بعد إقفال زاد عن خمسة أشهر، فتحت المطاعم أبوابها في لندن في الرابع من يوليو (تموز) الماضي، ولكن وللمفاجأة، الأغلبية الكبرى منها لا تزال شبه فارغة، والبعض الآخر يعاني من الحجوزات التي لا يفي بها أصحابها، وهذا عبء إضافي على الطهاة وأصحاب المطاعم التي تعمل حالياً على «قدم» بدلاً من أن تكون تعمل في شهر أغسطس (آب) أهم شهر في موسم السياحة والأكل في المطاعم والمقاهي، إلا أن انعدام وجود الزوار العرب في لندن وانعدام السياحة وتخويف المقيمين في المدينة من موجة ثانية لفيروس كورونا أدى إلى تكبد عالم المطاعم والضيافة خسائر إضافية.
في بداية أزمة «كورونا» سارعت المطاعم لخلق أنماط جديدة لتساعدها على إبقاء موظفيها، فتحولت إلى مطاعم توصل الطعام إلى المنازل، وهنا نتكلم عن المطاعم من جميع الفئات بما فيها تلك المكللة بنجوم «ميشلان»، ومع تدني أعداد الزبائن من الذواقة في المطاعم ساهمت الحكومة البريطانية بمساعدة ودعم المطاعم تحت شعار: Eat Out To Help Out لتشجيع الناس على الأكل خارج المنازل لمساعدة المطاعم من خلال تخفيض قيمة الفاتورة بنحو 10 جنيهات إسترلينية للشخص الواحد بين أيام الاثنين والأربعاء من كل أسبوع، وهذه المساهمة ساعدت قليلاً في عودة الذواقة إلى المطاعم، ولكن من باب التشجيع والإنسانية بعدما أقفلت عدة مطاعم كبرى أبوابها مثل «زيزي» و«Pret a manger» و«كوت» وغيرها الكثير، وتأثرت المطاعم التي تملك عدة فروع بالأزمة أكثر من غيرها.
وحاولت المطاعم أيضاً خلق أجواء جديدة لاستقطاب الزبائن، وكان مطعم «سوموسان تويغا» Sumosan Twiga الواقع في شارع «سلوين ستيرت» في منطقة نايتسبردج أول مطعم ياباني، إيطالي من فئة المطاعم الراقية التي تقدم العروض الفنية والموسيقى الحية يفتح أبوابه من جديد، قامت «الشرق الأوسط» بزيارته أخيراً، لجس نبض المطاعم التي يحبها العرب، فكان من اللافت العديد القليل للزبائن، وعدم وجود أي زبون من منطقتنا العربية، النادل تغطي وجهه وابتسامته الكمامات السوداء، الطاولات بعيدة عن بعضها البعض، فحتى الموسيقى حزينة وصوتها خجول، والعروض لا تقام إلا في نهاية الأسبوع.
ولإغراء الزوار قامت إدارة المطعم الذي افتتح في لندن في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 بتسويق لائحة طعام خاصة «بما بعد كورونا» Welcome back menu بأسعار تشجيعية، فيمكنك تذوق لائحة الطعام على طريقة الـTasting لقاء مبلغ 45 جنيهاً إسترلينياً، أو طلب الأطباق اليابانية والإيطالية بنفس السعر.
رغم جودة ونوعية المنتج المستخدم في الأطباق إنما هناك عنصر ناقص في المطعم، ألا وهو الجو المريح، مع العلم بأن العاملين يسعون بجميع قدرتاهم المتاحة لإسعاد الحضور، إلا أن انعدام الثقة والشعور بالخوف يجعل الخروج من المنزل بمثابة مغامرة، ورؤية الكمامات على الوجوه في المحلات التجارية والطرقات والمجمعات التجارية تذكير مستمر بالأزمة التي يواجهها العالم والظروف غير العادية التي نعيشها.
ومن الناحية الإنسانية، يجد المرء نفسه مضطراً لوضع خوفه وتوجسه جانباً ويتابع حياته على الطريقة الطبيعية الجديدة، والتأقلم بما هو متوفر.
لندن تعتمد على السياح والمطاعم والخدمة والفنادق، والعصب السياحي والخدماتي مشلول حالياً، ويعمل في قطاع المطاعم أكثر من 3 ملايين موظف ومن دون عودة الزبائن سيفقد الملايين منهم أشغالهم.
الذهاب إلى المطعم اليوم مسؤولية تجاه الاقتصاد والموظفين وأرباب العمل، ولو أن الوضع ليس طبيعياً.
فسوموسان تويغا مثله مثل أي مطعم آخر في لندن، يعمل بمحرك واحد إذا صح التعبير، ومن دون دعم الناس سوف يتحول الوضع إلى أسوأ.
الطهاة اللامعون في بريطانيا توجهوا إلى منصة «تويتر» للتعبير عن حزنهم وتأففهم من الوضع، وناشدوا الناس بعدم القيام بالحجوزات إن لم ينووا المجيئ إلى المطعم، وغرد الشيف توم كيردجز هذه المناشدة بعدما تخلف 30 زبوناً عن المجيء إلى المطعم من دون إلغاء الحجز، مما أدى إلى تكبد الطاهي خسائر إضافية كبيرة.
العروض كثيرة والدعم الحكومي موجود والأكل اللذيذ في مطاعم لندن متوفر، ولكن الثقة معدومة والخوف يعشش في أحشائنا منذ أن حل بنا الفيروس غير المرئي الخبيث الذي تحكم بحياتنا وصحتنا وتلاقينا وعملنا وحتى طريقة أكلنا.