بينما تبدو الشوارع خالية من حركة البشر الاعتيادية، فإن ثمة أطفالا وكبارا يتابعون الوضع من النوافذ عن كثب ويشعرون بالملل داخل العزل المنزلي الاختياري، فما من ونيس أقرب من الموبايل، الذي يبحر فيه كثيرون لقتل الوقت بممارسة ألعاب الفيديو تارة، أو متابعة مواقع التواصل الاجتماعي تارة أخرى، من أجل التخفيف من معاناة التباعد الاجتماعي في زمن «كورونا».
وتخطت مبيعات صناعة ألعاب الفيديو، ما حققه قطاعا السينما والموسيقى معاً في بريطانيا في عام 2019. حسب تقرير لـ«جمعية تجار التجزئة الترفيهية ERA»، قبل أن يساهم وباء كورونا في مزيد من الانتعاش لهذه الصناعة. وبحسب موقع الألعاب الإلكترونية «بوليجون» أعلنت منصة «ستيم» عن وصولها لأكبر عدد من المستخدمين، منذ إطلاقها في 2011. خلال فترة الإغلاق، ووفق تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، في أبريل (نيسان) الماضي، فإن مبيعات اللعبة المرحة «أنيمل كروسينغ»، قد تضاعفت بسبب عزلة «كورونا»، والتي وصفتها الصحيفة بأنها «بمثابة وسيلة للحد من الآثار النفسية للتباعد الاجتماعي، لا سيما أنها لعبة مضحكة لا تحفز السلوك العنيف».
يُرجع الخبراء، هذا التفاعل الملحوظ من قبل الكبار والأطفال بألعاب الفيديو، إلى قدرتها على محاكاة العالم الطبيعي عبر صناعة عالم خيالي مثير، يؤثر على الجهاز العصبي ويدفع العقل لإفراز مادة الأدرينالين والدوبامين ما يشعر الشخص بالسعادة اللحظية، ما يحد من وطأة القلق الذي يعيشه العالم بسبب جائحة كورونا. لا سيما في حالة الألعاب التفاعلية التي تقوم على مشاركة الأصدقاء عن بُعد، وتقول راشيل كويرت، باحثة أميركية في علم النفس ومؤلفة كتاب «دليل الوالدين لألعاب الفيديو» في حديثها لموقع «سي إن إن» الأميركي: «في حالة التباعد الاجتماعي الذي فرضه الوباء، تتيح ألعاب الفيديو الحفاظ على شكل من روابط الصداقة بطريقة مستحدثة، كما تعزز روح التعاون والتنافس بشأن نشاط مشترك، بشرط مراقبة تطور سلوك الطفل».
وفي الوقت الذي يعتقد فيه بعض الآباء أن تأثير الألعاب الإلكترونية على الأطفال حالياً، يعد أقل خطراً من متابعة الأحداث الجارية، فإن الدكتور أحمد فهمي، أخصائي الطب النفسي بمصر، يرى أن الظروف التي نعيشها لا تحُد من خطورة استخدام الأطفال للألعاب الإلكترونية، لاسيما إذا كانت تتم بصورة مفرطة، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «تعلم الأطفال من خلف الشاشات المضيئة أمر لا يجلب أي فائدة على الطفل، حتى وإن كانت تبقيه مؤقتاً بعيداً عن واقع مروع، فهذا النوع من النشاط يحرم الطفل من ممارسة المشاعر الحقيقية».
ويشير فهمي إلى أن «النتيجة ستكون أسوأ في حال تركنا الأطفال لرغبتهم المطلقة أمام ألعاب تبتلع عقولهم». ويعلق الطبيب النفسي على فكرة الإلهاء عن الواقع للحد من تأثيره على الأطفال، قائلاً: «لا بد أن يواصل الطفل التعبير عن المشاعر، ومن هذه المشاعر القلق، كما يجب أن نخبره بأن مشاعره حقيقية لا داعي لإنكارها». وينصح الآباء بالتعامل مع القلق كشعور مقبول وجوده ولكن غير محبب بقاؤه.
ثمة دراسات أكدت مراراً وتكراراً على خطورة تعرض الطفل للإلكترونيات بصورة مفرطة، لكن البدائل في الوقت الحالي ربما تكون خياراً صعباً، فكيف يقنع الآباء طفلاً مجبراً على البقاء في المنزل لأكثر من ثلاثة أشهر أن يترك هاتفه الخلوي أو الحاسوب اللوحي؟... تجيب السيدة فاطمة البطاوي، صحافية مصرية وصاحبة مبادرة «طفل بلا إلكترونيات» على «فيسبوك»، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «قبل ظهور وباء كورونا، كنت أعاني مثل أمهات كُثر من تأثير الألعاب الإلكترونية على طفلي، مثل ضعف التركيز، وقلة النشاط الحركي».
وتروي كيف وجدت البدائل الجذابة للألعاب الإلكترونية، قائلة: «قبل الإغلاق الكامل في مصر، كان طفليي يقضيان وقتاً طويلاً في ممارسة الرياضة، لكن بعد مستجدات الأمر فكرت في استغلال حبهم للرياضة وتجهيز المنزل بألعاب حركية مستوحاة من الرياضة المفضلة لكل منهما» وذلك بالإضافة إلى ألعاب (مينتسوري) التي تعزز النشاط الذهني أيضاً، بجانب سماحها لطفليها باستخدام الهاتف الخلوي ساعة واحدة أسبوعياً».
ويؤكد الدكتور أحمد فهمي أن الخطورة دوماً ترتبط بالسماح للأطفال باستخدام الأجهزة الإلكترونية بدون ضبط وليس العكس، لذا ينصح بوضع قواعد صارمة وواضحة تشمل أوقات الاستخدام المسموحة والمرافقين لهم للإشراف، وكذلك المحتوى المتفق عليه، وتنظيم ذلك بشكل يضمن تنفيذ القواعد بشكل مرضي لكل الأطراف.
وعن المعدل المناسب لاستخدام الهاتف الخلوي أو الحاسوب اللوحي يرى فهمي أن الأمر يتوقف على عمر الطفل، ويوضح «الأطفال دون العامين يُمنع استخدامهم لأي شاشات إلكترونية، إلا للتواصل في مكالمات الفيديو مع أفراد العائلة، أما من عامين لخمس أعوام، يجب أن يقتصر استخدامهم لهذه الألعاب على ساعة واحدة يومياً تحت إشراف أحد الوالدين»، أما الأطفال أكبر من خمسة أعوام يسمح بزيادة المدة حسب الاحتياج، مؤكداً أن «الأمر يخضع لمعايير لضمان أفضل نتيجة ممكنة، مثل مراجعة المحتوى الخاص بالألعاب، ويفضل المحتوى التفاعلي عن المحتوى الذي لا يعتمد على التفاعل».
بدائل لحماية الأطفال من خطورة «ألعاب الفيديو» بـ«العزل المنزلي»
الرياضة ورقابة المحتوى الإلكتروني من أبرزها
بدائل لحماية الأطفال من خطورة «ألعاب الفيديو» بـ«العزل المنزلي»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة