في قلب جداريات دييغو ريفيرا المكسيكية

دأب على تصوير العمال في معظم أعماله الفنية

اللوحات الجدارية من أعمال الفنان دييغو ريفيرا في القصر الرئاسي بمكسيكو سيتي (غيتي)
اللوحات الجدارية من أعمال الفنان دييغو ريفيرا في القصر الرئاسي بمكسيكو سيتي (غيتي)
TT

في قلب جداريات دييغو ريفيرا المكسيكية

اللوحات الجدارية من أعمال الفنان دييغو ريفيرا في القصر الرئاسي بمكسيكو سيتي (غيتي)
اللوحات الجدارية من أعمال الفنان دييغو ريفيرا في القصر الرئاسي بمكسيكو سيتي (غيتي)

هناك في الركن الشرقي من ساحة زوكالو المثيرة للإعجاب في قلب مدينة مكسيكو سيتي، وهي من أكبر الساحات العامة في أميركا اللاتينية، إذ تبلغ مساحتها 49 ألف متر مربع تقريباً، يصطف طابور من السياح بانتظار مشاهدة كنز من الكنوز السرية. ويضم القصر الوطني، مقر الحكومة المكسيكية، سلسلة من اللوحات الجدارية من أعمال الفنان دييغو ريفيرا، أكثر الرسامين شهرة -وربما الأكبر نفوذاً- في طول البلاد وعرضها، الذي ما تزال أعماله محل التبجيل والتقدير والاحترام حتى يومنا هذا. ويتذكر الناس في المكسيك ذلك الفنان الرائع لقصة حبه الجميلة لزميلته الفنانة المكسيكية فريدا كاهلو.
ولكي تتمكن من الدخول إلى القصر الوطني، حيث يعمل الرئيس أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، لا يلزمك سوى التحلي بقليل من الصبر، مع تقدم طابور الوقوف بخطى حثيثة. وعند وصولك أخيراً إلى البوابة، حيث تجد في انتظارك حارس البوابة الودود للغاية الذي يطلب منك في أدب الاطلاع على هويتك الشخصية، تكتشف أن هذا ليس مجرد مكتب السيد الرئيس، وإنما المكان الذي يضم بين جنباته جداريات دييغو ريفيرا مع مجموعة من الآثار المكسيكية الأخرى التي تحظى بتقدير وحماية الحكومة، وسط كوكبة من البساتين والحدائق المورقة الغناء.
وفي الفناء المركزي بالقصر الرئاسي، وعلى الدرج الرئيسي، يمكنك الزيارة مجاناً بلا رسوم، ومن إحدى جداريات الفنان دييغو ريفيرا المثيرة للإعجاب، نجد جدارية «ملحمة الشعب المكسيكي». وتبلغ مقاسات هذا العمل الفني العملاق 276 متراً مربعاً، وينبغي على الزوار الانتقال حول الدرج، ثم عبر الأرضية الفاصلة، حتى يتمكنوا من مشاهدة اللوحة الجدارية بالكامل. ومن المحال ألا تتأثر تماماً بالحجم الهائل للجدارية التي أمامك، وبالتفاصيل الكثيرة التي تحتويها.
وترى في جداريات دييغو ريفيرا قدراً معتبراً من الرومانسية، مع إمارات آيديولوجية التحرير البادية في كل ركن من أركانها. ويتجلى هذا ظاهراً في تصويره للعمال الذين أدرجهم الفنان إدراجاً داخل أغلب أعماله الفنية. ولقد كان دييغو ريفيرا شيوعياً محضاً طيلة حياته، ومن أشد المدافعين عن حقوق العمال، كذلك أوضح كارلوس فيليبس الذي التقى مع الفنان الراحل، وأصبح اليوم مدير متحفي دييغو وفريدا في المكسيك.
وتحتوي هذه اللوحة الجدارية، وهي اللوحة الرئيسية المعروضة في القصر، على عدة لحظات عظيمة فارقة، إذ تفصل المنطقة الوسطى من الجدارية تاريخ البلاد، ثم التدخل الأميركي في عام 1847، ثم الإصلاح الليبرالي، ثم الصراع من أجل الاستقلال في عام 1810، ثم أخيراً الثورة المكسيكية.
ويعكس الجزء الجنوبي من اللوحة الجدارية، الذي بدأ الفنان دييغو ريفيرا في رسمه عام 1929، الرؤى السياسية للفنان نفسه التي كانت شيوعية النزعة والاتجاه بصفة علنية واضحة. وبالتالي، فليس من المستغرب على أحد أن يتبين رؤيته الخاصة للمكسيك، حيث كثير من العمال والفلاحين، فضلاً عن صورة لكارل ماركس.
وأمضى دييغو ريفيرا 22 عاماً من عمره في رسم هذه اللوحات الجدارية التي تعكس افتخاره العميق بالهوية الوطنية والثقافة المكسيكية.
وكانت الحكومة المكسيكية قد تعاقدت مع الفنان دييغو ريفيرا لإخراج عمل فني يفصل للناس ويشرح لهم -إذ كان أغلبهم من الأميين في ذلك الوقت- تاريخ المكسيك الوطني، وكانت النتيجة عبارة عن مخطط زمني عريض موسع لماضي المكسيك وحاضرها المعاصر. ولا يمكن اعتبار تلك اللوحات الجدارية تحمل جماليات الأعمال الفنية الكلاسيكية، إذ إنها تحتوي على قدر كبير من الجرأة، وهي جرأة صادمة في بعض الأحيان، مع إبراز واضح لسحر وموهبة دييغو ريفيرا، فضلاً عن شغفه بتسليط الضوء على أهمية الثقافات الأصلية للبلاد. وهناك لمحة حزينة تعلو مُحيا بعض أبطال اللوحات الجدارية، وهي تعبيرات شديدة العمق والألم في بعض الحالات، ولكنها تعكس في الوقت نفسه الشجاعة والفخر بالأزياء التقليدية الجميلة للغاية.
يقول كارلوس فيليبس، مدير المتحف: «كانت المكسيك في عشرينيات القرن الماضي أمة أمية بصفة أساسية، وكان 80 في المائة من عموم السكان لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، ولذلك كانت هذه هي الطريقة الوحيدة لشرح وتفسير تاريخ بلادهم إليهم».
ومع تسلق الدرج، يمكن اكتشاف مزيد من الجداريات، وإنما بأحجام أكثر تواضعاً، مقارنة بالجدارية الأم الكبيرة. ويعكس بعضها المحاصيل التي يعتاد السكان زراعتها، مثل محصول الذرة، وهو ما يزال من المكونات الضرورية في النظام الغذائي الأساسي في البلاد.
تكثر الألوان وتتداخل في هذه اللوحات الجدارية التي خضعت لعملية ترميم كاملة في عام 2009، احتفالاً بمرور مائة عام على قيام الثورة المكسيكية. وهناك لون واحد يتسيد بقية الألوان ويهيمن عليها، وهو اللون البني المحمر، في دلالة إلى أهمية لون بشرة سكان البلاد الأصليين.
ويستطرد كارلوس فيليبس: «لن يتمكن دييغو ريفيرا من الانسحاب أبداً من مخيلة وأذهان وتاريخ البلاد، فلديه أيقونة ضخمة الحجم هائلة المغزى عظيمة الرؤية. وأعتقد أنه رسام المكسيك الأول في القرن العشرين الذي سوف تداوم كتب الثقافة ومؤلفاتها المختلفة على ذكره، والعطف على سيرته وإنجازاته الفنية، وذلك من حسن حظ الجداريات التي تركها وراءه قبل رحيله».
يصل كثير من السياح إلى هنا طوال اليوم، ويرافق بعضهم مرشد سياحي خبير، رغم أن الأمر لا يحتاج إلى الاستعانة بأحدهم للزيارة أو الحجز المسبق للجولة السياحية، فهناك طابقين اثنين مفعمين بالأعمال الفنية. وفي حين أن بعض الزوار يتوقون لاستكمال الجولة بأسرها في دقائق معدودة، يفضل بعضهم الآخر التأني والتوقف عند كل تفصيلة من تفاصيل لمسات فرشاة دييغو ريفيرا المثالية، حيث يجلسون على الكراسي التي أعدت خصيصاً لمشاهدة الجداريات في الطابق الثاني.
ومن حسن الحظ أن تاريخ المكسيك، وفقاً لرؤية دييغو ريفيرا الفنية، لا يمكن العثور عليه فقط في القصر الرئاسي الوطني، وإنما في كثير من المتاحف المكسيكية الأخرى، مثل متحف «أناهواكالي» الذي يضم بين جنباته القطع الأثرية لما قبل الحقبة الإسبانية، مما كانت ملكاً للفنان ريفيرا، وبالطبع هناك «البيت الأزرق» الذي شهد حياته المشتركة مع حب عمره الكبير الفنانة المكسيكية فريدا كاهلو.



أقدم آلة تشيللو أسكوتلندية تعزف للمرّة الأولى منذ القرن الـ18

مبهجة ودافئة (جامعة «أبردين»)
مبهجة ودافئة (جامعة «أبردين»)
TT

أقدم آلة تشيللو أسكوتلندية تعزف للمرّة الأولى منذ القرن الـ18

مبهجة ودافئة (جامعة «أبردين»)
مبهجة ودافئة (جامعة «أبردين»)

خضعت آلة تشيللو يُعتقد أنها الأقدم من نوعها في أسكوتلندا لإعادة ترميم، ومن المقرَّر أن تعاود العزف مرّة أخرى في عرض خاص.

ووفق «بي بي سي»، يعود تاريخ صنعها إلى عام 1756، أي قبل 268 عاماً، على يد الحرفي روبرت دنكان في أبردين، وجرى التبرُّع بها لتنضم إلى المجموعات الخاصة بجامعة أبردين، تنفيذاً لوصية من الطالب السابق جيمس بيتي الذي أصبح أستاذاً للفلسفة، من لورانسكيرك بمقاطعة أبردينشاير الأسكوتلندية، وذلك بعد وفاته عام 1803.

الآن، بعد ترميمها، ستعزف التشيللو علناً، ويُعتقد أنها ربما المرّة الأولى التي تعزف فيها الآلة منذ القرن الـ18، وذلك على يد العازفة لوسيا كابيلارو، في محيط كاتدرائية «كينغز كوليدج» المهيب التابع للجامعة، مساء الجمعة.

يعود تاريخ صنعها إلى عام 1756 أي قبل 268 عاماً (جامعة «أبردين»)

بعد وفاة جيمس بيتي عام 1803، جرى التبرُّع بمخطوطاته وخطاباته وآلة التشيللو لمصلحة الجامعة، إذ ظلّت موجودة منذ ذلك الحين. وعزف عليها هذا العام المرمِّم والحرفي وصانع الآلات الوترية، ديفيد راتراي، الذي قال: «الحرفية التي تظهر في هذه الآلة استثنائية. وقد تكون أقدم تشيللو أسكوتلندية باقية على قيد الحياة، ولا تزال في حالة باروكية نقية، وتُظهر براعة أحد أفضل صانعي الكمان في أبردين».

أما العازفة لوسيا، فعلَّقت: «العزف عليها مثير جداً، لم يكن الأمر كما توقّعت على الإطلاق. قد تكون لديك فكرة مسبقة عن صوت الآلات وفق ما تسمعه من كثيرها اليوم. أحياناً، كنتُ أتوقّع أن يكون صوتها أكثر اختناقاً، لكنها رنانة بدرجة لا تُصدَّق. تشعر كأنه لم يُعبَث بها».

وأوضحت: «لتلك الآلة صوت فريد، فهي نقية ومبهجة، وفي الوقت عينه هادئة ودافئة. إنها متعة للعزف؛ تُشعرك كأنها أكثر تميّزاً مما توقَّعت».

بدوره، قال المُحاضر في الأداء الموسيقي بجامعة أبردين، الدكتور آرون ماكغريغور: «مثير جداً أن نتمكن من سماع تشيللو جيمس بيتي يُعزف علناً ربما للمرّة الأولى منذ رحيله، في المكان المناسب تماماً، بكاتدرائية (كينغز كوليدج)».

وأضاف: «الحفل يجمع بين السوناتا الإيطالية وموسيقى الغرف مع إعدادات من الموسيقى الأسكوتلندية، ويعرُض طيفاً من الموسيقى التي استمتع بها جيمس بيتي ومعاصروه».

وختم: «مجموعة (سكوتس باروكي) الأسكوتلندية رائعة، وتجمع بين الموسيقى المُبكرة والأداء على الآلات الموسيقية التاريخية، مع برامج مبتكرة وأداء درامي. لذا؛ يُعدّ هذا الحفل حدثاً فريداً لا يمكن تفويته».