الحوثيون يفاقمون خنق الاقتصاد مقابل مساعٍ حكومية لإنعاشه

حملات لنهب الطبعة النقدية الحديثة ووعيد ببيع عقارات مناهضي الجماعة

طفل يمني يحمل أسطوانة غاز بأحد منافذ البيع في صنعاء (إ.ب.أ)
طفل يمني يحمل أسطوانة غاز بأحد منافذ البيع في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يفاقمون خنق الاقتصاد مقابل مساعٍ حكومية لإنعاشه

طفل يمني يحمل أسطوانة غاز بأحد منافذ البيع في صنعاء (إ.ب.أ)
طفل يمني يحمل أسطوانة غاز بأحد منافذ البيع في صنعاء (إ.ب.أ)

واصلت الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران تدابيرها الانقلابية لخنق الاقتصاد اليمني، ومجابهة الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة الشرعية في المناطق المحررة بما فيها كسر احتكار توريد النفط وغيرها من الخطوات التي ترمي إلى تصحيح مسار الاقتصاد والخدمات، وإثقال كاهل المواطنين بأعباء المعيشة مقابل إثراء فاحش لقيادات الجماعة والموالين لها.
وفي هذا السياق، أقدمت الجماعة أخيرا ضمن سعيها لمحاربة الحكومة الشرعية على الإعلان عن سحب الفئات النقدية المطبوعة حديثا عبر البنك المركزي في عدن، ومنحت مهلة شهر للسكان من أجل تسليم ما بحوزتهم من أموال، ووعدت بأنها ستقوم بتعويضهم ضمن سقف محدد إما بمبالغ نقدية من الفئات القديمة المتهالكة أو عبر ما تسميه «الريال الإلكتروني».
وجاء الإعلان الحوثي في بيان بثته المصادر الرسمية للجماعة من قبل ما تسميه «البنك المركزي» التابع لها في صنعاء، والذي لم تعترف بنقله من قبل الحكومة الشرعية إلى العاصمة المؤقتة عدن.
وفيما استثنى القرار الحوثي التجار والبنوك وشركات الصرافة من عملية التعويض المزعومة، يتهم اقتصاديون في صنعاء الجماعة الحوثية بنهب هذه الفئات النقدية الحديثة من الأسواق والتجار والمسافرين ومن ثم إعادة تصريفها في السوق السوداء لشراء العملات الأجنبية من مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
ومنذ قيام الحكومة الشرعية بنقل البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن في سبتمبر (أيلول) 2016 وطباعة الفئات النقدية الجديدة من العملة لتوفير السيولة في الأسواق ودفع رواتب الموظفين شنت الجماعة مئات الحملات لنهب المليارات منها ومنع دخولها إلى مناطق سيطرتها.
وزعمت الجماعة في قرارها الأخير أن تداول أو حيازة العملة المطبوعة من قبل الحكومة الشرعية، يعد إضراراً جسيماً بالاقتصاد والعملة الوطنية، وقالت إنها تسعى عبر محاربة منع تداولها وحيازتها «لحماية الاقتصاد وقيمة العملة الوطنية من الانهيار والحفاظ على سعر الصرف وبما يسهم في استقرار أسعار السلع».
في غضون ذلك، دعا وزير الإعلام في الحكومة اليمنية معمر الإرياني، الأمم المتحدة ومبعوث أمينها العام إلى اليمن، مارتن غريفيث، إلى القيام بمسؤوليتهم وممارسة الضغط على ميليشيات الحوثي الانقلابية، لتحييد الاقتصاد عن الصراع، مؤكدا أن الميليشيات تنتهج سياسات إفقار وتجويع أوصلت الأوضاع المعيشية إلى معدلات مأساوية.
وحذر الوزير اليمني في تصريح بثته المصادر الرسمية الحكومية من تبعات قرار الجماعة بمنع تداول أو حيازة العملة الوطنية في مناطق سيطرتها وتجريم من يتعامل بها، ومساعيها الخطيرة لنهب رأس المال الوطني وسحب مدخرات المواطنين عبر دعوتها لاستبدال العملة الوطنية مقابل ما تسميها النقد الإلكتروني.
وقال إن هذا الإجراء الحوثي الخطير «يندرج ضمن السياسات التدميرية التي انتهجتها الميليشيات منذ انقلابها لضرب الاقتصاد الوطني والفساد والمضاربة بالعملة وتقويض جهود الحكومة وسياساتها النقدية التي نجحت في وقف انهيار العملة والحفاظ على قوتها الشرائية وتحسين سعر الصرف واستقرار أسعار السلع الغذائية».
وأكد الوزير الإرياني أن القرار يضع الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة والاجتماعات التي عقدتها اللجان الاقتصادية طيلة الأشهر الماضية في مهب الريح ويضع مزيدا من العراقيل أمام جهود الحكومة في انتظام تسليم مرتبات المتقاعدين وموظفي عدد من القطاعات الحكومية بمناطق سيطرتها.
ورغم حجم الإيرادات الضخمة التي تقوم الجماعة بجبايتها في مناطق سيطرتها من القطاعات الاقتصادية الحكومية المحتلة إلا أنها تمتنع منذ أكثر من ثلاث سنوات عن صرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها بذريعة نقل البنك المركزي من قبل الشرعية إلى عدن.
وتضطلع الحكومة الشرعية منذ بدأت في ترتيب تدابيرها الاقتصادية في صرف رواتب كافة موظفي الدولة في مناطق سيطرتها إضافة إلى صرف رواتب المتقاعدين في مختلف مناطق البلاد، فضلا عن دفع الرواتب في مناطق سيطرة الحوثيين للقضاة وأعضاء النيابة وموظفي القطاع الصحي والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة إلى جانب دفع نصف رواتب أساتذة الجامعات، وكذا دفع رواتب الموظفين في الحديدة وبعض مديريات محافظة حجة.
ويعتقد اقتصاديون في صنعاء أن قرار الجماعة الحوثية بمنع الفئات النقدية المطبوعة في عدن من التداول هدفه في الأساس حرمان عشرات الآلاف من رواتبهم في مناطق سيطرتها والإبقاء على أزمة السيولة النقدية التي تسببت فيها لإجبار السكان على التعامل بعملتها الوهمية التي أطلقت عليها «الريال الإلكتروني».
ولم يتوقف عبث الجماعة الحوثية عند نهب موارد الدولة والمؤسسات في مناطق سيطرتها وتسخيرها للمجهود الحربي وإثراء قادتها، بل تجاوزت ذلك إلى فرض المزيد من الجبايات غير القانونية والإتاوات المفروضة على التجار الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأوضاع المعيشية وغلاء الأسعار بنسب غير مسبوقة.
وفي سياق هذه التدابير الانقلابية هددت الجماعة بأنها ستسعى إلى إصدار تشريعات جديدة عبر مجلس النواب غير الشرعي التابع لها في صنعاء تسمح لها ببيع منازل قيادات الدولة والحكومة الشرعية والمناهضين للجماعة الذين فروا خوفا من بطشها.
وزعم القيادي في الجماعة محمد علي الحوثي في تغريدة على «تويتر» أن هذا الإجراء الذي توعد بتنفيذه ببيع عقارات ومنازل المناهضين للجماعة سيسخر لدفع رواتب الموظفين، داعيا أتباع الجماعة في صنعاء لحصر هذه العقارات والمنازل والإبلاغ عنها تمهيدا للسطو عليها.
وتتهم الحكومة الجماعة الحوثية بأنها تقوم بشراء العملات الصعبة من السوق المصرفية والمضاربة بها واكتنازها وتهريبها إلى حسابات في الخارج كما تتهمها بأنها مسؤولة عن استنزاف احتياطيات البنك المركزي من العملة الصعبة وقدرها خمسة مليارات دولار، إلى جانب تبديد السيولة من العملة المحلية التي كانت بحوزة البنك المركزي قبل نقله من صنعاء إلى عدن وهي أكثر من تريليوني ريال.
وكانت الحكومة واللجنة الاقتصادية التابعة لها أقرت إعادة دعم استيراد الوقود والسلع الأساسية ووضعت قيودا على استيراد السلع الكمالية، كما أقرت عدة تدابير ضمن مساعيها لوقف تدهور الاقتصاد، وارتفاع الأسعار، وأمرت بزيادة رواتب الموظفين.
كما أقرت عددا من الإجراءات الملزمة لإغلاق حسابات الجهات والمؤسسات والصناديق الحكومية والعامة في جميع البنوك التجارية وحصرها في البنك المركزي اليمني في عدن وفقا للقانون، وتحديد حجم الأرصدة الخاصة بتلك الجهات بالعملة الأجنبية في الداخل والخارج ومقارنتها بخطة التدفق النقدي لاحتياجاتها من تلك العملات وتحديد الفائض منها في الأجل المتوسط على الأقل.
وأمرت الحكومة الشرعية باستخدام الأرصدة الفائضة من العملات الأجنبية في تغطية الطلب على الدولار لأغراض استيراد المشتقات النفطية وبما يخدم تخفيف الضغط على الدولار ومنع تدهور قيمة العملة المحلية في الأجل القصير، مع التأكيد على التزام البنك المركزي بتوفير احتياجات تلك الجهات من العملات الأجنبية في المواعيد التي تحتاجها حسب خطط الاحتياج الخاصة بها.

وقررت الشرعية ابتداء من يونيو (حزيران) الماضي تحصيل الضرائب والرسوم الجمركية والعوائد الأخرى على المشتقات في سياق سعيها لرفد الميزانية العامة للدولة ودفع رواتب الموظفين. ورغم التسهيلات التي قدمتها الحكومة اليمنية لدخول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة، الخاضع للميليشيات الحوثية إلا أن الجماعة كانت حرصت على منع حمولة السفن في مسعى منها لاستمرار أزمة الوقود والمتاجرة بالحال الإنسانية الناجمة عنها، غير أنها رضخت أخيرا.
وتتهم الشرعية الجماعة الحوثية بأنها تستخدم «الإرهاب والتهديد بالسجن ومصادرة الأموال وإيقاف النشاط التجاري للتجار الممتثلين لقرارات الحكومة» وترى فيما تقوم به الجماعة «خطوة تترجم إصرارها على تعزيز نشاط السوق السوداء التي تديرها لتمويل أنشتطها، ومضاعفة معاناة المواطنين».
وبحسب بيانات سابقة للجنة الاقتصادية اليمنية فإن الجماعة الحوثية «تتهرب من تطبيق الضوابط المصرفية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والحفاظ على استقرار العملة وتعيق جهود الحكومة والمبعوث الدولي لصرف مرتبات المدنيين».
ومنذ انقلاب الميليشيات الحوثية على الشرعية، فقد الريال اليمني ثلثي قيمته تقريبا، فبعد أن كان سعر الدولار الواحد، نحو 215 ريالا، أصبح - بحسب مصادر مصرفية يقترب من حاجز 600 ريال مع تفاوت نسبي بين المحافظات في أسعار الصرف.
وتشير تقارير دولية إلى أن حجم إيرادات الميليشيات ارتفعت بنسبة 500 في المائة خلال الأعوام الماضية، بمعدل 300 مليار سنوياً، في الوقت الذي يقبع أكثر من 85 في المائة من إجمالي عدد السكان البالغ 27 مليون نسمة تحت خط الفقر.
وتعتمد الجماعة في تمويل خزينتها - بحسب التقارير - على قطاعات الاتصالات، والنفط، والإيرادات الجمركية والضريبية، والسوق السوداء وعائدات الموانئ الخاضعة لها في الحديدة والصليف ورأس عيسى. وأوضح تقرير سابق للجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن الدولي الخاصة باليمن أن ميليشيات الحوثي تحصل على 318 ملياراً (الدولار نحو 590 ريالا) هي عائدات سوق سوداء تتاجر فيها الجماعة في القطاع النفطي، و600 مليار إيرادات غير ضريبية، و95 ملياراً إيرادات قطاع الاتصالات، و400 مليار عائدات ضريبية من أمانة العاصمة. وتفوق هذه الإيرادات التي تجنيها الجماعة الميزانية التي كانت أعلنتها الحكومة الشرعية مطلع السنة الجارية والمقدرة بـتريليون ونصف التريليون ريال وبعجز تجاوز 30 في المائة. وفي السياق نفسه تقدر إحصائيات غير حكومية أن الميليشيات الحوثية جنت أكثر من 7 مليارات دولار من الموارد المحلية خلال العام 2018 فقط، فيما جمعت أكثر من 4 مليارات دولار من الإيرادات الزكوية والضرائب العقارية وضريبة استهلاك «نبتة القات» ورسوم تراخيص النقل والتراخيص الصحية وغيرها.


مقالات ذات صلة

السعودية تُرحب بـ«اتفاق مسقط» لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن

الخليج جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)

السعودية تُرحب بـ«اتفاق مسقط» لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن

رحبت السعودية بالاتفاق الذي وُقّع عليه في مسقط لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن، وعدته خطوةً مهمةً تُسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج أسرى يلوِّحون بأيديهم لدى وصولهم إلى مطار صنعاء في عملية تبادل سابقة (أرشيفية- رويترز)

أطراف النزاع في اليمن يتفقون على تبادل 2900 محتجز

أكد مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أن أطراف النزاع في اليمن اختتمت، الثلاثاء، اجتماعاً استمر 11 يوماً في سلطنة عمان.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
العالم العربي الجماعة الحوثية أظهرت تحدياً لمختلف القوى الدولية رغم ما تعرضت له من هجمات (أ.ب)

عقوبات قاصرة... الحوثيون يُعيدون رسم خريطة التهديد

رغم تجديد العقوبات الدولية عليهم، يُعزز الحوثيون قدراتهم العسكرية ويحولون التهديد المحلي إلى خطر إقليمي على الملاحة والأمن الدوليين مع تحالفاتهم العابرة للحدود.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي تشييع قيادي حوثي توفي بشكل غامض في إب وسط تكهنات باغتياله جراء خلافات مالية (إعلام حوثي)

الانفلات الأمني يفتك بمناطق سيطرة الحوثيين

تشهد مناطق سيطرة الجماعة الحوثية تسارعاً غير مسبوق في الإعدامات الميدانية للمدنيين، وعلى خلفيات مناطقية، وتسبب الانفلات الأمني في حوادث اغتيال عدد من القيادات

وضاح الجليل (عدن)
مسلح حوثي يراقب تجمعاً لرجال القبائل في صنعاء (إ.ب.أ)

انفلات الثأر القبلي يكشف زيف مزاعم الحوثيين باحتواء الصراعات

تصاعدت حوادث الثأر والعنف القبلي في مناطق الحوثيين على الرغم من ادعاءاتهم تبني سياسات للصلح وإنهاء النزاعات التي يستغلونها لتعزيز نفوذهم وجني مزيد من الموارد.

وضاح الجليل (عدن)

إشادة سعودية بالاتفاق اليمني في مسقط لتبادل المحتجَزين

اتفاق بين الحكومة اليمنية والجماعة الحوثية في مسقط على تبادل 2900 محتجَز وأسير (إكس)
اتفاق بين الحكومة اليمنية والجماعة الحوثية في مسقط على تبادل 2900 محتجَز وأسير (إكس)
TT

إشادة سعودية بالاتفاق اليمني في مسقط لتبادل المحتجَزين

اتفاق بين الحكومة اليمنية والجماعة الحوثية في مسقط على تبادل 2900 محتجَز وأسير (إكس)
اتفاق بين الحكومة اليمنية والجماعة الحوثية في مسقط على تبادل 2900 محتجَز وأسير (إكس)

أشاد السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، بالاتفاق الذي توصّل إليه طرفا الصراع في اليمن لتبادل المحتجَزين، برعاية الأمم المتحدة وبوساطة سلطنة عمان، واصفاً هذه الخطوة بأنها «تعزز جهود التهدئة وبناء الثقة في اليمن».

وفي تغريدة على منصة «إكس»، نوّه آل جابر بالجهود التي بذلها فريقا التفاوض من الطرفين، مؤكداً أن الاتفاق يعالج قضية ذات بُعد إنساني، ويتيح لكل المحتجَزين العودة إلى أُسرهم، كما أعرب عن تقديره توجيهات القيادة السعودية، ومتابعة وزير الدفاع، وتعاون الحكومة اليمنية، والمساعي الصادقة من سلطنة عمان.

كان الوفد الحكومي اليمني ووفد الجماعة الحوثية قد أعلنا، الثلاثاء، توصلهم لاتفاق يقضي بتبادل 2900 محتجَز وأسير من الطرفين، حيث يشمل الاتفاق الإفراج عن 1700 أسير حوثي، مقابل 1200 محتجَز من الجانب الحكومي؛ بينهم 7 سعوديون و23 سوادنياً من قوات «تحالف دعم الشرعية» في اليمن.

من جانبها، رحّبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالاتفاق المبدئي لإطلاق سراح المحتجَزين ونقلهم وإعادتهم إلى أوطانهم، داعية جميع الأطراف إلى ترجمة الالتزامات إلى أفعال على أرض الواقع.

وقالت رئيسة بعثة اللجنة في اليمن، كريستين شيبولا: «نُعوّل على تعاون أطراف النزاع، ومن الضروري أن تحترم الأطراف التزاماتها بموجب الاتفاق، وأن تعمل على تحديد المحتجَزين المقرر إطلاق سراحهم دون تأخير».

كما أشادت السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبده شريف، بالجهود المبذولة من اللجنة الدولية وسلطنة عمان، مؤكدة أن التعاون المستمر من جميع الأطراف أمر أساسي لإحراز تقدم نحو إطلاق سراح المعتقلين.

بدورها، رحبت وزارة الخارجية العمانية بالاتفاق، وثمّنت الروح الإيجابية التي سادت المفاوضات بين 9 و23 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، مؤكدة دور المملكة العربية السعودية، وجهود مكتب المبعوث الأممي الخاص باليمن واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وكل الأطراف المشارِكة في نجاح هذا المسعى الإنساني.

خطوة إنسانية وتوقعات بالتنفيذ

في تعليق حكومي يمني، أعرب وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني عن ترحيبه بالاتفاق الذي يشمل شخصيات سياسية بارزة مثل الأستاذ محمد قحطان، واصفاً الخطوة بأنها «إنسانية مهمة طالَ انتظارها، وتُخفف من معاناة آلاف الأُسر اليمنية، وتمثل تقدماً ملموساً في أحد أكثر الملفات الإنسانية إيلاماً».

وأكد الإرياني أن الاتفاق جاء ثمرة توجيهات ومتابعة القيادة السياسية بمجلس القيادة الرئاسي برئاسة رشاد العليمي، وتجسيداً لالتزام الحكومة بالتعامل مع ملف الأسرى والمحتجَزين كقضية إنسانية وأخلاقية، بعيداً عن أي اعتبارات سياسية أو انتقائية؛ لضمان الإفراج عن الجميع دون استثناء.

كما أشاد بالدور المحوري للسعودية وجهود قيادتها في متابعة هذا الملف الإنساني، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، مشيراً إلى حرصها على تخفيف معاناة الشعب اليمني وتعزيز فرص التهدئة وبناء الثقة.

وأشار الإرياني أيضاً إلى مساهمة سلطنة عمان في استضافة جولات التفاوض، وتهيئة الأجواء المناسبة للتوصل إلى الاتفاق، مُعرباً عن تقديره الجهود الدولية والمبادرات الأممية التي أسهمت في تقريب وجهات النظر.

ولفت إلى أن الحكومة اليمنية ستواصل تنفيذ الاتفاق بكل مسؤولية؛ لضمان الإفراج الكامل عن جميع المحتجَزين والمختطَفين والمخفيين قسراً، ووضع حد لمعاناة آلاف الأُسر اليمنية التي طال انتظارها لهذا اليوم.


العليمي يجدد التحذير من مخاطر إجراءات «الانتقالي» الأحادية

حشد في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (رويترز)
حشد في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (رويترز)
TT

العليمي يجدد التحذير من مخاطر إجراءات «الانتقالي» الأحادية

حشد في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (رويترز)
حشد في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (رويترز)

جدد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، الثلاثاء، التحذير من خطورة الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظتي حضرموت والمهرة، على الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والخدمية على الدولة اليمنية.

وشدد العليمي على أن أي مساع لفرض واقع خارج إطار المرجعيات المتوافق عليها تهدد المركز القانوني للدولة وتضعف مؤسساتها، بما يفتح الباب أمام إعادة إنتاج الصراعات داخل الشرعية، ويزيد من هشاشة الدولة أمام الميليشيات الحوثية المدعومة من النظام الإيراني.

وأشار العليمي إلى أن الشراكة السياسية القائمة يجب أن تُحترم كأداة لحماية الدولة، وأن أي محاولة لتحويلها إلى وسيلة لفرض أجندة أحادية تعرّض البلاد لمخاطر كبيرة، بما في ذلك تعطيل مؤسسات الدولة، واستخدامها غطاءً لمشاريع خارجة عن التوافق الوطني.

وأضاف أن الحفاظ على وحدة القرار اليمني والتوافق الوطني العريض يمثل مصلحة عليا، ويعد شرطاً أساسياً لاستمرار الدعم سواء الإقليمي أو الدولي، وحماية مسار التعافي الاقتصادي، وضمان استقرار المجتمع اليمني، ومنع تفتيت الشرعية أو إضعافها.

وذكر الإعلام الرسمي أن العليمي عقد اجتماعاً مع رئاسة «هيئة التشاور والمصالحة» بحضور نواب رئيس الهيئة عبد الملك المخلافي، وصخر الوجيه، وجميلة علي رجاء، وأكرم العامري، لمناقشة الإجراءات الأحادية الأخيرة وتداعياتها على الشراكة السياسية.

وركز الاجتماع على دور الهيئة كأحد أعمدة التوافق الوطني التي أنشأها إعلان نقل السلطة لحماية مؤسسات الدولة من الانزلاق نحو الفوضى، وضمان استمرار التعاون بين القوى الوطنية المناهضة لمشروع الحوثيين المدعوم من إيران.

مسؤولية جماعية

أكد العليمي - حسب الإعلام الرسمي - أن الهيئة مطالبة بتحمل مسؤولية جماعية تتجاوز ردود الفعل، نحو بناء أدوات حاكمة تحمي مؤسسات الدولة وتردع أي محاولات لاستغلالها في مشاريع خارج التوافق.

وشدد على أن القضية الجنوبية، رغم عدالتها، يجب أن تعالج ضمن المرجعيات المتفق عليها، وعدم السماح بتحويلها إلى ذريعة لإجراءات أحادية قد تقوض فرص الحل السلمي، وتضعف التعاطف سواء الإقليمي أو الدولي، وتعيد القضية من مسارها السياسي الآمن إلى مسار تصادمي قد يفاقم الأزمات.

كما حذر العليمي من أن التهاون مع هذه الإجراءات الأحادية سيؤدي إلى إفراغ مجلس القيادة وهيئاته المساندة من مضمونها التوافقي، وتهديد المركز القانوني للدولة، وإعادة إنتاج صراع داخلي جديد داخل الشرعية، ما يضعف قدرة الدولة على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والإنسانية.

العليمي مجتمعاً في الرياض مع رئاسة هيئة التشاور والمصالحة (سبأ)

ولفت إلى أن المصالح العليا لليمن تتمثل اليوم في الحد من المعاناة الإنسانية، والحفاظ على وحدة القرار، واستمرار الدعم سواء الإقليمي أو الدولي، وحماية مسار التعافي الاقتصادي، ومنع عزل أو إضعاف الشرعية.

واطلع الاجتماع على إحاطة من رئاسة هيئة التشاور حول مقارباتها بشأن المستجدات الجارية، مؤكدة دعم الهيئة الكامل لمجلس القيادة والحكومة، وأهمية المضي قدماً في تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية، وتفويض قيادة مجلس القيادة باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية التوافق الوطني العريض، وحشد الطاقات كافة لمواجهة الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران.

حماية الدولة ووحدة القرار

في سياق تحركات العليمي، ذكرت المصادر الرسمية أنه التقى بقيادات وزارة الخارجية ورؤساء البعثات الدبلوماسية، بحضور وزير الخارجية شائع الزنداني، لبحث مستجدات الوضع المحلي، خصوصاً الإجراءات الأحادية التي دفعت بعض المؤسسات لإصدار بيانات سياسية خارجة عن اختصاصها.

وحذر من أن هذا المسار يهدد وحدة القرار، ويخلق سلطة موازية بالقوة، مما قد يؤدي إلى ارتباك قانوني وسياسي داخلي، ويضعف جهود المجتمع الدولي في دعم استقرار اليمن.

وشدد رئيس مجلس القيادة اليمني على أن المواقف السياسية العليا تتحدد عبر مجلس القيادة ومؤسسات الدولة المختصة، وعلى رأسها وزارة الخارجية، وليس من خلال بيانات منفردة أو اصطفافات أحادية.

العليمي مجتمعاً مع قيادة وزارة الخارجية ومع البعثات الدبلوماسية عبر الاتصال المرئي (سبأ)

كما أشار إلى أن أي ازدواج في السلطة أو القرار من شأنه إعاقة برامج الدعم وإعادة اليمن إلى مربع الدولة الفاشلة المتنازع عليها، ومنح الحوثيين فرصة لتعزيز نفوذهم وتحشيد المقاتلين خلف شعارات زائفة.

وأكد العليمي على أهمية تحصين مؤسسات الدولة من أي تسييس إداري، ومنع استخدام الوزارات والمؤسسات السيادية والخدمية في أي مشاريع خارج نطاق المرجعيات الرسمية، مع اتخاذ مسار قانوني واضح ضد أي تجاوزات تهدد وحدة القرار أو المركز القانوني للدولة. وشدّد على توجيه الجهد الوطني نحو مواجهة الميليشيات الحوثية، واستعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء المعاناة الإنسانية، وحماية مصالح اليمن العليا على الصعيدين الداخلي والدولي.


قلق إسرائيلي من «تطور التسليح المصري» يجدد حديثاً عن تعديل معاهدة السلام

مباحثات بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت في 2021 تم الإعلان بعدها عن تعديل الاتفاق الأمني بين البلدين (أ.ف.ب)
مباحثات بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت في 2021 تم الإعلان بعدها عن تعديل الاتفاق الأمني بين البلدين (أ.ف.ب)
TT

قلق إسرائيلي من «تطور التسليح المصري» يجدد حديثاً عن تعديل معاهدة السلام

مباحثات بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت في 2021 تم الإعلان بعدها عن تعديل الاتفاق الأمني بين البلدين (أ.ف.ب)
مباحثات بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت في 2021 تم الإعلان بعدها عن تعديل الاتفاق الأمني بين البلدين (أ.ف.ب)

جدّد قلق إسرائيلي من «تطور تسليح الجيش المصري» في سيناء الحديث عن تعديل معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، الصامدة منذ 1979، إلا أن مصدرين مطلعين بمصر قالا لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر ليست لديها أي نية أو دافع لإجراء تعديلات، وإن كل ما يهمها هو تأمين حدودها وفق مقتضيات الأمن القومي».

وبحسب المصدرين، فإن «مصر ترغب في زيادة تسليح القوات المصرية في سيناء، وخصوصاً القريبة من إسرائيل بأسلحة ووسائل تكنولوجية حديثة تمكنها من مراقبة الحدود وتحقيق المرونة اللازمة في حفظ الأمن القومي المصري بشكل دائم وتحت أي ظروف بالنظر للأحداث التي شهدتها المنطقة خلال العامين الماضيين، وشكلت تهديداً كبيراً لأمن مصر».

وشدّد المصدران على أن مصر تنتظر ما سيحدث في لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة نتنياهو للولايات المتحدة نهاية الشهر الحالي، مع «وجود اعتقاد لدى العديد من المسؤولين المصريين أن ترمب سيضغط بشدة على نتنياهو للتعاطي مع المطالب المصرية والعمل بشكل أكبر لتحقيق التهدئة اللازمة لإعادة العلاقات الطبيعية بين إسرائيل وجيرانها وبقية دول المنطقة».

ووفق المصدرين، فإن «الأنباء التي تتداول عن مطالب مصر بتعديل معاهدة السلام مع إسرائيل لزيادة القوات المصرية في سيناء غير دقيقة، لأن هناك ملاحق للاتفاقية تحقق المرونة اللازمة بشأن زيادة عدد القوات وقت الحاجة».

وكانت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية حذّرت من «نشر الجيش المصري مؤخراً منظومة الدفاع الجوي الصينية (HQ-9B) في شمال سيناء، وهي واحدة من أكثر الأنظمة تطوراً عالمياً». وسلّطت الصحيفة الضوء على ما تتميز به هذه المنظومة من قدرة على اعتراض الطائرات والصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة على مسافات تصل إلى 300 كيلومتراً وارتفاع 30 كيلومتراً، مع إمكانية تتبع أهداف متعددة في وقت واحد ومواجهة تهديدات متقدمة، مثل الصواريخ فرط الصوتية.

مصر وقّعت مع إسرائيل صفقة غاز كبرى مؤخراً (أ.ف.ب)

واعتبر التقرير العبري «نشر مصر لهذه المنظومة المتطورة جزءاً من جهود القاهرة لتعزيز أمنها الجوي أمام التهديدات الإقليمية، لكنه يجدد الشكوك حول الالتزام ببنود اتفاق السلام الذي يحدّ من التسليح في سيناء».

ويرى نائب مدير المخابرات الحربية ورئيس جهاز الاستطلاع السابق بمصر، لواء أركان حرب أحمد كامل، أن «مصر لا تحتاج لتعديل اتفاقية السلام كما يتردد، لأنه تم تعديل ملحق الاتفاق في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2021 بحجم القوات والمعدات الموجودة حالياً في سيناء، ولكن مصر قد تطلب في ذلك الشأن تطوير تسليح ومعدات قوات المنطقة (ج) القريبة لغزة وإسرائيل بوسائل وأجهزة مراقبة إلكترونية حديثة لمراقبة حدودها مع إسرائيل، التي يبلغ طولها نحو 220 كيلومتراً، وذلك لضبط الحدود أمنياً ومنع التهريب والتسلل بأنواعه المختلفة».

وأوضح: «دائماً كانت ترفض إسرائيل مطلب التسليح الحديث للقوات المصرية في تلك المنطقة خلال محادثات لجنة التنسيق المشتركة لأجهزة الاتصال بين الجانبين».

كامل قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الطلب الرئيسي لمصر هو إعلان نتنياهو تنفيذ جميع بنود اتفاق شرم الشيخ الخاص بغزة، والانسحاب الكامل من قطاع غزه، وفتح معبر رفح في الاتجاهين».

خبير الأمن القومي المصري اللواء محمد عبد الواحد قال إن «العلاقات بين مصر وإسرائيل باردة حالياً، ولكن يتم احتواء الخلافات من خلال التنسيق المشترك والوساطة الأميركية، والخلافات تركز على غزة والأمن الحدودي».

وشرح عبد الواحد لـ«الشرق الأوسط» أن «اتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية تحدد حدوداً صارمة للقوات المصرية في سيناء، مقسمة إلى مناطق (A ،B ،C ،D). وأي زيادة في القوات أو المعدات الثقيلة تتطلب موافقة إسرائيلية مسبقة».

أما الأستاذ المتخصص في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، طارق فهمي، فقال لـ«الشرق الأوسط» إن «إسرائيل تضغط عبر تسريبات لإعلامها من أجل عمل تعديلات جديدة، لأن آخر تعديل على الملحق الخاص بالاتفاقية تم في 2021، واتفقت اللجنة العسكرية المشتركة على زيادة عدد وقدرات قوات حرس الحدود المصرية بمنطقة رفح، وحالياً هناك محاولات إسرائيلية لتعديل هذا الملحق الأمني لضمان بقاء القوات الإسرائيلية في محور صلاح الدين، وهي المنطقة (د) لديهم، بينما مصر ترى ذلك انتهاكاً لمعاهدة السلام».

وفي تقدير فهمي، فإنه «ستتم مواءمات بين الطرفين بشكل أو بآخر دون حدوث مخالفات كبيرة للمعاهدة»، منوهاً إلى أنه «لا توجد أي خروقات من جانب مصر للمعاهدة، وأغلب الأمور التي تتم حالياً وسابقاً في سيناء تكون بالتنسيق، ومصر ليست في حاجة لاستئذان أحد لحفظ أمنها أو تسليح قواتها».

فهمي وهو محاضر في كلية الدفاع والأمن القومي بأكاديمية ناصر العسكرية بمصر، شدّد على أنه «لن تكون هناك قمة بين السيسي ونتنياهو في هذا التوقيت، بصرف النظر عن أي لقاءات أخرى يمكن أن تتم، ونحن في انتظار نتائج القمة بين نتنياهو وترمب أولاً، وبعد ذلك تتم التوافقات، وحينما يتم الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة، وتكون هناك جدية في تنفيذه من جانب إسرائيل، يمكن عقد قمة عربية تشارك فيها عدة دول، بجانب الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر، ثم قمة رباعية بين مصر وإسرائيل وأميركا والأردن. وكل ذلك يتم في الولايات المتحدة، ولا توجد مخططات لقمم تعقد بالشرق الأوسط».