فريد شوقي... أيقونة «الفتوة» السينمائية التي لا تشيخ

الاحتفاء بمئوية ميلاده في مهرجاني «الأقصر» و«القاهرة» بمصر

مع زوجته السابقة هدى سلطان وابنته ناهد
مع زوجته السابقة هدى سلطان وابنته ناهد
TT

فريد شوقي... أيقونة «الفتوة» السينمائية التي لا تشيخ

مع زوجته السابقة هدى سلطان وابنته ناهد
مع زوجته السابقة هدى سلطان وابنته ناهد

فنان مصري كبير تربع على عرش السينما المصرية في النصف الثاني من القرن الماضي، بعد نجاحه في كتابة وإنتاج وتمثيل عشرات الأعمال السينمائية والتلفزيونية والمسرحية، هو فريد شوقي الذي قدم أدوار الرجل الشرير، في بداية مشواره بالسينما، والرجل الشهم والشجاع والبطل الأحد والخارق، في منتصف عمره، والأب الحنون الذي يحتضن أبناءه خوفاً من انحرافهم إلى الطرق المجهولة.
وبمناسبة مرور 100 عام على ميلاده، قررت مهرجانات سينمائية من بينها مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، ومهرجان القاهرة السينمائي، ومهرجان العالم العربي بباريس. ومؤسسات ثقافية مصرية الاحتفاء بالفنان المصري الكبير الذي رحل وتركه أثره بيننا. وتسلط «الشرق الأوسط» الضوء على حياته الفنية الطويلة، وتفتش عن قرب في ذكرياته الخاصة المليئة بالأحداث، وتزور عائلته في بيته الذي كان مفتوحاً لجميع الفنانين الكبار والصغار قبل وفاته في عام 1998.

«فريد الشرير»
شهد حي السيدة زينب، بالقاهرة، مولد الفنان فريد شوقي، في 20 يوليو (تموز) 1920. وهو الشهر ذاته، الذي توفي فيه أيضاً عام 1998، عن عمر 78 عاماً بعد حياة حافلة بالأعمال الفنية، قدم خلالها نحو 400 فيلم سينمائي، من بينها 14 فيلماً تم اختيارهم ضمن قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية بالقرن الماضي، بجانب 12 مسلسلاً تلفزيونياً، و18 مسرحية.
فريد شوقي، الذي ينتمي إلى أسرة بسيطة، درس الهندسة التطبيقية، ثم اتجه لدراسة التمثيل بالمعهد العالي للتمثيل، على يد الفنان الكبير زكي طليمات، ويعد شوقي حالة فنية فريدة، تطابق اسمه، فقد حظي بقبول جماهيري كبير، وكان وجود اسمه على أفيش أي فيلم كفيل ضمان نجاحه وإقبال الجمهور عليه، وتحقيقه رقماً قياسياً ببقائه على القمة لمدة تزيد عن أربعين عاماً. ولم يكن شوقي ممثلاً فقط، بل تميز كاتباً ومنتجاً أيضاً، وقد كتب بنفسه عشرات الأفلام المهمة بداية من «جعلوني مجرماً» عام 1952 بالاشتراك مع المنتج رمسيس نجيب، الذي حقق نجاحاً كبيراً، وأدى إلى إصدار قانون بإلغاء السابقة الأولى للمجرم، لذلك حمل ألقاباً عدة من الجمهور والنقاد، على غرار «وحش الشاشة»، «وملك الترسو»، و«الملك»، و«أبو البنات»، كما حصل على عشرات الجوائز والتكريمات خلال حياته، وكان يعتز بوسام الفنون الذي منحه له الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.
وشهدت مرحلة الأربعينات تقديمه أدوار الشر الثانوية، في أفلام «ملائكة في جهنم» أول أفلام المخرج حسن الإمام، و«قلبي دليلي» 1947. إخراج أنور وجدي، و«اللعب بالنار» 1948، و«غزل البنات» 1949 وخلال هذه المرحلة شارك في نحو 39 فيلماً

البطل الشعبي
ومع بدايات الخمسينات من القرن الماضي، اتجه فريد شوقي لكتابة بعض أدواره بنفسه التي شهدت بدايات تمرده على أدوار الشر التي سجنه المخرجون في إطارها، فكتب عدة أفلام حققت نجاحاً جماهيرياً كبيراً، منها «حميدو» 1952 للمخرج نيازي مصطفى، الذي فاجأه فريد شوقي، بعرض قصة الفيلم عليه، ليؤدي دور البطولة لأول مرة، وكتب لها السيناريو والحوار السيد بدير وهو صاحب جملة «وشرف أمي» التي ظلت ملازمة لفريد شوقي في أغلب أعماله، منذ فيلمه «كأس العذاب» 1952، ثم توالت أدوار البطولة لأفلام كتبها بنفسه ومنها «الأسطى حسن» إخراج صلاح أبو سيف، و«جعلوني مجرما» إخراج عاطف سالم، الذي شارك في كتابته الأديب العالمي نجيب محفوظ، «الفتوة» 1957 الذي كتب فريد قصته مع محمود صبحي، وكتب له السيناريو نجيب محفوظ والسيد بدير وأنتجه فريد شوقي من خلال شركة العهد الجديد التي أنشأها وأخرجه صلاح أبو سيف، وخلال فترة الخمسينات لعب فريد شوقي بطولة فيلمين على درجة من الأهمية هما «رصيف نمرة 5» و«باب الحديد» عرض الأول عام 1956 من تأليف أحمد مصطفى وحوار السيد بدير وسيناريو وإخراج نيازي مصطفى، وشاركه البطولة محمود المليجي وهدى سلطان، وإنتاج فريد شوقي، والثاني فيلم «باب الحديد» إخراج يوسف شاهين، وتأليف عبد الحي أديب، وبطولة فريد شوقي، وهند رستم، ويوسف شاهين، وقد اختير هذا الفيلم ضمن قائمة أهم ألف فيلم في السينما العالمية بالقرن الماضي، كما كان أول فيلم عربي يرشح للأوسكار.

«الأسطى حسن»
يرى نقاد سينمائيون مصريون، من بينهم كمال رمزي، أن فيلم «الأسطى حسن» هو بمثابة البداية الحقيقية لنجومية فريد شوقي، وخصوصاً بعد مشاركته في أكثر من 30 فيلماً لم يخرج فيها عن نمط الشرير التقليدي، ورغم محاولته تأدية تلك الأدوار بشكل مختلف، فإن ضعف بناء الأدوار لم تمنحه إلا فرصة استخدام بعض الأكليشهيات التي انتقل بها من فيلم لآخر مثل «رفع الحاجب الأيمن»، و«النظرات الإجرامية المباشرة»، لكن «الأسطى حسن» أنقذ فريد شوقي، وفتح له أوسع الأبواب أمام جمهور «الترسو» العريض، وقد انطلقت قدرات فريد شوقي، في هذا الفيلم فتميز بأداء صادق بلا مبالغة، وكان الفيلم قد رفضه بعض المنتجين لأن البطل بمقاييسهم ليس جميلاً ولا أنيقاً ولا يجيد الغناء، ومن ثم لا يمكن أن يكون فتى أول، لكن المخرج صلاح أبو سيف، وجد في بساطة وقوة جسد فريد شوقي، فرصة لتقديمه كبطل شعبي يعبر عن جمهور الدرجة الثالثة، لذلك اشترك مع فريد شوقي في إنتاج الفيلم، وفق رمزي. بعد نجاحه اللافت في «الأسطى حسن» قدم شوقي عدداً من الأدوار الهامة في أفلام تعد من كلاسيكيات السينما العربية من بينها «حميدو»، و«جعلوني مجرماً»، و«فتوات الحسينية»، و«صراع في الوادي»، ليوسف شاهين، و«بورسعيد»، لعز الدين ذو الفقار، و«تجار الموت»، لكمال الشيخ، و«باب الحديد» ليوسف شاهين، و«الفتوة»، و«مجرم في إجازة»، و«بداية ونهاية»، لصلاح أبو سيف، و«الأخ الكبير» لفطين عبد الوهاب، ووفق رمزي فإن هذه الأفلام حددت ملامح فريد شوقي الفنية وجعلت منه بطلاً شعبياً بارزاً بالشاشة الذهبية.
وعن الأعمال التي جمعته بالأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ يقول رمزي: «إن الأفلام التي كتبها محفوظ لشوقي تعد من أكثر أفلام (ملك الترسو) قوة وإقناعاً، حيث استطاع نجيب محفوظ توظيف معرفته وخبرته بالبيئة الشعبية، في رسم شخصيات وملامح قضايا أفلام شوقي». ويعد فيلم «بداية ونهاية» أحد أنجح أفلام فريد شوقي، لا سيما بعد إبراز تضحياته من أجل الأسرة، فمن بين الأمور الإيجابية في أفلامه أنه كان يعد الأسرة بمثابة شعاع الأمل.

أفلام في تركيا
عقب هزيمة مصر في حرب 1967 توقف الإنتاج السينمائي تقريباً بسبب ظروف الحرب، واتجه بعض الفنانين إلى لبنان، وكان من بينهم فاتن حمامة وفريد شوقي، الذي فوجئ خلال وجوده في لبنان، بأحد المنتجين الأتراك يطلب منه أن يقوم ببطولة فيلمين واشترط فريد أن يسند كتابة السيناريو والحوار لصديقه السيناريست عبد الحي أديب، الذي كتب له لاحقاً كل أفلامه في تركيا)، وإخراج نيازي مصطفى، ووافق المنتج، وبدأ شوقي رحلته هناك بتصوير فيلم «شيطان البسفور» الذي حقق نجاحاً مذهلاً عند عرضه في تركيا، مما دعا المخرج عاطف يلماز لاختيار فريد شوقي لبطولة فيلم «عثمان الجبار»، وأخرج له فيلماً ثانياً بعنوان «بعت حياتي» ثم توالت أفلامه في تركيا، ومنها «رجل لا يعرف الخوف» لمحمد رسلان، و«الحسناء والوحش»، لمارتين أركسان، و«مغامرات في إسطنبول» لخلقي سنر.

حضور لا يغيب
أربعة أفلام لعب بطولتها الفنان الراحل فريد شوقي حملت توقيع المخرج عمر عبد العزيز، وهي: «دعوة خاصة جداً»، «يا رب ولد»، و«للفقيد الرحمة»، و«ليه يا هرم»، وبينما كان عمر في بداية مشواره الفني، كان فريد في قمة نجوميته، لكنه رغم ذلك كان متحمساً للمخرجين والممثلين الشبان، الذين يلمس موهبتهم، ويقول عبد العزيز عن ذلك لـ«الشرق الأوسط»: «قدم فريد شوقي مخرجين كثيرين مثلما قدم ممثلين وكتاباً أيضاً، وكان يسعد حينما يقدم أي موهبة جديدة»، وعن أسلوب العمل معه أثناء التصوير يقول: «اعتاد أن يناقش كثيراً، قبل التصوير، وخلال جلسات السيناريو، وإذا كان يؤدي دوراً في قضية قانونية أو طبية كان يهمه أن يعرف الكثير عنها، ويسأل بنفسه الجهات المختصة، حتى يكون ملماً بكل تفاصيلها، وحينما تدور الكاميرا كان يتحول لممثل بسيط يستجيب لتعليمات المخرج، وكان كذلك أول من يصل إلى البلاتوه، فلم يحدث أن تأخر أبداً، وقد تعلمت منه أن النجم الحقيقي هو الذي لا يشعرك أنه نجم، وكان فريد يثير أجواءً جميلة في موقع التصوير بخفة دمه، وجمعه كل فريق العمل حوله فقد كان متواضعاً، وبيته مفتوح طوال الوقت للجميع، فكنا نذهب إليه كل ليلة ونجلس ونتناقش وكان يسألني دوماً عن المواهب الجديدة في التمثيل والإخراج، ولا أذكر أنني ذهبت لبيته مرة ووجدته مغلقاً.
ويرجع المخرج الكبير أسباب تربع شوقي على عرش الفن المصري لمدة عقود، إلى تمتعه بالذكاء الشديد، ومعرفته ببوصلة المشاهد، وإلى أين تتجه، كما كان عاشقاً لمهنته، مدركاً لكل تفاصيلها كونه كاتباً ومنتجاً ونجماً لا يغيب.

متحف فريد شوقي
السيدة سهير ترك، زوجة فريد شوقي الأخيرة، ووالدة ابنتيه رانيا وعبير، تروي جوانب إنسانية عن زوجها الراحل وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «فريد شخصية لا تنسى، فأنا أعيش في نفس البيت وسط ذكريات عدة، لم تفارق خيالي، ودائماً هو محور حديثي مع بناتي، فغرفة مكتبه وأوراقه كما هي، حيث كان يعتزلنا عند قراءة أي سيناريو جديد، يعرض عليه، أو في حالة كتابته للأعمال بنفسه، وكنت أنا أول قارئة وناقدة لما يكتبه من سيناريوهات وقصص، وكان يأخذ برأيي ويحترمه، بل إنه تعرف على بعدما انتقدت فيلمه «ابن الحتة»، وذلك بعد عرض مسرحيته «الدلوعة» بمدينة الإسكندرية، حينما سألني عن رأيي في المسرحية هل أعجبتني أم لا، فقلت له المسرحية أعجبتني، لكن لم يعجبني فيلم «ابن الحتة» لأنه لم يناسبك، ولم يعترض أو يغضب، بل أعطاني رقم مكتبه وبعد فترة علمت بوفاة والده، فاتصلت لمواساته، وكان يعاني بعد انفصاله عن هدى سلطان، وتقاربنا من بعض، واكتشفت أنه إنسان حنون جداً، وبعد زواجنا عشت معه حياة سعيدة، وحضرت تصوير بعض أفلامه في تركيا، ونجح هناك بشكل كبير.
حضرت السيدة سهير ترك مع زوجها الراحل الجلسات التحضيرية مع المخرج حسن الإمام قبل تصوير فيلم «وبالوالدين إحساناً» الذي أعاد فيه تقديم دور لعبه حسين رياض من قبل، وقال حسين رياض أستاذ، لكني سأؤديه بطريقتي، مع أنه رفض في الوقت ذاته، إعادة تقديم فيلم «هذا جناه أبي» الذي سبق وأن قدمه الفنان زكي رستم، وقال لن أستطيع أن أقدمه أفضل من زكى رستم، وفق ترك التي تؤكد أن فريد شوقي كان محبوباً جداً من الجماهير المصرية والعربية. وعن أبرز مقتنياته الشخصية تقول: «أحتفظ بكل شيء يخصه، وأتمنى تحويل بيته إلى متحف، لكني لم أجد حماساً من أي جهة رسمية لتبني الفكرة حتى الآن.

أبو البنات
رغم تقديمه فيلم «يا رب ولد»، عام 1984. والذي يحكي قصة أب أنجب ثلاث بنات تزوجن وأقمن معه بالبيت، ويضيق بمشاكلهن، مع حلمه بإنجاب الولد، فإنه لم يضق بإنجابه للبنات في الواقع، وكان يعتز بلقبه «أبو البنات»، وفق أسرته وزملائه. ويقول عمر عبد العزيز مخرج الفيلم: «عندما أعجبت بسيناريو الفيلم الذي كتبه فيصل ندا، عرضته على الفنان الكبير الذي تحمس له ورأى فيه حالة إنسانية متكررة في حياتنا، لكنها لا تعبر عن واقعه».
وأطلق على فريد شوقي لقب «أبو البنات» بعدما أنجب خمس بنات من خمس زيجات، منها زيجتان قبل مرحلة الشهرة، لم ينجب فيهما، ثم تزوج من الممثلة زينب عبد الهادي، وأنجب منها ابنته الكبرى منى، وبعد ذلك جمعته قصة حب بالفنانة الراحلة هدى سلطان، أثناء تصوير فيلم «حكم القوي» وتزوجا قبل نهاية الفيلم، واستمر زواجهما 15عاماً وأنجبا ابنتين مها وناهد، وشكل شوقي مع هدى سلطان ثنائياً ناجحاً في عدة أفلام من بينها «حميدو»، «الأسطى حسن»، «سواق نص الليل»، «المجد»، «النمرود»، «أبو الدهب»، «العائلة الكريمة»، «المحتال»، «رصيف نمرة 5»، «فتوات الحسينية»، ثم تزوج من السيدة سهير ترك التي أنجبت رانيا الممثلة، وعبير المخرجة، وظل يعتز بلقب «أبو البنات» حتى وفاته.
وتقول ابنته المنتجة الفنية ناهد فريد شوقي: لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة لي فإن فريد شوقي لم يمت، وبرغم أنني افتقدته كصديق وأب حنون، لكنه باق بأعماله، الناس يستقبلونني بترحاب شديد مترحمين عليه، فهو صاحب رصيد كبير من الأفلام التي اقتربت من الجمهور وعبرت عنه بصدق ولا تزال تستقطب جمهوراً من الشباب، أبي لم يختلف عليه أحد، ولم يغضب منه أحد، فقد كان فريداً كاسمه في الوسط الفني، يحتضن المواهب الجديدة، ويدفع بهم في أفلامه، كان رحمه الله مؤسسة فنية مستقلة. وعن دوره في حياتها، تقول ناهد: «تعلمت منه كل شيء إيجابي، فقد كان يعطيني سيناريوهات لأقرأها وعمري 10 سنوات، ويسألني عن رأيي، وكنت أرافقه في كل مكان، وخلال تصوير فيلم (هكذا الأيام) توفىي مدير الإنتاج، وكنت أساعده، فقال لي أبي أنت المسؤولة عن الفيلم إنتاجياً، وكان هذا بداية عملي في الإنتاج، ثم دشن والدي شركة (نيو ستار فيلم)، وجمع فيها كل بناته وعملت منتجة لأفلامه التي من بينها (لا تبك يا حبيب العمر) و(البؤساء) و(لعنة امرأة)، وحينما أنتجت فيلم (هيستيريا) لأحمد زكي، كان أبي قلقاً علي من الخسارة المادية، فقلت له لقد فعلت أنت نفس الشيء في فيلم (بورسعيد) الذي أنتجته بتكليف من الرئيس جمال عبد الناصر، وتسبب في خسارتك مادياً، فقال لي إن الزمن تغير».

دروس لا تنسى
قبل وفاته كان فريد شوقي يستعد لتصوير فيلم «أولاد الشوارع» أول أفلام ابنته عبير بعد تخرجها في معهد السينما، وتوقف المشروع بعد وفاته، ولم تسع عبير لتقديمه بعد غياب بطله، وعن ذلك تقول عبير فريد شوقي لـ«الشرق الأوسط»: «لم يكن هناك ممثل لديه المصداقية التي كان يتمتع بها أبي لأرشحه للدور من بعده، لأنه كان ابن بلد وقريب من وجدان الناس، وكان لا يكذب ولا يجامل في الفن، وأذكر أنه قال لأحد الراغبين في التمثيل ذات مرة: «معنديش مشكلة أنك تبقى أي حاجة تانية لكن ممثل لا، لأنه موهبة لا تملكها».
وتضيف: «كان بيتنا مفتوحاً، كأنه (بيت الأمة) يتردد عليه كبار وصغار الممثلين والمخرجين وكان يرحب أيضاً بالوجوه الجديدة ويتبنى الموهوبين منهم، لافتة: «كلما افتقدته أشاهد أفلامه التي أحبها على غرار «لا تبك يا حبيب العمر» «جعلوني مجرماً»، «يا رب ولد»، «30 يوم في السجن».
أما ابنته الصغرى، رانيا فريد شوقي، فهي لا تفصل بين فريد الأب والفنان، فهما بالنسبة إليها وجهان لعملة واحدة، وتقول: «أبي كان رجلاً عطوفاً وعظيماً ولا يزال يمثل لي الحياة رغم رحيله، وأحمد الله كثيراً على أنه أعطاني أباً مثله، لم يفرق بين أي من بناته، وكان يحتفي بأعياد ميلادنا منذ طفولتنا، ويدعو الفنانين إليها، لم يحرمنا من شيء ولم يدخر أي جهد لإسعادنا».

بروفة الموت
كان فريد شوقي، من بين أكثر الفنانين الذين طاردتهم شائعات الوفاة، فقبل وفاته بشهر واحد، وتحديداً في 17 يونيو (حزيران) 1998 وبينما كان يرقد مريضاً إثر إصابته بالتهاب رئوي حاد، قطع التلفزيون المصري إرساله لإذاعة نبأ هام معلناً خبر وفاة الفنان الكبير فريد شوقي، وأثار الخبر بلبلة كبيرة في الشارع، وكما تروي زوجته السيدة سهير ترك، لـ«الشرق الأوسط»، فإن «فريد سمع بنفسه إشاعة وفاته، وانزعج منها، لكنه أخذ الأمر بشكل كوميدي، وقال مبتسماً: «هذه بروفة للموت، عموماً الموت علينا حق»».
وإذا كان فريد شوقي قد أخذ الخبر ببساطة، فإن هذا الخبر الكاذب قد أطاح برئيسة القناة الأولى بالتلفزيون المصري، المذيعة ملك إسماعيل من منصبها، مع تقديم اعتذارات عدة عن هذه الخطأ الفادح، وتبين أن أحد العاملين بقطاع الأخبار وراء الشائعة التي تم عرضها على التلفزيون الرسمي دون التحقق منها، وظهر شوقي على الشاشة بعد ذلك، وقال بصوت أنهكه المرض: «أنا بخير وهذه شائعة، لكنني أحسست منها مدى حب الجماهير العريضة في العالم العربي كله، لي، وتأكدت أن الخمسين عاماً التي قضيتها في خدمة فني وبلدي لم يذهبوا هباءً»، ثم توفي بعد ذلك بشهر واحد، وأذيع الخبر الذي كان في هذه المرة حقيقياً، ورغم رحيله منذ أكثر من 22 عاماً فإن لا يزال حاضراً على الشاشة بأدواره المميزة والرائعة.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».