بعض المنتجات المرفهة تزيد قيمتها مع الزمن وبعضها يتحول إلى مجرد سلعة مستعملة
لندن:«الشرق الأوسط»
TT
لندن:«الشرق الأوسط»
TT
ليس كل ما غلا ثمنه استثمارا
عندما نشتري قطعة بغض النظر عن سعرها، فإننا نشتريها لأننا نقع في حبها ونريدها للاستعمال الشخصي أو التباهي بها، أما فكرة الاستثمار فيها فلا تتعدى استعمالها لعدة مواسم مقبلة، أي إننا قلما نفكر في الاستثمار فيها باستعمالها ثم بيعها مرة أخرى. لكن، يبدو أن هناك شريحة من المتسوقين يولون هذا الجانب بعض الاهتمام ويأخذونه بعين الاعتبار. فالملاحظ أنه كلما ترددنا في شراء قطعة غالية الثمن على أساس أن لدينا الكثير مثلها، تتردد على مسامعنا عبارة «لم لا، فثمنها فيها، ويمكن توريثها أو الاستثمار فيها؟». لكن، هل صحيح أن كل قطعة غالية الثمن هي استثمار لا يفقد قيمته مع الوقت مثل الذهب؟ والجواب، حسب أرقام مبيعاتها عندما تنتهي مدة صلاحيتها الأولى، أنها ليست كذلك، لأن الكثير منها يتحول إلى مجرد سلعة مستعملة. جاء هذا الرد على لسان خبراء في مواقع متخصصة في إعادة بيع المنتجات الفاخرة «المستعملة» مثل «إيباي» و«فيستيير كوليكتيف»، يقصدها الكثير من الزبائن لبيع أزياء وإكسسوارات لم تعد لهم حاجة بها، أو تلقوها كهدية لم ترق لهم. فليس كل ما هو غال «ثمنه فيه»، إلى حد أنه يتحدى الزمن وتقلبات السوق والأذواق. صحيح أن هناك أسماء تحافظ على قيمتها مثل «هيرميس» و«شانيل» وربما تزيد أسعارها بعد عقود، على أساس أنها «فينتاج»، لكن هناك أسماء تفقدها سريعا. «ذي رييل رييل» (therealreal) موقع آخر يتخصص في بيع هذه المنتجات، قدر بان 500.000 قطعة من 500 ماركة متوافرة في قاعدة بياناتها لا تحافظ على قيمتها كاملة دائما. وأضاف أنه بينما تصمد ماركات مثل «شانيل»، «لوي فويتون»، «هيرميس»، «كارتييه»، «علايا»، و«فان كليف آند أربلز»، في وجه التغيرات، فإن أسماء أخرى تفقد قيمتها، مثل «تودز»، «إيترو وفرساتشي»، «مارني»، «ألكسندر وانغ»، «مارك جايكوبس»، بينما تحافظ أسماء أخرى مثل «فكتوريا بيكام»، «شارلوت أوليمبيا» و«ألكسندر ماكوين»، على كل قيمتها وفي الوقت لكنها تبقى مرغوبة أكثر. وتبين أن أحد أهم الأسباب المؤثرة في القيمة السعرية، مدى توافر المنتج. بمعنى أنه كلما توافر بشكل كبير وأصبح في متناول الجميع، قلت قيمته الاستثمارية. أما إذا كان لا يخضع إلى مبدأ التنزيلات الموسمية، أو يوجد على مواقع الإنترنت، فإن الطلب عليه يزيد مما يحافظ على سعره، لأن الزبون يريد أن يشعر بأنه يحصل على قطعة نادرة طال انتظارها، وليس مجرد قطعة يمكنه الحصول عليها بسعر أقل في حال صبر إلى موسم التنزيلات.
عزة فهمي... تحمل عشقها للغة الضاد والتاريخ العربي إلى الرياضhttps://aawsat.com/%D9%8A%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82/%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B6%D8%A9/5103362-%D8%B9%D8%B2%D8%A9-%D9%81%D9%87%D9%85%D9%8A-%D8%AA%D8%AD%D9%85%D9%84-%D8%B9%D8%B4%D9%82%D9%87%D8%A7-%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B6%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%B6
عزة فهمي... تحمل عشقها للغة الضاد والتاريخ العربي إلى الرياض
(عزة فهمي)
في ليلة دافئة من ليالي مدينة الرياض وقبل نهاية عام 2024 بأشهر قليلة، سطعت النجوم لتنافس بريق حضور تتقدمه يسرا وهند صبري وفاطمة البنوي إلى جانب باقة من الشخصيات المبدعة والمؤثرة في مجالات الفن والترف والجمال. المناسبة كانت افتتاح أول محل رئيسي لنجمة أخرى هي عزة فهمي.
فنانة تعتز بكل ما هو عربي أصيل وتُروجه للعالم في أجمل حالاته. فهي ترى الجمال في مشربيات البيوت القديمة وفي غموض الفراعنة كما في قصور المماليك وأشعار الشعراء وأغاني أم كلثوم وتفتُّح الورود وأجنحة الطيور. أي كل شيء يتحرك لتلتقطه عيناها. تختزل كل هذا في حليٍّ تحكي ألف قصة وقصة بخط عربي واضح، يزيد من جماله توظيفها فيه للفضة والذهب والأحجار الكريمة. كانت أول من فعل ذلك في العالم العربي لتتحول إلى مدرسة.
رباعيات صلاح جاهين
تقول إن فترة السبعينات من القرن الماضي كانت حقبة مهمة في تكوينها الفني. كان شعراء من أمثال عبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب وصلاح جاهين ضمن دائرة أصدقائها إلى جانب فنانين من مجالات أخرى مثل النحت والتصوير والسينما. تتذكر أن أول بيت شعر استعملته كان للشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، وكان على سلسلة مفاتيح. أتبعته بمجموعة لرباعيات صلاح جاهين، لقيت صدى كبيراً، وفق ما تقول: «كانت هذه الرباعيات تلخص فلسفة الدنيا كلها. كل شخص كان بيلاقي نفسه في رباعية معينة، وهو ما أشعرني كم أنا محظوظة أني من هذه البقعة من العالم لما تحتويه من كنوز ثقافية فنية قديمة وحديثة على حد سواء».
حب مصر
هذا التفنن السردي الذي تصبه في مجوهراتها، ورثت جانباً كبيراً منه عن والدها، الذي تقول إنه «كان قارئاً نهماً وعاشقاً للثقافة العربية على وجه الخصوص... منه تعلمت أن أحب مصر، شعبها، وعمارتها، وأرضها».
ومع كل هذا الحب لمصر، كان توسعها خارجها مسألة وقت فقط. فمن ورشة صغيرة في حلوان ثم في «بولاق الدكرور» المنطقة الشعبية المواجهة للمهندسين بالقاهرة، بدأت تصاميمها تنتشر وتشد انتباه العالم، لا سيما بعد أن تزينت بها مثيلات لايدي غاغا وغلين كلوز وناعومي كامبل وقبلهن يسرا وسعاد حسني وأسمهان ونعيمة عاكف وسامية جمال وغيرهن كثيرات، فضلاً عن استقبال متاحف مثل «السميسونيان» في واشنطن إبداعاتها.
بادلتها لغة الضاد الحب ذاته، إذ لمست تصاميمها وتراً حساساً لدى كل امرأة تفهم الشعر وتسمع أغاني الحب، وتريد أن تتزين بهويتها أو فقط أن تجعل من مجوهراتها مفتاحاً لأحاديث ممتعة في سهراتها الطويلة.
بداية الشغف
تتذكر عزة أن الطريق لم يكن معبَّداً بالورود، لكنه كان واضحاً أمامها. شعرت منذ الصبا أن حسها الفني لا يضاهيه سوى طموحها الكبير للتميز، لهذا استقالت من عملها الحكومي لتتفرغ لممارسة فنها. ولكي تُتقنه ويأتي بالمستوى المطلوب، استعانت في البداية بـ«معلمي» خان الخليلي. تتعلم منهم وتتعامل معهم. لكن حتى هؤلاء، أدركت بعد وقت أن طموحاتها تفوق إمكاناتهم وتقنياتهم. ما كان يدور في خيالها من أفكار وصور تريد أن تجسدها في قلادات أو أساور أو أقراط وخواتم كان جديداً عليهم. تقول في مذكراتها «أحلام لا تنتهي»: «كان أمل حياتي أن أدرس في الكلية الملكية لفنون الحلي والمجوهرات بلندن حتى أصقل موهبتي وأتمرس في تنفيذ أفكاري وترتيب تلك الصور التي تتراكم في خيالي بشكل متسارع».
تحقق الحلم وتعلمت في عاصمة الضباب فنون التصميم وتطبيق النظريات بشكل علمي وتقني. والأهم تعلمت كيف تنفذ التصاميم بنفسها، وهذا يعني أنها تحررت من أسْر الاعتماد على الغير. تشير في مذكراتها: «حينها فقط، شعرت أني أستطيع تنفيذ تصميمات معقَّدة وجديدة وأنا في غاية السعادة».
من تلميذة إلى معلمة
كانت دراستها ثم تخرجها نقطة تحول مهمة في مسيرتها، إذ منحتها القدرة والثقة على التعامل مع الحرفيين بندية. تقول: «قبل لندن كنت عندما أطلب منهم أحياناً تنفيذ رسمة معقدة بعض الشيء يأتيني ردهم: مينفعش يا باشمهندسة». يُسهبون في تبرير الأسباب، فيُفحمونها، لتقف مكتوفة اليد. لكن بعد لندن تغيَّر كل شيء؛ «أصبحت لديّ الثقة في أن أردّ عليهم، وأنا متسلحة بقدرتي على تنفيذها بنفسي». كانت تقوم بذلك على مرآهم لـ«أبرهن لهم أن كل شيء ممكن». وهكذا تحولت التلميذة إلى معلمة، وتغير لقبها لدى الحرفيين من «باشمنهدسة» إلى «الأسطى المعلم».
تتحسر على تلك الأيام وهي تقول كم أنها تفتقد العمل بيدها: «لقد أخذتني مشاغل الحياة وأصبحت مجرد مصممة لا منفِّذة». ثم تستطرد قائلةً بنظرة رضا إنها كسبت نفسها في المقابل.
في دردشة حميمة معها على ضفاف نهر النيل منذ نحو عام تقريباً، ذكرت لي أنها الآن أكثر هدوءاً وتصالحاً مع نفسها، إذ باتت ترى العالم من منظور مفعم بالسكينة والإيجابية، بعد أن ابتعدت عن توترات الحياة وضغوطها. تنصحني باليوغا التأملية وهي تعدِّد لي محاسنها وتأثيراتها، وتقول إنها لا تستغني عنها أبداً. بل تؤكد أن سفرها لممارستها والتمرس فيها في أماكن مختلفة من العالم، بات تقليداً سنوياً لا تحيد عنه.
كلامها عن هذا الهدوء النفسي والروحي الذي ارتقت إليه، لا يُشعرك بأنه خفف الشعلة الإبداعية بداخلها ولا تعصبها لعروبتها. لا تزال «الأسطى المعلم» حتى بعد أن سلَّمت جانباً كبيراً من أمور عملها لابنتيها، فاطمة وأمينة غالي.
فاطمة، وهي كبرى بناتها، تقوم منذ سنوات بدور الرئيس التنفيذي لما تتمتع به من دراية بإدارة الأعمال وتعرف تماماً ما تحتاج إليه علامة «عزة فهمي» من تطوير من دون المساس بجيناتها.
أما أمينة غالي، صغرى بناتها، فالتحقت بالعمل مع والدتها في عام 2005. رافقتها كظلها لثلاث سنوات تقريباً، تتعلم منها كل صغيرة وكبيرة وتتشرب منها مبادئ الدار وأسسها قبل أن تصبح المديرة الفنية حالياً. لكنّ فاطمة وأمينة تعترفان بأن والدتهما لا تزال القائد الذي لا يقبل بأنصاف الحلول. أما عزة فتقول بنبرة فخر إنهما إضافة رائعة لها «نحن من جيلين مختلفين لكن يكمل بعضنا بعضاً بشكل متناغم».
الهوية العربية... خط أحمر
ما يُثلج الصدر في هذه المسيرة، إلى جانب أن عزة لا تزال تمسك بكثير من خيوط الدار بيد فنانة وأم، أنها لا تتهاون في أي شيء يرتبط بما هو عربي أو مصري، من ثقافة وفنون وتقاليد وتاريخ. ربما الآن أكثر من أي وقت سابق نظراً إلى توسعها في مناطق مختلفة من العالم.
لا تُنكر أن وجودها في لندن لسنوات، في «بيرلنغتون أركايد» بمنطقة «مايفير»، كان محطة رئيسية لعلامتها، إلا أن افتتاح أول محل رئيسي في مركز المملكة التجاري بمدينة الرياض، له نكهة أخرى. فهو إنجاز استراتيجي تعتز به، نظراً للشعبية التي تحظى بها في المنطقة منذ عقود. فلها فيها زبونات مخلصات قدَّرن فنّها منذ السبعينات. تشرح أن هذه الخطوة هي ثمرة لشراكة عمرها 14 عاماً تقريباً مع شركة «عطّار المتحدة»، التي فهمت جينات «عزة فهمي» واقتنعت بها، وهو الأمر الذي يتجلى في كل تفصيلة من تفاصيل ديكورات المحل، من الألوان والنقشات إلى الثريات مروراً بطاولات العرض والقطع المعروضة عليها بكل حب.
فالمحل يتنفس جيناتها وفلسفتها إلى جانب الفخامة التي يفرضها المكان ومدينة الرياض. ما يُحسب لمصممي الديكور استيعابهم أن المتجر سيكون بمثابة جسر يربط بين التراث والفخامة، وهذا ما جعل تصميمه يتعدى كونه مجرّد مساحة أنيقة وشاسعة لعرض الحليّ والمجوهرات الرفيعة، بل جاء امتداداً لرؤية عزّة والتزامها بالحرفية بوصفها تراثاً ثقافياً عابراً للأجيال.
كلمة «حب» التي تظهر في كثير من القطع المنزلية كما في قطع مجوهرات مثلاً لم تأتِ من فراغ، فهي تعكس شخصيتها وأسلوبها في التصميم على حد سواء. هي التي تكرر دائماً أنها لا تستطيع أن تقوم بأي شيء لا تحبه «لأنني أعرف مسبقاً أنه لن يكون جيداً وسيفتقر إلى شيء مهم».
بالإضافة إلى الأهمية الاستراتيجية لافتتاح محل رئيسي في الرياض، فإن الافتتاح نفسه لم يكن مجرد مناسبة اجتماعية تضم نجوم المجتمع والفن والمال والأعمال فحسب. كان احتفالاً برحلة عزّة فهمي على مدى 55 عاماً، متتبعاً أهم محطاتها الإبداعية من خلال مجموعات أيقونية وأخرى جديدة مثل مجموعة «حكايات النيل» التي عُرضت أول مرة في يوم الافتتاح، وقالت عزة فهمي إنها تُجسد قصصاً ملهمة من التراث المصري الأصيل، تجمع الماضي بالحاضر. كل قطعة منها تحاكي لوحة فنية في ظاهرها، وتسرد حكاية من حكايات الحب الأبديّ في مضمونها وكلماتها.