الأعظمية والكاظمية.. جيبان في بغداد يربطهما جسر ويباعدهما المذهب

المنطقتان لم تعودا كما كانتا حتى وقت قريب متلاحمتين في مخيلة البغداديين

إفطار رمضاني جماعي في شارع قريب من مرقد الإمام الكاظم في بغداد (نيويورك تايمز)
إفطار رمضاني جماعي في شارع قريب من مرقد الإمام الكاظم في بغداد (نيويورك تايمز)
TT

الأعظمية والكاظمية.. جيبان في بغداد يربطهما جسر ويباعدهما المذهب

إفطار رمضاني جماعي في شارع قريب من مرقد الإمام الكاظم في بغداد (نيويورك تايمز)
إفطار رمضاني جماعي في شارع قريب من مرقد الإمام الكاظم في بغداد (نيويورك تايمز)

يربط جسر الأئمة بين ضفتي نهر دجلة حيث يقع اثنان من أقدم أحياء في بغداد - أحدهما سني والآخر شيعي – وفي أمسيات رمضان تبدو المساجد على كلا الجانبين وكأنها تنادي بعضها البعض مع ارتفاع أصوات المؤذنين بالأذان.
لكن تستمر المنطقتان، الأعظمية السنية والكاظمية الشيعية، اللتان كانتا على ترابط وثيق في خيال سكان بغداد، في تباعد متزايد. فإذا سرت عبر المنطقتين وقت الإفطار في شهر رمضان، ستلمح الواقع المتباين في بغداد: حيث يشهد أسلوب الحياة الشيعية نشاطا وتوسعا بينما تنحسر وتنزوي الحياة السنية.
يقول ياسين داود (35 سنة) وهو سني وصاحب قارب يعمل في متنزه بالأعظمية على ضفاف نهر دجلة: «أصبح لدينا الآن رمضانان». يكسب داود قوته من اصطحاب الركاب إلى جسر الأئمة ثم إعادتهم، لكن أحدا لم يطلب منه الذهاب في جولة بالقارب هذا العام. ويشتهر كل حي منهما بمسجد شهير وضريح قديم، حيث يقع قبر أبو حنيفة، الذي بدئ بناؤه في نهاية القرن الثامن، على الجانب السني، وقبر الإمام الكاظم على الجانب الشيعي. ولا تزال المنطقتان تشتركان في بعض سمات بغداد القديمة: محلات الحرف وصناع الجلود والإسكافيون وجزارو اللحوم، والصاغة.
ورغم أن المد والجزر بين الجانبين كان أمرا طبيعيا مثل سريان مياه دجلة، فإن الأعوام الأحد عشر الأخيرة ألحقت أضرارا كبيرة، وتسببت في تآكل الطريقين اللذين كان الناس يسلكانهما من أحدهما إلى الآخر والثقة التي كانت متبادلة بينهما في السابق.
ويُرجع علي النشمي، أستاذ التاريخ بجامعة المستنصرية في بغداد، الذي نشأ في الأعظمية، فترة الخلاف الطائفي إلى الإطاحة بصدام حسين على يد قوات التحالف الأميركية عام 2003. وحل أحدث فصل في هذا الشقاق بعد سقوط الموصل في يد تنظيم «داعش» في شهر يونيو (حزيران). ويقول النشمي مسترجعا فترة شبابه: «اعتاد السكان من الشيعة السير عبر الأعظمية إلى الإمام الكاظم. لكن منذ بدء الاضطرابات الطائفية بعد عام 2003، تعرضوا لاعتداءات في الأعظمية وتوقفوا عن القدوم من هذا الطريق».
وفي حين اختفى الشيعة من شوارع الأعظمية، يشعر بعض الشباب من السنة هناك وفي غيرها من المناطق بالغضب لفقدان الهيمنة المفاجئة بعد سقوط صدام، ولهذا انضموا إلى الجماعات المسلحة، وتعرضوا إما للقتل أو السجن أو الهرب. وأصبح هناك عدد قليل من العائلات الصغيرة التي يمكنها الخروج في قارب داود أو تناول وجباتها المسائية على العشب المعتنى به في المتنزه.
تجد في الوقت الحالي جميع الطاولات شاغرة في حديقة الأعظمية، رغم أن مئات العائلات كانت تجلس هناك سنويا طوال أكثر من ثلاثة عقود لتناول طعام الإفطار في رمضان. ولا تجد طفلا واحدا يلعب في مدينة الألعاب، وتجد دولاب الهواء خاليا من البشر، بينما تدور السيارات المتصادمة في مضمارها لكن من دون ركابها من الأطفال. اصطحب مصطفى القيسي، وهو سائق تاكسي سني، أسرته إلى الحديقة رغم شعورهم بالخوف لمجرد اعتيادهم على الذهاب إلى الحديقة ولا يتحملون فكرة التوقف عن تلك العادة. قال القيسي: «الفارق بين اليوم وعام 2006 هو أننا في السابق كنا مستهدفين من الميليشيات أما الآن فنحن مستهدفون من ميليشيات تدعمها الحكومة». وأضاف: «أخشى طوال الوقت أن أصبح مستهدفا بسبب هويتي» قاصدا أن نقطة تفتيش تابعة للميليشيات سوف تلاحظ أن اسم عائلته سني فتخطفه أو حتى تقتله. وإذا واجه مشكلة في سيارته أو حدثت مشادة بينه وبين أحد الركاب، لن يجرؤ على الذهاب إلى قسم الشرطة للشكوى، لأنه يحمل اسما سنيا ويخشى أن تعتقله الشرطة. وعندما رأى أجنبيا في الحديقة، أول ما طرأ على ذهنه أن يكون تابعا لوكالة لاجئين. فسأله: «هل أنت من منظمة الهجرة الدولية؟ هل من الممكن أن تساعدنا على الخروج من العراق؟».
يوجد على الجانب الآخر من النهر عالم مختلف. في الكاظمية، حيث جميع السكان من الشيعة، يبدو رمضان وكأنه حفل مستمر في الشارع لمدة شهر. وحتى أثناء ساعات الصيام في حرارة النهار، التي تصل درجاتها أحيانا إلى 115 درجة فهرنهايت، يجتهد الناس في العمل استعدادا للإفطار، إذ يقومون بطهي الأرز في أوان كبيرة في مطابخ عامة، ويقطعون اللحم إلى قطع صغيرة ثم يخلطونه مع الأرز، ويقطعون الطماطم والخيار لإعداد السلطة ويقطعون شرائح دائرية من البطيخ. وفي المساء، يغلق المدخل الرئيسي الواقع على مشارف الكاظمية لأسباب تتعلق بالسلامة، لأن الحي تعرض للاعتداءات مرات كثيرة.
يمر الطريق المؤدي إلى الحي ببساتين النخيل، وتمر عبره قناة ري يسبح فيها الصبية ويهللون وهم يقفزون في المياه ويمرحون معا. وعندما يصل الزائرون إلى الممشى الطويل الذي يؤدي إلى المرقد، تتسارع الخطى بحماس للمرور عبر صف من المفتشين الذين يتحققون من عدم وجود قنابل وأسلحة، ثم يتجولون في المساحة الطويلة الممتدة أمامهم. يؤدي هذا الطريق الرئيس المتلألئ البراق إلى مزار الإمام الكاظم، الذي تضاء بواباته بمصابيح مبهجة تحمل اللونين الأخضر والأبيض.
يقول شاهد حامد حربي الخفاجي (70 سنة): «الأمور جيدة جدا هذا العام»، راسما على وجهه ابتسامة عريضة تكشف عن فم بلا أسنان وهو يجلس على حافة إحدى السجاجيد الطويلة الكثيرة التي وضعت من أجل وجبة الإفطار. وأضاف: «هناك ناس كثيرون للغاية، والمكان جميل جدا هنا. نطلب فقط من الأميركيين أن يأتوا ويقتلوا داعش، وأن يخلصونا منهم».
وتساعد الميليشيات الشيعية في الوقت الحالي على حماية الطريق الممتد من قرية الخفاجي في محافظة ديالى وحتى الطريق السريع، وقد جاءت عائلته إلى المزار للاحتفال بشهر رمضان. وقال الخفاجي مشيرا إلى بناته الخمس وأبنائهن: «نشعر بأمان تام بحضورنا إلى هنا».
على بعد عدة ياردات، تقدم مؤسسة الصدر، التي أسستها عائلة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وجبات الإفطار التي جلس يتناولها 150 رجلا. وفي الجوار، أحضرت العائلات وجباتها البسيطة المكونة من الزبادي المصنوع في المنزل والذي وضعوه في أكواب لتناوله مع التمر. وأخذت مجموعة من الأطفال تركض ذهابا وإيابا طالبين من أمهاتهم شراء البالونات والحلوى التي يعرضها الباعة المتجولون، بينما ارتدت هؤلاء الأمهات العباءات السوداء، وأعطين هواتفهن الجوالة إلى أبنائهن الأكبر سنا، ثم ذهبن لبضع دقائق إلى ضريح الإمام الكاظم. ويرى النشمي، متأملا كل تلك الصور، أن هناك انقساما عميقا متزايدا لا يمكن إيقافه بسهولة، ناهيك عن تغييره. وقال: «سيزداد الوضع سوءا: سيغادر السنة بغداد ويغادر الشيعة الشمال، وقد غادر المسيحيون تقريبا، وسنجد بلدا مقسما بالفعل. لا يمكن أن نجد حلا الآن، وأنا حزين للغاية». واستطرد قائلا: «لقد خسر العالم العراق، ولكن يجب أن نجاهد، أنت وأنا وجميع الأصدقاء، يجب أن نفعل شيئا، شيئا غامضا وبعيدا. يجب أن نُدرّس التاريخ في المدارس الابتدائية ونعلم أطفالنا حضارة العراق العظيمة».
* خدمة: «نيويورك تايمز»



الحوثيون يجهّزون لمحاكمة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة

محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يجهّزون لمحاكمة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة

محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)
محكمة يديرها الحوثيون أصدرت أحكاماً بإعدام 17 معتقلاً (إ.ب.أ)

فيما تواصل الجماعة الحوثية تجاهل الدعوات الدولية المطالِبة بوقف ملاحقة موظفي المنظمات الدولية والإغاثية، كشفت مصادر قضائية عن استعداد الجماعة لإحالة دفعة جديدة من موظفي الأمم المتحدة والعاملين لدى منظمات إغاثية دولية ومحلية، إضافة إلى أفراد من بعثات دبلوماسية، إلى المحاكمة أمام محكمة متخصصة بقضايا «الإرهاب».

يأتي ذلك بالتزامن مع إعلان محامٍ يمني بارز، تولّى منذ سنوات الدفاع عن عشرات المعتقلين لدى الحوثيين، دخوله في إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجاً على استمرار اعتقاله ووضعه في زنزانة انفرادية منذ 3 أشهر، وفق ما أفاد به أفراد من أسرته.

وقالت المصادر القضائية لـ«الشرق الأوسط»، إن الجماعة بدأت فعلياً بمحاكمة 3 دفعات من المعتقلين، أُصدرت بحقهم حتى الآن أحكام إعدام بحق 17 شخصاً، في قضايا تتعلق باتهامات «التجسس» والتعاون مع أطراف خارجية. وأوضحت أن التحضيرات جارية لإحالة دفعة رابعة، تضم موظفين أمميين وعاملين في المجال الإنساني، إلى المحاكمة خلال الفترة المقبلة.

العشرات من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية مهددون بأوامر الإعدام الحوثية (إعلام محلي)

وبحسب المصادر نفسها، فإن الحوثيين نقلوا العشرات من المعلمين والنشطاء في محافظة إب إلى العاصمة صنعاء، في خطوة وُصفت بأنها تمهيد لمحاكمتهم، بعد أشهر من اعتقالهم. وأكدت أن جهاز مخابرات الشرطة، الذي يقوده علي الحوثي نجل مؤسس الجماعة، بدأ بنقل أكثر من 100 معتقل من إب إلى صنعاء، عقب فترات تحقيق مطوّلة داخل سجن المخابرات في المحافظة.

وأشارت إلى أن المعتقلين حُرموا من توكيل محامين للدفاع عنهم، كما مُنعت أسرهم من زيارتهم أو التواصل معهم، رغم مرور أكثر من 6 أشهر على اعتقال بعضهم، في مخالفة صريحة لأبسط ضمانات العدالة والإجراءات القانونية.

دور أمني إيراني

وفق ما أفادت به المصادر في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، فإن خبراء أمن إيرانيين تولّوا الإشراف على حملات الاعتقال الواسعة، التي انطلقت بذريعة منع الاحتفال بالذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر (أيلول) 1962، التي أطاحت بحكم أسلاف الحوثيين في شمال اليمن. وانتهت تلك الحملات باعتقال العشرات بتهم «التجسس» لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.

وأضافت أن إحكام القبضة الإيرانية على ملف المخابرات لدى الحوثيين، جاء في إطار احتواء الصراعات بين الأجهزة الأمنية المتعددة التابعة للجماعة، إلى جانب الإشراف على خطط تأمين قياداتها السياسية والعسكرية.

غير أن هذا الترتيب، بحسب المصادر، أدى إلى إغلاق معظم قنوات الوساطة القبلية التي كانت تُستخدم سابقاً للإفراج عن بعض المعتقلين، مقابل دفع فِدى مالية كبيرة وتقديم ضمانات اجتماعية بحسن السيرة.

إضراب محامي المعتقلين

في سياق هذه التطورات القمعية الحوثية، أعلن المحامي اليمني المعروف عبد المجيد صبرة، الذي تولّى الدفاع عن عشرات المعتقلين لدى الحوثيين، إضراباً عاماً عن الطعام، احتجاجاً على استمرار احتجازه منذ نهاية سبتمبر الماضي. ونقل شقيقه وليد صبرة، في نداء استغاثة، أنه تلقى اتصالاً مقتضباً من شقيقه أبلغه فيه ببدء الإضراب، وبأن إدارة سجن المخابرات أعادته إلى الزنزانة الانفرادية.

دفاع صبرة عن المعتقلين أغضب الحوثيين فاعتقلوه (إعلام محلي)

وأوضح وليد صبرة أن سبب اعتقال شقيقه يعود إلى منشور على مواقع التواصل الاجتماعي احتفى فيه بالذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر، مؤكداً أن الأسرة لا تعلم شيئاً عن وضعه الصحي، وأن طلباتهم المتكررة لزيارته قوبلت بالرفض. وتساءل عن مصير الفريق القانوني الذي كلفته نقابة المحامين بمتابعة القضية، وما إذا كان قد تمكّن من معرفة مكان احتجازه أو الجهة المسؤولة عنه.

وأثار إعلان الإضراب موجة تضامن واسعة، حيث عبّر عشرات الكتّاب والنشطاء عن دعمهم للمحامي صبرة، مطالبين بالإفراج الفوري عنه، وضمان حقه في الزيارة والرعاية الطبية.

كما ناشدوا نقابة المحامين، واتحاد المحامين اليمنيين والعرب، ومنظمات حقوق الإنسان، التدخل العاجل لحماية حياته، باعتباره أحد أبرز المدافعين عن الحريات والحقوق، وعن الصحافة والصحافيين، وعن المعتقلين والمختفين قسرياً، والمحكوم عليهم بالإعدام في مناطق سيطرة الحوثيين.


العليمي يشيد بجهود تحالف دعم الشرعية لخفض التصعيد شرق اليمن

جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
TT

العليمي يشيد بجهود تحالف دعم الشرعية لخفض التصعيد شرق اليمن

جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)
جانب من لقاء العليمي في الرياض مع سفراء الدول الراعية للعملية السياسية باليمن (سبأ)

شدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي على أن الاستقرار السياسي يُعد شرطاً أساسياً لنجاح أي إصلاحات اقتصادية، في ظل تداعيات قرار صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن، مشيداً في الوقت ذاته بجهود تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية والإمارات لخفض التصعيد، وإعادة تطبيع الأوضاع في محافظات شرق البلاد.

جاءت تصريحات العليمي، الأحد، خلال اتصال أجراه بمحافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب، للاطلاع على المستجدات الاقتصادية والنقدية، والتداعيات المحتملة لقرار صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن، على خلفية الإجراءات الأحادية التي شهدتها المحافظات الشرقية في الأيام الماضية.

ونقل الإعلام الرسمي اليمني عن مصدر رئاسي أن العليمي استمع إلى إحاطة من محافظ البنك المركزي حول مستوى تنفيذ قرارات مجلس القيادة، وتوصياته الهادفة لمعالجة الاختلالات القائمة في عملية تحصيل الإيرادات العامة إلى حساب الحكومة في البنك المركزي، إضافة إلى عرض للمؤشرات المالية والنقدية، والجهود المطلوبة لاحتواء تداعيات القرار الدولي على استقرار سعر الصرف، وتدفق الوقود والسلع، وتحسين مستوى الخدمات الأساسية.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وأضاف المصدر أن الاتصال تطرق إلى تقييم شامل للأوضاع الاقتصادية الراهنة، وما يفرضه تعليق أنشطة صندوق النقد من تحديات تتطلب تنسيقاً حكومياً عاجلاً للحفاظ على الاستقرار سواء المالي أو النقدي، وضمان استمرار التزامات الدولة تجاه المواطنين.

وكانت مصادر يمنية رسمية ذكرت أن صندوق النقد الدولي قد أعلن تعليق أنشطته في اليمن، عقب التوتر الأمني في حضرموت والمهرة خلال الأيام الماضية، الأمر الذي أثار مخاوف من انعكاسات اقتصادية محتملة، في وقت تعتمد فيه الحكومة اليمنية على الدعم الخارجي والمؤسسات الدولية في تنفيذ برامج الاستقرار المالي والإصلاحات الاقتصادية.

إشادة بمساعي التهدئة

أفاد المصدر الرئاسي اليمني - حسب ما نقلته وكالة «سبأ» بأن العليمي أشاد بالمساعي التي يبذلها تحالف دعم الشرعية، بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات، لخفض التصعيد وإعادة تطبيع الأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة، مثمناً دعم الرياض للموازنة العامة، وتعزيز صمود مؤسسات الدولة، واستمرار الوفاء بالالتزامات الحتمية تجاه المواطنين.

جنود تابعون للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن يحرسون مدخل القصر الرئاسي (رويترز)

وأشار المصدر إلى أن العليمي عدّ إعلان صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته في اليمن بمثابة «جرس إنذار»، يؤكد ارتباط الاستقرار الاقتصادي بالاستقرار السياسي، ويبرز أهمية توحيد الجهود لتفادي انعكاسات سلبية على الوضعين المالي والمعيشي.

كما جدّد رئيس مجلس القيادة التأكيد على أن الانسحاب الفوري للقوات الوافدة كافة من خارج محافظتي حضرموت والمهرة يُمثل الخيار الوحيد لإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية، واستعادة مسار النمو والتعافي، وتعزيز الثقة مع مجتمع المانحين والمؤسسات الدولية.

توحيد الجهود

يأتي اتصال العليمي بمحافظ البنك المركزي عقب لقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزُّبيدي (رئيس مجلس الانتقالي الجنوبي) في العاصمة المؤقتة عدن بقيادة القوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية، برئاسة اللواء الركن سلطان العنزي، واللواء الركن عوض الأحبابي.

وكان اللقاء ناقش - حسب الإعلام الرسمي اليمني - سُبل توحيد الجهود في مواجهة المخاطر التي تهدد أمن المنطقة والإقليم، وتمس المصالح الدولية، وتهدد حرية الملاحة، إلى جانب آليات تعزيز جهود مكافحة الإرهاب، وتجفيف منابع تمويله، والتنسيق مع الشركاء الدوليين لوقف تهريب الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية.

اجتماع وفد عسكري سعودي إماراتي في عدن مع رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي (سبأ)

وأكد الزُّبيدي خلال اللقاء عمق ومتانة العلاقات الأخوية مع دول التحالف، مثمناً الدور الذي تقوم به في دعم القوات المسلحة، ومواجهة الميليشيات الحوثية، ومكافحة الإرهاب. وفق ما أورده الإعلام الرسمي.

وعقب هذا اللقاء كانت القيادة التنفيذية العليا للمجلس الانتقالي الجنوبي عقدت اجتماعها الدوري برئاسة الزبيدي، واستعرضت نتائج اللقاء مع قيادة القوات المشتركة للتحالف، وما خرج به من تفاهمات لتعزيز الأمن والاستقرار، ومكافحة الإرهاب، وتأمين خطوط الملاحة وحماية الأمن البحري، إضافة إلى الأوضاع في وادي حضرموت والمهرة، والجهود المبذولة لتطبيع الأوضاع، وحفظ السكينة العامة.


«ادفع أو أُغلق»... الحوثيون يشنّون حرب جبايات تخنق صنعاء

مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
TT

«ادفع أو أُغلق»... الحوثيون يشنّون حرب جبايات تخنق صنعاء

مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)
مبنى وزارة الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين في صنعاء (فيسبوك)

أغلقت الجماعة الحوثية خلال الشهر الماضي 98 منشأة ومتجراً متنوعاً في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في سياق تصعيدها لحملات الدهم والإغلاق وفرض الإتاوات التي تستهدف كبار التجار وأصحاب المتاجر الصغيرة على حد سواء، لإرغامهم على دفع جبايات مالية وعينية تحت مسميات متعددة، تُفاقم من هشاشة الاقتصاد المحلي، وتزيد من معاناة السكان.

وكشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» عن تنفيذ نحو 40 لجنة ميدانية تتبع ما يُسمى مكتب الصناعة والتجارة الخاضع للجماعة الحوثية في صنعاء، عدة نزولات خلال 4 أسابيع، استهدفت بالدهم والإغلاق وفرض الإتاوات ما يقارب 683 منشأة تجارية في أحياء متفرقة من صنعاء، شملت أسواقاً مركزية، ومحال بيع بالتجزئة، ومطاعم ومخازن.

وأقرّ تقرير أولي صادر عن مكتب الصناعة والتجارة الخاضع للحوثيين بأن القائمين على الحملة أغلقوا خلال 30 يوماً نحو 98 منشأة ومتجراً، وأصدروا 227 تعميماً، ونحو 110 إشعارات حضور، وأحالوا 55 مخالفة إلى النيابة التابعة للجماعة، فضلاً عن اتخاذ سلسلة إجراءات إدارية وغرامات مالية بحق 190 منشأة بزعم ارتكاب مخالفات.

عناصر حوثيون خلال دهم أحد المتاجر في صنعاء (فيسبوك)

ويزعم الحوثيون أن حملاتهم تهدف إلى ضبط الأسعار، ومكافحة الغش التجاري والاحتكار، والتصدي لمواد مخالفة للمواصفات أو منتهية الصلاحية، ونقص الأوزان، ورفض التفتيش، وغيرها من المبررات التي يرى التجار أنها تُستخدم غطاءً لابتزازهم وجباية الأموال بالقوة.

مضايقات متكررة

واشتكى تجار في صنعاء، تحدّثوا إلى «الشرق الأوسط»، من تكرار المضايقات الحوثية بحقهم، مؤكدين أن الجماعة تواصل شن حملات واسعة لجمع إتاوات نقدية وعينية تحت تسميات عدة، أبرزها تمويل ما تُسمى الوقفات المسلحة، وحملات التعبئة والتجنيد الإجباري، ودورات «طوفان الأقصى» العسكرية، تحت مزاعم الاستعداد لما تصفه بمعارك مرتقبة مع إسرائيل وأميركا.

وأكد تجار أن فرض مزيد من الجبايات يتزامن مع تراجع حاد في النشاط التجاري وكساد البضائع وارتفاع النفقات التشغيلية، ما يجعل كثيراً من المنشآت الصغيرة والمتوسطة مهددة بالإفلاس أو الإغلاق القسري، في ظل غياب أي حماية قانونية أو بيئة أعمال مستقرة.

جرافة حوثية تعتدي على باعة أرصفة بالقرب من متاجر في صنعاء (إعلام حوثي)

ويقول «خالد» (اسم مستعار)، وهو تاجر مواد غذائية في حي السنينة بمديرية معين، إن عناصر حوثية مسنودة بعربات أمنية اقتحمت متجره، وأرغمته على دفع 10 آلاف ريال يمني (الدولار نحو 535 ريالاً) بحجة الإسهام في تمويل أنشطة الجماعة الحالية لاستقطاب وتجنيد مقاتلين جدد. ويوضح أن المبالغ المفروضة تُحدد تقديرياً بناءً على حجم البضائع، دون أي معايير قانونية واضحة.

من جهته، يؤكد صاحب متجر صغير في حي شميلة بمديرية السبعين، لـ«الشرق الأوسط»، تكثيف مسلحي الجماعة خلال الأسابيع الأخيرة من استهداف التجار وصغار الباعة في سوق شميلة المركزية، لإجبارهم على دفع إتاوات غير قانونية.

ويشير إلى أن متجره تعرّض للدهم منتصف الشهر الماضي، وأُجبر بالقوة على دفع مبلغ مالي بزعم وجود مخالفات سابقة، قبل أن يصادر المسلحون أصنافاً غذائية من متجره نتيجة عجزه عن السداد، بذريعة دعم المقاتلين في الجبهات.

تدهور اقتصادي

تأتي هذه التطورات في وقت كشف فيه تقرير دولي حديث عن استمرار تدهور الوضع الاقتصادي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، في ظل تصاعد حملات الجباية التي تستهدف الأنشطة التجارية، ما يُعمِّق أزمة انعدام الأمن الغذائي ويقلّص قدرة الأسر على تلبية احتياجاتها الأساسية.

حوثيون يغلقون متجراً في صنعاء لعدم استجابة مالكه لدفع جبايات (إكس)

ووفقاً لتقرير صادر عن «شبكة الإنذار المبكر للاستجابة للمجاعة»، فإن الاقتصاد في مناطق سيطرة الجماعة يواصل التراجع بوتيرة عالية، بفعل الحملات المتكررة التي تطول المطاعم والمتاجر والفنادق وبقية القطاعات، ولا تقتصر على فرض رسوم إضافية فحسب، بل تشمل تشديد القيود التنظيمية، الأمر الذي أدى إلى إغلاق عدد من المنشآت الصغيرة.

وحذّر التقرير من أن استمرار هذا النهج سيُضعف قدرة الأسر على الحصول على الغذاء حتى بالتقسيط، الذي شكّل خلال السنوات الماضية ملاذاً أخيراً لمواجهة الضائقة المعيشية، متوقعاً زيادة حدة انعدام الأمن الغذائي في ظل استمرار الجبايات وتراجع المساعدات الإنسانية أو توقفها.