علت الاحتجاجات ضد حلقات مسلسل «رامز مجنون رسمي» وتسابقت المواقع لنشر ما يُقال حول هذا البرنامج والمبررات المسوقة لإيقافه. وهي مبررات وجيهة بلا ريب، وإن كانت الكلمة الأخيرة في هذا الموضوع ما زالت في إطار التكهنات. ربما تنجح هذه الاحتجاجات، ومن بينها ما صدر عن نقابة المهن الفنية في مصر، في إيقاف بثّ البرنامج وقد لا تنجح. المسألة مدوّية، لكنها ليست بسيطة.
شخصياً، وجدت نفسي ابتسم مرّات عدة حين شاهدت بعض حلقات المسلسل. إنها الابتسامة ذاتها التي تجد طريقها إلى شفتي حين كنت أشاهد فيلماً لإسماعيل يس أو جيري لويس.
رامز جلال شخصية ذكية تعرف ما تفعل وتفعل ما تقرره من دون وجل. الدقائق العشر الأولى من كل حلقة، تلك التي يبث فيها تعليقاته حول ضيوفه، هي التي تستدعي الابتسام. يلقي النكات بطلاقة وبلا تردد وتصدر عنه السخرية كمدفع رشاش يحصد ما أمامه.
بعد ذلك، البرنامج سخيف وقاسٍ ومجحفٌ بحق ضيوفه. لكن اللوم يجب ألا ينحسر في شخص رامز جلال، ولا في الشركة التي تنتج برنامجه، ولا في المحطة التي تبثّ هذا البرنامج. الثلاثة مذنبون بلا ريب، ومسؤولون بلا تردد عن توفير برنامج يقوم على نصب الفخاخ لضيوفه وممارسة لعبة قهر علنية.
لكن المسألة لا تتوقف عند مسؤولية هذه الجهات الثلاث. هناك الضيوف الذين يعرفون من هو رامز جلال ويوقّعون على عقد الظهور معه، خصوصاً من بعد اطلاعهم على المبلغ المغري الذي سيقبضونه. هناك كذلك الجمهور الذي يتابع هذا المسلسل ويواظب عليه ضاحكاً ومتسلّياً أو خائفاً. والرهط الكبير من المعلنين… ذلك السبب الأساسي في نجاح توليفة رامز منذ البداية.
رامز ذكي من حيث إنه احتاط لنفسه قانوناً ولم يلوِ ذراع أحد لإجباره على قبول الظهور في برنامجه. ذكي من حيث يعرف كيف يسلّي المشاهدين في بيوتهم ويلعب على أعصابهم ويمارس النكتة المغمّسة بالألم. ثم ذكي من حيث علمه كيف يبقى ناجحاً رغم كل الاحتجاجات؛ بل بسببها أيضاً. هل هو مستاء من الهجوم عليه؟ هل شركة الإنتاج ومحطة البثّ مستاءتان مما يُقال بحق البرنامج؟ طبعاً لا.
الجمهور وحده هو من يستطيع وضع نهاية عملية لبرنامج «رامز مجنون رسمي»، إن لم يكن في هذا الموسم ففي الموسم المقبل؛ لأنه إذا ما قرر أن عليه أن يرتقي إلى درجة المسؤولية واتخاذ القرار وتوقف عن متابعة البرنامج، امتنع الإعلان، وإذا امتنع الإعلان امتنع الإنتاج، وبالتالي البثّ.
«فلانتينو» كَبُر ولم يكبر
لا أعرف ممثلاً كوميدياً عربياً سأل نفسه عن السبب في أن تشارلي تشابلن وبستر كيتون وجاك تاتي وقلة سواهم بقوا نماذج للكوميديين الأكثر نجاحاً حول العالم، في حين أن غالبية من أقدم على الكوميديا الصرفة لعب الدور ثم انتحى جانباً ولم ينل الإقبال والشهرة ذاتها.
ربما يُرجع البعض السبب إلى أن تشابلن وكيتون وتاتي وروبرتو بينيني ممثلون أجانب بأسواق عريضة مفتوحة أمام مواهبهم. لكن لو كانت هذه الحال لنجح آخرون كثيرون في السينما الغربية ما دامت تصل إلى كل مكان.
السبب الحقيقي هو أن الكوميدي الذي ما زلنا نضحك له كلما شاهدناه في فيلم له، لعب طويلاً وعلى نحو دائم، شخصية الرجل - الضحية. يخطئون أكثر مما يصيبون. يسقطون. يُطاردون. يدافعون عن أنفسهم بأقل الأدوات المتاحة. هم ضحايا تقدم صناعي تركهم وحيدين في محيط لا يعترف بهم (أفلام جاك تاتي نموذج جيد، كذلك كل أعمال بستر كيتون، وغالبية أفلام تشارلي تشابلن وهارولد لويد).
لو انتقل أحدهم، مباشرة من بعد شهرته، لوضع المتسيّد أو الماهر الذي لا يمكن لأحد أن يوقع به (بالمصري «الفهلوي») ولو أصبح على مكانة تؤهله للاتصال بالوزير (كما يكرر عادل إمام في مسلسلاته وعندما كان يظهر في الأفلام) لفقد بريقه وتحوّل إلى ظل من الأمس تائه في ركب اليوم.
«فلانتينو»، الذي كان من بين أوائل المسلسلات التي تناولناها هنا، يدخل حلقته الثانية عشرة، وما بدأ من تصوير بطله عادل إمام على قدر من السُلطة (تحت سُلطة زوجته) بات الآن سُلطة مطلقة ولو على محيطة المباشر.
هذا لا يمنعه في أحد المشاهد من الحديث عن اتصال هاتفي مزمع مع الوزير. ولا يمنعه من أن يقول دفاعاً عن سنوات عمره (في المسلسل) إنه ما زال قوياً «ولا شلال نياغرا». وحين يعود مع إحدى الفتيات الشابات من جولة قاما بها تبحلق به معجبة وتؤكد له أنها استمتعت بصحبته وتوعز بأنه ملك قلبها وحواسها. وهو في المقابل يسبل عينيه ويوحي للمشاهدين بأنه ما زال معبودَ النساء ودون جوان خطيراً.
في أفلامه السابقة أدّى شخصية مختلفة. شخصية يجوز لها أن تقع وتقف ثم تقع من جديد... أن تُصاب بخيبات الأمل وتكشف عن قدراتها المحدودة إزاء عالم متغير أو مجتمع لا يرحم. لكنه ترك شخصية المظلوم وتحوّل إلى شخصية القادر على بسط سلطته كيفما توجه بها ولم ينسَ، مسلسلاً بعد مسلسل، الظهور بمظهر الرجل الذي بات ينعم بالجاه والسُلطة والاتصالات القوية. لقد آثر الانتقال من تمثيل دور الضعيف إلى دور القوي، وبذلك لم يعد لديه، ومهما حاول المسلسل فعله، أن يقدّمه بإقناع أو بقناعة.
«سُكّر زيادة» ليس زيادة
الجمع بين نادية الجندي ونبيلة عبيد لأول مرّة (سينما أو تلفزيون) لا بد من أنه بدا للشركة المنتجة (شركة الصبّاح - لبنان) «خبطة» العمر. هما لم تلتقيا من قبل، وكانتا على طرفي نقيض في سباق الشهرة في السبعينات وما بعد، وكلتاهما تحوّلت إلى أيقونة من زمن بعيد. ثم كلتاهما لا تجد كثيراً من العروض المتاحة لعودتها إلى الشاشة على نحو متواصل كما حال الممثلات والممثلين الشبّاب.
إذن؛ نعم هي «خبطة» ناجحة بالمعيار الإنتاجي أدّت إلى إشراكهما في بطولة «سكّر زيادة» (تلفزيون دبي) الذي هو ليس بالمسلسل القصصي الكامل، بل «سيتكم شو» يتألف من 30 حلقة؛ كل حلقة تدور (غالباً) داخل بيت - استوديو ليحكي قصّة محددة متصلة - عبر شخصياتها الرئيسية الثلاث (عبيد والجندي وهالة فاخر) - بالحلقة السابقة، لكن مع حكاية صغيرة جديدة في كل مرّة.
يروي الإطار الكبير لمسلسل «سُكّر زيادة» (وهو عنوان مسرحية مصرية كوميدية تم تقديمها سنة 1985 من بطولة معالي زايد وأبو بكر عزت وعبد الله فرغلي) حكاية امرأة اسمها كريمة (نبيلة عبيد) التي تخلت عن كل أملاكها لابنها واشترت ڤيلا جميلة. قبل أن تصل إليها تنتقل عصمت (نادية الجندي) التي طلقها زوجها حديثاً ومعها صديقتها جميلة (هالة فاخر) إلى الڤيلا ذاتها بسبب قيام صاحبة الملك ببيعها للاثنتين قصداً وعمداً ثم الهرب بما جنته.
ما يرد في كل حلقة مواقف ومشاكسات كوميدية، فإلى أن يتم البت في هذا الوضع لا بد من أن يتعايشا، ولو أن كريمة تخطط (في إحدى الحلقات القريبة) لتخويف عصمت ودفعها لترك البيت عن طريق استئجار رجلين يروّعان عصمت وصديقتها مدعيين أنهما صاحبا العقار ذاته.
تدرك كيف ستتصرف إحدى الممثلات وكيف سيكون رد فعل الممثلة الأخرى. وفي كثير من المواقف تذهب بك الذاكرة إلى أيام ما كانت تزخر به الأفلام والمسلسلات قديماً من مواقف مشابهة وحوارات متكررة (هناك كثير منها في مسلسل «فلانتينو» أيضاً) وافتعال مواقف كل موقف منها هو ملجأ لا خيار للممثلة سواه.
بين الممثلات الرئيسيات الثلاث ما زالت نبيلة عبيد تضيف إلى الدور، وهو ما يميزها عن منافساتها. بعض الابتسامات تتوزع هنا وهناك، لكن هذه «الخبطة» لم تُصدر في نهاية الأمر الدويّ المطلوب، ولا احتوت على ما يكفي من مهارات إنتاج وتأليف وإخراج لمنح الممثلات ما هو أجدى من تلك المواقف الساذجة في أحيان كثيرة.
«سكر زيادة»... لقاء فريد بين فنانتين وفرصة العمر الضائعة
«سكر زيادة»... لقاء فريد بين فنانتين وفرصة العمر الضائعة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة