دول الخليج على عتبة أول اختبارات العودة إلى «الحياة الطبيعية»

السعودية تتبنى خطة وفق مسارين بدءاً من استيعاب الحالات والتوسع في الفحوصات

إجراءات التباعد الاجتماعي عنصر أساسي في العودة (أ.ف.ب)

منطقة الخليج ستعود إلى الحياة الطبيعية على مراحل (أ.ف.ب)
إجراءات التباعد الاجتماعي عنصر أساسي في العودة (أ.ف.ب) منطقة الخليج ستعود إلى الحياة الطبيعية على مراحل (أ.ف.ب)
TT

دول الخليج على عتبة أول اختبارات العودة إلى «الحياة الطبيعية»

إجراءات التباعد الاجتماعي عنصر أساسي في العودة (أ.ف.ب)

منطقة الخليج ستعود إلى الحياة الطبيعية على مراحل (أ.ف.ب)
إجراءات التباعد الاجتماعي عنصر أساسي في العودة (أ.ف.ب) منطقة الخليج ستعود إلى الحياة الطبيعية على مراحل (أ.ف.ب)

كانت دولة الإمارات العربية المتحدة أول دولة خليجية، بل وعربية، تسجل أول حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد «كوفيد - 19» ذلك التاريخ كان في 29 يناير (كانون الثاني) الماضي، وكانت تعود تلك الحالة لعائلة قادمة من مدينة ووهان الصينية منطلق الأزمة الصحية عالميا.
تبعتها في أيام تالية تسجيل دول خليجية أخرى حالات الإصابة، كانت السعودية آخرها التي سجلت الحالة الأولى في الثاني من مارس (آذار) الماضي، لكن الأخيرة أخذت في إجراءات احترازية قبل ذلك بأيام منها تعليق العمل بتأشيرات العمرة.
الصورة في الخليج سابقا، وخلال الأشهر الأربعة الماضية، جعلت الكرة في يد السلطات للموازنة بين أخذ إجراءات احترازية أكبر تنوعت في عمومها بإيقاف الحضور لمقرات العمل وإغلاق المساجد ودور العبادة وإغلاق كل موقع للتجمعات ولو في الأدنى؛ والتضحية أكثر بوريد الاقتصاد ولو في قطاعات صغيرة في موقع مهم تحتله دول الخليج للمنطقة والعالم.
لم تختلف الاحترازات من كورونا المستجد في الدول الخليجية، بل تشابهت، إلى حدها الأكبر، وهي الدول التي أخذت في الاتجاه القوي نحو التصدي لما تملكه من اقتصادات قوية، واحتياطيات مالية ضخمة كفل لها خطوة أكثر واقعية في فرض الإغلاق والعزل وجعلت من طريقة إدارتها للحياة في جمودها المعيشي أكثر حرصا على الإنسان سواء كانوا مواطنين أو مقيمين.
بالأمس، أعلن عدد من الدول الخليجية خطوات كانت تمسك مشعل الأمل في سرعة الوصول إلى الحياة الطبيعية، وهو البريق الأول الذي يحل مع اختلافات التطبيق، في ظل تسجيل دول عدد حالات كبير، لكن السيطرة على التفشي ومعرفة مواقعه سهل المهمة للوصول إلى إعلان مثل هذا.
ربما يكون حديث الدكتور توفيق الربيعة وزير الصحة السعودي، يضع المهمة في المسؤولية الفردية استعدادا لمرحلة مقبلة، حيث ساق البشرى للسعوديين ببدء خطة من مرحلتين للعودة: «بعد مضي خمسة أشهر من هذه الجائحة التي واجهت خلالها الأنظمة الصحية العالمية صعوبات كبيرة في التعامل معها. فقد أصبح (المجتمع اليوم أكثر وعيا) بهذا الفيروس وتطبيق آليات التباعد الاجتماعي، فهي تجربة جديدة علينا جميعا».
السعودية ستعود لحياتها الطبيعية 21 يونيو (حزيران) وفق مسارين؛ أولهما استيعاب الحالات الحرجة التي تسجل وصولها إلى ما يقرب من 400 حالة اليوم، والمسار الآخر وهو البارز، توسعها في الفحوصات والوصول المبكر إلى المصابين.
وستكون السعودية في مرحلة تطبيق الإجراءات مع عودة موظفيها للعمل الأسبوع المقبل في القطاعين العام والخاص، كذلك، السماح بالتنقل بين المدن وفق خطة مرحلية قبل نهاية يونيو، فيما تستمر مدينة مكة المكرمة في تطبيق احترازاتها.
الوزير السعودي الربيعة، قال إن بلاده ستنتقل من مرحلة لأخرى وفق تقييم صحي دقيق، يمنحها «السرعة في تعديل المنهج ومراجعة المسار متى ما دعت الحاجة» لكنه أكد على الأساس الذي سيكون معمولا به، وهو التباعد الاجتماعي.
تقهقر حدة كورونا لم يكن له أن يتم دون إجراءات قوية، ويصف الدكتور مصعب التميمي، اختصاصي علم الأوبئة في مستشفى الملك عبد العزيز بجدة أن اتخاذ الدول إجراءات مثل هذه هي لعدم وجود فجوة في القطاع الصحي العام، حيث تقاس القرارات بمدى ملاءمة المنظومة لأي اتجاهات مستقبلية تتطور مع الفيروس، مؤكدا أن ذلك يحمل تراجعا في حال تزايد أعداد الإصابات كون دول الخليج تملك منظومة متطورة.
وعن نجاح القطاع الصحي في الخليج في السيطرة، يتحدث التميمي في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» أن مبدأ الوقاية وتعزيز الصحة هو الأساس في فهم قرارات على مستوى الدولة لأن علم الأوبئة يفسر الإجراءات بالتنبؤ والاستقراء بناء على معطيات الواقع، ومنها نسب الإصابات والوفيات المعمول بها عالميا، وأرقام الإحصائيات الحيوية، مفيدا أن أي مقارنة مع وبائيات سابقة مع العصر الحالي مختلفة لتطور الأنظمة والاستعدادات المتوالية في دول العالم.
وللمرور عبر الخليج، الكويت ستعود للحظر الجزئي، وفق ما أعلنه وزير الداخلية، أنس الصالح، حيث سيتم الانتقال إلى مرحلة الحظر الجزئي والإعلان عن تفاصيل خطة العودة إلى الحياة غدا الخميس.
الإمارات وعبر إمارة دبي ستعيد مسار الحركة الاقتصادية بتوسيعها من الساعة 6 صباحاً وحتى 11 مساء (بالتوقيت المحلي) اعتبارا من اليوم (الأربعاء)، مع التأكيد على التزام المؤسسات والأفراد بالإجراءات الوقائية والتعليمات الهادفة لضمان السلامة العامة.
سلطنة عمان، هي الأخرى تسارع للعودة، حيث كشف الدكتور أحمد العمار، مدير الصحة العامة في مجلس الصحة الخليجي أن سلطنة عمان قامت بتغيير مصطلح «مناعة القطيع» إلى «المناعة المجتمعية»، وهي إشارة لتوجه الحديث نحو آفاق أكثر أملا للعودة.
دول الخليج بعمومها كثفت من سبل التصدي، بخطط واسعة، وضخت مليارات الدولارات في سبيل المواجهة للجائحة، وكانت السعودية الأبرز بينها، بأكثر من 30 مليار دولار للمكافحة في كل المستويات والتصدي لآثار كورونا، بينها مبالغ لتفعيل الأبحاث الخاصة بالفيروس.
ما يبرز النجاح الخليجي، هو استعدادها للتصدي وأخذ الاحتياطات لمواجهة أقل أزمة غذائية من الممكن أن يحدثها كورونا، في وقت كانت حذّرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) قبل شهرين، من أن بعض دول العالم قد تشهد نقصا في المواد الغذائية خلال شهري أبريل (نيسان) ومايو (أيار) بسبب جائحة كورونا.
وأخذت دول الخليج مع الانتشار السريع وتسجيلها أرقاما عالية في مصابي كورونا، جميع استعداداتها مجابهة لأي أزمة غذائية، ولم تسجل أي منها أي نقص في المواد التموينية، بل فعلت الوصول إليها عبر تطبيقات التقنيات في ظل إجراءات الحجر الصحي وعزل بعض مدنها.


مقالات ذات صلة

طفرة التنمية في دول الخليج تعيد تشكيل قطاع الاستشارات

الاقتصاد سوق الاستشارات في الخليج تشهد تحولاً متسارعاً بفعل ارتفاع التوقعات والمنافسة والبحث عن قيمة طويلة الأمد (الشرق الأوسط)

طفرة التنمية في دول الخليج تعيد تشكيل قطاع الاستشارات

شهد قطاع الاستشارات في منطقة الخليج مرحلة تحول نوعية تدفع الحكومات والشركات إلى البحث عن شركاء قادرين على تحقيق قيمة مستدامة.

«الشرق الأوسط» (دبي)
تحليل إخباري أعلام دول مجلس التعاون الخليجي معلقة في سوق المباركية بمدينة الكويت (رويترز)

تحليل إخباري كيف أصبح الخليج ملاذاً للاستثمارات الآسيوية وسط اضطرابات الأسواق الكبرى؟

شهدت سندات وقروض الخليج العربي تدفقاً كبيراً من المستثمرين الآسيويين هذا العام، ما يعكس تعميق العلاقات التجارية والمالية مع المنطقة سريعة النمو.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي - سنغافورة)
الخليج ولي العهد السعودي وأمير قطر خلال جلسة المباحثات في قصر اليمامة بالرياض (واس) play-circle 00:39

أسبوع من النشاط الدبلوماسي في تعزيز العلاقات السعودية - القطرية

سجّلت العلاقات السعودية - القطرية نشاطاً لافتاً مؤخّراً، وتعزّز خلال أقل من الأسبوع عبر مجموعة مجريات تُوّجت عبر جلسة المباحثات الرسمية، واجتماع مجلس التنسيق.

غازي الحارثي (الرياض)
يوميات الشرق «المعرض الدوري لآثار دول الخليج العربية» فتح أبوابه في مدينة الرياض (واس)

«آثار الخليج»... معرض متحفي يتتبع مسيرة الإنسان في المنطقة عبر حقب زمنية متعاقبة

‏رحلة أثرية متفردة يقدمها «المعرض الدوري لآثار دول الخليج العربية⁩»، الذي فتح أبوابه بمدينة الرياض، ويتيح استكشاف تطور حياة الإنسان في الخليج العربي عبر العصور.

عمر البدوي (الرياض)
الخليج الأمين العام جاسم البديوي (مجلس التعاون)

«مجلس التعاون» يستنكر التصريحات الإيرانية تجاه دول الخليج

أعرب جاسم البديوي أمين عام مجلس التعاون، عن استنكار دول الخليج وإدانتها للتصريحات الإعلامية الصادرة عن مسؤولين إيرانيين تجاهها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

ماكرون يصل إلى الإمارات ومحمد بن زايد يستقبله ويبحث معه العلاقات الثنائية

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات خلال استقبال نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون (وام)
الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات خلال استقبال نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون (وام)
TT

ماكرون يصل إلى الإمارات ومحمد بن زايد يستقبله ويبحث معه العلاقات الثنائية

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات خلال استقبال نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون (وام)
الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات خلال استقبال نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون (وام)

استقبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، اليوم، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يقوم بزيارة عمل إلى أبوظبي، في لقاء عكس زخم الشراكة الإماراتية - الفرنسية، وتوسّع مساراتها خلال السنوات الأخيرة.

ورحّب رئيس دولة الإمارات بالرئيس الفرنسي خلال اللقاء الذي عُقد في متحف زايد الوطني بأبوظبي، حيث تبادل الجانبان التهاني بمناسبة قرب حلول العام الجديد، معربين عن تمنياتهما للبلدين وشعبيهما بمزيد من التقدم والازدهار وفقاً لما نقلته وكالة أنباء الإمارات (وام).

وبحث الشيخ محمد بن زايد والرئيس ماكرون مسار العلاقات التاريخية والاستراتيجية التي تجمع البلدين، وسبل تعزيزها، لا سيما في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والثقافية، إلى جانب التعاون في الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا المتقدمة، والذكاء الاصطناعي، والاستدامة، وغيرها من الملفات التي تدعم رؤية البلدين لتحقيق التنمية والازدهار.

وحضر اللقاء الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، والشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، والشيخ حمدان بن محمد بن زايد آل نهيان، نائب رئيس ديوان الرئاسة للشؤون الخاصة، وعدد من الوزراء وكبار المسؤولين. كما حضره الوفد المرافق للرئيس الفرنسي، الذي يضم عدداً من الوزراء وكبار المسؤولين.

وأقام رئيس دولة الإمارات مأدبة غداء تكريماً للرئيس الفرنسي والوفد المرافق.

وكان الرئيس الفرنسي قد وصل إلى البلاد في وقت سابق اليوم، حيث كان في مقدمة مستقبليه في مطار الرئاسة بأبوظبي الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، وعدد من كبار المسؤولين.


حفل استقبال في السفارة السعودية بباريس بمناسبة اليوم العالمي للتضامن الإنساني

سفير المملكة السعودية في باريس فهد الرويلي مع ضيوف الحفل الذي أقامته السفارة بمناسبة اليوم الدولي للتضامن الإنساني (الشرق الأوسط)
سفير المملكة السعودية في باريس فهد الرويلي مع ضيوف الحفل الذي أقامته السفارة بمناسبة اليوم الدولي للتضامن الإنساني (الشرق الأوسط)
TT

حفل استقبال في السفارة السعودية بباريس بمناسبة اليوم العالمي للتضامن الإنساني

سفير المملكة السعودية في باريس فهد الرويلي مع ضيوف الحفل الذي أقامته السفارة بمناسبة اليوم الدولي للتضامن الإنساني (الشرق الأوسط)
سفير المملكة السعودية في باريس فهد الرويلي مع ضيوف الحفل الذي أقامته السفارة بمناسبة اليوم الدولي للتضامن الإنساني (الشرق الأوسط)

اغتنم سفير المملكة السعودية في باريس، فهد الرويلي، مناسبة حفل الاستقبال الذي دعا إليه في دارته بمناسبة اليوم الدولي للتضامن الإنساني، الذي يحل كل عام في العشرين من شهر ديسمبر (كانون الأول)، ليؤكد أن المملكة العربية السعودية «تضع التضامن الإنساني والحوار في صميم عملها الوطني والدولي» بعدّهما «قيماً متجذّرة بعمق في ثقافتها ومبادئها الدينية، وتشكّل ركيزة أساسية في رؤيتها المستقبلية الجديدة، رؤية السعودية 2030».

واستطرد السفير السعودي قائلاً «إن التضامن الإنساني ليس مجرد مبدأ أخلاقي، بل هو مسؤولية جماعية تقوم على الاحترام والتعاون والتكافل بين الشعوب دون تمييز»، حيث إن «إنسانيتنا مشتركة ومستقبلنا واحد».

انطلاقاً من هذه المبادئ، أشار السفير الرويلي إلى ما تقدمه المملكة من مساعدات عبر العالم «دون تمييز على أساس الأصل أو الدين»، حيث يلعب مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية «دوراً رائداً في تقديم المساعدات الغذائية، والرعاية الطبية، والتعليم، والمساعدات الطارئة في زمن الأزمات، كما يقوم الصندوق السعودي للتنمية بتمويل 741 مشروعاً في 93 دولة عبر العالم».

سفير المملكة السعودية في باريس فهد الرويلي في حفل الاستقبال (الشرق الأوسط)

ونوه السفير الرويلي بالدور الذي تقوم به المنظمات والجمعيات السعودية في مختلف مجالات العمل الإنساني، ذاكراً منها مؤسسة الأمير سلطان بن عبد العزيز الخيرية. وعلى المستوى الدولي الأوسع أشاد السفير برابطة العالم الإسلامي التي تتخذ من مكة المكرمة مقراً لها وهي تعمل على «نشر قيم الاسلام الحقيقية ومكافحة التطرف وخطاب الكراهية». وقد أثبتت الرابطة أهليتها، ما يعكس اعتراف الأمم المتحدة بدورها وتسميتها عضواً استشارياً ومراقباً لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة. كما أشار السفير الرويلي لدور المملكة في تقديم المساعدات في مناطق عديدة للمدنيين في غزة، وسوريا، ولبنان، وصولاً إلى أوكرانيا وغيرها.

أما على صعيد الحوار، فقد شرح السفير الرويلي دور بلاده الفاعل في تعزيز ثقافة الحوار خصوصاً بين الأديان والثقافات ودعمها الدائم «للمبادرات الرامية إلى تعزيز التفاهم المتبادل، ومكافحة التطرف، وترسيخ قيم التعايش السلمي بين الشعوب»، فيما تعكس رؤية 2030 «تشجيع الانفتاح، والتعاون الدولي، والشراكات المتعددة الأطراف، من أجل بناء مجتمعات أكثر عدلاً وتسامحاً وقدرة على الصمود».

وشدد السفير على أن «التضامن الإنساني والحوار الصادق يشكّلان ركيزتين أساسيتين لتحقيق السلام والاستقرار والازدهار على مستوى العالم»، خصوصاً أن نظرة فاحصة تبين كم أن عالم اليوم يعاني من أزمات ونزاعات وإرهاب... الأمر الذي يبين الحاجة إلى التضامن البشري والإنساني لغرض «صون السلام والاستقرار والكرامة الإنسانية».

وفي السياق عينه، أبرز السفير الرويلي التزام بلاده بـ«تعزيز التنمية المستدامة، والتعاون الدولي، والحوار بين الثقافات»، وأنها «تؤمن إيماناً راسخاً بأن التضامن الإنساني ركيزة أساسية لبناء عالم أكثر عدلاً وأمناً وازدهاراً». ومن من الفعاليات التي أقامتها الرياض في هذا السياق انعقاد «المنتدى العالمي الحادي عشر لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة»، مؤخراً، بحضور الأمين العام للأمم المتحدة وعدد من كبار المسؤولين والشخصيات المرموقة من مختلف أنحاء العالم، الذي يهدف إلى تعزيز الاحترام والتفاهم بين الثقافات والأديان.

حضرت الحفل شخصيات دبلوماسية ودينية واجتماعية وإعلامية عربية وأجنبية مرموقة ومتعددة المشارب، ما يعكس بمعنى ما، صورة مصغرة عن التلاقي والتضامن الإنسانيين.


الرئيس الفرنسي في زيارة مزدوجة الأهداف إلى أبو ظبي

الرئيس ماكرون مع رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد بقصر الإليزيه في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس ماكرون مع رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد بقصر الإليزيه في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
TT

الرئيس الفرنسي في زيارة مزدوجة الأهداف إلى أبو ظبي

الرئيس ماكرون مع رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد بقصر الإليزيه في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس ماكرون مع رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد بقصر الإليزيه في فبراير الماضي (أ.ف.ب)

ما بين لبنان والإمارات العربية المتحدة، اختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أبو ظبي للقيام بالزيارة التقليدية للقوات الفرنسية المنتشرة خارج البلاد بمناسبة أعياد نهاية السنة. كان الخياران مطروحين، ففي جنوب لبنان، تشارك وحدة فرنسية من 700 رجل في قوة «اليونيفيل» المنتشرة جنوب لبنان. وتعد فرنسا من أقدم الدول التي أسهمت في القوة الدولية بمسمياتها المختلفة منذ عام 1978.

ولفرنسا في الإمارات قاعدتان عسكريتان بحرية وجوية {الظفرة) وقوة برية من 900 رجل. وأفاد الإليزيه بأن زيارة الرئيس الفرنسي ستكون ليومين (الأحد والاثنين)، ومن شقين: الأول، زيارة رسمية مخصصة للعلاقات الثنائية بين باريس وأبو ظبي، وسيتوِّجها اجتماع مرتقب، الأحد، بين ماكرون ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد لبحث الملفات المشتركة. ويقوم بين الطرفين حوار استراتيجي ــ سياسي رفيع المستوى. والشق الثاني لتفقد القوة العسكرية الفرنسية؛ حيث من المقرر أن يتوجه بخطاب إلى العسكريين بهذه المناسبة سيعقبه عشاء تكريمي أعده تحديداً مطبخ الإليزيه. وسترافق ماكرون وزيرة الدفاع كاترين فوترين. ومن ضمن برنامج الزيارة، حضور ماكرون نشاطاً عسكرياً في إحدى القواعد الصحراوية للقوة الفرنسية، ويرجح أن تشارك فيها قوة إماراتية على غرار التمارين العسكرية المشتركة بين الطرفين لتنسيق المواقف إزاء الأزمات الإقليمية والملفات الساخنة.

جنود فرنسيون يقومون بمناورة بدبابات من طراز «لوكلير» في مدينة زايد العسكرية 20 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

باريس وأبو ظبي تعاون وثيق

ترتبط فرنسا والإمارات بعلاقات استراتيجية قوية ومتنوعة؛ إذ تشمل الجوانب السياسية والدفاعية والاقتصادية والتجارية والثقافية. ومنذ عام 2009 وقّعت باريس وأبو ظبي اتفاقاً دفاعياً ما زال قائماً، ويرفده تعاون وثيق في مجال التسليح، حيث وُقِّعت بين الطرفين عقود بالغة الأهمية آخرها عقد حصول الإمارات على 80 طائرة قتالية من طراز «رافال» التي تصنعها «شركة داسو». ووُقّع العقد في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2021، وتبلغ قيمته الإجمالية مع الصيانة والتدريب 16.6 مليار يورو. ومن المنتظر أن تتسلم القوات الجوية الإماراتية أول النماذج بدءاً من عام 2026، بينما تنتهي عملية التسليم في عام 2031. ويشمل التعاون الدفاعي القيام بتمارين عسكرية مشتركة غرضها تسهيل التعاون بين جيشي البلدين. وما يدفع في هذا الاتجاه أن القوات الإماراتية تستخدم كثيراً من الأسلحة والمعدات التي تستخدمها القوات الفرنسية في قطاعي الطيران والعربات المصفحة والدبابات.

ليس القطاع الدفاعي والاستراتيجي وحده يستأثر بالتعاون الثنائي؛ فالطرفان يرتبطان بشراكة استراتيجية في قطاع الطاقة الذي يشمل، إلى جانب النفط، الطاقات المتجددة والنووية والهيدروجين, وبالتوازي، ثمة تعاون في قطاع الذكاء الاصطناعي.

كما طور الطرفان التعاون الأكاديمي (جامعة السوربون)، والثقافي (متحف اللوفر أبو ظبي) والصحي. ومن الجانب التجاري، تعد الإمارات الشريك الأول لفرنسا في منطقة الخليج؛ حيث بلغت قيمة المبادلات، العام الماضي، 8.5 مليار يورو. وتتركز المشتريات الإماراتية على الطائرات والتجهيزات والمكونات الكيميائية والعطور والمستحضرات الطبية والتجميلية والثياب والأقمشة. وتفيد وزارة الاقتصاد بأن ما لا يقل عن 600 شركة فرنسية تعمل في الإمارات، وتوفر فرصاً لآلاف المتخصصين والعمال.

صورة لأحد التمرينات العسكرية التي قام بها الجنود الفرنسيون المرابطون في دولة الإمارات بمناسبة المناورات التي تُجرى سنوياً (أ.ف.ب)

مهمات القوة الفرنسية في الإمارات

تؤكد مصادر الإليزيه أن اختيار أبو ظبي يعود لرغبة فرنسية في إظهار أن باريس، رغم تركيزها على الأزمة الأوكرانية التي تهم أمنها وأمن القارة الأوروبية، ما زالت «تواصل جهودها العسكرية، السياسية والدبلوماسية، على مستوى العالم بأسره، في كل مكان ترى فيه تهديداً لمصالحها وقيمها». ومن جانب آخر، ترى باريس أنها معنية بالأزمات والتحديات الأمنية القائمة في المنطقة سواء كان من بينها أمن الخليج والممرات المائية والتحديات التي يمثلها الحوثيون أو الإرهاب ممثلاً بتنظيم «داعش» الذي عاد إلى البروز في الشهر الأخيرة. وفي هذا السياق، تشير المصادر العسكرية في الإليزيه إلى أن القوات الفرنسية تشارك في «عملية شمال»، وهي جزء من التحالف الدولي في الحرب على الإرهاب. كذلك، فإنها جزء من «العملية الأوروبية أسبيدس» المنخرطة في حماية حركة الملاحة البحرية من هجمات الحوثيين.

من هذه الزاوية، يمكن تفهُّم حرص ماكرون على التوجه إلى الإمارات التي تعد، وفق مصادر الأليزيه «موقعاً محورياً تتقاطع حوله الأزمات كما يعكس اهتمامنا الكبير بهذه المنطقة الجغرافية الرئيسية من أجل الاستقرار الإقليمي وحماية الحركة الملاحية وأمن العراق والعلاقة مع إيران ومكافحة الإرهاب». وتشير المصادر الفرنسية إلى الحرب مع إيران، وللدور الذي قامت به الطائرات الفرنسية في محاربة «داعش» زمن احتلالها جزءاً من العراق، فضلاً عن محاربة أنشطة المرتزقة البحرية في المنطقة. وركزت المصادر المشار إليها على وجود «هيئة أركان فرنسية مشتركة» يرأسها الأميرال هيوغ لين، قائد القوة الفرنسية في الإمارات، ولكن أيضاً القوة الفرنسية العاملة في المحيط الهندي لمحاربة عمليات القرصنة والتهريب متعدد الأنواع.