أبحاث علمية لإرسال الروائح عبر الشبكات الإلكترونية

التحفيز الكهربائي لخلايا الأنف العميقة يولد عطوراً طيبة وأريجاً كيميائياً

أبحاث علمية لإرسال الروائح عبر الشبكات الإلكترونية
TT

أبحاث علمية لإرسال الروائح عبر الشبكات الإلكترونية

أبحاث علمية لإرسال الروائح عبر الشبكات الإلكترونية

تخيلوا فيلم واقع افتراضيا حول الحرب الأهلية حيث يمكنكم أن تشتموا رائحة الدخان المنبعثة من بنادق المقاتلين، أو موقعا إلكتروني للتعارف بملفات شخصية تفوح منها روائح العطور والكولونيا، أو حتى تطبيق واقع معزز يتيح لكم توجيه هاتفكم إلى لائحة خيارات مطعم ويقدم لكم نموذجاً عن رائحة كل طبق.

روائح رقمية

لا يزال الباحثون الذين يعملون على «الروائح الرقمية» بعيدين جداً عن تطبيقات مماثلة، ربما لأن عنصر الشكل الخاص بتقنيتهم يترك حيزاً للرغبة. وحتى يومنا هذا، لا يزال التقاط رائحة من المستقبل يعتمد على حشر سلك بأنفكم حتى تتمكن الأقطاب الكهربائية من الاحتكاك بالأعصاب في عمق المجاري الأنفية. ولكن الباحثين لديهم بعض الأفكار المتطورة.
يتولى كاسون كاروناناياكا، باحث زميل من معهد «إيماجينيرينغ» في ماليزيا الإشراف على بحث الرائحة الرقمية، الذي بدأ به كمشروع علمي عندما كان طالباً في مرحلة الدكتوراه بالتعاون مع أدريان شيوك، الذي يشغل حالياً منصب مدير المعهد ويعمل أستاذاً محاضراً في جامعة سيتي في لندن، والذي يعمل حالياً على بحث لابتكار «إنترنت متعدد الحواس».
وفي أحد أبحاثه الأولى، أرسل شيوك «أحضاناً للدجاج»، وعمل طلابه أيضاً على تطوير مذاقات «القبلات الرقمية» و«الطعم الكهربائي».
يشرح كاروناناياكا في حديث لموقع «سبيكتروم» لجمعية المهندسين الكهربائيين الأميركية، إن أول التجارب مع الرائحة الرقمية اعتمدت على خراطيش كيميائية موضوعة في أجهزة تتصل بأجهزة كومبيوتر أو هواتف، ترسل أمراً للجهاز ليحفز إطلاق المواد التي تختلط مع بعضها بعضاً لإنتاج رائحة ما.
خلال عملهم في هذا العالم الكيميائي، يتعاون فريق كاروناناياكا مع شركة يابانية ناشئة تعرف باسم «سينتي»Scentee) ) تقول إنها تعمل على تطوير «أول هاتف ذكي في العالم قادر على إنتاج روائح». يعمل الطرفان سوياً على تطوير تطبيق «سينتي» الذي يندمج مع تطبيقات أخرى لإضافة روائح على وظائف عدة في الهواتف الذكية. مثلاً، يمكن للتطبيق أن يتصل بمنبهكم الصباحي ليفتتح يومكم برائحة القهوة، أو يستطيع إضافة عطور إلى النصوص حتى تصلكم الرسائل من مختلف الأصدقاء مع روائح مميزة.

تحفيز خلايا الأنف

ولكن فريق كاروناناياكا سعى لإيجاد بديل للأجهزة الكيميائية التي تعتمد على خراطيش تتطلب إعادة التعبئة، فأراد باحثوه أن يرسلوا الروائح عبر الكهرباء وحدها.
ولإتمام تجاربه، أقنع الأخير 31 متطوعاً بالسماح له بحشر سلك رقيق ومرن في أنوفهم، وثبت على رأس السلك كاميرا صغيرة وأقطاب كهربائية فضية. وساعدت الكاميرا الباحثين على التحرك في المجاري الأنفية، سامحة لهم بدفع الأقطاب الكهربائية للاحتكاك بالخلايا الطلائية الشمية التي تقع على مسافة سبعة سنتيمترات أعلى وخلف فتحات الأنف. وتعمل هذه الخلايا على إرسال المعلومات عبر الأعصاب الشمية إلى الدماغ.
عادة، تحفز هذه الخلايا الشمية مركبات كيميائية تتصل بمستقبلات الخلايا، ولكن فريق كاروناناياكا حفزها بواسطة تيار كهربائي.
عمل الباحثون سابقاً على تمشيط الأدبيات العلمية للعثور على أمثلة على التحفيز الكهربائي للخلايا الأنفية، فوجدوا تقارير على أنه، أي التحفيز، ساعد المشاركين في التجارب على شم روائح. لذا قرروا أن يختبروا معالم تحفيز مختلفة، مع تعديل تدفق وقوة التيار، حتى توصلوا إلى الإعدادات التي أنتجت حواس الشم بشكل واضح.
وتمكن المشاركون في الاختبار في معظم الأحيان من شم روائح وصفوها على أنها عطور أو روائح كيميائية. كما تحدث البعض عن شم روائح شبهوها بالفواكه والحلويات والنعناع أو الخشب.
واعتبر كاروناناياكا أن هذه التجربة شكلت بداية برهان على فعالية هذه الفكرة. أما الخطوة التالية فهي تحديد ما إذا كانت معالم تحفيز معينة ترتبط ببعض الروائح، إلى جانب البحث في الاختلافات القائمة بين المشاركين في الاختبار. إذ يلفت الباحث إلى احتمال وجود اختلافات ناتجة عن السن، والعمر، وطبيعة الجسم.
ولكن السؤال الأكبر هو: هل سيتمكن الباحثون من العثور على وسيلة لإنتاج هذه الروائح دون حشر أنبوب في أنوف الناس؟ فقد كانت الاختبارات مزعجة جداً لغالبية المتطوعين، مما دفع كاروناناياكا إلى الاعتراف بأن «الكثيرين أرادوا المشاركة، ولكنهم غادروا بعد الاختبار الأول لأنهم لم يستطيعوا التحمل».
ويقول كاروناناياكا إن حلين ممكنين يطرحان نفسيهما: يمكنهم حشر أنابيب أصغر وأكثر مرونة يمكن تحملها أكثر، أو يمكنهم تجاوز الخلايا الشمية في الأنف وتحفيز الدماغ بشكل مباشر.

دراسات الدماغ

وفي خطوة أخرى نحو هذا الهدف التقني - العصبي، يخطط باحثو معهد «إيماجينيرينج» لتعاون في مجال التصوير الدماغي مع توماس هامل، خبير مهم في مجال الاضطرابات الشمية في جامعة دريسدن التقنية في ألمانيا. وفي التجارب المزمع إجراؤها، سيعمل المتطوعون على شم أشياء لها رائحة حقيقية كالورود، كما سيخضعون للتحفيز الأنفي. ومن المخطط أن تحصل هذه «الشمات» جميعها بالتزامن مع تصوير أدمغة المتطوعين بوسيلة غير تدخلية كالتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي.
يقول كاروناناياكا: «سنتعرف على مناطق الدماغ التي ستنشط في كل حالة، ومن ثم سنقارن نمطي النشاط. هل يشغلان مناطق الدماغ نفسها؟ في حال كانا كذلك، قد تصبح هذه المنطقة من الدماغ هدف الأبحاث المقبلة.
وقد يلجأ الباحثون إلى استخدام جهاز يؤمن تحفيزاً غير تدخلي لحث المنطقة الدماغية على الهدف، وبالتالي إنتاج أحاسيس شمية دون الحاجة إلى وردة أو سلك في الأنف.
قد تساعد هذه التقنية في تحقيق هدف مساعد: إذ قد يصبح بإمكان الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات شمية ارتداء جهاز على الرأس لتفعيل بعض وظائف الشم لديهم. أما بالنسبة للأشخاص الذين لا يعانون من مشكلات، قد تتيح لهم هذه الأجهزة بعض التعزيزات: مثلاً، يمكن لصانعي سماعات الواقع المعزز أن يطوروا تقنية تخفيزية للدماغ لتزويد المستخدمين بتجربة حسية أكثر انغماساً وغنى.


مقالات ذات صلة

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
خاص يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)

خاص ما دور «الترميز الطبي» في تحقيق «رؤية 2030» لنظام صحي مستدام؟

من معالجة اللغة الطبيعية إلى التطبيب عن بُعد، يشكل «الترميز الطبي» عامل تغيير مهماً نحو قطاع طبي متطور ومستدام في السعودية.

نسيم رمضان (لندن)
خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

خاص كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً