استعدادات حثيثة لأولى رحلات «التاكسي الطائر»

مركبات كهربائية صغيرة تحلّق لمسافات محدودة

استعدادات حثيثة لأولى رحلات «التاكسي الطائر»
TT

استعدادات حثيثة لأولى رحلات «التاكسي الطائر»

استعدادات حثيثة لأولى رحلات «التاكسي الطائر»

يُقال إن أولى رحلات خدمات التاكسي الطائر ستكون تقليدية نوعاً ما وليس كما توقع الكثيرون بعد الترويج لفكرة أن هذه الخدمات ستؤدي إلى ثورة في عالم النقل.
لا شك في أن سيارة الأجرة الطائرة ستحدث قفزة هائلة في عالم تقنية الطيران الجوي لا سيما أن «المركبات الكهربائية ذات الإقلاع والهبوط العموديين» Electric vertical takeoff and landing (eVTOL) تعد بتقديم أداء أكثر نظافة للبيئة، وأقل كلفة وأكثر أماناً من الطوافات، ما سيعبد الطريق لتوسيع الرحلات العمودية حول العالم.
ولكن التطبيقات الأولى لهذه المركبات الجديدة ستكون أقل إثارة للحماس من خدمات سيارات الأجرة المُدنية الذاتية القيادة التي روجت لها شركة «أوبر إليفايت» والتي أطلق عليها «ويسك»، المشروع المشترك بين «كيتي هوك» وبوينغ اسم «نورث ستار» (نجمة الشمال).
تتطلب الفكرة المستقبلية للسفر الجوي والقليل الكلفة فوق المدن والضواحي إدخال تطورات كبيرة على لوائح إدارة الطيران الجوي التي لن تكون جاهزة عند الترخيص التجاري لأولى المركبات ذات الإقلاع والهبوط العموديين.

سفر جوي سريع
وبدل فتح أسواق وطرقات طيران جديدة، من المتوقع أن تطير النماذج الأولى من هذه المركبات فوق المناطق التي تستخدم المواصلات التقليدية وأن توفر خياراً للسفر السريع في المناطق الحضرية، أي من وسط المدن إلى المطارات، أو لتسهيل التنقل المتعب بين خطوط القطارات.
وقد كشف أوليفر والكر - جونز، نائب رئيس قسم الاتصالات في «ليليوم» إن الشركة تعتزم إطلاق طائرتها التي تتسع لأربعة ركاب وتطير بمدى 299 كلم، والبدء بتسيير جدول رحلاتها التي تتراوح مسافاتها بين 32 و290 كلم، بنقل راكبين لضمان عامل حمولة مربح، أي ما يتراوح بين 72 و76 في المائة من قدرتها الاستيعابية. أما في حال امتلأ مقعد الراكب الثالث، فستحصل الشركة على هامش ربح يصل إلى 30 في المائة.
لنقل مثلاً أن المركبة طارت من نيويورك إلى فيلادلفيا في طريقٍ موازٍ لجزءٍ شديد الازدحام من نظام خط القطارات الشمالي الشرقي من «أمتراك». تبلغ مسافة هذا الخط حوالي 129 كلم وتتطلب رحلته حوالي ساعتين في السيارة و80 دقيقة في القطار. في هذه الحالة، تستطيع «ليليوم» توفير رحلة مدتها 24 دقيقة مقابل 170 دولارا، ما يعادل سعر بطاقة الدرجة الأولى في قطارات «آسيلا» السريعة التابعة لـ«أمتراك»، بحسب والكر - جونز.
في إطار اهتمامها بتعزيز حركيتها الجوية في نطاق شبكتها القائمة، استثمرت شركة النقل الألمانية «دويتشه بان» في شركة «فولوكوبتر» ومزود البنى التحتية «سكاي بورتس» لتوفير وسيلة أقل كلفة لمشغلي التاكسي الطائر واختبار خيارات الخدمات والطرقات في أيام التشغيل الأولى.
كما دخلت «فولوكوبتر»، التي تملك طوافة «فولو سيتي» المتعددة المقاعد بنطاق طيرانٍ يصل إلى 32 كلم وسرعة 109 كلم/الساعة، في محادثات مع مشغلي سكك الحديد وإدارات بعض المدن لتقديم خدماتها كخيار يُضاف إلى خيارات المواصلات الأخرى المتوفرة.
بدورها، ترى شركة «أوبر» خدمات النقل البري في المطار كجزء أساسي من عملها في خدمات التاكسي الطائر، وتأمل أن تطلق شبكتها الخاصة من هذه الخدمات بحلول عام 2023 في ثلاث مدن: دالاس/ فورت وورث - تكساس، لوس أنجلس – كاليفورنيا، وملبورن – أستراليا.

خدمات أرضية
في رسالة إلكترونية لمجلة «أفيونيكس» المختصة بتقنيات الطيران، قال بول بووبولو، نائب الرئيس التنفيذي لقسم الابتكار في مطار دالاس/ فورت وورث الدولي: «عندما ندرس مواقع المطارات فيما يتعلق بخدمات النقل الجوي المُدُني، يجب أن نحرص على إتمام جميع العمليات الأخرى بشكل يضمن توفير الوقت الذي تعد به خدمة التاكسي الطائر. على سبيل المثال، من غير المنطقي أن يستقل المستخدم تاكسيا طائرا للوصول إلى المطار وأن يضطر إلى تبذير وقته في المسافة الفاصلة بين موقع الهبوط والمحطة النهائية». ويضيف بووبولو: «حالياً، لا نزال في المرحلة الأولى من البرنامج والتي تتمحور حول التحضير لعدد محدود من الآليات التي تناسب كل رحلة حسب شروطها، أي أن الاستثمار يجب أن يكون قابلاً للتنظيم».
ترجح معظم بيانات «أوبر» أن نطاق طيران رحلات سيارات الأجرة الطائرة سيتراوح بين 32 و96.5 كلم، بمسافة متوسطة تصل إلى 40 كلم للرحلة الواحدة. وتعتبر وسائل النقل الأرضية أكثر فعالية في الرحلات القصيرة لجهة توفير وقت الركاب. ورغم أن سيارات الأجرة الطائرة ستكون الخيار الأفضل للمسافات الطويلة، تتوقع «أوبر» مواجهة صعوبات كثيرة في زيادة عدد ركابها في الرحلات الطويلة.
في الولايات المتحدة، وعلى الأرجح غيرها من الدول، ستسير أولى رحلات التاكسي الطائر في أنظمة الطيران الجوي والمتطلبات التنظيمية القائمة حالياً، بحسب ما أوردت مسودة حركة الطيران المدني التي أصدرتها إدارة الطيران الفيدرالية في أوائل هذا الصيف والتي ستميل إلى حصر الرحلات بطرق غير مباشرة.
ومن المتوقع أن تتيح المركبات المجهزة باتصالات للرصد وتجنب العوائق في المراكز الأرضية أو على متنها، بالإضافة إلى أجهزة الاستشعار والرؤية الكومبيوترية المحسنة، لمشغلي خدمات النقل الجوية المُدنية تقليل المسافة الفاصلة بين الطائرات وتأمين الطيران فوق مناطق كثيفة السكان.
ويُرجح أن تظهر رحلات الطيران الآلية التجارية أولاً في مجال الشحن والتطبيقات اللوجيستية، حيث ستكون المخاطر والآمال أقل مما هي عليه في حالات نقل ركاب.
في النهاية، قد يصل استخدام سيارات الأجرة الطائرة لنقل الركاب إلى المستوى الذي يحلم به الكثيرون من داعمي ومستثمري الطائرات الكهربائية ذات الإقلاع والهبوط العاموديين، أي أن تتحول إلى وسيلة نقل جديدة وتقدم أنماطاً حياتية كانت مستحيلة في الماضي.
إن النجاح في تجاوز الكثير من التكاليف المطلوبة في بناء البنى التحتية لمعظم وسائل النقل الأرضية سيتيح لسيارات الأجرة الطائرة المخصصة للركاب إبراز مرونة حقيقية تفتح الباب أمام المزيد من الأفكار المبتكرة والتطبيقات. ولكن في الأيام الأولى، ستستخدم هذه المركبات الكهربائية بنى تحتية موجودة وستركز على تغيير المسار والارتفاع عن القطارات والحافلات والسيارات.



المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر
TT

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

تلتمع «بارفيه» السمّان (وهي لحم مسحون لطير السمّان) على صحني، مقترنة بقرص من الذرة المقلية. وللوهلة الأول، يبدو هذا كنوع من طعام العشاء الفاخر الذي ستجده في العديد من المطاعم الراقية: عجينة غنية وردية مغطاة بالفلفل المخلل، وزهرة صالحة للأكل، ولمحة من الكوتيجا (الجبن المكسيكي المعتّق).

لحم طير مختبري

ولكن العرض التقليدي لهذا اللحم يحجب حقيقة أعمق، فهذه الوجبة غير تقليدية، بل وراديكالية. ومن بعض النواحي، تختلف عن أي شيء شهده العالم في أي وقت مضى.

لم تُصنع عجينة اللحم الموجودة على طبقي بالطريقة التقليدية مع كبد الإوزّ. لقد تمت زراعة اللحم من خلايا النسيج الضام لجنين السمان الياباني الذي تم حصاده منذ سنوات، وتم تحفيزه وراثياً على التكاثر إلى الأبد في المختبر. وقد قُدم لي هذا الطبق في فعالية «أسبوع المناخ» في نيويورك من قبل جو تيرنر، المدير المالي في شركة «فاو» الأسترالية الناشئة للتكنولوجيا الحيوية.

إن تسمية السمان «اللحم المستزرع في المختبرات» تعد تسمية خاطئة. فهذه النسخة الشبيهة بالهلام من السمان كانت تُزرع في مصنع حقيقي للحوم الخلوية، وهو الأول والأكبر من نوعه. وعلى وجه التحديد زرعت في خزان طوله 30 قدماً، وسعته 15 ألف لتر في مصنع «فاو» في سيدني، حيث، حتى كتابة هذه السطور، يمكن للشركة إنتاج 2000 رطل (الرطل 152 غراماً تقريباً) من السمان كل شهر.

وهذه كمية ضئيلة مقارنة بالكميات المتوفرة في مرافق اللحوم التقليدية، لكنها تمثل خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة إلى التكنولوجيا التي - على مدى العقد الماضي - أسست سمعتها بالكامل تقريباً على تقديم قطع صغيرة شهية في جلسات التذوق الصحفية الفردية.

نجاحات وإخفاقات

وقد بدأت «فاو» للتو أعمالها هذه مع ما يقرب من 50 مليون دولار من تمويل شركات أخرى مثل «بلاكبيرد فينشرز»، و«بروسبيرتي 7»، و«تويوتا فينشرز» (التي رعت فاعلية أسبوع المناخ). وقامت الشركة حديثاً بتركيب مفاعل بيولوجي كبير آخر سعته 20 ألف لتر هذه المرة، أكبر بنسبة 33 في المائة من الأول. ومع تشغيل المفاعلين على الإنترنت، تُقدر الشركة أنها سوف تنتج قريباً 100 طن من السمان المستزرع كل عام.

قد يبدو كل ذلك متناقضاً مع التقارير السابقة، إذ وصف مقال استقصائي نشرته أخيرا صحيفة «نيويورك تايمز» كيف أن قطاع اللحوم المستزرعة الناشئ قد خرج عن مساره بسبب العقبات الاقتصادية والتقنية، رغم سنوات من الضجيج، وسلسلة من الموافقات التنظيمية البارزة، و3 مليارات دولار من الاستثمار.

جمعت شركة «أب سايد فودز»، ومقرها في بيركلي، بولاية كاليفورنيا، أكثر من 600 مليون دولار لتقييم نموذج لشريحة دجاج تبين أنها يمكنها أن تصنعه يدوياً فقط في أنابيب اختبار صغيرة، في حين أن محاولة شركة «إيت جاست»، ومقرها في كاليفورنيا لبناء مصنع للحوم أكبر 50 مرة من مصنع «فاو» انتهت بدعاوى قضائية ومشاكل مالية والقليل للغاية من الدجاج المستزرع.

وقد وعدت الجهات الداعمة لهذا القطاع بمحاكاة اللحوم التي نشأنا على تناولها، اللحم البقري والدجاج، من دون المعاناة التي تعرضت لها الحيوانات والطيور، ومن دون انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ولكن اليوم لم يعد هناك أي منتج متاح إلا بالكاد في هذه الصناعة. لقد حان الوقت، كما كتبتُ، للاعتراف بحقيقة أن هذا الحلم قد مات.

تطويرات غير مألوفة

كيف تستعد شركة «فاو» لشحن المنتجات بكميات كبيرة؟ بالتخلي عن المألوف واعتماد غير المألوف. إذ وبدلاً من محاولة إنتاج قطع الدجاج الصغيرة والبرغر، ركزت «فاو» على ما يمكن أن تقدمه الخزانات الفولاذية الكبيرة المليئة بالخلايا بشكل موثوق به في المدى القصير: منتجات غريبة ومميزة مخصصة لسوق السلع الفاخرة، وهي فئة جديدة من الأطعمة التي يسميها جورج بيبو الرئيس التنفيذي لشركة «فاو»: «اللحوم الغريبة».

اللحوم الغريبة هي انحراف عمّا وعدت به صناعة اللحوم الخلوية بالأساس. سيكون الأمر مكلفاً، في البداية. ابتداء من نوفمبر (تشرين الثاني)، كانت شركة «فاو» تبيع بارفيه السمان لأربعة مطاعم في سنغافورة مقابل 100 دولار للرطل. وسوف تتميز هذه اللحوم بمذاق وقوام غير موجودين في الطبيعة. وسوف تُصنع من الحيوانات التي لم يعتد الناس أكلها. فكروا في التمساح، والطاووس، وطائر الغنم، وغيرها. في العام الماضي، تصدرت «فاو» عناوين الأخبار العالمية بعد «كرات اللحم الضخمة» - وهي نموذج أولي ضخم وفريد مختلط مع خلايا الفيل والحمض النووي لحيوان الماموث الصوفي - مما أدى إلى ظهور مقطع ذائع الانتشار في برنامج «العرض الأخير» مع ستيفن كولبرت. في نهاية المطاف، تأمل «فاو» في أن يمنحها إنشاء سوق فاخرة قوية للحوم الغريبة الفرصة لخفض التكاليف تدريجياً من خلال مواصلة البحث والتطوير، رغم أنها سوف تحتاج أولاً إلى تطبيع فكرة تناول الأنواع غير التقليدية.

غرائب الأطباق

عندما أنظر إلى طبق بارفيه السمان خاصتي، يدهشني أنني لم أتناول السمان من قبل. أتناول قضمة، ويكون الطعم خفيفاً ومليئاً مثل الزبدة المخفوقة، مع ملاحظات بطعم معدني دقيق أقرنه بالكبد. إنها تمثل بداية عصر جديد غامض، عصر ستكون فيه اللحوم المستزرعة متوافرة أخيراً، ولكن ليس بالطريقة التي يتوقعها أي شخص.

* مجلة «فاست كومباني»

ـ خدمات «تريبيون ميديا»