سنوات السينما: أهل القمّـة

سعاد حسني في «أهل القمة»
سعاد حسني في «أهل القمة»
TT

سنوات السينما: أهل القمّـة

سعاد حسني في «أهل القمة»
سعاد حسني في «أهل القمة»

أهل القمّـة
(1981)
حدث في سنوات الانفتاح

لم تخل أفلام المخرج المصري علي بدرخان من عنصرين مهمين: الأناقة الشكلية والمضمون السياسي. ربما تفاوتت في مستويات كل عنصر من فيلم لآخر، أو حتى جاءت بعضها (مثل «الرجل الثالث»، 1994) خالية من الإجادة أو الأهمية، إلا أن أغلب أعماله تضمنت السعي لتقديم سينما جادة وجيدة. وهذا الفيلم على شوائبه أحدها.
سبق «أهل القمّـة» أفلام مثالية في هذا الاتجاه مثل «الكرنك» (1975) و«شفيقة ومتولي» (1979) وتبعه فيلم جيد آخر هو «الجوع». إذ جاء «أهل القمة» وسط هذه المجموعة انتمى إلى أفضل ما استطاع بدرخان توفيره من أفلام طوال حقبة عمله التي بدأت بـ«الكرنك» وانتهت، حتى الآن بفيلم «الرغبة» (2002).
«أهل القمة»، بطولة سعاد حسني ونور الشريف وعزت العلايلي مع عمر الحريري ومطاوع عويس وناديا عزت، كان فيلماً آخر عن مصر تلك الفترة التي نتجت عن سياسة الانفتاح، وشهدت بداية التحول الاجتماعي الذي طرأ على مصر وغيرت من بنيتها الاقتصادية كثيراً. بذلك هو على صلة بأفلام لمحمد خان وعاطف الطيب وعلي عبد الخالق وسعيد مرزوق من بين آخرين، تلك التي طرحت ما شهدته البلاد من تطوّرات أدت إلى اختلاف معايير الحياة والمفاهيم الاجتماعية الملحقة بها أيضاً.
نور الشريف في دور النشال. شاب طيب في طريق الجريمة الصغيرة التي اضطر إليها لسد احتياجات حياته. ذات يوم يقرر إعادة محفظة لرجل أعمال كبير (عمر الحريري) فيكافئه ذلك بوظيفة في شركته وبعد أن يثق بقدراته يطلقه في سماء التهريب الجمركي (ثاني فيلم يتحدث عن التهريب في الجمارك من بعد «أمهات في المنفى» لمحمد راضي في العام ذاته).
يتحول النشال السابق إلى المساعد الأيمن لرجل الأعمال ويبرع في عمله وتتحسن أوضاعه، بالتالي، فيفتح لنفسه دكاناً يبيع فيه تلك الأدوات المهربة في الوقت الذي يقع فيه بحب سعاد حسني، الفتاة التي تعمل في أحد المصارف والتي وصلت إلى سن السابعة والعشرين من دون أن تتزوج بعد. هي أيضاً شقيقة عزت العلايلي، ضابط البوليس الذي عرف نور نشالاً صغيراً. يدخل الفيلم ويخرج ما بين هذه الشخصيات ويطوّر الأحداث العالقة وصولاً إلى اكتشاف سعاد أنها وقعت في حب مهرّب مطلوب من القانون. هي ومن تحب باتا في كماشة شقيقها الذي لن يخالف عمله كرجل أمن مسؤول.
يطرق الفيلم أبواباً تعكس أصناف الأشخاص ومسالكهم جيداً، على ذلك هناك مشاكل من أهمها أن بدرخان لم يستطع الذهاب إلى آخر مشواره كمعلق اجتماعي. يقف في منتصف الرغبة بين إدانة المجتمع الذي يدفع بالأناس الطيبين إلى الخروج عن القانون وبين إدانة مستثمرين ومستغلين لعصر الانفتاح. هذا ما يمنع الفيلم من يأتي نموذجاً صارخاً ونقداً صريحاً على غرار فيلم بدرخان السابق «الكرنك». لكن يبدو أن الفيلم نجح في إثارة الرقابة التي رفضت منح الفيلم ترخيص عرض إلا إذا حذف المخرج بعض مشاهده. لكن المخرج واجه الرقابة رافضاً توصياتها ومبرراً ذلك بأن ما يعرضه في «أهل القمة» ما زال الحد الأدنى من الأوضاع التي تعيشها البلاد.
من ناحية ثانية لا يغيب بدرخان كمخرج جيد سواء في تناوله الأحداث، أو كمدير بارع للممثلين ومعالج مرهف للشخصيات.


مقالات ذات صلة

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم، منذ أيام الفراعنة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من الفيلم تجمع «شاهيناز» وأولادها (الشركة المنتجة)

«المستريحة»... فيلم مصري يتناول النصّابين يمزج الكوميديا بالإثارة

تصدَّرت مجسّمات دعائية للأبطال دار العرض عبر لقطات من الفيلم تُعبّر عنهم، فظهرت ليلى علوي في مجسّم خشبيّ جالسةً على حافة حوض استحمام مليء بالدولارات.

انتصار دردير (القاهرة )

بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
TT

بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»

بشير الديك، كاتب القصّة والسيناريو لعدد كبير من الأفلام المصرية طوال العقود الأربعين الماضية، الذي توفي في اليوم الأخير من العام الراحل، 2024، كان أحد السينمائيين الخارجين عن قوانين السينما التقليدية في النصف الأول من سنوات مهنته. لكن على الرغم من أنه في النصف الثاني وقّع على أعمال كثيرة من التي يمكن وصفها بالتقليدية، ومن بينها 6 أفلام من بطولة نادية الجندي، فإنه واظب على معالجة نصوصه باحتراف يجمع بين حكايات تحمل مضامين تنتمي إلى نزعة جادة وتنشد ميزانيات كبيرة.

لعل حقيقة أن نادية الجندي كانت تصبو دوماً إلى أدوار تخلّدها وأفلام تحافظ عبرها على مكانتها لعب بشير الديك دوراً في تلبية هذه الرغبات عبر حكايات تشويقية في المقام الأول، وشخصية رئيسية مضخّمة وذلك في أفضل نصوص ممكنة ضمن التوليفة التجارية.

بدأ هذا التعاون على نحوٍ ثلاثي: بشير الديك يكتب، ونادر جلال يُخرِج ونادية الجندي تلعب دور البطولة. هذه الأفلام هي «الإرهاب» (1989)، و«شبكة الموت» (1990)، و«عصر القوّة» (1991)، ومن ثَمّ «مهمّة في تل أبيب» (1992)، و«الشطّار» (1993)، ولاحقاً «امرأة هزّت عرش مصر» (1995).

كمال الشناوي ونادية الجندي في «مهمّة في تل أبيب»

‫اتجاهان‬

بعد بدايات متفاوتة الأهمية من بينها «مع سبق الإصرار» لأشرف فهمي (1979)، و«دعوني أنتقم» لتيسير عبّود (1979)، و«الأبالسة» لعلي عبد الخالق (1980) التحق الديك ببدايات المخرج الراحل محمد خان عبر 6 أفلام هي «الرغبة» (1980)، و«موعد على العشاء» (1981)، و«طائر على الطريق» (1981)، و«نص أرنب» (1983)، و«يوسف وزينب» (1984) و«الحرّيف» (1984) وكلها من أفضل ما حققه خان.

تعامُل الديك مع الموضوعات الجادة التي عرفتها تلك الأفلام سمح له بكتابة واحد من أفضل أعماله وهو «سواق الأتوبيس»، الذي حققه الراحل عاطف الطيب سنة 1982، وكلاهما لاحقاً تعاونا على تحقيق فيلم مهم (أكثر مما كان جيداً) آخر هو «ناجي العلي» (1992). لجانبهما فيلم ثالث هو «ضد الحكومة» (1992) من بطولة أحمد زكي ولبلبة.

في تقييم كتابات بشير الديك تتداخل بعض العناصر التي يمكن إيجاز هذا التقييم عبرها.

من ناحية، حاول دوماً التطرّق صوب قضايا مهمّة تطرح قصصاً ذات جانبٍ وطني مثل «مهمّة في تل أبيب»، الذي دار حول جاسوسة مصرية تعمل لصالح إسرائيل، ومن ثَمّ تندم فتطلب منها الاستخبارات المصرية (ممثلة بكمال الشناوي)، العمل لحساب مصر وتنجح. «ناجي العلي» ينضم إلى هذا النحو من الأعمال.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

في ناحية أخرى، لم يتأخر عن كتابة ما كان سائداً في الثمانينات والتسعينات من اتجاه صوب الحديث عن مراكز قوى في الشارع المصري والصراع بين الأخيار والأشرار. هذه الموجة لم تعرف بداية ونهاية محدودتين فتاريخها عريق يعود لعقود سابقة، لكنها عرفت في تلك الفترة تدافعاً بين المخرجين للحديث عن تلك المراكز في حارات القاهرة (في مقابل الكثير من صراع الخير والشر على ساحلَي بور سعيد والإسكندرية في أفلام الخمسينات والستينات) في أجواء ليست بعيدة عن الخط الذي وضعه نجيب محفوظ وشخصياته.

مخرجون عديدون حقّقوا هذه الأفلام التي شُكّلت حكاياتها من صراع القوى في الشارع المصري مثل أشرف فهمي («الأقوياء»، 1982)، وأحمد السبعاوي («السلخانة» 1982 و«برج المدابغ» 1983) وكمال صلاح الدين («جدعان باب الشعرية» 1983). لكن من مزايا ما كتبه بشير الديك في هذه الأعمال التي لاقت رواجاً جماهيرياً إنه كتب ما هو أعمق في دلالاته من قصص المعلّم الشرير ضد سكان منطقته وأزلامه الذين يتصدّون للأبرياء إلى أن يخرج من رحم تلك الحارة من يواجههم جميعاً.

بداية من «نصف أرنب» توّجه الديك إلى حكاية تشويقية ذات طابع بوليسي، وفي «سوّاق الأتوبيس» وقف مع ابن المدينة في موضوع حول تفتت المجتمع مادياً. أما في «الحرّيف» فنقل اهتمامه إلى الوسط المهمّش من سكان القاهرة وأحلامهم ومتاعبهم الشخصية.

‫هموم المجتمع‬

ما يجمع بين هذه الأعمال هموم تسلّلت إلى عدد كبير من كتابات بشير الديك السينمائية.

في مقابلة تمّت بين المخرج عاطف الطيب وبيني بعد مشاهدة فيلمه النيّر «سواق الأوتوبيس»، سألت المخرج عن كيف بدأ التفكير في تحقيق «سوّاق الأتوبيس». أجاب: «بدأت الفكرة في جلسة صداقة مع بشير الديك ومحمد خان. وكنا نتحدث بشأن همومنا وطموحنا الخاص لصنع سينما أخرى مختلفة، وكانت الظروف الحياتية نفسها تجمعنا كلنا تقريباً. فقد كنت أشعر في ذلك الوقت بالذنب إزاء فيلمي الأول (يقصد «الغيرة القاتلة»، 1982)، الذي اضطُرِرت فيه إلى الاعتماد على سيناريو مأخوذ عن أصل أدبي (أجنبي) رغم إيماني الدائم بضرورة الكتابة المباشرة للسينما. اقترح محمد خان وبشير الديك فكرة وُضع لها عنوان: (حطمت قيودي)، تدور حول عائلة مهدّدة بالضياع نتيجة فقدان الأب للورشة التي أسسها وبحْثُ الابن، سائق الأتوبيس، عن مخرج من الأزمة بلا جدوى وأعجبتني الفكرة، خصوصاً أنني أميل كثيراً إلى الدراما التي تدور في نطاق عائلة. وبدأنا بالفعل في تطوير الفكرة خلال الكتابة وتبادل الآراء. وكنا كلما نتعمق في الموضوع تتضح لنا أهمية الفكرة التي نريد التعبير عنها. في الكتابة الثانية للسيناريو، وصل الفيلم إلى ما أصبح عليه».

كتب بشير الديك نحو 60 فيلماً ومسلسلاً تلفزيونياً، معظمها جمع هذه الصفات المجتمعية على نحو سائد أو مخفف. هذا ما جعله أحد أبرز كتاب السيناريو في مصر في حقبة كان للسينما البديلة والمستقلة عن السائد دور فاعل في نهضة الفيلم المصري عموماً.

مع الطيّب وخان ورضوان الكاشف ورؤوف توفيق وخيري بشارة ورأفت الميهي وسواهم، ساهم بشير الديك في منح تلك الفترة مكانتها الساطعة التي لا تغيب.