حرب خفية في سوريا و4 خيارات لمآلات المواجهة المقبلة

بينها نسخة روسية للقرار «1701» وتفعيل اتفاق فك الاشتباك مع إسرائيل

عربة اسرائيلية في الجولان السوري المحتل أمس (أ. ف. ب)
عربة اسرائيلية في الجولان السوري المحتل أمس (أ. ف. ب)
TT

حرب خفية في سوريا و4 خيارات لمآلات المواجهة المقبلة

عربة اسرائيلية في الجولان السوري المحتل أمس (أ. ف. ب)
عربة اسرائيلية في الجولان السوري المحتل أمس (أ. ف. ب)

المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل في سوريا، أمر مرجح. الخلاف حول مواعيد الحرب المقبلة ونطاقها ومآلاتها والترتيبات المستقبلية اللاحقة ومدى قدرة موسكو على قيادة حملة دبلوماسية قد تؤدي إلى نسخة سورية – روسية من القرار الدولي «1701» ضمن 4 احتمالات سياسية لمآلات المواجهة المقبلة، حسب دبلوماسيين غربيين.
الحرب الخفية في سوريا مستمرة منذ سنوات، حسب الدبلوماسيين الغربيين في بيروت، وظهرت تجلياتها مرات عدة، كان آخرها «الحرب الإلكترونية» ضد منظومة الرادارات السورية والتشويش عليها، ما أدى إلى إطلاق دفعتين من المضادات الجوية على أهداف وهمية وسط سوريا قبل أسبوعين، سرعان ما سحبت وسائل إعلام رسمية سوريا أنباء حصولها بعدما «تأكدت دمشق أن الهجمات كانت على شاشات الرادارات فقط».
«حملة القرصنة» تلك، كانت بمثابة اختبار لمنظومة الرادارات قبل الضربتين اللتين حصلتا وسط سوريا وشمالها ليل الأحد – الاثنين بعد الاختبار السابق لدى شن أميركا وبريطانيا وفرنسا ضربات بلغ بعضها وسط دمشق، إذ إن الضربات الأخيرة التي يعتقد أنها إسرائيلية استهدفت مخازن صواريخ طويلة المدى كانت إيران قد شحنتها قبل أيام، ضمن فرض تل أبيب «خطوطها الحمراء» الأربعة في سوريا، وهي: منع قيام قواعد إيرانية دائمة، ومنع تخزين صواريخ طويلة المدى في سوريا (ولبنان)، ومنع تسليم صواريخ متطورة إلى «حزب الله»، ومنع قيام مصانع صواريخ إيرانية في سوريا (ولبنان).
ولوحظ تجنب الغارات الإسرائيلية فصائل إيرانية تقاتل إلى جانب قوات الحكومة السورية أو التدخل المباشر في الصراع السوري، كما حصل في الغارات الثلاثية التي «تعمدت تجنب تغيير ميزان القوى العسكري واقتصرت على إعادة فرض الخط الأحمر الكيماوي»، حسب الدبلوماسيين.
في فبراير (شباط) دخل عنصر جديد إلى المسرح غيّر «قواعد اللعبة»، تمثل باستهداف إسرائيل قاعدة «تي - فور» وسط سوريا تضم طائرات «درون» انطلقت منها طائرة إلى فوق الجولان السوري المحتل. طائرة الاستطلاع هذه نسخة متطورة عن تلك التي بعث بها ضباط الحرس الثوري الإيراني باتجاه قاعدة التنف الأميركية في زاوية الحدود السورية – العراقية – الأردنية في منتصف العام الماضي. وقتذاك أسقط الأميركيون طائرة الاستطلاع الإيرانية.
في فبراير، أرسل ضباط إيرانيون طائرة «درون» من قاعدة «تي – فور» وسط سوريا باتجاه الجولان. أهمية هذه الطائرة أنها النسخة الإيرانية المعدلة من طائرة استطلاع أميركية كانت «وكالة الاستخبارات الأميركية» (سي آي إيه) قد أرسلتها قبل 7 سنوات للتجسس على البرنامج النووي الإيراني. الإيرانيون سيطروا على الطائرة واستفادوا منها بتأسيس مصنع لنسخة إيرانية متطورة. ويعتقد دبلوماسيون أن الإسرائيليين والأميركيين سيطروا بدورهم على الـ«درون» الإيرانية بعد الهجوم الأخير لاختبار التعديلات عليها.
الضربة الإسرائيلية لقاعدة «تي – فور» كانت المواجهة المباشرة الأولى، حيث قتل ضابطان من الحرس الثوري (بين 7 قتلى) هما مسؤولان عن برنامج الـ«درون» الإيراني في سوريا.
وسلاح الـ«درون»، من أدوات النفوذ الإيراني في المنطقة، إضافة إلى الميلشيات العابرة للحدود ودعم فصائل خارجة عن سلطة الدول العربية.
استطراداً، فإن قاعدة حميميم الروسية تعرضت لسلسلة هجمات غامضة من «درون» بينها دفعة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من حميميم «خطاب النصر» وانتهاء المهمة.
سابقاً كانت المواجهة بين موسكو وتل أبيب تتم بالوكالة شملت عشرات الضربات لمواقع في سوريا (لم تعلن إسرائيل إلا جزءاً يسيراً منها كي تترك لدمشق وحلفائها إمكانية تجنب الرد)، لكن الهجوم على «تي – فور» كان أول مواجهة مباشرة.

- مواعيد وجبهات
منذاك، كانت التقديرات أن «الحرب قادمة». وموعد الحرب كان مقدراً في مايو (أيار) بسبب تراكم استحقاقات كبرى: الانتخابات اللبنانية الأحد المقبل، والانتخابات العراقية في 12 من الشهر نفسه، وقرار الرئيس دونالد ترمب إزاء الاتفاق النووي في 12 من الشهر نفسه أيضاً (الانسحاب منه على الأرجح)، وذكرى نكبة فلسطين في 15 من الشهر نفسه كذلك، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، وتسليم روسيا منظومة «إس - 300» لدمشق، وقرار ترمب مراجعة بقاء قواته شرق سوريا.
أما جبهة التصعيد، فهناك أربع بوابات: قطاع غزة، وجنوب سوريا، وشمال شرقي سوريا، ولبنان. وحسب تقديرات الدبلوماسيين، فإن الوقائع الميدانية في جنوب لبنان لا توحي باحتمال تصعيد عسكري، بل العكس صحيح ذلك أن الاستقرار الاقتصادي يهيمن وسط تراجع الشهية للعسكرة بين الناس. كما أن مسؤولين في «حزب الله» أبلغوا صحافيين غربيين أن الأولوية للعمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي بعد الانتخابات البرلمانية.
في شرق سوريا، التقديرات أن إيران ستواصل اختبار العزيمة العسكرية الأميركية. كان آخرها هجوم، أول من أمس، قرب دير الزور، حيث كان رد الجيش الأميركي واضحاً بمنع تقدم موالين لدمشق. وأفاد دبلوماسيون: «التقدير أن تدفع دمشق وحلفاؤها إلى عمليات ضد الأميركيين شرق نهر الفرات، ما يعني احتمال حصول انفجارات داخلية: صدام عربي – كردي، وعودة لـ«داعش» بعمليات انتحارية، ومشكلات خدمية واقتصادية، خصوصاً بعد بطء برامج الاستقرار والتمويل الأميركي، وتراجع إزالة الألغام وإعادة الأعمار. (ترمب جمّد 200 مليون دولار لدعم الرقة).
هذه خطة متوسطة الإطار الزمني. وستنضم إليها روسيا، خصوصاً إذا فشلت محاولات استعادة الحوار بين واشنطن وموسكو بعد الضربات الثلاثية ضد مواقع في سوريا. كما ستسعى إيران إلى إفشال برنامج الإقامة الأميركية شرق الفرات باعتبار أن الوجود يرمي إلى إضعاف النفوذ الإيراني ومنع إيران من الوصول إلى البحر المتوسط.
أما المواجهة العاجلة، فقد دارت التقديرات بين غزة وسوريا. وأعرب دبلوماسيون عن الاعتقاد باحتمال استغلال موضوع السفارة و«مسيرات العودة» لإشعال مواجهة قد تلتقي مصلحة فصائل فلسطينية وطهران على إشعالها في محاولة لإعادة خلط الأوراق وإظهار إيران أوراقها في الشرق الأوسط في حال انسحب الأميركيون من الاتفاق النووي. وقال سفير غربي: «التحليلات أن إيران ستستغل ذكرى النكبة ببدء مواجهة بعد ضمان الأغلبية في انتخابات العراق».
أما في سوريا، فإن التقديرات كانت أن «الانتقام الإيراني لمقتل ضابطي الحرس الثوري قادم بالتزامن مع الانسحاب من النووي وقرار القدس». ونقلت محطة «سي إن إن» عن مصادر أميركية أن أقماراً صناعية رصدت شحنات عسكرية نوعية من إيران إلى سوريا استعداداً لشن هجوم. وأفاد دبلوماسيون: «الضربات على وسط سوريا وشمالها كانت استباقية استهدفت تدمير مخازن صواريخ إيرانية كانت تجهَّز للمواجهة المقبلة المتوقعة منذ قصف قاعدة (تي – فور)».

- أين روسيا من ذلك؟
المسؤولون الروس ليسوا في مزاج الحديث عن الحل السياسي في سوريا. و«مسار جنيف مات» بالنسبة إليهم. الأولوية حالياً لدعم قوات الحكومة السورية للسيطرة على جنوب دمشق ثم ريف حمص والإفادة من انتهاء صلاحية اتفاقات «خفض التصعيد» واستقطاب مجندين من التسويات و«التأجيل المؤقت عن الخدمة الإلزامية». بعدها تبقى ثلاثة جيوب: جنوب غربي سوريا، وشمال غربي سوريا، وشمال شرقي سوريا (ومعسكر التنف).
الجيب الثاني مرتبط بالتفاهم مع أنقرة ضمن عملية آستانة واستعداد الجيش التركي للانسحاب من سوريا «كما وعد». الجيب الثالث، مرتبط بالتفاهمات الأميركية – الروسية واحتمالات فشلها وتعرضه المستمر للاختبارات الروسية – الإيرانية – السورية للتقوقع والتقلص.
أما الجيب الأول، فهو الأكثر إثارة، إذ تسعى موسكو لربطه بالمواجهة المقبلة. إذ حسب المعلومات، فإن الجيش الروسي أنزل منظومة «إس - 300» في طرطوس ونقلها إلى حميميم، لكنه لم يسلمها بعد إلى الجيش السوري. وضع «إس - 300» مثل وضع «إس - 400»، لكن الأخيرة تعمل بأيدي الروس. أما الأولى، فإن موسكو لوّحت بتسليمها إلى دمشق في تحدٍّ لتل أبيب ودول غربية.
استطراداً، باتت المنظومة الجوية السورية مندمجة بالروسية بقيادة حميميم. وتلوّح موسكو بتسليم «إس - 300» إلى دمشق بحيث يكون التحكم بها في دمشق وليس حميميم. لوحظ أن الرشقات من المنظومة السورية بعد الغارات الثلاثية، كانت سياسية - دعائية أكثر مما هي عسكرية، سمحت بـ«حفظ ماء الوجه» من دون تحقيق نتائج عسكرية.

- أربعة خيارات
روسيا التي تميل إلى مزاج وزارة الدفاع، تسعى إلى بعض الدبلوماسية في حال حصلت المواجهة المرتقبة. وحسب الدبلوماسيين، فإن موسكو «تدفع جميع الأطراف كي تكون عقلانية وأن يكون التصعيد محسوباً ومحدداً». كيف؟ هناك أربعة خيارات:
الأول، أن يكون التصعيد تكراراً لحملات القصف والقصف المتبادل على الأرض السورية والعودة إلى «قواعد اللعبة»، بحيث إن صواريخ «إس - 300» وروسيا لا تقيدان أيدي إسرائيل في فرض «خطوطها الحمراء».
الثاني، العودة إلى اتفاق فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل. إذ بدأ الجيش الروسي إجراء تغييرات في الوحدات السورية بين دمشق والجولان وحدود الأردن، ونشر نقاط للشرطة العسكرية الروسية، وإعادة تموضع نقاط في درعا، إضافة إلى تحريك ضباط من الحرس الثوري في ريف درعا.
اتفاق خفض التصعيد جنوب غربي سوريا بين أميركا وروسيا والأردن، نَصّ على انسحاب «القوات غير السورية» (أي «حزب الله» وتنظيمات إيران) بعيداً من الأردن والجولان في مرحلتين: الأولى بين 5 و15 كيلومتراً، والأخرى 20 كيلومتراً. (موسكو تقول: إن أميركا والمعارضة فشلتا من جانبهما في قتال «جبهة النصرة» و«جيش خالد» التابع لـ«داعش»). هذا لم يحصل، بل إن «حزب الله» وإيران ساهما في معركة بيت جن قرب القنيطرة والجولان، ما عقّد العلاقات بين موسكو من جهة وباقي الموقّعين على «هدنة الجنوب» ومَن وراءهم من جهة أخرى.
ما يطرحه الجانب الروسي حالياً، مفاده أن «الحل الوحيد بتقوية الجيش السوري، بحيث يتقدم إلى درعا وتتم تسويات مع 12 ألف مقاتل معارض مع فضاء محلي وانتعاش اقتصادي وإعادة فتح معبر نصيب والخط التجاري بين الأردن وسوريا». يضاف إلى ذلك، نشر الجيش السوري والشرطة العسكرية في الجولان وأن تتم عملية إحياء اتفاق فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل للعام 1974، ونص على منطقة منزوعة من السلاح ومنطقة مخففة من السلاح الثقيل والخفيف. وقال دبلوماسي: «يمكن العودة إلى الوضع السابق بين سوريا وإسرائيل».
الثالث، نسخة سوريا من القرار 1701. يذهب دبلوماسيون غربيون آخرون إلى مدى أبعد أساسه أن تستغل روسيا التصعيد العسكري لإطلاق عمل دبلوماسي لإصدار قرار دولي مشابه لـ1701 الذي جاء بعد حرب عام 2006 في لبنان، بحيث يكون القرار روسي المنطلق وسوري التنفيذ.
لدى قيام وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر بمفاوضات اتفاق خفض التصعيد بعد حرب 1973، أراد السوفيات أن يكونوا ضمن قوات حفظ السلام، لكن الاتفاق النهائي في مايو 1974 قضى بإبعاد أميركا والاتحاد السوفياتي «المنحازتين» عن وحدات حفظ السلام مقابل الاعتماد على دول محايدة مقبولة من الطرفين: سوريا وإسرائيل.
روسيا تريد اختبار حظها مرة أخرى، لكن هذا يتطلب رقص الجانب الأميركي في مجلس الأمن واستعداد الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى للتفاوض على ترتيبات عسكرية وسياسية بين اللاعبين الخارجين في سوريا.
هنا قد تكون الترتيبات فقط متعلقة بالجنوب السوري أو قد تصل إلى انخراط جميع اللاعبين: الأميركيين شرق سوريا، والأتراك شمال غربي البلاد، وروسيا وإيران، ما يتضمن ترتيبات تتعلق بالنظام السياسي المقبل والمحاصصة الخارجية فيه.
الرابع، ترتيبات عسكرية تتعلق بالوجود الإيراني. في حال لم تكن ظروف ترتيبات الجنوب السوري الموسعة أو المخففة متوفرة، يطرح دبلوماسيون خياراً آخر يشابه الترتيبات التي حصلت بين سوريا وإسرائيل في لبنان منتصف الثمانينات، حيث رعى الجانب الأميركي تفاهمات حول الحدود التي يُسمح للجيش السوري وصواريخه بالانتشار فيها في لبنان. لكن دولاً أساسية، تطرح فكرة بعيدة المدى بإطلاق حملة دبلوماسية تؤدي إلى «إخراج جميع القوات الأجنبية غير الشرعية من سوريا».
وهذا ينطبق على إيران (وأميركا وتركيا)، خصوصاً أن الأنباء تفيد بأن موسكو عرقلت مساعي طهران للحصول على وثيقة من دمشق بأن «الوجود الإيراني جاء بناءً على طلب الدولة السورية» أسوةً باتفاقين شرَّعا في البرلمانين السوري والروسي وجود قاعدتَي حميميم وطرطوس الروسيتين غرب سوريا.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.