فيلم «بابيشا»... الإرهاب رجل!

خطاب نسوي ناعم يحتفي بالجمال ضد القبح

مشهد من الفيلم
مشهد من الفيلم
TT

فيلم «بابيشا»... الإرهاب رجل!

مشهد من الفيلم
مشهد من الفيلم

بقدر ما يندد فيلم «بابيشا» (Papicha) للمخرجة الجزائرية مينة مدور بالتطرُّف الديني، يترافع ضد الذكورية، لدرجة أنه يماهي ما بينهما؛ إذ ينعدم وجود الرجل الإيجابي في كل مفاصل الفيلم/ الحياة، مقابل نماذج أنثوية ممتلئة بقيم الفاعلية والنضال والمبدئية وحُبّ الوطن. وذلك من خلال خطاب نسوي ناعم يحتفي بالجمال ضد القبح. فالرجل إما إرهابي أو متحرش أو فاشل يُمني نفسه بالهجرة من الجزائر إبان العشرية السوداء، حيث العنف السياسي والديني، والخيبات الاجتماعية، وموت الأحلام الفردية، في الوقت الذي تصر فيه بطلة الفيلم الشابة نجمة (لينا خودري) وصديقاتها من الطالبات الجامعيات على البقاء في الوطن ومعارضة كل أشكال تجريف الوعي الذي ترتكبه الجماعات المتطرفة، في إشارة إلى الشباب القادر والراغب في رسم صورة مشرقة للمستقبل.
إنه فيلم يحتفل بالحياة، بالنظر إلى جرعات الجمال ومنسوب الإرادة التي تتمتع بها الصديقات الجميلات (وسيلة، وسميرة، وليندا، وصالحة، وكهينة). وهذا هو سر الأثر الجمالي الذي يزرعه الفيلم في المتلقي. فرغم كونه يلوّح بالإرهاب الذي يحتل الجامعة ويربض خلف أسوارها، كما يجتاح الشوارع والأسواق ومختلف الفضاءات الحياتية، إلا أن الظلامية لا تحظى إلا بمساحة مشهدية بسيطة في الفيلم، على العكس مما تؤديه معظم الأفلام التي تتخذ من سطوته بصرياً رؤية تبشيعية له. وذلك مقابل بانوراما بصرية مبهجة لحركة الشابات ومرحهن وتعبيرهن الجسدي عن أنوثتهن إلى جانب هواجسهن الاجتماعية. وهذا هو بالتحديد ما جعل الفيلم أنشودة فرح ضد شبح الموت.
أطروحة الفيلم تعتمد الإشارية عوضاً عن الصراخ الآيديولوجي، رغم انبنائه على مجابهة شرسة بين رؤيتين متضادتين للوجود. ففي مفهوم الهوية مثلاً، وهي البؤرة المركزية للفيلم، تقرر نجمة استثمار موهبتها في تصميم الأزياء لتقيم عرضاً جماهيرياً داخل الجامعة وتشجيع صديقاتها على العمل معها كعارضات. حيث تعتمد في المقام الأول على استحضار «الحايك» لتصاميمها. وهو غطاء تقليدي معروف يغطي كامل جسد المرأة الجزائرية عند خروجها من البيت، وكانت تستخدمه لتهريب السلاح إلى مقاومي الاستعمار، كما أخبرتها والدتها التي ألهمتها نصّاً تثقيفياً حول استخداماته. وذلك في مقابل «النقاب» الطارئ على الحياة المغاربية، الذي لا يمثل ثقافة وتقاليد المرأة الجزائرية، بقدر ما هو عنوان يميز الشرطة النسائية الدينية وأخوات الحركات المتطرفة.
«بابيشا» في اللهجة الجزائرية تعني البنت الحلوة المدلّلة. وهذا هو القالب الذي كان يمكن لنجمة أن تنحبس فيه؛ فهي شابة جميلة، مرحة، لديها القدرة والرغبة في السهر وممارسة اللهو في المراقص خارج الجامعة، حد الطيش، لولا أنها في لحظة من لحظات التأمل تتنبّه إلى ضرورة استثمار طاقتها المعنوية ومهاراتها المهنية؛ عوضاً عن التلهي بمواهبها الجسدية، وذلك على خلفية توالي الأخبار عن تنامي العنف في الجزائر.
وتتالى أخبار التفجيرات التي صارت جزءاً من المشاهد اليومية. وما إن تشرع في تنفيذ الخطوات الأولى في تنفيذ مشروعها المتمثل في تصميم وعرض أزياء لفساتين «الحايك»، حتى تُصاب بنكسة، إثر مقتل أختها الصحافية والمصورة الشابة ليندا على يد متطرفة منقبة أمام منزلهم، الأمر الذي أعادها إلى نقطة الصفر، حيث الإحباط واليأس والخوف من المستقبل. وبتشجيع ومؤازرة من صديقاتها استعادت نشاطها وحيويتها، واستأنفت العمل في مشروعها، في الوقت الذي كانت فيه ملصقات الدعوة للنقاب تملأ جدران الجامعة، لدرجة أن قوة من المتطرفين الذين قويت شوكتهم تمكنوا من تخريب كل ما أنجزته نجمة وصديقاتها، حيث بات من الصعب على مديرة السكن الداخلي لطالبات الجامعة الموافقة على تنفيذ العرض.
وبعد مفاوضات واشتراطات توافق ليعود الأمل مرة أخرى إلى الشابات. وما إن يبدأ العرض وتظهر الفتيات مختالات بأجسادهن وفساتينهن الباهرة، وسط تصفيق وإعجاب وابتهاج الحاضرات، حتى تقتحم الصالة قوة مسلحة تطلق النار في كل الاتجاهات، وبذلك يتحول العرض إلى مجزرة، تموت فيه كهينة، فيما تنجو منه نجمة بأعجوبة.
إنه فيلم ضد الوصاية الذكورية والتطرف الديني، لدرجة أن الأب والأخ والزوج لا وجود لهم. وكأن الشابات على المستوى الاجتماعي وُلِدن ليجابهن الحياة بمفردهن. وعلى المستوى العاطفي، لكل شابة خيبة حُبّ مع رجل. سميرة التي أصر أهلها على زواجها من سالم نامت مع زهير فحملت منه ليتركها أمام خيارين قاتلين: الإجهاض أو مواجهة الأهل. وسيلة انتهت قصتها مع حبيبها كريم بالضرب والتعنيف بعد أن اكتشف أنها طالبة، لأن سكن الجامعة الداخلي «بيت دعارة في الهواء الطلق»، حسب تعبيره. أما نجمة فقد فضّل حبيبها الهجرة على الارتباط بها والبقاء في الوطن، على اعتبار أن «الجزائر غرفة انتظار كبيرة»، بتعبير كهينة.
وهذه هي سيرة الشباب الجبان الغادر كما قدمها الفيلم، المتمثلة في كريم ومهدي ومختار وعبد الله. وهو انحياز مبالغ فيه بمقتضى الخطاب النسوي الذي صُمم به الفيلم. حيث تظهر تجليات ذلك الخطاب في لغة ونبرة نجمة المتحدية، الرافضة للخضوع والوصاية الذكورية، حيث تحرضهن دائماً على عدم الامتثال لما يمليه وما يريده الرجال، كجرأتها على مخاطبة كريم بلغة هجائية: «أتكلم إلى البغل الذي في رأسك»، وفي حوارها مع عبد الله صاحب محل لوازم الخياطة الذي أحاله إلى معرض لبيع العباءات السوداء المستوردة من الخليج العربي، بعد أن باعه لتاجر إماراتي. وبالمقابل، كانت تدعو الصبايا للاحتفال بالحياة والاعتداد بذواتهن. كما بدا ذلك واضحاً ومبهجاً في نوبات اللعب والرقص والغناء، التي احتلَّت مساحة عريضة من الفيلم.
هكذا يبدو الفيلم، وكأنه متوالية من الغارات الهمجية ضد جماليات ومعنى الحياة. فعندما كانت الفتيات ينصتن إلى مدرّس اللغة الفرنسية، وهو يقول: «الحياة ليست بالقتال مع الآخرين»، اقتحمت الفصل قوة نسائية من المنقبات وصرخت إحداهن: «لعن الله قوماً يتحدثون الأجنبية»، وسط ذهول ورعب الطالبات.
وفي لحظة من لحظات المرح بين نجمة وصديقاتها حيث الرقص والغناء، اقتحمت قوة أخرى غرفتهن؛ فحدثت مشادة كلامية بين نجمة ورئيستهن التي اتهمت الفتيات بالفجور والفسق، إلى أن انتهت المجابهة بعبارة جارحة وجهتها رئيسة الأخوات إلى نجمة: «غطي نفسك قبل لا يغطيك الكفن». أما الغارة الأكثر عنفاً ووحشية؛ فهي تلك التي ارتكبها رجال ملثمون مسلحون ليلة العرض، حيث أطلقوا من الرصاص ما يكفي لقتل أحلام وبهجات الشابات وزرع الخوف العميق في نفوسهنّ من المستقبل.
لا يخلو الفيلم من شبهة التنميط التي تحبس الإنسان الجزائري في قوالب فلكلورية صلبة، مقابل مرونة الفتيات المتفرنسات وانفتاحهن الثقافي الواسع على الحياة كشكل من أشكال التحضُّر، وهي منظومة صور تستدعي شبهة الفرانكفونية أيضاً، تلك القضية الوعرة في المشهد الجزائري، حيث يعبر الفيلم عن تصالح صريح مع أنموذج المستعمر الفرنسي سواء من خلال الامتثال اللغوي أو الاقتداء السلوكي المتمثل في جميع أشكال التماس مع الحياة عبر الملبس وطرائق اللهو والتعبير عن الحضور الفردي. ولكن تلك الظلال الباهتة لا تصمد أمام طبيعة الصراع الهوياتي الذي حتّمه سياق الفيلم، إذ لم يغالِ في تبشيع صورة المشهد الجزائري، ولم يلجأ إلى استدعاء ألبوم الصور الاستشراقية، بقدر ما حاول أن يحصر المجابهة مع قوة ظلامية تريد أن تسحب الجزائر إلى الخلف.
بكفاءة وبراعة تمكنت المخرجة مينة مدور من بلورة خطاب الجمال والأناقة والشباب وحُبّ الحياة ضد خطاب العنف والكراهية. بشريط بصري مبهج ومتخفف من مشاهد العنف والدم، ومن الغرغرة الخطابية أيضاً. حتى مشهد الذعر والدموع الأخير لم يطمس ضحكات الشابات وإحساسهن الأنثوي بجمالية الوجود. كما بدا ذلك من خلال أدائهن العفوي الاحترافي. إذ يبدو أن «بابيشا» فيلم مستوحى من الواقع، ولكنه لا يؤرخ لشخصيات بذاتها بقدر ما يسمح للخيال بتوليد الإحساس المضاد للعنف، المندد بكل أشكال الكراهية. وهذه هي أفكار الفيلم المحشّدة بشكل مركز في شحنات شعورية تستفز حواس المتلقي وتؤانسه.
- ناقد سعودي


مقالات ذات صلة

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم، منذ أيام الفراعنة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من الفيلم تجمع «شاهيناز» وأولادها (الشركة المنتجة)

«المستريحة»... فيلم مصري يتناول النصّابين يمزج الكوميديا بالإثارة

تصدَّرت مجسّمات دعائية للأبطال دار العرض عبر لقطات من الفيلم تُعبّر عنهم، فظهرت ليلى علوي في مجسّم خشبيّ جالسةً على حافة حوض استحمام مليء بالدولارات.

انتصار دردير (القاهرة )

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لواحدة من أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذا العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى أن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفعالية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني وتستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقة تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسنح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

ومن جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين من أن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق كمكان لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».