تصاعد الانتقادات الروسية للأسد... وتباين في موسكو إزاء تفسيرها

الرئيس السوري بحث مع وزير الخارجية الإيراني تطوير العلاقات الثنائية

الرئيس السوري بشار الأسد مستقبلاً وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في دمشق أمس (رويترز)
الرئيس السوري بشار الأسد مستقبلاً وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في دمشق أمس (رويترز)
TT

تصاعد الانتقادات الروسية للأسد... وتباين في موسكو إزاء تفسيرها

الرئيس السوري بشار الأسد مستقبلاً وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في دمشق أمس (رويترز)
الرئيس السوري بشار الأسد مستقبلاً وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في دمشق أمس (رويترز)

لم تكد تهدأ الضجة التي أثيرت بعد نشر استطلاع للرأي أعدته مؤسسة روسية وأظهر تدهوراً في شعبية الرئيس السوري بشار الأسد وفقدانه القدرة على إصلاح الوضع في البلاد، حتى برز عنصر جديد عزز مواقف أطراف في روسيا تحدثت عن توجيه إشارات ورسائل حازمة للقيادة السورية حول ضرورة تغيير سلوكها السياسي وانتهاج سياسة إصلاحات جادة، في وقت استقبل فيه الأسد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في دمشق أمس.
ونشرت مواقع روسية مقربة من مركز صنع القرار في موسكو مقالة لافتة حملت انتقادات لاذعة جديدة، وكتبها السفير الروسي السابق ألكسندر اكسينيوك الذي يعمل حالياً مستشاراً لدى المجلس الروسي للشؤون الدولية، وهو مركز يقدم استشارات لوزارة الخارجية. واللافت أن مقالته نشرت بالتزامن على موقع المركز وعلى الموقع الإلكتروني لـ«نادي فالداي للحوار» الذي أسسه الرئيس فلاديمير بوتين وبات يعد أرقى منتدى للحوار الاستراتيجي في روسيا.
ووجه الدبلوماسي انتقادات لاذعة للنظام، وقال: «دمشق لا تبدو مهتمة بعرض نهج يتمتع بالمرونة وبعد النظر وتواصل الاعتماد على الحل العسكري القائم على دعم من حلفائها إلى جانب حصولها على مساعدات مالية واقتصادية غير مشروطة مثلما كان يحدث خلال المواجهة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة».
وقال إنه على مدى سنوات الحرب كان «من الصعب أن نميز في أغلب الأحيان بين هدف مكافحة الإرهاب والعنف الذي تمارسه الحكومة ضد مناوئيها». ورأى أن هذا بين أسباب «تصاعد التوتر مجدداً في المناطق الجنوبية الغربية من سوريا التي تم تحريرها بموجب اتفاقيات وقعت مع قسم من المعارضة المسلحة حول تقاسم سلطة محلية شبه مستقلة في تلك المناطق. ثم كثرت عمليات القتل والتهديد والخطف في ظروف غامضة على خلفية الاعتداءات التي قامت بها المخابرات السورية».
وتطرق إلى استناد النظام إلى «خطاب الانتصار» ومواصلة تلويحه باستكمال أعمال القتال، ورأى أنه «يتحدث بلغة منفصلة عن الواقع»، لافتاً إلى أنه «رغم النجاح التكتيكي الذي حققته الحملة العسكرية على إدلب بدعم من القوات الجوية الروسية، فإنها كشفت عن حدود ما هو ممكن. فخلال سنوات الحرب، تكبد الجيش السوري خسائر كبيرة في العدة والعتاد. وخارت صلابة قوات النخبة القادرة على القتال». وزاد أن «البيانات والخطابات الصادرة عن أعلى وأرفع المستويات فيما يتصل باستخدام القوة في حال عدم رحيل القوات التركية والأميركية عن سوريا، تبدو منفصلة عن الواقع». وخلص إلى أن «حديث النظام عن استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية لا يتناسب مع قدراته الاقتصادية ولا توجهات حلفائه ولا مع الوضع على الأرض».
وفي حصيلة للحرب، أورد الدبلوماسي أن «الناتج المحلي السوري هبط خلال 9 سنوات من 55 مليار دولار إلى 22 ملياراً، وتحتاج سوريا على الأقل إلى 250 مليار دولار لإعادة الأمور إلى نصابها، و50 في المائة من المنازل دمرت ونصف المرافق الصحية و40 في المائة من المدارس والجامعات، وارتفع معدل الوفيات 3 أضعاف، ووصل مستوى الرازحين تحت خط الفقر إلى 80 في المائة من السكان وانخفض معدل الأعمار بين السوريين 20 سنة».
ورأى أن التحديات الاقتصادية التي تواجهها سوريا الآن أخطر من تلك التي عانت منها خلال مرحلة الأزمة. وتطرق الكاتب بالتفصيل إلى الوضع الاقتصادي وملف الفساد، مشيراً إلى أن «الحكومة المركزية في دمشق فشلت في استعادة السيطرة على الحياة الاقتصادية في المحافظات والرشاوى والإتاوات التي تفرض على الشحن في حال التجارة أو النقل أو العبور، وكذلك على القوافل الإنسانية تذهب لسلسلة تضم قطعات في الجيش تتمتع بامتيازات، أو لفروع الأمن، أو لوسطاء وسماسرة تجاريين، ومن يرتبط بهم ويواليهم من كبار رجال الأعمال وأصحاب المشاريع، وهاتان الفئتان ترتبطان بشكل أساسي بعائلة الرئيس وكل من أثرى خلال فترة الحرب». وانتهى إلى أنه «لا يمكن للواقع أن يستمر دون إعادة بناء الاقتصاد ودون تطوير المنظومة السياسية التي لا بد أن تقوم على نهج شامل وموافقة دولية، ويعتبر ذلك غاية بالأهمية، لأن الانتخابات الرئاسية المقبلة لعام 2021 باتت على الأبواب».
وتباينت ردود الفعل داخل أوساط روسية حول الحملة القوية على «تقاعس النظام وعجزه وغرقه في الفساد» بين فريقين رأى أحدهما أن موسكو «ضاقت ذرعاً لعدم استماع دمشق لنصائحها حول آليات التحرك الممكنة، خصوصاً أن تصرفات النظام باتت تهدد تحركات موسكو السياسية»، في حين رأى فريق آخر أن وراء الحملات قطاع الأعمال الروسي الذي يتذمر لأنه يواجه «عراقيل تضعها أوساط سورية أمامه برغم كل الجهود التي بذلتها روسيا لإنقاذ النظام». وقالت مصادر روسية إنه لا يجب التسرع بإطلاق أحكام حول تغيير في السياسة الروسية تجاه الأسد، لكن هذا الفريق الذي يحظى بحضور قوي ومقرب من الكرملين يمارس ضغوطاً جدية لمواجهة تصاعد الفساد الذي بات يهدد ليس فقط الاستثمارات الروسية بل وأي خطوة سياسية يمكن أن تقوم بها موسكو.
إلى ذلك، أعلن أمس، أن الأسد استقبل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، وأعلنت دمشق أن البحث تطرق إلى جهود مكافحة «كورونا». وشن الأسد حملة على واشنطن خلال اللقاء، وقال إن رفضها رفع العقوبات في ظروف تفشي الوباء يظهر أنها «لا إنسانية». وقال الأسد إن أزمة كورونا فضحت فشل الأنظمة الغربية.
على صعيد آخر، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أن مقاتلة روسية اعترضت طائرة استطلاع تابعة للقوات الأميركية حلقت قرب قاعدة «حميميم» الروسية.


مقالات ذات صلة

لماذا ينتشر فيروس «كورونا» هذا الصيف؟

العالم كبار السن وضعاف المناعة معرضون بشكل خاص للمتغيرات الفرعية الجديدة للفيروس (أرشيفية - رويترز)

لماذا ينتشر فيروس «كورونا» هذا الصيف؟

في شهر يوليو (تموز) من كل عام، على مدى السنوات الأربع الماضية، لاحظ علماء الأوبئة ارتفاعاً مفاجئاً في حالات الإصابة بفيروس «كورونا».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك صورة توضيحية لفيروس «كوفيد-19» (أرشيفية - رويترز)

دراسة تحذر: خطر الإصابة بـ«كوفيد» طويل الأمد لا يزال كبيراً

خلصت دراسة جديدة نُشرت الأربعاء في مجلة «نيو إنغلاند» الطبية إلى أن احتمالية الإصابة بـ«كوفيد» طويل الأمد قد انخفضت منذ بداية الوباء ولكنها لا تزال كبيرة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن يتحدث في فعالية في لاس فيغاس (رويترز)

بايدن يستغل إصابته بـ«كوفيد» لينتقد ماسك وترمب

استغل الرئيس الأميركي جو بايدن إصابته بفيروس «كورونا» للمز الملياردير إيلون ماسك والمرشح الجمهوري دونالد ترمب.

صحتك ومن المهم تحديد التبعات المحتملة للتطعيم ضد «كوفيد» في ظل التوصيات الطبية المنتشرة على نطاق واسع للحوامل بتلقي هذا اللقاح (رويترز)

الإصابة بـ«كوفيد» أو تطعيم الأمّ خلال الأشهر الأولى لا يزيدان خطر تشوه الجنين

دراسة تقول إن الأطفال لا يواجهون أي مخاطر محددة للإصابة بعيوب خلقية إذا كانت الوالدة مصابة بـ«كوفيد» أو جرى تطعيمها ضد المرض في بداية الحمل.

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ف.ب)

بايدن يقول إنه «بحالة جيدة» بعد إعلان إصابته بـ«كوفيد-19»

أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي يعاني «أعراضا خفيفة» بعد أن ثبتت إصابته بفيروس كورونا خلال رحلة له إلى لاس فيغاس في إطار حملته الانتخابية، الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

أزمة وقود في صنعاء تربك الانقلابيين غداة قصف الحديدة

يمني يبيع وقوداً في الشارع وسط أزمة نفط تواجهها صنعاء ومناطق أخرى في البلاد (إ.ب.أ)
يمني يبيع وقوداً في الشارع وسط أزمة نفط تواجهها صنعاء ومناطق أخرى في البلاد (إ.ب.أ)
TT

أزمة وقود في صنعاء تربك الانقلابيين غداة قصف الحديدة

يمني يبيع وقوداً في الشارع وسط أزمة نفط تواجهها صنعاء ومناطق أخرى في البلاد (إ.ب.أ)
يمني يبيع وقوداً في الشارع وسط أزمة نفط تواجهها صنعاء ومناطق أخرى في البلاد (إ.ب.أ)

أدى التزاحم الكبير لليوم الثاني أمام محطات الوقود في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، وبقية المدن تحت سيطرة جماعة الحوثي عقب القصف الإسرائيلي على خزانات الوقود في ميناء الحديدة، إلى ارتباك موقف قادة الجماعة، ودفعهم إلى التخبط في التعاطي مع الأزمة، التي ستزيد من معاناة اليمنيين المستمرة منذ أكثر من 9 سنوات ماضية.

وأكد سكان في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن معظم مناطق سيطرة جماعة الحوثي لا تزال تشهد لليوم الثاني على التوالي أزمة خانقة في مادتي البنزين والديزل ومادة الغاز المنزلي، وارتفاعاً في أسعار غالبية الخدمات والمواد الغذائية، وسط اتهامات واسعة لقادة الجماعة بالوقوف خلف تصاعد الأزمة.

جانب من أزمة محروقات اندلعت في مناطق سيطرة الحوثيين (إكس)

وترافقت الأزمة كالعادة مع انتعاش كبير وغير مسبوق للسوق السوداء بمختلف المناطق في صنعاء ومدن أخرى؛ إذ شهدت أسعار الوقود وغاز الطهي ارتفاعاً ملحوظاً.

وفي حين اكتفت الجماعة الحوثية عبر شركة النفط الخاضعة لها في صنعاء بإصدار بيان تؤكد فيه أن الوضع التمويني، سواء في محافظة الحديدة أو باقي المحافظات، مستقر تمامًا، ولا يوجد أي مبرر للضغط على محطات الوقود، لا تزال هناك طوابير طويلة أمام محطات الوقود.

ووسط الاتهامات الموجهة للانقلابيين بالوقوف وراء افتعال هذه الأزمة، وإخفاء كميات من الوقود في مخازن سرية تابعة لها، بغية المتاجرة بها في السوق السوداء، تشير المصادر إلى قيام قيادات في الجماعة بفتح عدد محدود من محطات الوقود يملكها تجار موالون لها، لكي تبيع المشتقات للمواطنين بأسعار السوق السوداء.

وفي مقابل ذلك أغلقت الجماعة بقية المحطات، وهي بالمئات، ولم تسمح لها ببيع البنزين لضمان تحكمها في السوق السوداء، واستمرار البيع بأسعار مرتفعة، للحصول على أكبر قدر من الإيرادات التي تذهب لجيوبها ودعم عملياتها العسكرية.

هلع شديد

على صعيد حالة الهلع التي لا تزال تسود الشارع اليمني في صنعاء وبقية المناطق؛ خوفاً من تفاقم أزمة الوقود الحالية وتأثيرها المباشر على كل مناحي الحياة الاقتصادية والمعيشية، في ظل غياب أي تدخلات من قبل قادة الانقلاب، هاجم النائب في البرلمان غير الشرعي بصنعاء، عبده بشر، ما سمّاها «السلطة الفاشلة للمزريين إذا لم تحسب حساب مثل هذه الأمور».

أزمة غاز منزلي في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي (إكس)

وفي تعليق آخر، انتقد الناشط اليمني فهد أمين أبو راس، التعاطي غير المدروس للأجهزة التابعة لجماعة الحوثي مع الأزمة. وقال في منشور له بموقع «فيسبوك»: «بينما نحن نطالب الجهات الأمنية الحوثية بالنزول للمحطات وفتحها أمام المواطنين، يفاجئنا أحد ملاك المحطات، ويقول إن إغلاق محطات البترول والغاز جاء بناءً على توجيهات من الجهات الأمنية».

بدوره، أفاد المغرد اليمني أنس القباطي، بأن طوابير الغاز المنزلي هي الأخرى امتدت أمام محطات تعبئة الغاز، لافتاً إلى أن «صمت شركتي النفط والغاز يزيد من تهافت المواطنين».