قرار منع النقاب في المؤسسات العمومية يثير جدلاً سياسياً في تونس

TT
20

قرار منع النقاب في المؤسسات العمومية يثير جدلاً سياسياً في تونس

لم تمض سوى ساعات قليلة على إعلان منشور الحكومة التونسية بمنع ارتداء النقاب في المؤسسات العمومية، حتى توالت ردود الفعل المتباينة، بين مؤيد بقوة ومعارض بشدة، وعاد الجدل على أشده ليشتعل مجددا بين القيادات السياسية. وبينما لقيت هذه المبادرة دعما قويا من قبل التيارات السياسية اليسارية والليبرالية، التي أكدت اعتماد العناصر الإرهابية على استخدام النقاب وسيلة للتخفي للنقاب في تنقلاتها وتنفيذ أعمال إرهابية، فإن أطرافا حقوقية وإسلامية لفتت الانتباه إلى «إمكانية تأثير هذا القرار على الحريات الفردية، ومن بينها حرية التنقل وحرية اللباس».
وكانت الحكومة التونسية قد قررت بداية من أول من أمس منع دخول كل شخص منتقب غير مكشوف الوجه إلى الإدارات والمؤسسات العمومية، ويشمل قرار المنع الموظفين والزائرين على حد سواء. غير أن أطرافا إسلامية عدة عبرت أمس عن خشيتها من انتقال هذا القرار من مرحلة منع النقاب إلى مرحلة منع الحجاب أيضا.
وفي هذا الإطار، قالت صبرين القوبنطيني، القيادية في حركة «تحيا تونس» التي يرأسها رئيس الحكومة يوسف الشاهد، إن القرار جاء في وقته اعتبارا للمخاطر الإرهابية التي تهدد البلاد. ونفت أن يمس بالحريات الفردية، مؤكدة أن هذه المسألة «مجرد مغالطات لنشر الخوف من هذا القرار الحكومي... وهذه الحريات قد يمكن الحد منها إذا تعلق الأمر بالأمن العام للبلاد»، على حد تعبيرها.
وخلافا لمواقف الأحزاب اليسارية والليبرالية، فإن حركة النهضة أبدت موقفا متفهما تجاه هذا الإجراء في ظل تنامي المخاطر الإرهابية. وفي هذا السياق، أكدت لطيفة الحباشي، النائبة الممثلة لحركة النهضة في البرلمان، أن المنشور الحكومي: «وخلافا لما تناقلته بقية القيادات السياسية، لا يشمل النقاب ولم يذكره البتة، بل أشار فقط إلى منع دخول كل شخص لا يكشف عن وجهه، أو يمتنع عن تقديم هويته الشخصية، وهذه مسائل جوهرية في حرب تونس على الإرهاب، وحزب النهضة يدعمها دون تحفظ».
مبرزة أن رئيس الحكومة «اتخذ هذا القرار إثر تشاور مع القيادات الأمنية والاستخباراتية حتى لا يقع استعمال النقاب في عمليات إرهابية، ومن الضروري الحفاظ على الحريات. لكن مراعاة الحق في الأمن وعدم المس باستقرار البلاد قضية حيوية كذلك».
من ناحيته، دعم حسونة الناصفي، القيادي في حركة مشروع تونس، قرار الحكومة بمنع النقاب داخل المؤسسات العمومية، وقال إن حزبه قدم مبادرة تشريعية إلى البرلمان حول الموضوع ذاته منذ سنة 2015، لكن المبادرة لم يقع تفعيلها، على حد تعبيره. داعيا في هذا الصدد إلى ضرورة عرض هذا المنشور الحكومي على البرلمان ليمر من مرحلة المنشور، إلى مرحلة القانون الملزم للجميع.
في السياق ذاته، عبر غازي الشواشي، قيادي حزب التيار الديمقراطي، عن «دعم مشروط» لقانون منع النقاب في المؤسسات العمومية، وأكد أن هذا القرار الحكومي «اتخذ لغايات أمنية في المقام الأول، لكن الثابت هو أنه ليس كل منتقبة تحمل فكرا متطرفا»، واقترح في المقابل توظيف نساء في مداخل المؤسسات العمومية للتعرف على النساء غير المكشوفات الوجه، والتأكد بالتالي من هويتهن بدل المنع المطلق.
وكشف الشواشي عن إمكانية تعرض هذا المنشور الحكومي للطعن والرفض من قبل المحكمة الإدارية (محكمة تنظر في قضايا تجاوز وخرق القانون)، مبرزا أنه كان يفضل إصدار منشور حكومي «ينظم عمليات الدخول للمنشآت العمومية، ويمنع الدخول بلباس غير لائق، بما فيه النقاب، وكل من يرفض الكشف عن وجهه وهويته، سواء من النساء أو الرجال»، على حد قوله.
وكانت مصادر أمنية قد أكدت أن نحو ثلاثة أرباع العمليات الإرهابية التي عرفتها تونس إثر ثورة 2011، كان النقاب حاضرا فيها كوسيلة للتمويه، وهو ما حدث في عملية هروب الإرهابي سيف الله بن حسين، المعروف باسم أبو عياض، مؤسس تنظيم أنصار الشريعة الإرهابي المحظور، والذي تمكن من الفرار باستعمال النقاب. كما أكدت فرار الإرهابي التونسي كمال زروق سنة 2014 مرتديا النقاب أيضا. والشيء نفسه حدث مع الإرهابي خالد الشايب، المعروف بلقمان أبو صخر، والذي ظل يتنقل بين منطقتي القصرين وقفصة (غرب تونس) باستعمال النقاب حتى لا يتم كشف أمره أمام فرق مكافحة الإرهاب، ولذلك ترى كثير من القيادات السياسية أن هذا الإجراء سيمكن من تضييق الخناق أكثر على التنظيمات الإرهابية؛ إلى حد ما.



القاهرة والدوحة تستنكران «محاولات تخريب» الوساطة بشأن غزة

أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني يستقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الديوان الأميري بالعاصمة الدوحة (الرئاسة المصرية)
أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني يستقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الديوان الأميري بالعاصمة الدوحة (الرئاسة المصرية)
TT
20

القاهرة والدوحة تستنكران «محاولات تخريب» الوساطة بشأن غزة

أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني يستقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الديوان الأميري بالعاصمة الدوحة (الرئاسة المصرية)
أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني يستقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الديوان الأميري بالعاصمة الدوحة (الرئاسة المصرية)

استنكرت قمة مصرية - قطرية، الاثنين، بالدوحة ما وصفته بـ«محاولات تقويض المسارات التفاوضية» أو «استهداف الوسطاء»، فيما يتعلق بجهود التهدئة في غزة، مؤكدة أنها «لا تهدف إلا إلى تخريب جهود الوساطة».

وأصدرت القاهرة والدوحة بياناً مشتركاً عقب انتهاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من زيارته إلى قطر وتوجهه إلى الكويت، أعلنتا فيه موقفاً موحداً بشأن قضايا المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فضلاً عن الاتفاق على حزمة استثمارات قطرية ضخمة في مصر، وهو ما وصفه خبراء بـ«رسالة تؤكد متانة ودفء العلاقات القطرية المصرية في مواجهة محاولات التشويه».

وعقد السيسي وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني جلسة مباحثات ثنائية في الدوحة بعد ترؤسهما اجتماعاً موسعاً ضم وفدي البلدين لمناقشة مختلف القضايا ومجالات التعاون المشترك.

القاهرة والدوحة تستنكران محاولات تخريب جهود الوساطة بشأن وقف حرب غزة (الرئاسة المصرية)
القاهرة والدوحة تستنكران محاولات تخريب جهود الوساطة بشأن وقف حرب غزة (الرئاسة المصرية)

وأكد البيان المشترك حرص البلدين على تعزيز التشاور والتنسيق على مختلف الأصعدة، وعبّر الجانبان عن ارتياحهما لما تحقق من تقدم في العلاقات الثنائية خلال الفترة الماضية، كما أكد البلدان أهمية الدفع بالعلاقات إلى مستويات أرحب، في إطار من الاحترام المتبادل.

وطالبت القاهرة والدوحة بتمكين الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى التهدئة والحلول السلمية وعلى رأسها جهود الوساطة التي يقودها البلدان بالشراكة مع الولايات المتحدة، للوصول لوقف إطلاق النار ونهاية للحرب في قطاع غزة، «مستنكرَين كل محاولات تقويض المسارات التفاوضية أو استهداف الوسطاء التي لا تهدف إلا إلى تخريب جهود الوساطة».

واعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور مصطفى السيد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، البيان المشترك «رسالة على استعادة الدفء في العلاقات المصرية - القطرية رداً على محاولات فتنة كشفت عنها الصحافة الإسرائيلية أخيراً، تحدثت عن مزاعم دفع الدوحة أموالاً لمسؤولين إسرائيليين من أجل تشويه الدور المصري في مفاوضات حرب غزة».

ونوه السيد بأن «الحكومة القطرية بالطبع سارعت لنفي هذه المزاعم جملة وتفصيلاً، لكن لا شك أنها أثارت حفيظة الجانب المصري رغم صمت القاهرة وعدم تعليقها رسمياً عليها، لتأتي زيارة السيسي للدوحة للتأكيد على متانة العلاقات، وأن البلدين تجاوزا هذا الأمر ومصران على استمرار العمل معاً من أجل وقف إطلاق النار في غزة، فضلاً عن القضايا الأخرى».

وتضمّن البيان المشترك الإعلان عن «حزمة استثمارات قطرية مباشرة إلى مصر بقيمة إجمالية تصل إلى 7.5 مليار دولار أميركي، تُنفذ خلال المرحلة المقبلة».

السيسي يجتمع بممثلي مجتمع الأعمال القطري بحضور الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري (الرئاسة المصرية)
السيسي يجتمع بممثلي مجتمع الأعمال القطري بحضور الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري (الرئاسة المصرية)

وكان السيسي قد عقد جلسة مباحثات، مساء الأحد، مع مجتمع الأعمال القطري، ودعا المستثمرين للاستثمار في مصر للاستفادة مما تم تحقيقه من تطوير البنية التحتية واللوجيستيات التي تخدم أعمالهم، فضلاً عن حوافز أخرى مثل تسهيل استصدار التراخيص وإلغاء أفضلية الشركات التابعة للدولة وإنهاء مشاكل تحويل الأرباح للخارج بالعملة الصعبة.

مستشار الأكاديمية العسكرية المصرية للدراسات العليا والاستراتيجية اللواء طيار دكتور هشام الحلبي أوضح، لـ«الشرق الأوسط»، أن رسائل زيارة السيسي لقطر والمباحثات التي تمت هناك «تؤكد توحيد المواقف المصرية القطرية بشأن قضية فلسطين والحرب الدائرة في غزة، والثبات على تلك المواقف منذ بدء الحرب حتى الآن رغم الصعوبات».

وأشار إلى أن «الموقف المصري - القطري يؤكد ضرورة الحل عبر مسار التفاوض وهناك إصرار على الاستمرارية في هذا المسار، الذي نجح بالفعل في تحقيق اختراقات تمثّلت في الهدنة التي خرقتها إسرائيل، ورغم ذلك يستمر البلدان في ذلك المسار الذي يتخذ قوة كبيرة من الالتفاف العربي بجانب الدعم الأوروبي».

الحلبي شدد على أن «هناك إصراراً مصرياً قطرياً بتوافق ودعم عربي على تحقيق الهدف الرئيسي والأهم وهو وقف الحرب وإعادة إعمار غزة وصولاً لحل الدولتين، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف يواجه البلدان والدول العربية صعوبات كبيرة وضغوطاً، لكن نقطة القوة في الاستمرار هي الوحدة وإعطاء رسائل تؤكد ذلك للجميع بمَن فيهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يزور المنطقة الشهر المقبل».

وشدد البيان المشترك على مركزية القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب الأولى، وأكد «موقف مصر وقطر الثابت والداعم للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في إقامة دولته المستقلة على خطوط الرابع من يونيو (حزيران) 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لمبادرات السلام والقرارات الدولية ذات الصلة».

وأكد الجانبان دعمهما لجهود تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وضرورة توحيد الصف الفلسطيني، بما يضمن تفعيل مؤسسات الدولة الفلسطينية وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني.

وجدّد الطرفان دعمهما الكامل لخطة إعادة إعمار قطاع غزة، وأعربا عن تطلعهما إلى انعقاد مؤتمر دولي بهذا الشأن تستضيفه مصر في القاهرة، بالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين، لتنسيق الجهود الإنسانية والتنموية، بما يضمن تحسين الظروف المعيشية للشعب الفلسطيني في القطاع.

وأعرب الطرفان عن قلقهما البالغ إزاء استمرار التصعيد في قطاع غزة، وأكدا أهمية مواصلة الجهود المشتركة من أجل التوصل إلى وقف فوري ومستدام لإطلاق النار، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى المدنيين، والعمل على دعم جهود إعادة الإعمار وتخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني.

كما عبّرت قطر ومصر عن بالغ القلق إزاء استمرار النزاع المسلح في السودان، وأكدتا أهمية الوقف الفوري للعمليات العسكرية، والعودة إلى مسار الحوار الوطني الشامل، بما يحفظ وحدة السودان وسيادته.

ورحّب الجانبان باستمرار المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، وأكدا دعمهما لأي مساعٍ سلمية تهدف إلى خفض التوتر في المنطقة، وتعزيز الأمن والاستقرار فيها، وثمّنا جهود سلطنة عُمان في هذا الإطار.