مصطفى أمين رائد الصحافة العربية يعود للجدل مجددا في كتاب بالقاهرة

أصدرته ابنته ويتضمن وثائق رسمية تؤكد براءة والدها من تهمة «الجاسوسية»

مصطفى أمين أثناء طباعة العدد الأول من أخبار اليوم 11 نوفمبر 1944
مصطفى أمين أثناء طباعة العدد الأول من أخبار اليوم 11 نوفمبر 1944
TT

مصطفى أمين رائد الصحافة العربية يعود للجدل مجددا في كتاب بالقاهرة

مصطفى أمين أثناء طباعة العدد الأول من أخبار اليوم 11 نوفمبر 1944
مصطفى أمين أثناء طباعة العدد الأول من أخبار اليوم 11 نوفمبر 1944

بعد سنوات من رحيله في عام 1997، يعود مصطفى أمين أحد رواد الصحافة في مصر، إلى دائرة الضوء والجدل مجددا، بعد إعداد ابنته كتابا عنه سينزل للأسواق قريبا بعنوان «مصطفى أمين». يأتي هذا الكتاب في أعقاب نشر إحدى الصحف المصرية المستقلة حلقات لمسؤول أسبق بالمخابرات المصرية بعنوان «الثعلب»، أفرد فيها حلقة خاصة عن مصطفى أمين احتوت على الكثير من المغالطات، وبالمصادفة تزامن نشر هذه الحلقات مع صدور هذا الكتاب عنه، والذي حمل في طياته تصحيحا لهذه المغالطات بالوثائق.
«الشرق الأوسط» حاورت صفية الابنة الصغرى للكاتب الراحل عن الكتاب الجديد، وحقيقة هذه المغالطات، والتي أثارت لغطا وطاردت مصطفى أمين وهو حي، ثم وهو ميت في ذمة الله. وتنصب في قضية اتهامه بالجاسوسية عام 1966 وتعرضه للسجن إبان حكم الرئيس جمال عبد الناصر.
تقول صفية: إن هذا الكتاب بمثابة «رد عملي» موثق على هذه التهمة، وما دار حولها. لقد أردت أن أؤرخ لسيرة أبي الراحل وكذلك لمؤسسة «أخبار اليوم» بكل مسيرتها وتاريخها وأثرها في الصحافة المصرية والعربية، تخيلت أنه بعد 50 سنة من الآن يأتي صحافي شاب يبحث في تاريخ «أخبار اليوم» فيجد أمامه ملخصا للتجربة بكل ما فيها من تحديات وصعاب ومواقف وكذلك أحداث تاريخية أثارت جدلا طويلا ربما يكون مستمرا إلى الآن، أردت بهذا الكتاب أيضا أن أضع حدا لكل المزاعم التي نشرت عن والدي والقضية الشهيرة، فكنت أستغرب جدا وأظن أن الجميع من محبيه وقارئيه تابعوا سير القضية ويعرفون جيدا أن العفو كان شاملا وليس صحيا كما يزعم البعض، ولكن الأمر كان عكس هذا تماما! ولذلك نشرنا الوثائق كاملة في الكتاب.
وتضيف: كم كنت أتمنى أن أرى الكتاب في يد الكاتب الراحل أحمد رجب، فقد كان أحد تلاميذ مصطفى أمين وكان نبيلا في موقفه، ويشجعني كثيرا خلال رحلة العمل في الكتاب.
وحول تأخر ظهور الكتاب تروي صفية أنه: في منتصف الثمانينات كان الكاتب أحمد عطية صالح شابا صحافيا متحمسا فذهب إلى مصطفى أمين في مبنى «أخبار اليوم» يسأله «هل أنت حقا جاسوس؟» فأجابه مبتسما: هذا سؤال مهم، لكني لن أجيب عليه لأنه من السهل أن أجيب بالنفي لكن عليك التأكد بنفسك. فأرسله والدي للنائب العام الذي حقق في القضية وكذلك للمدعي العام الاشتراكي حينها د. مصطفى أبو زيد، تم عمل مقابلات وحوارات صحافية وعاد صالح إلى والدي بنتيجة بحثه فأخبره أن هذا لا يكفي، بل عليك الاطلاع على نص حكم صلاح نصر ونص العفو الشامل، وهكذا استمر أحمد عطية صالح يجمع في تقارير ووثائق ومعلومات إلى أن توفي مصطفى أمين، فجاءني بملف ضخم يريد أن يحوله إلى كتاب، فأخبرته أني لا أستطيع أن أنشره هكذا بل علي مراجعته والبحث في وثائق والدي للتأكد من كل كلمة وكل حرف ولقد فعلت هذا إلى أن خرج الكتاب إلى النور.
وحول عدم رفع مصطفى أمين أي دعوى لتبرئة ساحته من تهمة التخابر واكتفائه بالعفو تقول صفية: بالنظر إلى الوثائق المرفقة بالكتاب، فمصطفى أمين طالب بإعادة محاكماته محاكمة علنية في خطابه إلى المدعي العام الاشتراكي حينها، لكن جاءه الرد أن قرارات رئيس الدولة محصنة ولا رجوع فيها! وأنه خلال نظر القضية وخوفا من استخدام الطريق العادي في القضاء الذي سينتهي إلى البراءة صدر قرار الرئيس عبد الناصر بإحالة نظر القضية إلى محكمة أمن الدولة التي تقضي مادتها الثانية من القانون 119 لسنة 1964 بأنه «لا يجوز الطعن بأي وجه من الوجوه في الأحكام الصادرة من هذه المحكمة»، فجاءه الإنصاف مع رئيس الجمهورية التالي الراحل أنور السادات بقرار العفو الشامل.
وتلفت صفية إلى أن ما فعله والدها، ومطالبته المستمرة بمحاكمة صلاح نصر، يعتبر إدانة لعصر كامل مع استمرار كتاب وصحافيين عاصروا تلك الحقبة الزمنية في تزييف الحقائق والمدافعة عن نصر وإنكار كل التعذيب الذي حدث له، ربما لأنهم ينتمون إلى الحقبة ويريدون رد الإدانة بأي شكل من الأشكال.
وتؤكد أن والدها أفنى حياته في عشق الصحافة وتذكر كلماته التي طبعت على غلاف الكتاب «كيف أحسب عمري؟ بالصحف التي أصدرتها أو اشتركت في تحريرها؟ بعدد تلاميذي أم بعدد قرائي؟ بالانتصارات التي حققتها أم بالهزائم التي منيت بها؟ بالمرات التي خفق فيها قلبي أم بالصداقات الحلوة التي تمتعت بها؟ أحسب أن العمر هو كل هذا، ولو كانت هذه القاعدة الحسابية صحيحة فلا بد أني عشت ألوف السنين».
ويقع الكتاب لمؤلفه الكاتب الصحافي أحمد عطية صالح، في 6 أبواب تحكي تاريخ مصطفى أمين من ميلاده في 21 فبراير (شباط) 1914 بمنزل سعد زغلول (بيت الأمة) وحتى وفاته، متناولا قصة «أخبار اليوم» منذ أن كانت فكرة إلى أن أصبحت الآن بعامها الـ75 صرحا عملاقا للصحافة المصرية. ويضم الكتاب وثيقة نص الحكم على صلاح نصر (مدير جهاز المخابرات في عهد جمال عبد الناصر) والتي عرفت بقضية فساد المخابرات، وكذلك ملحقا خاصا بالوثائق يتضمن جزءا من خطاب بخط يد مصطفى أمين يكشف به عن وقائع التعذيب التي تعرض لها أثناء حبسه، وخطابه الموجه إلى المدعي العام الاشتراكي يطالب فيه بمحاكمته محاكمة علنية، ثم نص قرار الرئيس أنور السادات بالعفو عنه وجاء النص كالتالي: «يعفى عن العقوبة المحكوم بها على السيد مصطفى أمين يوسف، في القضية رقم 10 لسنة 1965 أمن دولة عليا، وكذا كافة الآثار والعقوبات التكميلية والتبعية المترتبة على الحكم الصادر» والذي نشر في الجريدة الرسمية حينها. ويذكر أنه بعد إصدار العفو الشامل تم بعد ذلك إعادة المدعي الاشتراكي مصطفى أبو زيد فهمي التصدي للقضية وتأكيده تعرض مصطفى أمين للتعذيب وبطلان الإجراءات التي صدر في ظلها الحكم عليه.
ويضم الكتاب كذلك ملفا للصور من الفترة من (1914 - 2014) منذ ميلاد الأخوين أمين ومراحل حياتهما العائلية والمهنية ولقاءات مع فنانين مثل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وعبد الوهاب ورحلات مع الرئيس عبد الناصر إلى موسكو وزيارة مصطفى أمين إلى زنزانته بسجن طرة وصولا إلى احتفالات دار «أخبار اليوم».
ومن الوقائع الجديدة التي ذكرها الكتاب أنه فور القبض على مصطفى أمين في فيلته في الإسكندرية جالسا مع الضابط الأميركي تمت مهاجمة شقته في شارع صلاح الدين بالزمالك، وضبط ما بها من أوراق ومنها جوازا سفر دبلوماسيان موقعان من الدكتور محمود فوزي وزير الخارجية ومكتوب عليهما: مكلف بمهمات رسمية لدى حكومة الولايات المتحدة الأميركية. وهذان الجوازان اختفيا بمعرفة المخابرات ولم يذكر عنهما أي شيء أثناء التحقيق.
يحكي مصطفى أمين في أحد فصول الكتاب عن لحظة القبض عليه: عندما جاءوا للقبض علي في منزلي بالإسكندرية تصورت أن الرئيس عبد الناصر قد حضر لزيارتي.. ثم تصورت أنه ربما يكون قد حدث انقلاب وأن رجال الانقلاب الجدد جاءوا للقبض علي لأنني أحد المتصلين بالرئيس عبد الناصر.. وعندما تبينت الحقيقة تصورت أن عملية القبض تمت بغير علم الرئيس. فقد سبق أن قبض علي مرة في أول الثورة، وأخرى بعدها ببضعة شهور دون علم الرئيس عبد الناصر.. وعندما علم في المرتين أمر بإطلاق سراحي.
ويضيف: بعد أن أغلق وكيل النيابة المحضر وضعوا القيود في يدي وأركبوني سيارة وخلفها عدة سيارات فيها حرس من جهاز الأمن يحملون المسدسات والمدافع الرشاشة وتم ترحيلي إلى القاهرة.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».