معركة انتخابات لسنة كاملة في إسرائيل

مخاوف من «دينامية تدهور حربي لا يرغب فيه أحد»

فلسطيني يمر بدراجته قرب ملصقات لحملات انتخابية لرئيس الوزراء الإسرائيلي  بنيامين نتنياهو مع الناشط السياسي اليميني الإسرائيلي إيتمار بن غفير في مدينة أريحا في سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
فلسطيني يمر بدراجته قرب ملصقات لحملات انتخابية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الناشط السياسي اليميني الإسرائيلي إيتمار بن غفير في مدينة أريحا في سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

معركة انتخابات لسنة كاملة في إسرائيل

فلسطيني يمر بدراجته قرب ملصقات لحملات انتخابية لرئيس الوزراء الإسرائيلي  بنيامين نتنياهو مع الناشط السياسي اليميني الإسرائيلي إيتمار بن غفير في مدينة أريحا في سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)
فلسطيني يمر بدراجته قرب ملصقات لحملات انتخابية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الناشط السياسي اليميني الإسرائيلي إيتمار بن غفير في مدينة أريحا في سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

عندما احتفلت إسرائيل، السنة الماضية، بالذكرى السنوية السبعين لتأسيسها، وعرضت صورة مضخمة لمنجزاتها في مجال العسكرة وتطوير السلاح والتكنولوجيا العالية والازدهار الاقتصادي والإعمار والتقدم الزراعي، وطرحت أفكاراً طموحة أكثر للمراحل المقبلة، لم يتوقع أحد فيها أن تتحول السنة الأولى في عقدها الثامن سنة معارك انتخابية لا تنتهي ولا تسفر عن انتخاب قيادة.
ولأول مرة في تاريخها، تولت زمام قيادتها حكومة انتقالية مؤقتة، ستستمر لأكثر من سنة. ولم يتصور أحد أن يقرر رئيس حكومتها، صاحب أطول فترة حكم فيها، سينتهي إلى المثول في قفص الاتهام لمحاكمته بثلاث قضايا فساد خطيرة. وأنه بدلاً من أن يخجل من وضعيته ويستقيل حتى تأخذ العدالة مجراها، سيختار التشبث بكرسي الحكم بأي ثمن. ويهاجم الشرطة والنيابة والقضاء وكل مؤسسات سلطة القانون والنظام ويجر إسرائيل من معركة انتخابية لأخرى، تكلفة كل واحدة منها نحو مليار دولار. وقد وصلنا إلى المعركة الثالثة، وقبل أن تختم بثلاثة أشهر، يقول الإسرائيليون إنهم يخشون من الاضطرار إلى التوجه لمعركة انتخابات رابعة؛ لأن رئيس حكومتها المتهم يستطيع بهذه الطريقة فقط ضمان البقاء في كرسيه لحقبة زمنية أخرى.
فقد استهلت سنة 2019 بقرار مفاجئ من نتنياهو تبكير موعد الانتخابات بستة أشهر. وجاء ذلك رداً على قرار المستشار القضائي للحكومة، أبيحاي مندلبليت، نشر كتاب شبهات ضده في ثلاث قضايا فساد. سلك بذلك الطريق التقليدية، «الهجوم هو أفضل السبل للدفاع». والهجوم على من؟ على الشخصيات التي عيّنها بنفسه في المناصب الرفيعة: على روني الشيخ، أحد قادة الشاباك (جهاز المخابرات العامة)، الذي فرضه على الشرطة مفتشاً عاماً، ووعده بأن يعينه بعد ثلاث سنوات رئيساً للشاباك. فقد توقع منه أن يوقف التحقيقات ضده. وحاول ذلك بكل قوته، لكن الاتهامات كانت دامغة فلم يستطع. وشن هجوماً على شاي نتسان، رئيس النيابة العامة، الذي حصل معه الأمر نفسه. ولم يستطع إنقاذ نتنياهو من لوائح الاتهام. وأما المستشار مندلبليت، فقد كان سكرتيراً مخلصاً لحكومة نتنياهو. فعيّنه في منصب المستشار، الذي يعتبر آخر محطة في المؤسسة القضائية وصاحب القرار الحاسم بمحاكمته. وتردد الرجل طويلاً وراح يماطل وألغى الشبهات الصارخة ضد نتنياهو في قضية اقتناء غواصات من ألمانيا، على عكس رأي الجيش ووزارة الدفاع. وخفف من بنود الاتهام. لكنه لم يسلم من غضب نتنياهو وثلته. فاعتبروه خائناً.
في تلك الأيام، كان أقطاب «الدولة العميقة» في إسرائيل قد وصلوا إلى قناعة بأن نتنياهو يلحق ضرراً بالمصالح الاستراتيجية للدولة. وخرج مجموعة من الجنرالات السابقين في الجيش والمخابرات يصرحون بذلك بصوت عال وبكلمات حادة. وكان في مقدمتهم مجموعة من رؤساء أركان الجيش السابقين، إيهود باراك، الذي شغل منصب وزير الدفاع ورئيس الحكومة أيضاً، ودان حالوتس وشاؤول موفاز وجابي اشكنازي وموشيه يعلون. وكذلك رؤساء الشرطة والمخابرات الداخلية «شاباك» والخارجية «الموساد» والعسكرية «أمان»، اساف حيفتس، ومئير دجان، وشبتاي شبيط، ويعقوب بيري، وكرمي جيلون، ويوفال ديسكين والعشرات من الضباط السابقين الذين يحملون رتبة «لواء».
وعندما رأى هؤلاء أن نتنياهو يكسر كل القوالب ويدير حرباً على مؤسسات الدولة حتى يضمن كرسيه ويحرض الجمهور على هذه المؤسسات، قرروا تشكيل حزب وخوض الانتخابات. فجلبوا إلى الحلبة بيني غانتس، رئيس أركان الجيش الأسبق، ووضعوه على رأس قائمة. وجلبوا عدداً من الشخصيات التي تولت مناصب رفيعة في الحكم. ونزلوا إلى المعركة. وقد كان واضحاً أن حزب الجنرالات هذا «كحول لفان»، إنما يعبر عن مصلحة الدولة العميقة، وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية الأمنية. ونقل على لسان نتنياهو قوله مرات عدة إن «هذه محاولة لتنفيذ انقلاب عسكري أبيض ضدي».
ومع أن حزب الجنرالات حقق مكسباً كبيراً في الانتخابات، التي جرت في أبريل (نيسان) 2019؛ إذ حصل على 35 مقعداً، إلا أن نتنياهو أيضاً حصل على عدد كبير من الأصوات وارتفع من 30 إلى 35 مقعداً. وسارع إلى تشكيل ائتلاف مع الأحزاب اليمينية والدينية، فكلفه رئيس الدولة، رؤوبين رفلين، تشكيل حكومة. وفشل نتنياهو في المهمة، لكنه وبدلاً من إعادة كتاب التكليف للرئيس لجأ إلى حل الكنيست، وكانت هذه أول مرة يقدم فيها رئيس حكومة مكلف بهذا الالتفاف على الرئيس.
وفي انتخابات سبتمبر (أيلول) الأخير، خاض نتنياهو المعركة بضم حزب وزير المالية، موشيه كحلون، إليه (4 مقاعد) وكذلك حزب موشيه فيغلين اليميني (حصل في الانتخابات السابقة على 111 ألف صوت، أي ما يعادل 3 مقاعد). وكان يتوقع أن يحافظ على قوته ويحصل على 42 مقعداً على الأقل. لكنه بدلاً من ذلك خسر نحو 300 ألف صوت وهبط إلى 32 مقعداً. ولم يستسلم. فهو يعرف أن غيابه عن كرسي رئاسة الحكومة يعني أن يجلس في قفص الاتهام، كخطوة أولى نحو القبوع في السجن. فشل في تشكيل الحكومة فراح يخرب على جهود غانتس وتمكن من إفشاله. وقاد إسرائيل لانتخابات ثالثة، ستجري في 2 مارس (آذار) من السنة المقبلة.
وبهذا، ضمن نتنياهو أن يبقى رئيس حكومة أشهراً عدة تجعله في موقع يتحكم من خلاله في الإجراءات القضائية ويجهضها. والخوف الأكبر هو أن يقدم نتنياهو على خطوات بعيدة المدى تبقيه في الحكم، من خلال مغامرة حربية أو أكثر. فهو يرفق حملاته الانتخابية بحملات تهديد وتصعيد حربي ضد إيران، ليس في سوريا وحسب؛ إذ إنه يهدد العراق واليمن. ويهدد «حزب الله» في لبنان و«حماس» في قطاع غزة. وهذه قوى تدير سياسة تتيح لنتنياهو أن يستغل خطابها السياسي وممارساتها العسكرية للدفع نحو الاشتباك معها. ومع أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تحاول الامتناع ن حرب تحت قيادة نتنياهو؛ خوفاً من أن يستغلها لأغراضه الحزبية والشخصية، إلا أن التاريخ دل على أن دينامية التدهور إلى حرب يمكن أن تكون أقوى. وتجر إلى حرب غير مرغوبة، كما حصل مرات عدة في العقود الأخيرة.


مقالات ذات صلة

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

حصاد الأسبوع من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع صورة مركبة لبوتين وترمب (أ.ف.ب)

لقاءات بوتين وترمب... كثير من الوعود وقليل من التقارب

فور إعلان الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب استعداده لعقد لقاء سريع مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين فور توليه السلطة، برزت ردود فعل سريعة تذكر بلقاءات سابقة

حصاد الأسبوع تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي

دانيال تشابو... رئيس موزمبيق الجديد الطامح إلى استعادة الاستقرار

أدَّى دانيال تشابو، الأربعاء الماضي، اليمين الدستورية رئيساً لموزمبيق، مركِّزاً على اعتبار استعادة الاستقرار السياسي والاجتماعي «أولوية الأولويات».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
حصاد الأسبوع لقطة للعاصمة الموزمبيقية مابوتو (رويترز)

موزمبيق و«فريليمو»... لمحة تاريخية وجيو ـــ سياسية

منذ ما يقرب من خمسين سنة يتربع حزب «فريليمو»، أو «جبهة تحرير موزمبيق»، على سدة الحكم في موزمبيق، مرسّخاً نظام الحزب الواحد، مع أن دستور البلاد المعدل عام 1992

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع الزعيم الكندي جاستن ترودو يعلن أن لا رغبة لبلاده في أن تصبح ولاية أميركية (أ.ب)

ألمانيا تعيش هاجس التعايش مع مطامح ترمب وماسك

لم يدخل الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب البيت الأبيض بعد... ومع ذلك تعيش أوروبا منذ أسابيع على وقع الخوف من الزلزال الآتي. وكلما اقترب موعد الـ20 يناير

راغدة بهنام (برلين)

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
TT

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات سريعة وفعالة لوقف القتال في أوكرانيا، ووضع خريطة طريق لمعالجة الملفات الخلافية المتراكمة مع الكرملين. وقبل أيام قليلة من تسلم صلاحياته رسمياً، برزت اندفاعة جديدة من الرئيس الجمهوري نحو روسيا، عندما أعلن استعداده لتنظيم لقاء عاجل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين يرسم ملامح العلاقة المستقبلية ويضع خطط إنهاء الحرب وتخفيف التوتر على مسار التنفيذ. لكن اللافت أن هذه التصريحات لم تُقابَل بشكل حماسي في روسيا. بل فضَّل الكرملين التزام لهجة هادئة تؤكد الانفتاح على الحوار، مع التذكير في الوقت ذاته، بعنصرين ضروريين لنجاح أي محاولة لكسر الجليد بين البلدين، أولهما اتضاح الملامح الأولى لرؤية الرئيس الأميركي الجديد لتسوية الملفات الخلافية المتراكمة، والآخر التذكير بشروط الكرملين لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وبالتوازي مع ذلك، بدت تعليقات الأوساط المقربة من الكرملين متشائمة للغاية، حيال فرص إحراز تقدم جدّي على أي مسار... لا في الحرب الأوكرانية ولا العلاقات مع «ناتو»، ولا ملفّات الأمن الاستراتيجي في أوروبا.

لا ينظر أحد في روسيا بجدية إلى إمكانية تحقيق قفزات سريعة تؤدّي إلى تحسّن العلاقات مع الولايات المتحدة، وتضع إطاراً واقعياً للحوار حول الملفات الخلافية. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب صرّح مرّات عدة بأن موقف روسيا يمكن فهمه، وأن سبب الصراع كان إلى حد كبير السياسة المناهضة لروسيا التي تنتهجها «الدولة العميقة» الأميركية، فإن الأوساط الروسية تنظر بريبة إلى قدرة ترمب، العائد بقوة إلى البيت الأبيض، في تجاوز الكثير من «المطبّات» التي تعترض طريق إعادة تشغيل العلاقات بين موسكو وواشنطن.

رسائل روسية واضحة

في هذا الصدد، كان لافتاً أن موسكو تعمّدت توجيه رسائل واضحة إلى الإدارة الأميركية الجديدة، عبر إطلالتين إعلاميتين لشخصيتين تعدّان من أبرز المقربين لبوتين، هما وزير الخارجية سيرغي لافروف والمستشار الرئاسي وعضو مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف. وفي الحالتين كان التوقيت وشكل التعامل مع «اندفاعة ترمب» يحظيان بأهمية خاصة.

جوهر كلام المسؤولين ركّز على قناعة بأن العالم قد يكون أمام «فرصة حقيقية للسلام» في عهد ترمب، بيد أن الانفتاح الروسي على الحوار مرتبط باستناد هذا الحوار إلى أسس «مبادرات ملموسة وخطوات ذات معنى بشأن الاتصالات على أعلى مستوى»، والأهم من ذلك، أن تتوافر لدى ادارة ترمب «اقتراحات محددة» بشأن أوكرانيا، وفق تعبير لافروف.

والاقتراحات المحددة المطلوبة روسياً، ينبغي أن تنعكس - كما قال الوزير – بـ«جدية في الاستعداد لحل المشاكل المتراكمة عبر الحوار لا عبر الضغوط والتهديدات» التي لم ينجح سلف ترمب في معالجتها.

وفي إشارة ذات مغزى، قال لافروف إنه «من المفيد أن نرى ما هي الأساليب التي سيستخدمها ترمب لجعل أميركا أعظم». وهذه عبارة أكملها باتروشيف بقوله: «هل سيكون ترمب قادراً على ترجمة نواياه بالكامل؟ وكما أظهرت ولايته الأولى، فإن (الدولة العميقة) السيئة السمعة في الولايات المتحدة... قوية للغاية».

أوكرانيا «رأس الأولويات»

الموقف الذي أعرب عنه المسؤولان الروسيان ينطلق من «الاستعداد للمناقشة والاتفاق على أي شيء باستثناء شيء واحد - أوكرانيا. (...) لقد عبّرنا عن موقفنا مراراً وتكراراً، وهو موقف لا يمكن تغييره». وفي هذا الإطار، لوّح لافروف بأنه إذا توصّلت روسيا إلى استنتاج مفاده أن واشنطن ستواصل دعم «النظام النازي المعادي في كييف» فإنها (أي موسكو) ستضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة. في حين قال باتروشيف إن أوكرانيا «قد تختفي عن الخريطة خلال هذا العام» إذا استمرت السياسات الغربية السابقة.

الرسالة الروسية الثانية لترمب كان فحواها أن أي تسوية أو ضمانات لأوكرانيا، يجب أن تكون مرتبطة باتفاقيات أوسع نطاقاً. وهنا قال لافروف إن «روسيا مستعدة لمناقشة الضمانات الأمنية لأوكرانيا، لكنها يجب أن تكون جزءاً من اتفاقيات أكبر». بينما أوضح باتروشيف أنه بالإضافة إلى التوصل إلى ترتيبات أمنية في القارة الأوروبية «يجب وقف التمييز ضد السكان الروس في عدد من البلدان، وبالطبع، في دول البلطيق ومولدوفا».

أما النقطة الثالثة التي تحدّد شروط الحوار، فتنطلق من ضرورة البدء بمنح روسيا ضمانات كاملة عبر ملفي: وقف مسار ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الاطلسي (ناتو) وتأكيد حيادها لعشرات السنوات، وتقليص القدرات العسكرية لهذا البلد ومنع تسليحه مجدداً.

هكذا، ترى موسكو المدخل الصحيح للحوار، الذي يجب أن يتأسس - كما قال الرئيس الروسي سابقاً - على قاعدة الإقرار بالتغييرات الميدانية التي وقعت خلال سنتين، بما يضمن الاعتراف الغربي بضم شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع التي ضمتها روسيا خلال عام 2022.

تشكل هذه القاعدة التي تنطلق منها موسكو سبباً وجيهاً للتوقعات المتشائمة حول فرص إحراز تقدم، تضاف إلى الشكوك المحيطة بقدرة ترمب الفعلية على تجاوز كل العقبات والضغوط الداخلية والانطلاق نحو تقديم تنازلات مهمّة للروس.

يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية،

لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية

التداعيات على أوكرانيا

كيف يتأثر الوضع في أوكرانيا؟

في هذا الإطار، وضع أحد أبرز خبراء السياسة في «المجلس الروسي للسياسة والأمن»، وهو مؤسسة مرموقة ومقربة من الكرملين، التصور التالي لشكل العلاقة مع ترمب في ملفات رئيسة:

بدايةً، في أوكرانيا ستفشل محاولة ترمب للتوصل إلى وقف إطلاق النار على طول خط التماس. وذلك لأن المخططات الأميركية لـ«وقف الحرب» تتجاهل تماماً المصالح الأمنية الروسية، كما تتجاهل الأسباب التي أدت أولاً إلى الأزمة ثم إلى الصراع العسكري واسع النطاق في أوكرانيا.

في المقابل، لن تقبل واشنطن الشروط الروسية لبدء المفاوضات ومعايير السلام التي أعلن عنها الرئيس فلاديمير بوتين في يونيو (حزيران) الماضي؛ لأنها تعني في الواقع استسلام كييف وهزيمة استراتيجية للغرب. وخلافاً لتوقعات التهدئة، فإن ترمب «المهان»، رداً على رفض خطته، سيعلن دعمه لأوكرانيا ويجمع حزمة أخرى من العقوبات على موسكو. لكنه في الوقت نفسه، سيمتنع عن التصعيد الجدي للصراع؛ كي لا يستفز روسيا ويدفعها إلى ضرب أراضي دول «ناتو»، بما في ذلك القواعد الأميركية الموجودة هناك. ومع هذا، ورغم غطاء الخطاب القاسي المعادي لروسيا، فإن المساعدات الأميركية لنظام كييف ستنخفض، وسيتعيّن على الأوروبيين تغطية العجز الناتج من ذلك. ومن حيث المبدأ، فإن الاتحاد الأوروبي مستعدٌ لذلك، وبالتالي لن يكون هناك خفض كبير في الدعم المادي لأوكرانيا من الغرب في العام الجديد على الأقل.

إلى جانب ذلك، قد تحاول واشنطن، وفقاً للخبير البارز، بدعم من بريطانيا وحلفاء آخرين، تعزيز الموقف السياسي الداخلي لنظام كييف من خلال المطالبة بإجراء انتخابات في أوكرانيا، وبالتالي استبدال فولوديمير زيلينسكي وفريقه المكروهين بشكل متزايد بمجموعة أخرى بقيادة رئيس الأركان السابق فاليري زالوجني. لكن التأثير السياسي المحلي لمثل هذا الاستبدال سيكون قصير الأجل.

العلاقة مع أوروبا

أيضاً، يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية، لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية. وهذا يعني أنه لن يحقق وعوده حيال علاقة الولايات المتحدة مع «ناتو»، وبدلاً من ذلك، سيرفع السعر الذي يتوجب على الأوروبيين دفعه للانضمام إلى التكتل.

ووفقاً لبعض الخبراء، سيكون لزاماً على الأوروبيين، الذين كانوا يخشون عودة ترمب، أن يقسموا يمين الولاء له. وبالتالي، «لن تكون هناك معارضة ضد ترمب بأي شكل من الأشكال؛ لأن دول الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى أميركا زعيمةً: ليس فقط حاميةً عسكريةً، بل وأيضاً زعيمةً سياسيةً ــ لا تقل عن حاجتها إلى روسيا باعتبارها «تهديداً مباشراً على الأبواب».

بهذا المعنى، تتطابق آراء الخبراء في مسألة أن «العداء لروسيا سيظل العامل الحاسم في توحيد أوروبا في عام 2025».

ويضيف بعضهم القناعة بأنه خلافاً للفكرة الرائجة بأن الأوروبيين متردّدون في مواجهة روسيا، بشكل رئيس بسبب الضغوط الأميركية، فإن الحقيقة أن روسيا، باعتبارها عدواً، تشكل عاملاً قوياً في توحيد النخب الأوروبية ودولها. بمعنى أنه كان لا بد من «اختراع التهديد الروسي»، وتقديم الحرب في أوكرانيا باعتبارها المرحلة الأولى من «الاختطاف الروسي لأوروبا».

في السياق ذاته، ينظر إلى الانتخابات المقبلة في ألمانيا، بأنها ستحمل إلى السلطة ائتلافاً جديداً، سيعمل أيضاً على تشديد السياسة تجاه موسكو. ولكن في الوقت نفسه، من غير المرجح إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا بناءً على دعوة من فرنسا، لأن أوروبا تنظر إلى خطر الصدام العسكري المباشر مع روسيا على أنه مفرط في المخاطرة.

وداخلياً، ينتظر أن تواصل أوروبا الاستعداد بنشاط للحرب مع روسيا - وفقاً لأنماط الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن على حدود جديدة، تحولت بشكل كبير نحو الشرق. كذلك، سيزداد الإنفاق العسكري للدول، ويتوسع الإنتاج العسكري، وتتحسن البنية التحتية العسكرية، وبخاصة، على الجانب الشرقي لـ«ناتو». وبناءً عليه؛ سيصبح المناخ الاجتماعي والسياسي أكثر صعوبة أيضاً.

وهكذا، بشكل عام، يقول خبراء روس إن عام 2025 عموماً سيكون مليئاً بالصراعات، الممتدة من عهد ولاية الرئيس جو بايدن حول روسيا وفي أوروبا، كما سيكون محفوفاً بالمنعطفات غير المتوقعة والخطيرة.

ومع القناعة بأن الاضطراب الاستراتيجي يتزايد باطراد، فإن نتيجة المعركة من أجل النظام العالمي الجديد ليست مُحددة مسبقاً بأي حال من الأحوال. إذ إن نقطة التوازن الافتراضية في النظام العالمي لا تزال بعيدة كل البعد عن الأفق. وفي هذا الصدد، يرون أن روسيا ستواجه في عهد الإدارة الجديدة تحدّيات جديدة في العديد من المجالات... ولا بد أن تكون مستعدة لها.