ثبت علمياً ما للصوم من فوائد عظيمة على الصحة من جوانب عدة، حيث يعد شهر رمضان فرصة عظيمة لإعادة نمط المعيشة لتوازنه الصحي في حياتنا. ومن خلال الصيام نبدأ في تعلم كيفية إدارة عادات الأكل، وكيفية تحسين ضبط النفس والانضباط بشكل عام. ولتحقيق ذلك لا بد من إعطاء المعدة استراحة تمكننا من تحطيم وطرد السموم المتراكمة من أجسامنا.
- الجسم والصيام
> التغيرات الفسيولوجية التي تحدث خلال الصيام:
هناك تغيرات فسيولوجية تحدث في الجسم استجابة للصيام وتعتمد على عدد ساعات الصيام في اليوم. ومن الناحية العلمية، فإن تأثيرات الصيام على الجسم تبدأ بعد نحو 8 ساعات بعد تناول وجبة السحور، عندما تنتهي الأمعاء من امتصاص العناصر الغذائية من الطعام. وفي الحالة الطبيعية، يكون غلوكوز الجسم المخزّن في الكبد والعضلات هو المصدر الرئيسي للطاقة. وخلال الصيام، يتم استخدام هذا المخزون من الغلوكوز أولاً لتوفير الطاقة، وبمجرد نفاده تصبح الدهون المصدر التالي للطاقة في الجسم، كما يتم تصنيع كميات صغيرة من الغلوكوز من خلال آليات أخرى في الكبد.
ثم يتحول الجسم في النهاية إلى البروتين ليحصل منه على الطاقة في حالات الصيام الطويل لعدة أيام أو أسابيع، وهذا الأخير هو الوصف الفني أو التقني لما يُعرف بـ«التجويع starvation»، وهي عملية غير صحية تنطوي على إفراز البروتين من العضلات وتتسبب في إصابة الشخص بالهزال والضعف الشديد. وحيث إن صيام رمضان يمتد من الفجر حتى الغروب، فهناك فرصة كبيرة لتجديد مخزون الطاقة في وجبتي الفطور والسحور. وهذا يوفر الانتقال التدريجي اللطيف من استخدام الغلوكوز إلى الدهون كمصدر رئيسي للطاقة، وعدم انهيار العضلات لإفراز البروتين.
-- فوائد بدنية وصحية
للصيام العديد من الفوائد على مدار السنة، منها:
- اكتساب نمط حياة صحي من خلال إجراء تغييرات صغيرة ودائمة للنظام الغذائي اليومي، فيتعلم الشخص الصائم ضبط النفس.
- الامتناع عن التدخين لساعات طويلة في نهار رمضان يدعم الإقلاع عنه نهائياً، فرمضان هو الوقت المثالي لكسر العادات السيئة.
- فقدان الوزن: إن استخدام الدهون في الحصول على الطاقة يساعد على فقدان الوزن، والحفاظ على العضلات، وعلى المدى الطويل يقلل من مستويات الكوليسترول لدى الصائم.
- تحسين السيطرة على مرض السكري وخفض ضغط الدم، جراء فقدان الوزن.
- إذابة وإزالة أي سموم مخزنة في دهون الجسم.
- ارتفاع مستوى هرمون (الأندورفين) في الدم مما يؤدي إلى مستوى أفضل من اليقظة والشعور العام بالرفاهية الذهنية العامة.
- الغذاء المتوازن وتناول السوائل مهمّ للصائم، فالكُلية في جسم الإنسان تتميز بالكفاءة العالية في الحفاظ على مياه الجسم وأملاحه، مثل الصوديوم والبوتآسيوم، إلا أن هذه الأملاح يمكن أن تُفقد من خلال التعرق. ولمنع الانهيار العضلي، يجب أن تحتوي الوجبات على مستويات كافية من «طعام الطاقة»، مثل الكربوهيدرات وبعض الدهون. وبالتالي، فإن اتباع نظام غذائي متوازن مع كميات كافية من المواد الغذائية والأملاح والمياه أمر حيوي.
- مشكلات صحية طارئة
هناك عدد من المشكلات الصحية الطارئة في رمضان، لكن لها حلولها:
> صداع الرأس: الصداع مشكلة شائعة خصوصاً في الأيام الأولى من شهر الصوم، وله عدة أسباب من أهمها الجفاف أو الجوع أو الراحة غير الكافية أو عدم تناول المشروبات المحتوية عادةً على الكافيين أو النيكوتين.
والحل يكون كالتالي:
- اتباع نظام غذائي معتدل ومتوازن.
- الحرص على تناول وجبة السحور متأخراً.
- تناول كميات كافية من السوائل.
- عدم التعرض لأشعة الشمس المباشرة، وارتداء قبعة عند الخروج، واستخدام النظارات الشمسية لتقليل تأثير وهج الشمس.
- تدليك خفيف للعضلات المتوترة.
- وأخيراً، يمكن تناول جرعة من مسكنات الألم مثل الباراسيتامول، وزيارة الطبيب إن لزم الأمر.
> الجفاف: هو أمر شائع في أثناء الصيام، حيث يستمر الجسم في فقدان الماء والأملاح من خلال التنفس والعرق والبول تبعاً للطقس وقدرة الكُلى على الاحتفاظ بالماء والأملاح. ويزيد خطر الجفاف في كبار السن وأولئك الذين يتناولون أقراصاً مثل مدرات البول. ومن مضاعفات الجفاف الشعور بالخمول، وتشنجات عضلية، ودوخة، ووهن، وأخيراً الانهيار أو الإغماء.
ويتم إسعاف المريض بتهدئته وإعطائه محلول الجفاف أو كمية معتدلة من الماء مضافاً إليه السكر والملح، مع رفع الساقين فوق مستوى الرأس. أما الوقاية فتكون كالتالي:
- تناول كمية كافية ومناسبة من السوائل ليلاً.
- عدم التعرض للطقس الحار.
- عدم بذل جهد بدني كبير نهاراً.
-- حرقة المعدة والإمساك
حرقة المعدة (عسر الهضم): المعدة هي بيئة حمضية، مصممة لاستيعاب الطعام وقتل البكتيريا، وعادةً ما يتم حماية المعدة والمريء من هذا الحمض بواسطة عصائر خاصة في الجسم و«صمامات» موجودة بين هذين العضوين. فإذا تم إنتاج كمية كبيرة من الحمض أو أصيب الصمام الموجود في الجزء السفلي من المريء بـ«خلل»، سوف يعاني الشخص من حرقة المعدة.
وعادةً ما يقلل الصوم من كمية الحمض المنتجة، لكن التفكير في الطعام أو شم رائحته تجعل الدماغ يأمر المعدة بإنتاج المزيد من الأحماض التي تتسبب في جعل حرقة المعدة مشكلة في أثناء الصيام. ويكون الحل كالتالي:
- نصح المرضى الذين يتناولون أدوية منتظمة لعسر الهضم، مثل مضادات الحموضة (مثل Gaviscon)، مضادات الهيستامين (مثل Zantac) أو مثبطات مضخة البروتون (مثل Losec أو Nexium) بالاستمرار في تناولها في وجبة السحور.
- الاعتدال في تناول الطعام وتجنب الأطعمة الغنية بالزيوت أو المقلية والحراقة.
- الحد من تناول الكافيين.
- التوقف عن التدخين.
- قد تساعد مستحضرات مثل زيت النعناع على التقليل من التجشؤ أو المغص.
- النوم مع رفع الرأس بعدد من الوسائد.
- فقدان الوزن على المدى الطويل قد يساعد أيضاً في منع حرقة المعدة.
الإمساك: قد يكون الإمساك مشكلة مزعجة للغاية إن حدث خلال شهر الصوم، ويمكن تجنبه من خلال:
- الحفاظ على ترطيب الجسم بشرب الكثير من السوائل ليلاً.
- تناول الطعام الصحي الغني بالكثير من الفواكه والخضراوات مع زيادة محتوى الألياف باستخدام النخالة.
- ممارسة الرياضة البدنية فهي تساعد في الحفاظ على حركة الأمعاء منتظمة.
-- مضاعفات الصوم المرضية
> الصوم ومضاعفاته لمرضى السكري: إن انخفاض مستويات سكر الدم يعد أكثر المضاعفات خطورة، وإذا لم يتم علاجه فوراً فقد يؤدي إلى الإغماء. ومن أهم أعراضه الشعور بالدوار، والعرق مع رائحته، واضطراب الوعي. وهنا يجب إنقاذ المريض بإعطائه مشروباً سُكرياً على الفور، أو وضع السكر أو الحلوى الغنية بالسكر تحت اللسان.
- يُنصح بعدم الصيام للمرضى الذين يعالجون بحقن الأنسولين مع عدم التحكم الجيد بسكر الدم، خشيةً من الدخول في الغيبوبة الخطرة على الحياة.
- أما المرضى تحت السيطرة الجيدة باستخدام الأقراص والمتابعة المنتظمة مع الطبيب ابتداءً من قبل حلول شهر رمضان، فيمكنهم الصيام بأمان.
- وبشكل عام، يًنصح مرضى السكري بشدة بالقيام بالمراقبة الذاتية المنتظمة للغلوكوز في الدم. عدة مرات خصوصاً إذا شعروا بأعراض ارتفاع أو انخفاض السكر وهم صائمون.
- يجب على مرضى السكري الذين يعانون من مضاعفات أخرى مثل الذبحة الصدرية أو قصور القلب أو السكتة الدماغية أو اعتلال الشبكية (مرض العين) أو اعتلال الكلية (أمراض الكلى) أو اعتلال الأعصاب (مرض الأعصاب في القدمين- اليدين مع خدر- فقدان الإحساس) أن يطلبوا الاستشارة من طبيبهم عند الشعور بأي أعراض.
وإلى جانب السكري فهناك أمراض مزمنة وشائعة أخرى مثل ارتفاع ضغط الدم والربو، يتم التحكم فيها باستخدام الأدوية التي تعوّد المريض على تناولها بانتظام في باقي أيام السنة، وذلك لتجنب حدوث المضاعفات المحتملة من عدم كفاية السيطرة على المرض مثل السكتة الدماغية أو نوبة الربو. وتجب استشارة الطبيب المعالج عند الشعور بأي أعراض غير طبيعية.
-- أسئلة شائعة في رمضان
> هل الصيام يضر بالمرأة الحامل؟
- يعتمد ذلك على المرأة الحامل نفسها، فإذا شعرت بأنها قوية وصحية بما يكفي للصيام، صامت، خصوصاً خلال الجزء المبكر من الحمل. أما إذا شعرت بالتعب كما هو الحال في الشهر الأخير، فقد رخّص لها الشرع الإفطار ثم التعويض لاحقاً.
> متى يستطيع الأطفال الصوم بأمان؟
- يُستحسن تدريب الأطفال على الصيام لبضع ساعات في اليوم وتعويدهم عليه مبكراً لجعلهم على دراية بممارسة الصيام، وهذا الأمر يختلف من طفل إلى آخر اعتماداً على الصحة العامة والتغذية ومدى التحمل.
> ما موقف المريض الذي يتناول أدوية بشكل متكرر؟
- من حسن الحظ أن معظم الأدوية الحديثة أصبحت طويلة المفعول، وتؤخذ مرة واحدة في اليوم أو مرتين. أما إذا كان العلاج يستوجب تناول أدوية قصيرة المفعول عن طريق الفم، فهنا يتمتع هذا المريض بالرخصة في الإفطار.
> ما موقف المريض الذي يتناول علاجه بالحقن والاستنشاق وسواهما؟
- لقد أفتى علماء الإسلام بأن لا حرج في أخذ الأدوية عن طريق الحقن وأجهزة الاستنشاق وقطرات الأذن والعين ولاصقات الجلد ما دامت بعيدة عن تجويف الجهاز والأوعية الدموية وأنها غير مغذية أو إروائية، ولا بديل آخر لها في خطة العلاج.
> هل يواصل المريض صومه في أثناء غسيل الكلى؟
- يُنصح مثل هؤلاء المرضى بعدم الصوم، أولاً لدخول كمية من السوائل إلى الجسم، وثانياً للوضع الصحي الحرج الذي يكون عليه المريض في أثناء الغسيل الكلوي.
> هل يستطيع مريض الصداع النصفي الشديد أن يصوم؟
- لقد أصبحت السيطرة على الصداع النصفي ممكنة عن ذي قبل. وتجب مراجعة الطبيب لتغيير العلاج أو جرعته للتحكم في الحالة بشكل أفضل. والطبيب هو المخول له اتخاذ قرار الصيام من عدمه.
> ما علاقة ضغط الدم المرتفع أو المنخفض بالصيام؟
- لقد ثبت من الدراسات العلاقة الإيجابية بين الصيام والضغط المرتفع، وأمكن للمرضى الصيام بأمان مع تغيير نمط الحياة وتنظيم الدواء. وكذلك مرضى الضغط المنخفض الذين تجب عليهم زيادة كمية السوائل والأملاح في وجبتي الفطور والسحور وما بينهما ليلاً.
- استشاري طب المجتمع