«رمضان الزمن الجميل» هكذا يطلق المصريون على شهر رمضان في حقب زمنية سابقة في حالة من الحنين المستمر إلى الذكريات والأجواء الاحتفالية المرتبطة به والمحملة بالدفء الأسري و«لمة العيلة»، فإلى جانب فانوس رمضان، وزينة الشوارع والميادين ومتاجر الكنافة والقطائف والعصائر، وغير ذلك من مظاهر تقليدية، كانت هناك روائع فنية لطالما تابعها المصريون وعاشوا معها أجمل اللحظات بعد انطلاق مدفع الإفطار، فكانوا في الوقت الذي يتناولون فيه الطعام والشراب على مائدة الإفطار يُقبلون أيضاً على تناول أشهى وجبات الفن الهادف الأصيل.
واستلهاماً من هذه الأجواء أطلقت مصممة الديكور يسرا عبد الرحمن، مشروعها الفني الذي تعيد من خلاله للمشاهد العربي لحظات من رمضان الزمن الجميل عبر محاكاة روائع التلفزيون المصري التي قدمها خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، متضمناً مزيجاً بديعاً من الفوازير والمسلسلات والبرامج التي حُفرت في وجدان الملايين والتي يحن إليها الجميع عند استقبال الشهر الكريم.
في مشروعها نلتقي مع مجموعة من أشهر نجوم مصر -بعد حصولها على موافقة منهم أو من أسر الفنانين الراحلين- وبمشاهد من أعمالهم الرمضانية المعروفة، والأثيرة لدى الجمهور وذلك عبر مجسمات وعناصر ديكور مختلفة. كأن يسرا من خلال أعمالها التي جمعتها تحت اسم «يا روايح الزمن الجميل هفهفي»، والتي تستقبلها بحفاوة الأماكن العامة مثل مداخل المراكز التجارية الشهيرة، والمؤسسات الثقافية المتنوعة، والخيم الرمضانية مثل خيمة تراسينا بالمعادي، تشبع نهم المشاهدين لتناول الوجبات الفنية نفسها، واستعادة دفء الذكريات مع الأهل الذين كانوا يشاركونهم مشاهدتها، في حنين جارف لـ«أيام زمان» كما يطلق عليها المصريون.
كما أنها تتماهى مع إحساسهم العميق بالنوستالجيا تجاه هذه الحقبة الزمنية. ويظهر ذلك واضحاً حين ترقب الإقبال الكثيف من جانب الجمهور على التقاط الصور مع هذه المجسمات ووقوفهم طويلاً أمامها يروون لأبنائهم ذكرياتهم الدافئة حولها.
ويتواصل المتلقي عند زيارة الأمكنة الذي تحتضن أعمالها، مع الفوازير المصرية، أيقونة التلفزيون المصري في رمضان، فيشاهد محاكاة لأشهر فنانيها، ومنهم نيللي بدلالها وجمالها والكاريزما الخاصة بها، والتي أمتعت بها الجمهور في فوازيرها التي قدمتها بشكل متصل منذ عام 1975 حتى 1981 مع المخرج فهمى عبد الحميد، ثم قدمتها في سنوات تالية مع مخرجين آخرين، ويكاد يُسمع صوتها وهي تعرّف نفسها بأنها «الخاطبة» عبر مشهد اقتبسته يسرا من ثنايا الزمن.
أما مجسمات شخصية شريهان فتعكس شقاوتها وأناقتها وانسيابية جسدها في الاستعراضات، ليخوض معها المشاهد مغامرات حلقات «ألف ليلة وليلة»، ويلتقي وجهاً لوجه مع «وردشان» و«عروسة البحور» والأدوار الثلاثة التي جسدتها بها: «فاطيمة» و«كريمة» و«حليمة»، إضافة إلى طلتها في مواسم أخرى من الفوازير مثل «عالم ورق».
ومن نيللي وشريهان إلى فوازير «عمو فؤاد» حتى ليتخيل المتلقي نفسه حين يشاهد مجسماً للفنان الراحل فؤاد المهندس في حلقات الفوازير «عمو فؤاد رايح يصطاد» وهو يسير في الغابة معه بشجاعة.
أما مجسم فطوطة فإنه يعيد المشاهدين إلى تلك الشخصية التي أبدعها فهمي عبد الحميد عام 1983، وأداها سمير غانم ببراعة وخفة ظل غير مسبوقة، حين ظهر «قزماً» يرتدى ملابس ضخمة فيثير ضحك الجميع، لا سيما حين يتحدث بصوته المميز.
كما تقدم يسرا مسلسلات شهيرة مثل «ألف ليلة وليلة» لنجلاء فتحي وحسين فهمي، و«رأفت الهجان»، إلى جانب بعض البرامج، مثل برنامج الإعلامي مفيد فوزي، الذي يطل علينا كمجسم صغير من جهاز تلفزيون وبجانبه «كوميكس» يحمل عبارته الشهيرة «اسمح لي أسألك»، وهكذا أيضاً فعلت مع مقدمي برامج «الكاميرا الخفية» و«كلام من ذهب» و«حوار صريح جداً»، وتلف المكان شرائط أو أسطوانات توثيقية تحمل صوراً لأشهر المسلسلات القديمة، وتواريخ عرضها، إضافة إلى هلال ضخم يسمح بالجلوس عليه وسط نجوم الفن ورموزه.
قدمت يسرا هذه الفكرة رغم أنها لم تعش أجواء رمضان في مصر كثيراً، لتثبت أن مقولة «فاقد الشيء لا يعطيه» ليست على صواب بالضرورة... فبينما حُرمت من هذه الأجواء لإقامتها في سلطنة عمان حتى انتقلت لاستكمال دراستها الجامعية في مصر. تقول: «بالنسبة إليّ كان الاحتفال هو فوازير رمضان والمسلسلات والبرامج الدينية والحوارية، التي نشأتُ على مشاهدتها عبر مقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية التي كانت أسرتي تحصل عليها من العائلة في مصر، فلم يكن هناك هذا الانتشار للفضائيات بعد».
وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «كانت هذه المقاطع هي الرابط الوحيد بمصر، ولذلك عندما بدأت خوض الحياة العملية فإن فكرة الاحتفاء برمضان ظلت تراودني بقوة»، وتهدف يسرا من خلال مشروعها إلى توثيق هذا التراث الفني الفريد، وربط الأجيال الجديدة به، وهو ما تحققه على وجه الخصوص من خلال مجسمين لكتابي «ألف ليلة وليلة» اللذين تقدم فيهما ما يشبه بانوراما لرموز الأعمال الفنية زمان والآن.
ويمثل مشروعها الفني أيضاً نوعاً من العرفان بالجميل لرموز مصرية عظيمة... تقول يسرا: «رأيت أن تقدير الفن لا يكون إلا بالفن، ولذلك حين أردت أن أقول لهم شكراً على ما أمتعونا به من روائع لا تزال محفورة في أعماقنا فإنني قدمت هذه التصاميم والمجسمات».
مصممة تعيد المصريين إلى «رمضان زمان» عبر مجسمات فنية
أبرزها فوازير نيللي وشريهان وفطوطة
مصممة تعيد المصريين إلى «رمضان زمان» عبر مجسمات فنية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة