إن كنت من هواة الأطعمة التقليدية والصحية، فلا يمكنك إنكار حقيقة أن الأطعمة المطهية والمغلفة في الأوراق الخضراء هي أكثر صحة وذات رائحة ذكية.
وتغليف الأطعمة قبل طبخها هو من التقاليد القديمة للطهي التي تساعد في الحفاظ على رطوبة الطعام، مع إضافة النكهات المحببة، وتحول دون احتراق الطعام أو تفسخه أثناء الطهي، لا سيما مع الطهي فوق النيران الحية المشتعلة.
وهناك العديد من الثقافات من مختلف أرجاء العالم حيث يعد طهي وتناول الأطعمة المغلفة بالأوراق الخضراء من أساليب الطهي الشعبية، وتعتبر الهند من أبرز تلك الأماكن، إذ تستخدم أوراق النباتات في الطبخ وهي من الطرق الطبيعية وصديقة البيئة كذلك.
ومن خلال أساليب الطهي القديمة عرفنا طريقة تغليف (لف) الطعام بأوراق النباتات ثم تحميصها، أو شويها، أو قليها، أو تبخيرها.
ويُستعان في ذلك بأوراق مختلف النباتات مثل الموز، والقلقاس، والكركم، والكاكايا، والسال، والصنوبر الملتف، ونخيل السكر، واللوتس، وغيرها من النباتات الأخرى. ويستخدم الهنود مجموعة متنوعة ومحيرة من أوراق النباتات المختلفة في طهي الطعام، والبعض منهم يعتبر أوراق الموز من المكونات التي لا يُستغنى عنها بحال، لا سيما في مطابخ جنوب الهند. ولفترة طويلة قبل ظهور واستخدام منتجات التغليف الحديثة من الأغلفة البلاستيكية وصفائح الألومنيوم ووصولها إلى المطابخ الحديثة، كانت أوراق النباتات تستخدم بالأساس في تغليف (لف) الخضراوات والأسماك لطهيها بالتبخير.
- أشهر الأطعمة المطهية بالتغليف الورقي
في حين أن إيدليس (كرات الأرز المطهوة على البخار) يشيع تبخيرها باستخدام أوراق النباتات في جنوب الهند، إلا أن مطابخ ولاية غوجارات تشتهر على مستوى العالم بـال «باترا»، وهي الوجبة الشعبية الخفيفة المصنوعة باستخدام أوراق القلقاس (المعروفة شعبياً أيضا باسم آربي)، ويتم تسويتها على البخار مع إضافة مختلف أنواع التوابل بأسلوب الطبقات المتتالية ثم تُغلف كومة منها وتترك للتبخير ثم قليها بعد ذلك.
ثم هناك وجبة «باترا ني ماتشي» المعروفة لدى طائفة البارسيون من ولاية غوجارات الهندية، ووجبة «ماتشر باتوري» الشهيرة في إقليم البنغال، وكلاهما يتضمن السمك والقريدس الملفوف في أوراق الموز، واليقطين، والكاكايا، مع التتبيل بالخردل وجوز الهند.
وفي ولاية كيرالا، يتم تغليف الأسماك المتبلة بالكامل في أوراق الموز ثم تتعرض للتبخير. وتستمد الأسماك المطهية بهذه الطريقة نكهة الشاي أو رائحة الأعشاب ذلك بالإضافة إلى التوابل الأساسية. وتترك هذه الحزم الملفوفة بأوراق الموز انطباعاً رائعاً عند تقديمها على أطباق منفردة في طعام العشاء. ومع فتح الحزمة المغلفة ينطلق البخار بالروائح المذهلة في جو الغرفة.
ومما يُضاف إلى ذلك، يُطهى الأرز بالتبخير مغلفاً في مجموعة متنوعة من أوراق النباتات الأصلية مثل نبات الكوبات أو أوراق البينيا المضادة للبكتيريا، كما يُفضل الاستعانة بأوراق الخيزران واللوتس في مطابخ شمال شرقي البلاد. كما تظهر تلك الأساليب واضحة على قوائم الطهي لدى الشيف أمينيندر ساندهو الحائزة على الجوائز في مطعم «آرث» بمدينة مومباي. وتقدم الشيف أمينيندر ساندهو أرز الياسمين المغلف بأوراق البينيا العطرية مع الديومالي، وهو لحم الضأن المدخن مع أعواد الخيزران على الفحم المشتعل، وتكون النتيجة الدائمة وليمة عطرية رائعة للغاية.
كما تُغلف كفتة الأرز الثخينة في أوراق الخيزران المجففة وهي تحتوي في المعتاد على حشوات لذيذة من الدجاج، والكستناء، والبيض المحفوظ، وعيش الغراب المجفف والملفوف على أشكال هرمية مثلثة.
وفي مدينة أودوبي بولاية كارناتاكا الغربية، يصنع الإيدليس (كرات الأرز المطهوة على البخار) بطريقة خاصة تمنحها رائحة عطرية مميزة عن طريق تبخير كرات الأرز في أوراق الكاكايا، وأوراق الموز، وأوراق الصنوبر الملتف، وأوراق الكركم، وأوراق الساج، وأوراق الماكارنجا.
والوصفة الأكثر إثارة للدهشة هي كرات الأرز الأسطوانية الشكل التي تسمى موودي بلغة الكانادا تولو المحلية.
ويكمن سر الوصفة في صناعة قوالب أسطوانية من أوراق الصنوبر الملتف، ثم تبخيرها لاستخراج أفضل ما فيها، إذ تترك أوراق الصنوبر الملتفة طعماً ونكهة رائعة للغاية لكرات الأرز الأسطوانية.
تستخدم لفائف أوراق الكرنب مثل البرغر، حيث يتم تغليف (لف) الباتي (فطيرة لحم البقر) مع مكونات أخرى في أوراق الكرنب بدلاً من وضعها في شطائر.
تقول روشينا مونشو غيلديال، مؤرخة الطهي الهندية المعروفة، ومؤلفة كتاب بعنوان «إيه بي سي كوك ستوديو»: «تعد أوراق النباتات من أولى أدوات الطهي استخداماً في البلاد. وكان يصنع منها في القديم أوعية تستخدم في حفظ ونقل الأطعمة. وكان الاستعانة بها في الطهي هو الخطوة التالية لدى أسلافنا الذين كانوا يعيشون على الجمع والصيد في الدهور السالفة، والذين اكتشفوا أن بعض أوراق النباتات يمكن أن تشكل غلافاً جيداً لحماية الأطعمة من التعرض للهيب النيران المباشرة أو مصادر الحرارة المرتفعة».
وتعتبر أوراق النباتات من الأغلفة الجيدة لحماية الطعام من الأوساخ، والسوائل، والحرارة العالية. كما أنها تساعد في حفظ البخار والنكهات، مع إتاحة طهي الطعام ببطء وتأنٍ على نار هادئة مع الاحتفاظ بالعصارات الخاصة بكل وصفة، وفي بعض الأحيان يستمد الطعام نكهة خاصة من رائحة الأوراق العطرية المميزة.
ووفقاً إلى الشيف ريغي ماثيو: «تُضفي الأوراق في حد ذاتها نكهة طبيعية وأصلية خاصة على الطعام، مما يزيد من تفردها وتميزها. وينبغي لوجه الورقة المفتوح أن يكون ملامساً للطعام المطهي، حتى تتلامس جزيئات الزيوت العطرية المتوافرة في الأوراق على سطحها العلوي مع سهولة امتصاص الطعام لها أثناء الطهي والتبخير. وتلك الطريقة تزيد من جودة وروعة نكهة الطعام».
تستخدم أوراق النباتات أيضاً في صناعة الحلويات
هناك في جنوب الهند حلوى تعرف باسم (تشاكا كومبيلابام) وهي تصنع باستخدام الكاكايا التي تُهرس في اللب ثم تُخلط مع جوز الهند المبشور والجاغري (سكر القصب). ثم يُغلف الخليط في أوراق الكاكايا ويجري تبخيره في صورة زلابية على شكل (قمع) مخروط، تعرف باسم (كومبيلي) في لغة المالايالام المحلية، والتي تستمد منها مسماها المعروف هناك. ومن المعروف عن أوراق الكاكايا ميزتها في تحفيز الشهية من خلال عطرها النفاذ الرائع.
وهناك أيضاً حلوى (إيلا آدا) المصنوعة من مسحوق الأرز، والجاغري، وجوز الهند المبشور. ويجري تغليفها في قطعة صغيرة من أوراق الموز ثم تبخيرها حتى النضوج. وحيث إنها من الحلوى غير المسكرة للغاية، فهي مناسبة لأولئك الذين لا يفضلون الحلويات ذات المحتوى العالي من السكريات. كما يُفضل تناولها في وجبة الإفطار في بعض أجزاء ولاية كيرالا.
عند الطهي أو التقديم، أو تغليف الطعام في أوراق الموز، فإنها الرائحة العطرية المميزة تلازم الطعام. حتى التبخير باستخدام أوراق الموز يترك نكهة طيبة على الأطباق، كما يقول الشيف بريم رام رئيس أحد الأقسام بمعهد إدارة الفنادق.
يُصنع اللحم المحلى، في هيمالايا غاروال، في أوراق «ماللو كا باتا» المحلية المطوية على شكل (أقماع).
وعلى نحو مماثل، وخلال موسم الأمطار الموسمية، أثناء نمو أوراق الكركم بكثرة، تتغذى العائلات في ولاية غوا الهندية على الباتهولي - وهو فطائر الأرز المحلى المحشوة بجوز الهند والجاغري ثم تبخيرها في أوراق الكركم. وفي مطابخ ولاية غوجارات هناك البانكي، وهي فطائر الأرز الخفيفة المبخرة في أوراق الموز.
- التاريخ القديم للطهي في أوراق النباتات
تشير النصوص الهندية من العصور الوسطى إلى بعض الوصفات المعقدة بدرجة ما للأطعمة التي كانت معروفة وقتذاك ويجري طهيها مغلفة في أوراق النباتات. ويسرد كتاب (نعماتنامة)، المؤلف في عهد السلطان غياث شاه، سلطان مالوا، ونجله ناصر شاه في القرن الخامس عشر الميلادي، الوصفات الخاصة بالكفتة، وكرات اللحم، الملفوفة في أوراق الليمون والمضافة إلى الحساء. وهناك أنواع أخرى من الأطباق التي تستخدم أوراق البرتقال الحامضية أو أوراق نبات التنبول. وهناك وصفات أخرى تتعلق بتتبيل اللحوم المفروم بالكمون، والحلبة، والهيل، والقرنفل، والكافور، والمسك، ثم تغليفها في أوراق الصنوبر الملتف أو في سلة مصنوعة من أوراق البرتقال الحامضية، ثم تطبخ، ثم تؤكل مع إضافة الخل أو عصير الليمون.
ويذكر كتاب (سوباشاسترا)، الذي يوثق لتقاليد الطهي القديمة بالعصور الوسطى في ولاية كارناتاكا الغربية، وصفة تستخدم فيها أعواد الخيزران في صناعة العجين مع الزندبيل، والبصل، وجوز الهند المبشور، مع الحشو في أوراق نبات التنبول ثم الطهي على البخار.
وهناك أيضاً أساليب الطهي القديمة في ولاية راجاستان، والتي كانت تحظى بشعبية كبيرة في وقت من الأوقات مع حفلات الصيد الملكية في تلك المنطقة. وكانت غنائم الصيد الملكية تتبل بالبهارات المتنوعة، وتغلف في أوراق الأشجار، ثم تطبخ مغلفة فوق الجمر الملتهب. وكانت عائلة ميوار الملكية تتباهى بوصفات (خاد كوكارا) الرائعة، حيث توضع الدجاجات في أوراق نباتات كاكرا وتشوى في حفرة عميقة.
الطهي بأوراق النباتات طريقة لا يتخلى عنها الهنود
تقليد قديم يحافظ على رطوبة الطعام
الطهي بأوراق النباتات طريقة لا يتخلى عنها الهنود
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة