وثائق أميركية تكشف صعوبة النصر في حرب أفغانستان

الجنرال لوت: لم يكن لدينا أي فهم أساسي ولا نعرف ما نريده

وثائق أميركية تكشف صعوبة النصر في حرب أفغانستان
TT

وثائق أميركية تكشف صعوبة النصر في حرب أفغانستان

وثائق أميركية تكشف صعوبة النصر في حرب أفغانستان

مع إعادة تحريك ملف المفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة «طالبان» في محاولة لإعادة تجديد الجهود للتوصل إلى قرار بوقف إطلاق النار في أفغانستان، سلط التقرير، الذي نشره مكتب حكومي تم إنشاؤه لمراقبة الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لإعادة بناء البلاد، الضوء على المناقشات وحالة عدم اليقين التي تحيط «بأطول حرب في تاريخ البلاد»، بما قد يؤدي إلى تغيير جدي في مسارها. ويعتقد على نطاق واسع أن تلك المفاوضات قد تكون مفتاحاً لجهود الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الرامية إلى الوفاء بأحد وعوده الانتخابية، عن طريق إعادة القوات الأميركية إلى الوطن من النزاعات المفتوحة.
ترمب الذي قام بزيارته الأولى مؤخراً لأفغانستان، حيث ينتشر فيها نحو 13 ألف جندي، قد تشكل الوثائق التي تشير أيضاً إلى حجم الكلفة التي دفعتها ولا تزال بلاده في تلك الحرب، حافزاً إضافياً له على المضي في مساعيه لسحب قوات بلاده من أفغانستان.
وفيما يُحتمل أن تؤدي تلك الوثائق إلى عقد جلسات استماع من الكونغرس مع المسؤولين الحاليين والسابقين، كشفت الوثائق عن ملاحظات من مقابلات سابقة غير منشورة شارك فيها صناع القرار الرئيسيون، بمن فيهم القادة المدنيون والعسكريون، وتعكس وجهات نظر تتفق مع التقارير التي سبق نشرها حول النزاع، بما في ذلك التقارير المنتظمة للمفتش العام الخاص للبنتاغون لإعادة إعمار أفغانستان. وجاء نشر التقرير بعد معركة قضائية دامت 3 سنوات بين السلطات الأميركية وصحيفة أميركية. وسُمح بنشر نحو 2000 صفحة من الملاحظات والوثائق، التي حظيت باهتمام وسائل الإعلام الأميركية، رغم طغيان ملف عزل الرئيس الأميركي دونالد ترمب، من قِبل مجلس النواب على عناوين الأخبار الرئيسية.
وتكشف الوثائق تصريحات ومقابلات مع أكثر من 400 شخص لعبوا دوراً مباشراً في الحرب، من جنرالات ودبلوماسيين إلى عمال إغاثة ومسؤولين أفغان من المطلعين على روايات مباشرة عن الأخطاء التي جرت. كما تكشف هذه المقابلات أنه لم يكن هناك إجماع على أهداف الحرب، ناهيك بكيفية إنهاء النزاع. وحسب بعض التصريحات التي أُزيلت عنها السرية، قال البعض: «إن المسؤولين الأميركيين كانوا يعلنون دوماً أنهم يحرزون تقدماً في تلك الحرب. لكن الحقيقة لم تكن كذلك وكانوا يعرفون ذلك».
وكشفت الوثائق التي نشرها التقرير مئات الصفحات من المذكرات السرية لوزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد، من الأرشيف القومي. تلك المذكرات التي تُعرف بـ«رقاقات الثلج» تتضمن إرشادات وتعليقات موجزة أدلى بها رامسفيلد، وتكشف عن تاريخ سرّي وغير ثابت للنزاع، وتقدم رؤى جديدة حول كيفية فشل ثلاث إدارات رئاسية منذ ما يقرب من عقدين في الوفاء بوعودها بإنهاء الحرب.
وحسب تصريحات المسؤولين الذين لم يتوقعوا أن تُنشر تصريحاتهم علناً في يوم من الأيام، يقول بوب كراولي وهو عقيد متقاعد في الجيش وعمل لسنوات مستشاراً لمكافحة الإرهاب في مقر القيادة العسكرية الأميركية في كابل: «سنة بعد سنة فشل المسؤولون الأميركيون في قول الحقيقة حول الحرب في أفغانستان للجمهور. كل المعلومات والبيانات عن تلك الحرب كان يجري تعديلها لتقديم صورة أفضل».
الجنرال المتقاعد دوغلاس لوت الذي خدم في الحرب في أفغانستان خلال عهدي الرئيسين جورج بوش الابن وباراك أوباما، قال: «لم يكن لدينا أي فهم أساسي لأفغانستان ولا نعرف ما الذي نريده». ويضيف في المقابلة التي أُجريت معه عام :015، «ما الذي نحاول القيام به هناك؟ لم يكن لدينا أي فكرة حول ما الذي نتعهد به. لو عرف الشعب الأميركي حجم هذا الخلل». وألقى لوت بالمسؤولية عن مقتل 2400 شخص، على البيروقراطية بين الكونغرس والبنتاغون والخارجية. وقال الجنرال المتقاعد جون ألين، قائد قوات المارينز الذي قاد قوات الولايات المتحدة وحلف الناتو في أفغانستان من عام 2011 إلى عام 2013، إن الحكومة الأفغانية رفضت إرسال موظفين مدنيين إلى المناطق التي تم تطهيرها مؤخراً من المتمردين، مصرّة على أن تتم تهدئة البلد بأكمله أولاً. وأضاف ألين، حسب الوثائق: «هذا يعني بالنسبة إليّ أنهم لم يكونوا جادين بشأن الاستقرار الذي يحتاجون إليه بشدة».
وتكشف الوثائق التي تداولتها وسائل الإعلام الأميركية عن تناقض المقابلات مع سنوات من التصريحات العلنية الوردية للرؤساء والجنرالات والدبلوماسيين، التي كانوا يعلمون أنها خاطئة وتخفي الأدلة عن أن الحرب أصبحت غير قابلة للربح. وتكشف أيضاً أن الحكومة الأميركية بذلت جهوداً كبيرة لتضليل الجمهور عمداً للتغطية على الأنباء غير السارة والنقد غير المستحب.
وفيما يعلن الوزير رامسفيلد أن القوات الأميركية والحلفاء ليس لديهم استراتيجية واضحة وأهداف محددة بشكل جيد، يقول التقرير إنه في البداية كان الهدف الأساسي لغزو أفغانستان هو تدمير تنظيم «القاعدة». ولكن بعد إنجاز هذا الهدف قال المسؤولون إن المهمة باتت غير واضحة بعدما أُضيفت إليها استراتيجيات متناقضة وغير قابلة للتحقيق. وأصبح السؤال: من هو العدو، ومن الذي يمكننا التحالف معه، وكيف نعرف متى نفوز؟
تضيف الوثائق أن عشرات المسؤولين الأميركيين والأفغان قالو إن خطط تدريب القوات الأفغانية وسياسات محاربة الأفيون المزدهرة في هذا البلد، سوف تفشل لأنها استندت إلى افتراضات غير صحيحة حول بلد لم يجرِ فهمه.
ريان كروكر الدبلوماسي الأميركي المتقاعد قال إن الولايات المتحدة أهدرت مبالغ ضخمة في محاولة لإعادة تشكيل أفغانستان وترويض الفساد. لكنه يضيف: «لا يمكنك إنفاق هذه المبالغ على دولة ومجتمع هش للغاية، مثلما أنه ليس لديك المال الكافي لمواصلة تغذية الفساد».
وتضيف الوثائق أنه على الرغم من محاولات الولايات المتحدة القيام بعكس ذلك، عبر الانخراط في جهود ضخمة لبناء دولة حديثة، وإنفاق أموال غمرت أفغانستان بأكثر مما تستوعبه، والتي بلغت مئات مليارات الدولارات، تحول الأمر إلى فرص لتضخيم الفساد والرشوة والاحتيال.
وحسب تلك الوثائق فقد أنفقت الولايات المتحدة في أفغانستان أكثر من تريليوني دولار، منها 1.5 تريليون على الحرب، و500 مليار كفوائد، و87 ملياراً على تدريب القوات الأفغانية وقوى الأمن، و24 ملياراً على مشاريع تطوير البلاد، و10 مليارات على مكافحة المخدرات.
كما أدت تلك الحرب حتى الآن إلى مقتل 115 ألف مدني وعسكري ومن العاملين في مجال الإغاثة، من دون أن تضمن تحقيق أهدافها، حسب غالبية التحقيقات والتعليقات التي وردت في تلك الوثائق.


مقالات ذات صلة

آسيا مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مرة أخرى وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام».

«الشرق الأوسط» (باراشينار (باكستان))
المشرق العربي إردوغان وإلى جانبه وزير الخارجية هاكان فيدان خلال المباحثات مع بيلنكن مساء الخميس (الرئاسة التركية)

إردوغان أبلغ بلينكن باستمرار العمليات ضد «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا أنها ستتخذ إجراءات وقائية لحماية أمنها القومي ولن تسمح بالإضرار بعمليات التحالف الدولي ضد «داعش» في سوريا. وأعلنت تعيين قائم بالأعمال مؤقت في دمشق.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

قال رئيس هيئة أركان وزارة الدفاع النيجيرية الجنرال كريستوفر موسى، في مؤتمر عسكري، الخميس، إن نحو 130 ألف عضو من جماعة «بوكو حرام» الإرهابية ألقوا أسلحتهم.

«الشرق الأوسط» (لاغوس)
المشرق العربي مئات السوريين حول كالين والوفد التركي لدى دخوله المسجد الأموي في دمشق الخميس (من البثّ الحرّ للقنوات التركية)

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

قام رئيس المخابرات التركية، إبراهيم فيدان، على رأس وفد تركي، بأول زيارة لدمشق بعد تشكيل الحكومة السورية، برئاسة محمد البشير.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».