبريل (نيسان) الماضي، نشر تنظيم «داعش» مقطع فيديو مدته 52 دقيقة مخصصاً بشكل أساسي لاستعراض ما سمي بانحرافات «القاعدة». ويشرح توماس جوسلين من «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، وهو مركز أبحاث في واشنطن، أن الخلافة المعلنة بشكل ذاتي أنشأت كرهاً مؤسسياً مهماً تجاه «القاعدة»، مضيفاً أن الجماعتين تجدان أحياناً نقاط تلاقٍ معينة، لكن «مصالحة شاملة ليست بالأمر المرجح على المدى القصير».
من أين تأتي كل هذه الكراهية؟ المسألة في البداية مسألة أولويات. وكتب ناتانييل بونتيشيلي، في المجلة الدولية والاستراتيجية الصادرة عن معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، أن «القاعدة» تعتبر تدمير الغرب شرطاً مسبقاً «لإنشاء دولة إسلامية». أما «داعش» فيضع تأسيس ما يسميها الخلافة في «الأراضي المحررة»، «شرطاً مسبقاً لمعارك ستسمح بضرب العدو في الصميم»، وفق بونتيتشيلي.
يستحوذ تنظيم «داعش» أيضاً على شرعية حصرية في معاقبة «الكفار». ويشير محمد حافظ في هذا الصدد إلى التعارض بين «طهرانية» تنظيم «داعش» و«شعبوية» تنظيم «القاعدة». ويوضح أن «تنظيم «داعش» يمثل رؤية حصرية وغير مساومة عن «الجهاد»، فيما «القاعدة» حولته إلى حركة متشددة عالمية شاملة وبراغماتية وشعبوية.
يريد تنظيم «داعش» أيضاً فرض تمييز أخلاقي نقي تماماً بين الخير والشر، في حين أن «القاعدة» تسمح بالتعامل مع السكان والجماعات الأخرى وحتى الدول.
ويتفاوض بذلك تنظيم «نصرة الإسلام والمسلمين» بقيادة إياد أغ غالي مع الدولة في مالي، كما تفعل «طالبان» على سبيل المثال مع الحكومة الأفغانية.
ويمكن ملاحظة أوجه الاختلاف تلك بطريقة تواصل التنظيمين مع العالم الخارجي. وغالباً ما تتألف مقاطع الفيديو القليلة التي يبثها «القاعدة» من مواعظ أو خطب طويلة، تحتاج متابعتها لتركيز، كما تشير لورانس بيندير أحد مؤسسي «جي أو إس بروجكت»، وهو منصة لتحليل الدعاية المتطرفة على الإنترنت. وتوضح أن «لا عنفاً شديداً فيها. توجد رغبة بعدم تنفير السكان المحليين، وكسب (القلوب والعقول)»، مستعيدة التعبير الغربي الشهير المطبق في إطار مكافحة التمرد. وعلى العكس، تكمل بيندير، أن «تنظيم (داعش) لديه استراتيجية تجنيد في كل اتجاه، ولذا يسعى أتباعه لأن يكونوا منتشرين» باستراتيجية تواصل موحدة في كافة أنحاء العالم.
ويجمع الخبراء على أن هذه الحروب الداخلية التي أسفرت وفق محمد حافظ عن مقتل 300 جهادي في الساحل الأفريقي منذ يوليو (تموز) الماضي لا تخدم معركة مكافحة الإرهاب. ومنذ 20 عاماً، ورغم تعبئة الجيوش والقدرات الغربية والعربية، لم تكف الحركة الجهادية عن الاتساع. ويشرح حافظ أنه «في حين يواجه المجتمع الدولي حركة عالمية متمركزة في أفغانستان (القاعدة)، يوجد فرعان نشطان اليوم في عدد من الدول من المناطق» في العالم. وعلى المستوى العالمي، كما المحلي، يتنافس التنظيمان على تأييد المقاتلين، وجذب اهتمام الإعلام، مستخدمين وسيلة أساسية وفتاكة التصعيد والتصعيد المضاد.
ومتحدثاً عن الساحل، يشير إيلي تينينباوم الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، إلى «وجود نوع من المحاكاة بينهما، بشكل غير إيجابي مطلقاً، لا سيما أن لا خطر في أن ينقص الطرفان من المقاتلين». وأضاف: «بقتالها، ترسي الجماعات هيمنتها عبر كسب أراضٍ جديدة»، وهي بذلك «تقوض مصداقية الدول التي تراقب تسوية الحسابات بين المجموعات المسلحة على أراضيها دون أن تتمكن من الرد».


مقالات ذات صلة

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

الولايات المتحدة​ أحمد الشرع مجتمعاً مع رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد الجلالي في أقصى اليسار ومحمد البشير المرشح لرئاسة «الانتقالية» في أقصى اليمين (تلغرام)

«رسائل سريّة» بين إدارة بايدن و«تحرير الشام»... بعلم فريق ترمب

وجهت الإدارة الأميركية رسائل سريّة الى المعارضة السورية، وسط تلميحات من واشنطن بأنها يمكن أن تعترف بحكومة سورية جديدة تنبذ الإرهاب وتحمي حقوق الأقليات والنساء.

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي مواطنون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

ممثلة «مسد» في واشنطن: «هيئة تحرير الشام» «مختلفة» ولا تخضع لإملاءات تركيا

تقول سنام محمد، ممثلة مكتب مجلس سوريا الديمقراطي في واشنطن، بصفتنا أكراداً كنا أساسيين في سقوط نظام الأسد، لكن مرحلة ما بعد الأسد تطرح أسئلة.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي مقاتلون من المعارضة في حمص يتجمعون بعد أن أبلغت قيادة الجيش السوري الضباط يوم الأحد أن حكم بشار الأسد انتهى (رويترز)

«داعش» يعدم 54 عنصراً من القوات السورية أثناء فرارهم

أعدم تنظيم «داعش» 54 عنصراً من القوات الحكومية في أثناء فرارهم في بادية حمص وسط سوريا، تزامناً مع سقوط الرئيس بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عنصر من المعارضة السورية المسلحة في حمص يحتفل بدخول العاصمة دمشق (إ.ب.أ)

الأردن ومخاوف من خلط أوراق المنطقة والخشية من فوضى سوريا

يبدي أمنيون أردنيون مخاوفهم من عودة الفوضى لمناطق سورية بعد الخروج المفاجئ للأسد إلى موسكو، وان احتمالات الفوضى ربما تكون واردة جراء التنازع المحتمل على السلطة.

محمد خير الرواشدة (عمّان)

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».