«داعش» في طبعته الثانية

التمدد شرقاً نحو أفغانستان وباكستان بداية لمرحلة أصولية جديدة

مظاهرات لأفغان ضد سقوط مدنيين في عمليات إرهابية في ولاية ننجرهار حيث ينشط «داعش» (إ.ب.أ)
مظاهرات لأفغان ضد سقوط مدنيين في عمليات إرهابية في ولاية ننجرهار حيث ينشط «داعش» (إ.ب.أ)
TT

«داعش» في طبعته الثانية

مظاهرات لأفغان ضد سقوط مدنيين في عمليات إرهابية في ولاية ننجرهار حيث ينشط «داعش» (إ.ب.أ)
مظاهرات لأفغان ضد سقوط مدنيين في عمليات إرهابية في ولاية ننجرهار حيث ينشط «داعش» (إ.ب.أ)

في منتصف شهر فبراير (شباط) الماضي وخلال مؤتمر صحافي عقده وزير الخارجية الأميركي «ريكس تيلرسون» مع نظيره الكويتي صباح الخالد الحمد الصباح، أكد الرجل على أن «داعش» يتهاوى لكنه لم ينته بعد، وأنه لا يزال يشكل تهديداً على المنطقة رغم تحرير الأراضي العراقية من سيطرة التنظيم العام الماضي.
أحد أهم الأسئلة التي تطرح ذاتها في سياق تحليل تصريحات تيلرسون: «هل الرجل يتحدث عن واقع حال أم عن رؤى استشرافية تشارك بلاده في صنعها، بمعنى عدم السماح للتنظيم بأن ينتهي مرة وإلى الأبد، سيما إذا كانت هناك له أدوار لم تتم بعد، وجميعها تصب بالمطلق في صالح الرؤية الأميركية لصبغ القرن الحادي والعشرين بصبغة أميركية مطلقة، مما يستوجب قطع الطريق بنوع خاص على روسيا والصين، وجعل اقترابهما من آفاق القطبية العالمية، أو مشاركة واشنطن النفوذ حول العالم أثراً بعد عن... هل انتهي «داعش» بالفعل أم نحن على مشارف الطبعة الثانية من تنظيم الخلافة؟

إلى أين ذهب {الدواعش}؟
في قراءة أخيرة له يقدم الكاتب والباحث الفرنسي «تييري ميسان» تفكيكاً عددياً لتنظيم داعش الذي بلغ في ذروته نحو 240 ألف مقاتل، 40 ألف أعضاء في الجماعة النقشبندية، وهم جنود سابقون من الجيش العراقي الذين سرحهم بول بريمر، و80 ألف رجل من العشائر السنية في غرب العراق و120 ألف من سليلي المقاتلين اليمنيين، والسؤال هل تبخر هؤلاء دفعة واحدة؟
من الواضح أن هناك قصورا شديدا في وجود آليات لتقييم عدد القتلى في المعارك التي دارت رحاها طوال العامين الماضين، وعليه لا يعرف أحد كم تبقى منهم وإلى أين تسربوا، ومن عمد إلى تسريبهم في جنح الظلام تارة وفي ضوء الشمس تارة أخرى.
على أنه وفي كل الأحوال يمكن القطع بأن فلول «داعش» قد وجدت لها حاضنات إرهابية في عدد من بلاد العالم، فقد سعى إلى الوجود في أفريقيا وبنوع خاص في الشمال الغربي، ودول الساحل وفي العمق.
أما الساحل؛ فليبياً أسوأ مثال بعد فراغ السلطة الذي خلفه سقوط نظام القذافي، وفي قلب أفريقيا بدأ الوجود الداعشي في نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد ومالي، وغالبية تلك الدول تتسم بحضور لجماعات أصولية دخل بعضها مثل «بوكو حرام» في تشبيكات، ولاحقاً أبدى البعض الآخر رغبة في شراكات إلى أن وصل الأمر إلى الولاءات لـ«داعش»، لكن الانتشار الداعشي الأكبر لم يكن بعد في أفريقيا بل إلى مفر آخر.

طريق {الدواعش} إلى آسيا
لا تزال قارة آسيا وستظل طويلاً هي الهدف الأكبر للقوى الغربية والإمبريالية العالمية التي لا تريد لقلب العالم أن ينتقل من بين أياديها إلى الشرق حيث آسيا الصاعدة وبقوة بقيادة الصين لتغيير المشهد العالمي والذي حافظت فيه أوروبا والولايات المتحدة على صدارة العالم، بفعل خمسمائة عام من السيطرة على ثروات الأرض بالاحتلال والاستغلال، وكثيراً بالاحتيال والسطوة ولا يزال نموذج الكابتن «مورجان» قرصان القراصنة هو المثال الأكبر للقوى الغربية.
حين بلور المحافظون الجدد وثيقتهم الأخطر (PNCA) عام 1997 كان الهدف وقف نمو الصين وعدم السماح لروسيا بأن تستيقظ من السبات العميق.
تبلورت الوثيقة عام 2010 في القراءة الاستراتيجية الشهيرة المعروفة باسم «استراتيجية الاستدارة نحو آسيا» وللهدف ذاته، ولتحقيقها كان ولا بد من استخدام الأصوليات الإسلاموية مرة جديدة، لتفخيخ روسيا والصين من الداخل، وقد بدأ هذا السيناريو عبر «الربيع العرب» المكذوب في الشرق الأوسط، وكان الأمل تصعيده إلى شمال وشرق آسيا، غير أن الأميركيين فاتهم أن التاريخ لا يكرر ذاته وإن تشابهت أحداثه، ومع ذلك لم ييأسوا، وها هم يعاودون الكرة من خلال تصعيد الدواعش إلى أفغانستان وباكستان من جديد.

«داعش» خنجر في خاصرة روسيا
هل يمكن أن تضحى أفغانستان «عشاً ربيعياً» جديداً تنطلق منه الهجمات الإرهابية جهة روسيا والصين بترتيب وتدبير أميركيين بنوع خاص؟
من الوهلة الأولى يكاد القارئ يظن أن الأمر هين ويسير ولا يتجاوز استنساخ «طالبان» مرة أخرى لمجابهة الوجود السوفياتي في أفغانستان طوال ثمانينات القرن الماضي.
السؤال المثير للتأمل: هل يعيد الأميركيون تجربتهم ثانية هناك ولهذا تبخر المقاتلون من سوريا والعراق ليظهروا مرة واحدة على الأراضي الآسيوية؟
الجواب عند «أندريه غروزين» رئيس قسم آسيا الوسطى وكازاخستان بمعهد بلدان رابطة الدول المستقلة، وفيه أن كل الدلائل تشير إلى أن الأميركيين يساهمون في تعزيز تنظيم الدولة في أفغانستان بهدف تمكين الأصوليين من التوسع، بما في ذلك على أراضى آسيا الوسطى، سيما وأن عبور المسلحين إلى أفغانستان يجري وفق الطريقة نفسها التي وصلوا فيها إلى العراق وسوريا، مما يعني أن الأميركيين يريدون خلق سوريا إضافية في خاصرة روسيا.

عوامل الجيوبوليتك في الصراع
لفهم أبعاد المشهد قد ينبغي علينا أن نوسع عدسة الرؤية، حيث يتم التأكد من أن الأميركيين قد باتوا في صراع يتجاوز زمن الحرب الباردة، ويكاد يقترب من المواجهة الساخنة مع الروس، ولذلك فإن الصراع الآن في جانب غالب منه صراع جيوبوليتكي، وتاليا عسكري، بمعني حتمية الاقتراب جغرافيا من الأراضي الروسية، وتالياً إعادة ترتيب أوراق الصراع على رقعة الشطرنج.
أما كيف احتدم الصراع، فهذا لم تجرِ به المقادير في يوم وليلة بل يبدأ من عند صحوة روسيا في أوائل الألفية الثالثة على يد فلاديمير بوتين، وصولاً إلى خطابه الأخير قبل بضعة أيام، ذاك الذي اعتبر بمثابة استعراض عضلات قبل الانتخابات الرئاسية، حيث قلب الطاولة كما يقال على الأميركيين، فعوضاً عن أن يكون القرن الحادي والعشرين قرناً أميركياً، رأينا بوتين يتحدث عن أن القرن 21 سوف يشكل موعداً لاعتلاء روسيا مركز الصدارة في العالم، بل وأعلن تحديه للولايات المتحدة بالكشف للمرة الأولى عن إضافات صاروخية جديدة للترسانة الروسية بينها صاروخ قادر على الوصول إلى أي مكان في العالم.
بوتين وفي خطاب «حالة الأمة» أشار إلى أن الدور العسكري الذي تلعبه بلاده على الساحة السورية ساهم في استعراض مدى تقدم القدرات الدفاعية لروسيا أمام العالم، وفي الوقت نفسه كشف عن استقبال الترسانة الروسية الإنتاج الجديد من الصواريخ الثقيلة العابرة للقارات، وصواريخ كروز الموجهة، وأشار تحديداً إلى صاروخ «سارامات» الجديد غير محدود المدى والقادر على بلوغ أي مكان في العالم، ويستطيع حمل عشرة رؤوس نووية وبوزن أكثر من 200 طن، بالإضافة إلى صواريخ «كنيجال» و«أفنجارد» بقدراتهما على تجاوز أضعاف سرعة الضوء. هل كان للأميركيين أن يقفوا صامتين أم أن رؤاهم لروسيا هي التفتيت والتفخيخ من الداخل؟

«داعش» عوضاً عن «طالبان»
مؤخراً كان الرئيس الأميركي «دونالد ترمب» يرسم في الأفق سياسات بلاده القادمة في أفغانستان، مشيراً إلى أنه سيرسل المزيد من الجنود الأميركيين، ويرصد عدة مليارات من الدولارات للعمليات العسكرية المسلحة هناك، فهل الهدف الأميركي الأبعد هو استبدال «طالبان»، تلك الجماعة التي كانت واشنطن وراء نشوئها وارتقائها قبل بضعة عقود، بـ«داعش» التي ظهرت للنور من رحم الغزو الأميركي للعراق في منتصف العقد الأول من القرن الحالي؟
المؤكد أنه لا تزال «طالبان» وحتى الساعة هي الأكثر تأثيراً بما لا يقاس في أفغانستان، إلا أن الداعشيين يستجمعون قوتهم، وفي غضون عامين، كل شيء يمكن أن يتغير جذرياً، ولهذا السبب لا يمكن استبعاد ظهور «داعش» في أفغانستان، سيما وأن هناك حركة مرصودة من قبل الاستخبارات الروسية والصينية تؤكد قيام أجهزة استخباراتية عسكرية أميركية بإرسال المتطرفين من الدواعش، وغيرهم من الجماعات التي تختلف مسمياتها وتتحد في أهدافها عبر القائمين عليهم وهم عادة واحد وليسوا أكثر، وقد أرسلت جماعات «داعش» إلى شبه القارة الهندية، وأفغانستان، وباكستان، والهند، وبنغلاديش وميانمار، كما كشف «زامير كابلوف»، المبعوث الخاص لفلاديمير بوتين إلى أفغانستان.

فرص «داعش» في الانتشار آسيوياً
يعن لنا أن نتساءل هل من فرصة حقيقية لـ«داعش» لأن تحتل المكانة التي كانت لـ«طالبان» ولا تزال في أفغانستان؟
العارفون بخبيئة أمور «داعش» وبحسب فكر «إدارة التوحش» «لأبي بكر ناجي» فإن المرحلة الأولى للتنظيم تهتم وتكرس جهودها لما يعرف بـ«النكاية والإنهاك»، الأمر الذي تحلله بامتياز «جاكلين سذرلاند» عبر مجلة «ريل كلير وورلد»، وتبدو أن تلك المرحلة قد جرت بالفعل عبر لاعبين محليين، فـ«طالبان» كانت في طور الانبعاث في أفغانستان، كما أن الوجود العسكري الأجنبي دائم، لكنه متذبذب، وعلى هذه الخلفية تسبب العنف السياسي والفساد والاقتصاد الراكد في انهيار الفضاء السياسي في أفغانستان... ماذا يعني ذلك لـ«داعش»؟
بلا شك يجعل هذا الوضع من أفغانستان هدفاً عملياً سهلاً، لأن افتقار البلد إلى الديمقراطية والأمن يساعد «داعش» على مفاقمة الانقسامات المجتمعية الموجودة.
والمعروف أن «داعش» لن تبدأ في أفغانستان من نقطة الصفر، فجماعة «إمارة خراسان» تمثل فرع «داعش» على الأراضي الأفغانية، وقد مارس هذا الفرع تكتيكه في كسب أراض في سبع محافظات أفغانية على الأقل.
ومن المشاهد المثيرة للتساؤلات أن العقلية التي رسمت لـ«داعش» في سوريا والعراق ملامح ومعالم معاركها، تكاد تكون هي عينها التي تفعل الفعل نفسه في أفغانستان... ففي العراق وسوريا قامت تكتيكات «داعش» على الاستيلاء على المناطق ذات الحضور التاريخي، مما يقوض بسرعة حدود الدولة الوطنية.
الأمر نفسه نراه يتكرر في أفغانستان، فقد ادعت «إمارة خراسان» سيادتها على منطقة تاريخية تضم أجزاء من أفغانستان وباكستان الزمن الحاضر، وبتحديد الأراضي استناداً لأهميتها التاريخية بالنسبة للإسلام، على عكس حدود الدولة – الأمة، يتعزز هدف «داعش» المتمثل في نزع الشرعية عن مؤسسات أفغانستان وزرع البذور للاستيلاء على كامل البلاد، عبر مخطط تنفذه نواة «داعش» المركزية، أو إن شئت الدقة قل العقول الحقيقية التي تتلاعب بالدواعش كما صانع العرائس في المسرح والذي يحرك الدمى كيفما شاء وآنى له أن يشاء.

باكستان والانتشار {الداعشي}
ظلت باكستان ولعقود طويلة مرتبطة ارتباطاً كبيراً بالنفوذ الأميركي، وبالتنسيق الاستخباراتي بين الجانبين وقد تحدثت هيلاري كلينتون ذات مرة حين كانت تشغل منصب وزيرة خارجية بلادها عن تلك الروابط والعلاقات وكيف دعمت واشنطن المؤسسة العسكرية والأمنية الباكستانية لصالح مشروعاتها سيما في أزمنة الحرب الباردة.
غير أن ذلك لم يكن ليذهب الشكوك المتبادلة بين الجانبين وقد تعاظمت في الأوقات الأخيرة، وبدا أن دونالد ترمب يستخدم التهديد تجاه باكستان، بأكثر مما يفعل بالوعيد.
المؤكد أنه إذا كانت فكرة «داعش» قد باتت تستهوي عدداً كبيراً من عناصر «طالبان»، فإن باكستان أيضاً تواجه فيها الحكومة الاتحادية والجيش مشكلة كبيرة في بسط سيطرتها هناك، ففي شريط فيديو تم بثه في يناير (كانون الثاني) الماضي على مواقع أصولية، أعلن نحو عشرة من عناصر «طالبان» غالبيتهم من باكستان، الولاء لتنظيم داعش وزعيمه أبو بكر البغدادي وفي أعقاب تلك العملية مارس ترمب في خطابه ضغطاً على باكستان، معتبراً أنها «غالباً ما تشكل ملجأ لعناصر الفوضى والعنف والترهيب»، وأنها ستخسر كثيراً إذا واصلت إيواء مجرمين وإرهابيين يزعزعون أمن أفغانستان المجاورة مشدداً على أن هذا الوضع لا بد وأن يتغير فوراً.
وعليه فإن فرص المكايدة السياسية الباكستانية يمكن أن تتيح للدواعش فرصة للانتقام من الهند، تلك التي يتحدث البعض مؤخراً عن دور أميركي واضح في زخم الأصولية البوذية لملاقاة ومواجهة الأصولية الإسلاموية، وكأن صموئيل هنتنجتون لم يمت بعد، ونظريته عن صراع الحضارات والثقافات لا تزال قائمة ولم تندثر.
الأصابع الخفية التي توجه «داعش»، تنفخ النيران في الأصوليات الإسلاموية القائمة والقادمة في أفغانستان وباكستان استعداداً لخطة الانطلاق إلى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة، من جهة، ومحافظات وولايات الصين الفسيحة من جانب آخر، فعلى أراضي أفغانستان وباكستان توجد بالفعل جماعات تتألف أساساً من مهاجرين من جمهوريات ما بعد الاتحاد السوفياتي، وتعاني دول آسيا الوسطى الضعيفة مشكلات داخلية يمكن أن تضحى الأرضية الأفغانية بنوع خاص مجرد صاعق لتفجيرها.
لكن قائل يذهب إلى أن واشنطن تحارب «داعش» و«القاعدة» في أفغانستان وتلقى هناك «بأم القنابل» فكيف يستقيم القول إنها تعد الدواعش من جديد في جولة مواجهة مضادة لروسيا والصين؟
الخلاصة، كما كان الإخوان المسلمين، ومن بعدهم القاعدة، والآن «داعش»، لن يتخلى الغرب عن أدوات براغماتية أصولية نافعة وناجعة لزخم استراتيجياته للهيمنة على العالم في الحال والاستقبال... من قال إن زمان «داعش» قد ولى وإن تنظيمه قد انهزم؟


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.