هجمات عيد الفصح تكشف اتساع نشاط «داعش»

TT

هجمات عيد الفصح تكشف اتساع نشاط «داعش»

سار رجل ملتح يحمل حقيبة ثقيلة على الظهر ويرتدي حذاءً صيفياً خفيفاً، بقدميه، بخطى واثقة، عبر ساحة كنيسة «سانت سباستيان» في سريلانكا، الأحد الموافق عيد الفصح. وفي غضون لحظات قليلة، مر أمام صفوف النساء اللائي يغطين شعورهن بأوشحة بيضاء، ثم فجر قنبلة مدوية.
كان الانفجار الذي أعقب هذا المشهد ـ وهو واحد من بين انفجارات أخرى كثيرة نفذها ثمانية انتحاريين في ستة مواقع بثلاث مدن مختلفة ـ قوياً لدرجة كافية لهدم سقف الكنيسة.
وأسفرت الهجمات، التي وقعت بالتزامن، عن مقتل 250 شخصاً على الأقل، ومن المعتقد أنه تقف وراءها خلية محلية تدين بالولاء إلى تنظيم «داعش». وتعتبر هذه الهجمات من بين الأكثر دموية من جانب التنظيم، وتبلغ في دمويتها نحو ضعف هجمات باريس عام 2015.
وبذلك نجد أنه بعد أربعة أسابيع فقط من سحق «دولة داعش» في العراق وسوريا ـ وأربعة شهور بعد إعلان الرئيس دونالد ترمب للمرة الأولى هزيمة التنظيم ـ عاد «داعش» ليطل برأسه ويذكّر العالم بوجوده على نحو درامي، وبأنه ليس بحاجة للسيطرة على مساحة من الأراضي كي يشكل تهديداً خطيراً.
في هذا الصدد، أعرب ليث الخولي، مدير بمؤسسة «فلاشبوينت» التي تتولى تقييم التهديدات الإرهابية العالمية، عن اعتقاده، عبر تغريدة كتبها على «تويتر»، الأربعاء، عن أن «(داعش) لا يمر بحالة تفكك، ولم يتعرض للهزيمة، فهو ليس منظمة تعتمد على العضوية، وإنما يتسم بمهارة كبيرة في إعادة تنظيم ذاته وتعديل استراتيجيته للتكيف مع المشهد الأمني المتبدل حول العالم».
ويرى خبراء أن الجماعة تحولت ببساطة نحو استغلال الموارد المتاحة لديها، والسمعة الفتاكة التي بنتها لنفسها عالمياً. ومع تعرض هيكل القيادة والسيطرة الهرمي الخاص بالتنظيم داخل سوريا والعراق لانتكاسات خطيرة، أصبح التنظيم غير مركزي بدرجة أكبر، وتحول نحو أنصاره في مناطق قصية لنشر رسالته وهجماته الدموية.
وفي تغريدة له، الخميس، قال تشارلي وينتر، الباحث لدى «المركز الدولي لدراسة التحول إلى الراديكالية» التابع لجامعة «كينغز كوليدج لندن»: «مع تنامي ضعف قلب التنظيم، ستزداد الأطراف خطورة».
ولطالما نظر «داعش» إلى «خلافته» المزعومة باعتبارها مشروعاً عالمياً، ورغم خسارته أراضي في العراق وسوريا، فإنه استمر في التوسع بمناطق أخرى.
تجدر الإشارة إلى أنه عندما طردت فلول تنظيم «القاعدة» من أفغانستان عام 2002، أجبر هو الآخر على اتباع هيكل أكثر لا مركزية، وتحول إلى الجماعات الأجنبية التابعة له في مناطق مثل اليمن والعراق وشمال أفريقيا لإعادة تجديد قواه. إلا أنه على خلاف الحال مع «القاعدة» آنذاك، يملك «داعش» بالفعل الكثير من الجماعات الأخرى التابعة له بمختلف أرجاء العالم وآلة إعلامية مؤثرة وآلاف المقاتلين الذين لا يزالون مختبئين داخل موطن التنظيم في العراق وسوريا.
ومنذ وقت مبكر ـ تحديداً عام 2015 ـ شرع «داعش» في توجيه عناصره نحو الهجرة إلى مناطق تخضع لجماعات أجنبية تدين بالولاء للتنظيم. وفي تطور أحياناً يغفله مسؤولون محليون بالخارج، شرع التنظيم في استقطاب جماعات محلية بنقاط نائية.
من ناحيتها، أوضحت ريتا كاتز، أحد مؤسسي موقع «سايت إنتليجنس غروب»، الذي يتولى مراقبة الدعايات المتطرفة، أنه «بدل بناء العضوية من الصفر، سعى التنظيم إلى تعزيز عضويته بالاعتماد على أعضاء جماعات متشددة قائمة بالفعل، أو كثيراً ما يضم إليه جماعات بأكملها».
داخل الفلبين، جند «داعش» متمردين من جماعة «أبو سياف» لبناء ما اعتبره «ولاية شرق آسيا» التي شنت هجوماً ضد كاتدرائية، في يناير (كانون الثاني)، ما أسفر عن مقتل 23 شخصاً. كما ابتلعت ذراع «داعش» في أفغانستان وحدات كاملة من مقاتلي «طالبان». ومنذ فترة قريبة، أسس التنظيم «ولاية» جديدة تتبعه في جمهورية الكونغو الديمقراطية عبر تجنيد أعضاء من جماعة «القوات الديمقراطية المتحالفة» المتمردة، التي تلقت تحويلات مالية من ممول خاص بـ«داعش». ولم تتأثر هذه الجماعات بصورة تذكر بخسارة التنظيم للأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا، إضافة إلى أنها ليست بحاجة إلى اتصال مباشر من «داعش» كي تستوعب أهداف التنظيم، والتي يتولى «داعش» بثها عبر رسائل صوتية منتظمة.
من ناحيته، قال ليث الخولي: «إنهم يدركون أن المهمة المطلوبة داخل المناطق التي يعملون بها تكمن في تأجيج العمليات ضد سلطات إنفاذ القانون والجيش وجماعات غير المسلمين والشيعة».
أيضاً، تتمتع هذه الجماعات بمعرفة محلية تعينها على رصد نقاط الضعف في دفاعات بلد ما - مثل حقيقة أنه بعد حملة عسكرية استمرت 26 عاماً ضد المتمردين التاميل الذين ينتمي غالبيتهم إلى الهندوس، أصبح مسؤولو الأمن في سريلانكا أكثر تركيزاً عليهم من المتطرفين الإسلاميين.
وربما ساهمت هذه النقطة في إخفاق مسؤولي سريلانكا في التحرك، بناءً على التحذيرات التي أعلنتها الاستخبارات الهندية بخصوص وجود مخطط لتفجير كنائس (...).
ورغم البيانات والتصريحات حول تحقيق النصر، تكتسب حملة التمرد التي يقودها «داعش» زخماً مستمراً عبر العراق وسوريا، طبقاً لما ورد بتقرير جديد أصدره «معهد دراسة الحرب» في واشنطن. وتوصل التقرير لأن «داعش» يكثف هجماته في أجزاء من شمال سوريا وكردستان العراق، إضافة لمدن كبرى كانت من قبل تحت سيطرته، مثل الرقة السورية ـ عاصمته السابقة ـ والموصل والفلوجة بالعراق.
الأسبوع الماضي، وفي أكبر عملية له منذ فقدانه معقله داخل سوريا، شن التنظيم هجمات ضد الجيش السوري وميليشيات متحالفة معه في وسط سوريا، ما أسفر عن مقتل 35 جندياً على مدار يومين، طبقاً لما أفاد به «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، ومقره بريطانيا. ومع تحول التنظيم نحو مزيد من اللامركزية، اعتمد «داعش» بصورة متزايدة على جهوده الدعائية التي لا تزال تنشر رسالته عبر أرجاء العالم. وفي كل يوم، يتشدق مسؤولون من التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة، بعبارات عن نهاية «خلافة داعش» المزعومة، بينما يصدر عملاء التنظيم بيانات تعلن مسؤوليتهم عن هجمات تقع بمختلف أرجاء العالم.

* (خدمة نيويورك تايمز)


مقالات ذات صلة

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي صورة نشرها «المرصد السوري لحقوق الإنسان» لعناصر من الميليشيات الإيرانية

الحساسيات العشائرية السورية تهدد النفوذ الإيراني في البوكمال

تفجر التوتر في البوكمال في وقت تعمل فيه إيران على إعادة تموضع ميليشياتها في سوريا على خلفية الاستهداف الإسرائيلي لمواقعها داخل الأراضي السورية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية ديفيد كاردين يتفقد مشروع معالجة مياه الصرف الصحي في قرية بحورة بمحافظة إدلب السورية يوم 14 مايو الماضي (أ.ب)

منسق الأمم المتحدة يطلق «استراتيجية التعافي المبكر» في سوريا

قال المنسق الأممي بدمشق إن «خطة التعافي» تغطي كل المحافظات السورية، وتشمل قطاعات الصحة والتعليم ومياه الشرب والصرف الصحي، و«من دون الكهرباء لا يمكن إنجاز شيء».

«الشرق الأوسط» (دمشق )
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

تشاد تنفي استهداف مدنيين خلال عملية ضد «بوكو حرام»

نفت الحكومة التشادية «بشدة» استهداف مدنيين خلال عمليتها ضد جماعة «بوكو حرام» في حوض بحيرة تشاد

«الشرق الأوسط» (نجامينا)
أفريقيا وحدة من جيش بوركينا فاسو خلال عملية عسكرية (صحافة محلية)

دول الساحل تكثف عملياتها ضد معاقل الإرهاب

كثفت جيوش دول الساحل الثلاث؛ النيجر وبوركينا فاسو ومالي، خلال اليومين الماضيين من عملياتها العسكرية ضد معاقل الجماعات الإرهابية.

الشيخ محمد (نواكشوط)

روسيا تفرض قيوداً على صادرات اليورانيوم المخصب لأميركا

أميركا تعتمد على اليورانيوم المخصب المصنوع في روسيا على الرغم من الجهود المضنية بين حلفاء الولايات المتحدة لقطع العلاقات الاقتصادية مع موسكو (رويترز)
أميركا تعتمد على اليورانيوم المخصب المصنوع في روسيا على الرغم من الجهود المضنية بين حلفاء الولايات المتحدة لقطع العلاقات الاقتصادية مع موسكو (رويترز)
TT

روسيا تفرض قيوداً على صادرات اليورانيوم المخصب لأميركا

أميركا تعتمد على اليورانيوم المخصب المصنوع في روسيا على الرغم من الجهود المضنية بين حلفاء الولايات المتحدة لقطع العلاقات الاقتصادية مع موسكو (رويترز)
أميركا تعتمد على اليورانيوم المخصب المصنوع في روسيا على الرغم من الجهود المضنية بين حلفاء الولايات المتحدة لقطع العلاقات الاقتصادية مع موسكو (رويترز)

قالت روسيا، الجمعة، إنها فرضت قيوداً مؤقتة على صادرات اليورانيوم المخصب إلى الولايات المتحدة في خطوة رمزية؛ رداً على حظر أميركي لواردات اليورانيوم الروسي، وفقاً لوكالة «رويترز».

وروسيا هي أكبر مورد لليورانيوم المخصب في العالم، وتمتلك نحو 44 في المائة من قدرة تخصيب اليورانيوم على مستوى العالم، كما أن نحو 35 في المائة من واردات الوقود النووي للولايات المتحدة كانت تأتي من روسيا، بحسب مكتب الطاقة النووية الأميركي.

لكن في مايو (أيار)، وقَّع الرئيس الأميركي جو بايدن على قانون يحظر اليورانيوم الروسي المخصب، مع الأخذ في الاعتبار أن الولايات المتحدة لديها أيضاً القدرة على إصدار إعفاءات في حالة وجود مخاوف بشأن الإمدادات.

وقالت الحكومة الروسية إنها وقعت قراراً بفرض قيود مؤقتة على الصادرات إلى الولايات المتحدة، لكنها أضافت أن هناك استثناءات.

وقالت الحكومة الروسية: «اتخذ القرار بناءً على تعليمات الرئيس؛ رداً على القيود والحظر الذي فرضته الولايات المتحدة».