قبل ثلاثة عقود، كانت ماريا إينيس سواريز تعيش في حي يعرفه سكان مدينة ميديلين الكولومبية بأنه «مكب القمامة».
وتتذكر السيدة البالغة من العمر 68 عاماً قائلة: «كنت أعيش في غرفة واحدة مع أطفالي الخمسة، ونغتسل في بئر، ونستخدم الشموع للإضاءة، وكنا نبحث عن الطعام في القمامة».
وحسب تقرير لوكالة «د.ب.أ»، فالعاملة المنزلية المتقاعدة تعيش الآن في منزل مريح في حي أنشأه قطب تجارة المخدرات الراحل بابلو إسكوبار، كمشروع خيري، وأطلق اسمه عليه، وهو واحد من أكثر المجرمين عنفاً في التاريخ، لكن السكان المحليين يبجلونه تقريباً كقديس.
وقالت ياميل زاباتا، في صالون تصفيف الشعر الخاص بها بالقرب من لوحة غرافيك على حائط في الهواء الطلق تكريماً لإسكوبار: «يحتفظ الكثيرون بصورته (إسكوبار) في منازلهم، ويضيئون الشموع من أجله».
وتبرع إسكوبار بمنازل لنحو 400 أسرة فقيرة في المنطقة أثناء محاولته خوض غمار عالم السياسة في ثمانينات القرن الماضي.
وبعد أربعة وعشرين عاماً من مقتل «الزعيم» برصاص الشرطة، أو - كما يعتقد الكثيرون في ميديلين - قيامه بإطلاق النار على نفسه في أذنه أثناء محاصرته على سطح أحد المباني - وهو في عمر 44 عاماً، لا تزال شخصيته موجودة في كل مكان في ثاني أكبر مدينة في كولومبيا.
وقال سيباستيان لوبيز، موظف في شركة سياحية: «قتل رجاله عمي، لم يفعل شيئاً جيداً؛ فقط جعل الأطفال الفقراء يحلمون بامتلاك بندقية ودراجة نارية، بدلاً من الرغبة في الدراسة».
ويحكي الكثيرون في ميديلين قصصاً عن أقارب أو معارف الذين ارتبطوا بعصابة ميديلين برئاسة إسكوبار، أو قتلوا على أيدي عناصرها.
سيطر إسكوبار على تجارة الكوكايين المتجهة إلى الولايات المتحدة، وحصل على ثروة تبلغ عشرات المليارات من الدولارات.
وتحمّل السلطات إسكوبار مسؤولية مقتل ما لا يقل عن 5 آلاف شخص، من بينهم وزير عدل، ومرشح رئاسي، وقضاة، وصحافيون، وضباط شرطة.
وفجّر إسكوبار طائرة كان يعتقد بالخطأ أنها تقل مرشحا رئاسياً أواخر عام 1989، وفجّر مقراً للشرطة السرية، وأطاح بالحكومة تقريباً من خلال الاغتيالات والرشى والتفجيرات بهدف تخويفها لكي تكون خاضعة له.
ويسود اعتقاد بوجود أموال تجارة إسكوبار في المخدرات داخل جدران الكثير من المنازل في ميديلين.
وتزايد الاهتمام بإسكوبار في المسلسلات التلفزيونية الكولومبية، وفي المقدمة منها مسلسل «ناركوس» الناجح على شبكة «نيتفليكس».
وتنقل نحو ست شركات سياحة عشرات الزوار بصورة يومية تقريبا لرؤية الأماكن المرتبطة بقطب تجارة المخدرات.
وتشمل المعالم مبنى أبيض متعدد الطوابق يحمل اسم «موناكو»، وكان أحد مساكن إسكوبار، الذي فجّرته عصابة «كالي» المنافسة لعصابة إسكوبار في تجارة المخدرات. ووضعت السلطات المحلية المبنى تحت حراسة الشرطة، حيث لم تقرر بعد كيفية استخدامه.
وبعيداً عن هذا المبنى، يقع سجن فاخر كان قد بناه إسكوبار على تل أخضر، ويتجول رواد دار للمسنين هناك، في حديقته حالياً.
ويضم «السجن» مهبطاً للمروحيات، ومبنى تأتي إليه فرق كرة القدم الكولومبية الكبرى لكي تلعب من أجل إسكوبار، وكنيسة بها تمثال للمسيح مصلوباً وتحيط به أسلحة ذهبية.
وقال مرشد سياحي: «يدعي المسؤولون هنا أن التمثال جلبه الكهنة المحليون؛ لأنهم لا يريدون أن يكون المكان مرتبطاً ببابلو إسكوبار».
وتحول قبر إسكوبار في مقبرة مونتيساكرو إلى مزار. وقال فيديريكو أرولاف، وهو موظف بالمقبرة يطلق عليه لقب ـ«الملاك» ويتولى حراسة القبر المغطى بالزهور: «يأتي الناس إلى هنا يومياً للصلاة وطلب المساعدة منه».
وقال شقيق إسكوبار روبرتو إسكوبار مازحاً: «بابلو يحقق أموالاً وهو ميت أكثر مما كان يحقق وهو على قيد الحياة» لمدينة ميديلين من خلال صناعة السياحة.. وقد قضى روبرتو إسكوبار 14 عاماً في السجن ويدير الآن متحفاً في أحد منازل بابلو السابقة.
ويشير موظفو المتحف إلى قطب تجارة المخدرات باحترام ويطلقون عليه اسم «السيد بابلو» ويصفون رجاله القتلة بأنهم «صبية»، ويصفونه بأنه روبن هود الذي كان يقدم المال للفقراء، وادعى أنه «يريد إنهاء الفساد».
أما عمدة ميديلين فيديريكو غوتيريش، فإنه غير سعيد مطلقاً بازدهار صناعة السياحة بسبب إسكوبار في المدينة التي تفخر بوجود قطار مترو بها، فضلاً عن سياسات البيئة المطبقة فيها.
وأصدر غوتيريش رسالة عامة تنتقد وكالة سفر في بنما بسبب إعلانها عن «جولات سياحية مرتبطة بالمخدرات» في عام 2016 وانتقد مغني الراب الأميركي ويز خليفة، بعد زيارته قبر إسكوبار في مونتيساكرو في مارس (آذار).
وقال غوتيريش: «من الملاحظ أن هذا الرجل لم يتعرض للمعاناة من عنف مهربي المخدرات، كان ينبغي لهذا الوقح، أن يضع الزهور على قبور الضحايا، بدلاً من وضعها على قبر بابلو إسكوبار... إنه مدين باعتذار للمدينة».
ويتواصل الاتجار بالكوكايين في كولومبيا في النمو، حيث ارتفعت مساحة حقول الكوكا غير المشروعة بنسبة 50 في المائة تقريباً لتصل إلى 150 ألف هكتار في عام 2016، وفقاً لصحيفة «إل تيمبو».
واستمر هذا النمو على الرغم من اتفاق سلام وقّعته الحكومة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 مع جبهة القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) المتورطة في تجارة المخدرات.
10:46 دقيقه
بابلو إسكوبار... قطب مخدرات حياً ورجل بر ميتاً في كولومبيا
https://aawsat.com/home/article/1135181/%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D9%84%D9%88-%D8%A5%D8%B3%D9%83%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D9%82%D8%B7%D8%A8-%D9%85%D8%AE%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D9%8B-%D9%88%D8%B1%D8%AC%D9%84-%D8%A8%D8%B1-%D9%85%D9%8A%D8%AA%D8%A7%D9%8B-%D9%81%D9%8A-%D9%83%D9%88%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A8%D9%8A%D8%A7
بابلو إسكوبار... قطب مخدرات حياً ورجل بر ميتاً في كولومبيا
تبرع للفقراء ليدخل مجال السياسة ونال حبهم
بابلو إسكوبار... قطب مخدرات حياً ورجل بر ميتاً في كولومبيا
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

