لأن خسارة السمع لا تُعوّض، ومن المهمّ أن يتحاشى الإنسان التعرض للضوضاء والضجيج، افتتحت أمس «مبادرة حسن الجوار» في الجامعة الأميركية «أسبوع الصوت». هذا الحدث الذي يستضيفه لبنان أسوةً بفرنسا المؤسسة له في عام 2016، ويُنظم برعاية اللجنة الوطنية اللبنانية لـ«اليونيسكو»، ووزارة الثقافة، وبالتعاون مع وزارتي الاتصالات والتربية. وكانت منظمة «اليونيسكو» قد أصدرت في عام 2017، قراراً يتعلق بضرورة الحفاظ على السمع، وذلك ضمن مؤتمر شارك فيه من لبنان كل من السفير خليل كرم الذي عمل من أجل إصدار القرار، وسحر بعاصيري، وساهمت في إقامة «أسبوع الصوت» في لبنان.
«إننا نعيش في تفلت سمعي ضخم مما يتطلب منا التنبه لسمعنا والحفاظ عليه خصوصاً أن منظمة الصحة العالمية أعلنت أن مليار شخص معرضون في عام 2050 لخسارة سمعهم في ظل الضجيج الذي يعيشون فيه»، تقول المهندسة منى حلاق مديرة «مبادرة حسن الجوار» في الجامعة الأميركية.
وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «يُعد لبنان من ضمن البلدان التي ينتشر فيها التفلت السمعي، خصوصاً أنه لا يجري تطبيق قوانين خاصة في هذا الموضوع، على الرغم من أنها صادرة منذ سنين طويلة». وحسب منى حلاق، فإن معدل قوة الأصوات التي يجب أن يتعرض لها الشخص يجب ألا تتعدى 85 ديسيبل، ومن الأفضل أن تستقر ما بين 50 و60 ديسيبل في أقصى درجة.
وافتتح «أسبوع الصوت» الذي يستمر إلى 17 من الشهر الحالي بمؤتمر «الصحة السمعية»، وشارك فيه، إضافة إلى ممثل وزير الثقافة ميلاد مسلم، اختصاصي الأذن دكتور بيار أنهوري. وعرض هذا الأخير الشروط الأساسية للحفاظ على السمع عند الناس، وبأننا نولد مع 15 ألف خلية سمعية تأخذ بالتراجع مع الوقت. وتُسهِم الأصوات المرتفعة وضوضاء المدن في تلف جزء لا يُستهان به من سمعنا، مما يفرض علينا تنظيفه من خلال التعرض إلى السكينة والهدوء.
وفي هذا المجال ينظم «أسبوع الصوت» نشاطات مختلفة تصب في هذا الهدف، وبينها إطلاق تجهيز صوتي بعنوان «لو سوفلور - تعا لقاط الموجة» وذلك على درج عين المريسة. وهو من تصميم فريق «ديستريكت دي»، ويتألف من قسمين: الأول منه يرتكز على وسيلة تواصل قديمة عبر أنابيب متصلة ببعضها تنتهي بأبواق كبيرة يستطيع الناس أن يتواصلوا مع بعضهم من خلالها. «هي لعبة كنا نجيدها عندما كنا في أعمار صغيرة. وهي كناية عن وسيلة اتصال بدائية ولكنها غير ملوثة». توضح منى حلاق في حديثها لـ«الشرق الأوسط». وفي الجزء الثاني منه سيتيح هذا التجهيز الفني أن ينقل إلينا صوت البحر من خلال بوق ضخم ثُبّت على ميناء عين المريسة ويوصل الصوت من منطقة جيفينور حتى منطقة بور الصيادين.
«لقد كان سكان عين المريسة في بيروت يستطيعون سماع صوت البحر بسهولة، ولكن مع موجة العمران التي شهدتها المنطقة صارت بمثابة حاجز إسمنتي يفصل ما بين صوت البحر والمدينة، مما منع أهل المريسة من التمتع بهذه الميزة». ويأتي تجهيز «تعا لقاط الموجة» بمثابة مبادرة لإعادة إحياء ذاكرة بيروت القديمة ولتكريم أحد اللبنانيين، إبراهيم نجم. فهو قبيل رحيله هذا العام كان قد أمضى أيام شبابه يجمع أغراضاً وجدها في بحر بيروت خلال ممارسته هواية الغطس مما أدى إلى تأسيسه متحف «لو سوفلور». ومن بين تلك الأغراض صدفيات وحطام غواصة غرقت في بحر بيروت في عام 1941، فأخرج ما سلم من محتوياتها، وكذلك أنواع سمك مختلفة متحجرة كانت فيها.
ويقام يوم غد الجمعة، 10 مايو (أيار) الحالي، وتحت عنوان «قصيدة البحر»، حفل موسيقي على درج «فانديك»، ودائماً في منطقة عين المريسة البيروتية العريقة. ويشارك في الحفل 7 فنانين، بينهم ليليان شلالا وفادي طبال وجاد عطوي وغيرهم، إضافة إلى فرقة «سفر» الموسيقية. وتدور أجواء هذه الحفلة ضمن أسلوب الموسيقى الرقمية (acoustic music)، وهي مستوحاة من صوت البحر.
وفي غرفة تسودها العتمة والصمت التامّان، يفتتح السبت 11 من الشهر الحالي مشروع «المسكن»، وهو من تصميم نتالي حرب التي سبق أن أقامته في لندن. وتقع هذه الغرفة الصامتة والمظلمة معاً في قلب مخبز قديم في عين المريسة (الأفران الوطنية)، الذي أقفل أبوابه بداية هذا العام.
«إن هذا المخبز يعني الكثير لطلاب وتلامذة الجامعات والمدارس في عين المريسة، وأنا منهم. إذ كان يشكل لنا محطة يومية نشتري منه المنقوشة اللذيذة». وتوضح د. منى حلاق: «فلقد قررنا إحياءه من جديد ضمن غرفة خشبية معزولة تسودها العتمة يجلس فيها الزائر على كرسي ويستمع إلى الموسيقى الهادئة. وبهذه الطريقة يلمس الفرق ما بين الغرفة وما نعيشه من ضجيج خارجها فيُطفئ الشخص فكره وسمعه لفترة وجيزة (10 دقائق)، تكون بمثابة عملية تنظيف لسمعه». هذا الفرق الكبير الذي سيلحظه الزائر ما بين سكون الغرفة وخارجها يظهر السلبية التي تتعرض لها الأذن وبالتحديد السمع عندما تتجاوز قوة الأصوات 85 ديسيبل مما يؤدي إلى تلف خلاياه بصورة مباشرة.
ومن النشاطات الأخرى التي يشهدها «أسبوع الصوت» في لبنان «أبجدية البحر» وتشارك فيه «دار قنبر» التي تنظم ورشة عمل مع أشخاص تتراوح أعمارهم ما بين 6 و88 سنة، فيسيرون انطلاقاً من مينا الصيادين وصولاً إلى درج عين المريسة وهي كناية عن ورشة سمع بحيث يمشي المشاركون فيها وهم يطبقون الفعل الصوتي انطلاقاً من البحر. فكما صوت النورس والأمواج والضحك، فإن الأبجدية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالألفاظ والهمهمات الصوتية.
«أسبوع الصوت» ونشاطات تهدف للحد من خسارة السمع
أسوة بفرنسا... لبنان يطلق أول نسخة منه
«أسبوع الصوت» ونشاطات تهدف للحد من خسارة السمع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة