الثمار الروسية في سوريا... كسب الحرب لا يعني الانتصار

بوتين ووزير دفاعه لدى زيارتهما قاعدة حميميم الشهر الماضي (إ.ب.أ)
بوتين ووزير دفاعه لدى زيارتهما قاعدة حميميم الشهر الماضي (إ.ب.أ)
TT

الثمار الروسية في سوريا... كسب الحرب لا يعني الانتصار

بوتين ووزير دفاعه لدى زيارتهما قاعدة حميميم الشهر الماضي (إ.ب.أ)
بوتين ووزير دفاعه لدى زيارتهما قاعدة حميميم الشهر الماضي (إ.ب.أ)

مطلع ديسمبر (كانون الأول) 2017، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جولة كبرى في الشرق الأوسط وزار ثلاث دول، هي تركيا وسوريا ومصر. اللافت أن جولة بوتين في الشرق الأوسط تزامنت مع إعلانه عزمه الترشح في الانتخابات الرئاسية عام 2018. في ظل هذه الظروف، كان من المهم بالنسبة للرئيس الروسي استغلال فعاليات الجولة لتذكير المواطن الروسي بـ«نجاحات» الدبلوماسية الروسية بقيادة بوتين. وبالفعل، نجح الرئيس الروسي في تحويل جولته إلى حدث لافت للأنظار. وخلال زيارته لسوريا، أعلن بوتين الانتصار أمام الإسلاميين الراديكاليين، وبدء الانسحاب العسكري الروسي من البلاد. وبناءً على هذا الإعلان، نرى من الضروري طرح تقييم للنتائج الحقيقية للوجود الروسي في سوريا عام 2017.
يمكن النظر إلى تشكيل شراكة ثلاثية بين موسكو وطهران وأنقرة وبناء منصة آستانة للتفاوض باعتبارهما الإنجازين الرئيسين للدبلوماسية الروسية في سوريا. وجاء الحوار بين الدول الثلاث انطلاقاً من عدد من الحاجات العملية والاعتبارات البراغماتية لدى كل من الدول الثلاث. وبحلول نهاية 2017، بدا واضحاً أن التعاون الثلاثي بين روسيا وإيران وتركيا يخدم مصالح الأطراف الثلاثة بالفعل.
من جهتها، نجحت أنقرة في استغلال هذه الصيغة التعاونية في التعبير عن قلقها بخصوص دور الأكراد المتنامي في الصراع السوري. كما نجحت تركيا بالفعل في الحد من تدفق اللاجئين السوريين على أراضيها وبناء «مناطق نفوذ سنية» داخل سوريا، بالتعاون مع موسكو وطهران. على الجانب الآخر، تمكنت إيران من ضمان نفوذها فيما يتعلق بالعمليات السياسية داخل سوريا، بجانب استعانتها بمساعدة روسية لبناء ما وصف بأنه جسر بري من طهران إلى بيروت.
أما روسيا، فكان من المهم للغاية بالنسبة لها استغلال هذا التحالف الثلاثي في بناء اتصالات مع المعارضة المسلحة لبشار الأسد، الأمر الذي حققته بالفعل بمساعدة تركيا، وإلزام كل من إيران وتركيا بالتزامات مختلفة تضمن إبداءهما قدراً أكبر من المرونة خلال مناقشة مبادرات روسية لتسوية الصراع في سوريا.
في الوقت ذاته، تدرك موسكو تماماً أن مثل هذا التحالف وليد ظروف معينة، وليس دائماً. عليه، فإنه ينبغي استخدام لفظ «تحالف» هنا بحرص شديد. في الواقع، تتبع روسيا وإيران وتركيا آراء مختلفة تجاه سوريا ما بعد الحرب، ولكل جانب أهدافه الخاصة داخل البلاد. ومع هذا، فإنها وجدت نفسها مضطرة للتعاون مع بعضها البعض سعياً وراء تحويل إنجازاتها العسكرية في سوريا إلى مكاسب سياسية، ومحاولة إطلاق عملية سياسية داخل سوريا بناءً على الشروط الموائمة للدول الثلاث. من دون ذلك، لن تتمكن أي منها من الاضطلاع بهذا الأمر بمفردها، وستفوق التكاليف المتفاقمة للوجود العسكري في سوريا أي مكاسب حالية.

محادثات آستانة ومستقبلها
ومع هذا، جاء نجاح عملية آستانة جزئياً فقط. كان المشاركون في اجتماعات آستانة خلال 2017 أخفقوا في تحقيق أي تقدم ملموس في إطلاق حوار سياسي مستدام بين الأطراف المتناحرة. بيد أنه في المقابل، نجحت المفاوضات في إقرار مناطق خفض التصعيد والحد من مستوى إراقة الدماء على الأرض. وعليه، أصبحت الصيغة التي أقرت في آستانة منصة مهمة لتسوية قضايا عسكرية وأخرى تتعلق بوقف إطلاق النار، في الوقت الذي تبقى مسألة التسوية السياسية حكراً على عملية جنيف. وبذلك يتضح أن منصتي آستانة وجنيف تحولتا إلى مسارين تفاوضيين يكملان بعضهما البعض، وليسا متعارضين.
ومع ذلك، فإنه في أعقاب إطلاق عملية آستانة، سرعان ما أدركت موسكو عيوبها: ذلك أن الانضمام إلى تركيا وإيران لم يكن كافياً لتسوية الأزمة السورية، ناهيك عن نشر إجراء وقف إطلاق النار في كامل أرجاء البلاد. ولذلك، نشطت موسكو خلال 2017 في بناء اتصالات مع أطراف إقليمية أخرى، ودعمت مفاوضات في القاهرة وعمان لإقرار وقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية وراستان وجنوب سوريا.
إلا أن هذه الخطوة الروسية خلفت تداعيات مثيرة للجدل. من ناحية، ساعدت المفاوضات في القاهرة وعمان في تحقيق استقرار في الموقف على مستوى البلاد. وجاء فحوى ما تمخضت عنه المفاوضات متناغماً مع إطار عمل اتفاقات مايو (أيار) 2017، وإن كانت هذه المفاوضات منفصلة بوضوح عن عملية آستانة. من ناحية أخرى، أثارت الاتصالات الروسية ـ الأميركية أثناء محادثات عمان قلقاً بالغاً داخل إيران إزاء إمكانية أن تحل المفاوضات الجارية في الأردن محل عملية آستانة التي تتمتع إيران بنفوذ فيها. لكن هذه المخاوف تراجعت تدريجياً عندما شرعت روسيا في استغلال منصة آستانة في التأكيد وإضفاء الشرعية على قرارات جرى اتخاذها في عمان والقاهرة، مشددة على أن مفاوضات الأردن ومصر من المفترض أن تجذب عناصر إضافية نحو عملية التسوية السياسية في سوريا من أجل إطالة أمد عملية آستانة، وليس الحل محلها.
وعليه، أدت تحركات موسكو خلال النصف الثاني من عام 2017 إلى تحويل المفاوضات حول سوريا إلى منظومة متعددة المستويات. وما تزال عملية جنيف على رأس المنظومة باعتبارها منصة التفاوض التي تضفي الشرعية على جميع القرارات المحورية المرتبطة بسوريا، بينما يتمثل المستوى الثاني في عملية آستانة، التي ينبغي النظر إليها باعتبارها منصة تفاوض وسيطة تعين على تعزيز فاعلية محادثات جنيف من خلال استثناء القضايا العسكرية منها. بجانب ذلك، تساعد آستانة في فرض وإضفاء الشرعية على القرارات التي تتمخض عنها محادثات القاهرة وعمان، والتي تشكل بدورها المستوى الثالث من المفاوضات.

الرحيل عن سوريا؟
أثناء زيارته القاعدة العسكرية في حميميم في إطار جولته في الشرق الأوسط في ديسمبر (كانون الأول) 2017، أعلن بوتين انتصار روسيا في مواجهة تنظيم داعش، وبدء انسحاب تدريجي للقوات الروسية من سوريا. وليست هذه المرة الأولى التي يعلن الكرملين عزمه سحب قواته من سوريا، إذ في مارس (آذار) 2016 أعلنت روسيا بالفعل عزمها إنهاء عملياتها العسكرية في سوريا بدعوى أنها أنجزت. لكن بدلاً عن إعادة القوات الروسية إلى أرض الوطن، تورطت روسيا على نحو أعمق في الصراع الدائر في سوريا. ومع هذا، تبدو روسيا عاقدة العزم هذه المرة على الوفاء بوعدها مع تبدل الموقف داخل سوريا على نحو واضح.
في الواقع، تنظر روسيا إلى تحرير الموصل والرقة (المعقلين السياسي والآيديولوجي لتنظيم داعش) من جانب تحالف محاربة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة، علاوة على النجاحات التي حققها جيش الأسد في دير الزور وفي شرق سوريا باعتبارها نصراً حاسماً أمام «داعش». والاحتمال الأكبر على صعيد المستقبل المنظور أن تبدأ روسيا وإيران وتركيا عملية مشتركة ضد جماعة «تحرير الشام» داخل ما يطلق عليه إدلب الكبرى، ثم تقسيمها إلى مناطق نفوذ. ورغم أن هذا لا يعني نهاية الصراع المسلح في سوريا، فإنه بالتأكيد سيصبح أقل حدة.
جدير بالذكر أنه نتيجة الجهود الروسية والإيرانية، لحق ضعف كبير بقوات المعارضة غير الراديكالية أمام الأسد. واليوم، أصبحت هذه القوات على درجة أقل من الاستعداد للاستمرار في القتال عن ذي قبل. أيضاً، طرأ تحول على المزاج العام للمجتمع السوري في الفترة الأخيرة، ذلك أنه بعد مرور ما يقرب من سبعة أعوام على الصراع الدموي المدمر، اكتسبت قضايا السلام والاستقرار أهمية أكبر بكثير عن مشكلات السلطة والنظام السياسي المستقبلي. وبالتالي، فإن المرحلة الحالية من الصراع لن تتطلب الكثير من الوجود الروسي على الأرض.

البقاء داخل سوريا
مع هذا، ينبغي التنبيه هنا إلى أن روسيا تنسحب من الصراع المسلح فحسب، وليس الأزمة السورية ككل، بل على النقيض تنوي موسكو الاستمرار داخل سوريا لفترة طويلة. والملاحظ أنه خلال نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)، تكثفت الجهود الدبلوماسية الروسية. ولم تنشط روسيا في مناقشة إمكانية تسوية الصراع مع الولايات المتحدة وعدد من دول الشرق الأوسط فحسب، وإنما بعثت كذلك بإشارات إلى الأسد بخصوص استعدادها لمساعدة دمشق في عملية إعادة الإعمار بعد الحرب.
وعليه، زار دميتري روغوزين، نائب رئيس الوزراء الروسي، دمشق، لمناقشة مشاركة شركات روسية في إعادة إعمار سوريا مع الأسد. وكشفت هذه الخطوة بدورها أن روسيا تعي جيداً أهمية اللحظة الراهنة لمستقبل وجودها بالبلاد.
ومع أن نظام الأسد المدعوم من روسيا بمقدوره اليوم اعتبار نفسه المنتصر في الحرب الأهلية، فإن هذا لا يضمن وجوداً مستقراً وآمناً لموسكو داخل سوريا ما بعد الحرب. المعروف أنه خلال الفترة النشطة للصراع المسلح، كانت المساعدات العسكرية للنظام السوري هي التي منحت موسكو نفوذاً داخل دمشق. لكن مع الانتقال إلى مرحلة ما بعد الحرب، تتراجع أهمية العامل العسكري باستمرار، ما يفسح الطريق أمام الجوانب المالية والاقتصادية للتعاون. ولا تزال هناك شكوك فيما إذا كان الاقتصاد الروسي المتداعي سيتمكن من إمداد موسكو بالموارد اللازمة لإطلاق عملية إعادة الإعمار. واللافت أن روسيا لم تبد في عجلة من أمرها بخصوص الإعلان عن استعدادها للمشاركة في عملية إعادة إعمار سوريا بعد الحرب. وجاءت زيارة روغوزين لدمشق فقط بعد محادثة هاتفية جرت بين الأسد ونظيره الإيراني حسن روحاني في 25 نوفمبر. وخلال لقائهما، شدد روحاني على أن إيران «على استعداد للمشاركة بنشاط في إعادة إعمار سوريا». وجعلت هذه التصريحات من زيارة روغوزين أمراً حتمياً، ذلك أنه كان من الضروري لموسكو أن تظهر أنها لن تتقهقر إلى موقع خلف طهران داخل سوريا ما بعد الحرب.
وبسبب محدودية مواردها، تحاول موسكو الحفاظ على أهميتها بالنسبة لدمشق عبر المسار الدبلوماسي من خلال الاضطلاع بدور نشط في صياغة العملية السياسية لتسوية الصراع. في الوقت الحالي، تركز موسكو جهودها الدبلوماسية على العمل مع الدول التي تملك نفوذاً على الأرض داخل سوريا.
وعليه جاءت الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو في أكتوبر (تشرين الأول) 2017؛ أكدت روسيا أهمية تشكيل جبهة معارضة موحدة لتمثيل القوى المناهضة للأسد خلال اجتماع جنيف التالي. وعليه، عقد لقاء لهذه الجبهة بالفعل داخل الرياض نهاية نوفمبر. وفي الوقت ذاته، كثف الكرملين مشاوراته مع طهران وأنقرة لمناقشة الوضع حول عفرين وإدلب ومستقبل مناطق خفض التصعيد. أيضاً، تولي موسكو اهتماماً منفصلاً لتهدئة المخاوف الإيرانية والتركية إزاء ولاء روسيا تجاه شريكيها. كان لقاء بوتين وترمب، والاجتماعات الروسية المتكررة مع مسؤولين إسرائيليين والصمت الروسي تجاه استفتاء الاستقلال داخل كردستان العراق قد أثاروا مخاوف من أن روسيا تتحرك نحو التخلي عن إيران داخل سوريا.
لذلك، أصدر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في نوفمبر 2017، بياناً حول شرعية الوجود العسكري الإيراني داخل سوريا، يحمل في طياته إشارات إلى تل أبيب مفادها أن الكرملين يولي اهتماماً لتعاونه مع إيران لا يقل عن اهتمامه بالتعاون مع إسرائيل. أيضاً، جمد الكرملين الاستعدادات الجارية لعقد مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي شكل محاولة لتعزيز أهمية المعارضة شبه الرسمية ودمج الأكراد فيها، سعياً نهاية الأمر لتعزيز مواقف جماعات المعارضة الموالية لموسكو في جنيف. إلا أن الاجتماع أرجئ من أجل التخفيف من حدة المخاوف التركية إزاء مشاركة الأحزاب الكردية كقوى مستقلة.

التحديات القادمة
رغم ما سبق، ما تزال روسيا بعيدة تماماً عن إبقاء العملية السياسية في سوريا تحت سيطرتها الكاملة. ومع أنها قد تبدو جيدة على الورق، فإن بعض المبادرات الروسية لا يجري دوماً تنفيذها بنجاح على أرض الواقع. على سبيل المثال، كان من المفترض أن يساعد الاجتماع الثلاثي لرؤساء روسيا وإيران وسوريا في 22 نوفمبر 2017، الدول الثلاث، في الحد من التوترات القائمة بينها، والعمل على صياغة موقف مشترك إزاء مستقبل العملية السياسية في سوريا. ومع هذا، لم تتحقق هذه الأهداف على نحو كامل.
وبينت المشكلات التي تواجه روسيا أنه رغم الدور المحوري لها في عملية التفاوض بخصوص سوريا، فإنه من الواضح أن مواردها وقدراتها ليست على المستوى المطلوب. في المقابل، لا تبدو أي من إيران أو تركيا على استعداد للاضطلاع بدور ثانوي في عملية التفاوض، الأمر الذي اتضح خلال المحادثات رفيعة المستوى الأخيرة. وربما تتمثل النتيجة الأهم لهذه المحادثات في إرجاء عقد مؤتمر الشعب السوري في سوتشي، الذي كان مقرراً له بادئ الأمر مطلع ديسمبر (كانون الأول) 2017، لأجل غير مسمى. وفي تلك الأثناء، يبدو أن كل ما يربط الدول الثلاث مصالح ظرفية وتشابهات تكتيكية، وليس أهدافاً استراتيجية مشتركة. ويكشف هذا بدوره أن أي طرف سيسعى لصياغة العملية السياسية لتسوية الصراع السوري سيواجه تحديات خطيرة لن يكون من السهل التغلب عليها.
إضافة لذلك، ثمة مشكلة أخرى تواجه موسكو وتدفعها نحو العمل بسرعة ـ شعورها باليأس. بمرور الوقت، يبدو واضحاً على نحو متزايد أن الأسد نجح في البقاء في السلطة، ومن غير المحتمل أن تتمكن أي قوة من إجباره على الخروج من الرئاسة، ناهيك عن إقناع النظام «البعثي» بالمشاركة في حوار وطني بالمعنى الحقيقي.
من جانبهما، أعربت مستشارة رئيس النظام السوري بثينة شعبان ونائب وزير الخارجية فيصل المقداد بالفعل عن تشككهما إزاء جدوى عملية التفاوض تحت رعاية الأمم المتحدة. ويتمحور الموقف السوري الرسمي حول فكرة ضرورة عقد أي مفاوضات مع المعارضة فقط بعد «إنجاز نزع تسليح» الأخيرة وضمان «عدم تدخلها في الشؤون الداخلية للبلاد».
تبعاً لهذه الرؤية، فإن الحوار الوطني الشامل الذي ينبغي أن يرسم ملامح مستقبل الدولة السورية سيتحول إلى مفاوضات بين طرف منتصر وآخر مهزوم. أما موضوع التفاوض فيدور حول وضع تعريف لحدود دمج المعارضة في الكيانات الواقعة تحت سيطرة الحزب «البعثي»، شرط أن تلتزم بجميع مطالب دمشق. وتنظر القيادة الروسية لدورها هنا باعتبارها قوة وسيطة قادرة على التأثير على النظام السوري. وحتى التوصل لتسوية لا يعني بالضرورة بالنسبة للمعارضة السورية أن النظام لن يحاول معاقبة خصومه بعد إلقائهم السلاح.
وتكشف نتائج الصراع المسلح السوري أن النظام بمعاونة حلفائه نجح في الفوز في الحرب، لكنه عجز عن تحقيق السلام وتسوية المشكلات التي أدت لاشتعال الأزمة في المقام الأول عام 2011.
* نيكولاي كوزانوف ـ زميل باحث في «تشاتام هاوس» بلندن ومحاضر في الجامعة الأوروبية في سان بطرسبورغ
* ليونيد إيسايف ـ محاضر لدى المدرسة العليا للاقتصاد التابعة للجامعة الوطنية للبحوث، موسكو، روسيا
*خاص بـ«الشرق الأوسط»



نساء الأحزاب اليمنية يتمرّدن على القيادات

جانب من اجتماع اللجنة اليمنية الوطنية للمرأة في عدن مع مسؤولين أمميين (إعلام حكومي)
جانب من اجتماع اللجنة اليمنية الوطنية للمرأة في عدن مع مسؤولين أمميين (إعلام حكومي)
TT

نساء الأحزاب اليمنية يتمرّدن على القيادات

جانب من اجتماع اللجنة اليمنية الوطنية للمرأة في عدن مع مسؤولين أمميين (إعلام حكومي)
جانب من اجتماع اللجنة اليمنية الوطنية للمرأة في عدن مع مسؤولين أمميين (إعلام حكومي)

تشهد الساحة السياسية اليمنية تحوّلاً لافتاً في الوعي والتنظيم النسوي داخل الأحزاب والمكوّنات السياسية، بعد سنوات طويلة من التهميش والإقصاء؛ إذ أعلنت قيادات نسائية حزبية تبنّي خطة جديدة لتعزيز حضور المرأة في الحياة السياسية، وتمكينها من الوصول إلى مواقع القرار، بما في ذلك الحصول على حقائب وزارية، ورفع تمثيلها داخل الهياكل الحزبية إلى 30 في المائة كمرحلة أولى، ترتفع تدريجياً إلى 50 في المائة.

وجاءت هذه الخطوات عقب ثلاثة أيام من النقاشات الواسعة في لقاء نظّمته هيئة الأمم المتحدة للمرأة في عدن، وشاركت فيه ممثلات ثمانية من أبرز الأحزاب والكيانات السياسية اليمنية. اللقاء كشف حجم الاحتقان داخل الأطر الحزبية نتيجة استمرار تغييب النساء عن المواقع القيادية، رغم الدور الواسع الذي لعبته اليمنيات خلال الحرب والأزمات المتتالية.

واتفقت المشاركات على وضع خطط داخلية واضحة لتمكين القيادات النسوية من حقائب وزارية وقيادة مؤسسات حكومية، إلى جانب إطلاق برامج تدريب وتأهيل متخصصة لإعداد كوادر نسائية قادرة على المنافسة.

اليمنيات يطمحن لرفع تمثيلهن داخل الهيئات الحزبية إلى 50% (إعلام محلي)

كما أقرت المشاركات اعتماد «كوتا نسائية» لا تقل عن 30 في المائة في التعيينات القيادية داخل الأحزاب، مع مراجعة اللوائح الداخلية التي تمثّل عائقاً أمام وصول النساء إلى مراكز صنع القرار.

وتجاوزت المشاركات التباينات السياسية بين أحزابهن، مؤكدات الحاجة إلى إعداد ميثاق أخلاقي يحمي المرأة داخل العمل الحزبي والسياسي، ويفرض التزامات واضحة على المكوّنات في ما يتعلق بترشيح النساء للمناصب، ودعم صعودهن في هياكل الأحزاب.

تحرير القرار الحزبي

ناقشت المشاركات اليمنيات بعمق الوضع المؤسسي للمرأة داخل أحزابهن، والعوائق البيروقراطية والتنظيمية التي تعوق مشاركتها الفاعلة، إضافة إلى التحديات العامة المرتبطة بالعمل السياسي في ظل الحرب التي أشعلها انقلاب الحوثيين على الحكومة الشرعية قبل أحد عشر عاماً.

وأشارت المتحدثات إلى ضعف آليات التواصل والتنسيق بين الكوادر النسوية، وغياب السياسة الحزبية الواضحة لتمكين المرأة، إلى جانب محدودية حضور النساء في دوائر صنع القرار داخل الأحزاب.

دعم أممي لمشاركة المرأة في العملية السياسية وبناء السلام (إعلام محلي)

من جانبها، أكدت دينا زوربا، ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة في اليمن، خلال اللقاء، أن القيادات النسوية داخل الأحزاب يتحملن دوراً محورياً في دعم وصول النساء إلى مناصب القرار العليا، من خلال تقديم المرشحات للمناصب الحكومية والمشاركة النشطة في العملية السياسية وبناء السلام.

وحثّت زوربا المشاركات على مواجهة التحديات الهيكلية في مؤسساتهن الحزبية، والعمل على تحسين الوضع المؤسسي للمرأة باعتباره خطوة أساسية لضمان وصولها إلى القرار السياسي.

كما أوضحت أن رفع مشاركة المرأة في الأحزاب ليس مطلباً حقوقياً فحسب، بل ضرورة لحماية العملية السياسية نفسها، مؤكدة أن أي عملية بناء سلام لا تشمل النساء تظل ناقصة وغير قابلة للاستمرار.

ووفقاً للمنظمين، فقد هدفت الجلسات النقاشية إلى خلق منصة حوار سياسية تجمع النساء القياديات، وتتيح لهن فرصة صياغة حلول عملية قابلة للتطبيق على المدى القريب. وشملت الجلسات عروضاً تحليلية حول موقع المرأة داخل الهياكل الحزبية، ونقاشات جماعية لتحديد مقاربات فعّالة لتعزيز دور النساء في صياغة مستقبل البلاد.

موقف رئاسي داعم

قدّمت القيادات النسوية عدداً من التوصيات المتعلقة بتحسين الدور المؤسسي للنساء داخل الأحزاب اليمنية، والارتقاء بكفاءتهن في مواقع اتخاذ القرار، وتعزيز مسؤولية الأحزاب تجاه قضايا النساء داخل المكوّنات السياسية. وأكدت التوصيات ضرورة تفعيل دوائر تمكين المرأة داخل الأحزاب، وتبنّي آليات واضحة تضمن وصول أصوات النساء وأولوياتهن إلى مسارات صنع القرار.

وفي السياق ذاته، تماشياً مع المطالب النسوية، دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، إلى ضرورة إشراك المرأة في الحكومة وتمكينها من قيادة حقيبة وزارية، مؤكداً أن تغييب النساء عن مواقع القرار يمثل خللاً قانونياً ومؤسسياً يجب معالجته فوراً.

التزام حكومي يمني بتمثيل المرأة في موقع القرار السياسي (إعلام حكومي)

وشدد العليمي على أن المرأة اليمنية كانت وما تزال شريكاً أساسياً في الصمود والبناء، وأن مطالبتها بحقها في التمثيل السياسي ليست مِنّة من أحد، بل حق أصيل يجب الاعتراف به. وقال: «ليس من العدل أن تتحمل المرأة الأعباء كافة، في حين تغيب عن مواقع صنع القرار تماماً». وأضاف أن بقاء الحكومة بلا حقيبة وزارية نسائية أمر غير مقبول، خاصة في بلد تشكل النساء فيه أكثر من نصف عدد السكان.

ويبدو أن هذه التوجهات، إلى جانب الجهود الأممية، تمهد لمرحلة جديدة من المشاركة النسوية، قد تعيد رسم الخريطة السياسية المستقبلية، خصوصاً إذا التزمت الأحزاب بتنفيذ ما أعلنته من خطط ومراجعات داخلية.


تشديد يمني رئاسي على توحيد الجهود لحسم المعركة ضد الحوثيين

عناصر موالون للجماعة الحوثية خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)
عناصر موالون للجماعة الحوثية خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)
TT

تشديد يمني رئاسي على توحيد الجهود لحسم المعركة ضد الحوثيين

عناصر موالون للجماعة الحوثية خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)
عناصر موالون للجماعة الحوثية خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)

شدد عضوا مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح وسلطان العرادة على توحيد الجهود في مواجهة الانقلاب الحوثي وتسريع خطوات استعادة الدولة وتحرير العاصمة المختطفة صنعاء، مع ضرورة إنهاء الخلافات البينية وإغلاق الملفات العالقة، وذلك قبيل انطلاق جولة مفاوضات جديدة بين الحكومة والحوثيين بشأن الأسرى والمحتجزين برعاية دولية.

وفي لقاء جمع عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح، مع رئيس مجلس النواب سلطان البركاني وعدد من أعضاء المجلس، عرض صالح رؤية المقاومة الوطنية ومقاربتها للمعركة ضد الجماعة الحوثية، موضحاً أنها إطار وطني جامع لا يقوم على أي اعتبارات حزبية أو مناطقية، وأن معيار الانضمام إليها هو الإيمان بأولوية قتال الميليشيات واستعادة مؤسسات الدولة.

واستعرض صالح خلال اللقاء عدداً من مشاريع وبرامج المقاومة الوطنية في الساحل الغربي، مؤكداً أنها موجّهة لخدمة المواطنين في كل المناطق دون تمييز. كما شدد على أن الانقسامات بين القوى المناهضة للحوثيين تُضعف الجبهات وتمنح الميليشيا مساحات للتقدم، محذراً من انعكاساتها السلبية على معنويات المقاتلين.

طارق صالح خلال لقائه قيادات برلمانية في المخا (إعلام رسمي)

وأشار صالح إلى أن توحيد مسرح العمليات العسكرية يمثّل حجر الزاوية في أي تحرك لاستعادة صنعاء، مجدداً تأكيده أن استعادة الجمهورية مرهونة بهزيمة الحوثيين. كما دعا مجلس النواب إلى مضاعفة الجهود بما يخدم المصلحة الوطنية العليا ويعزّز الثقة الإقليمية والدولية بالقوى الشرعية.

هزيمة الانقلاب

في لقاء آخر جمع طارق صالح بعدد من أمناء عموم وممثلي الأحزاب السياسية، أكد عضو مجلس القيادة أن المرحلة الراهنة تتطلّب حشد الجهود وتوحيد المعركة شمالاً لهزيمة الانقلاب وتحرير العاصمة المختطفة صنعاء.

وأشار صالح إلى أن التباينات بين القوى الوطنية أمر طبيعي، لكنها لا تلغي وجود هدف جامع هو «قتال الحوثي واستعادة الدولة»، مؤكداً أن المجلس الانتقالي الجنوبي شريك في هذه المعركة منذ الحرب الأولى في صعدة، وأن تضحيات أبناء الجنوب في جبال مرّان تشكّل شاهداً حياً على دورهم الوطني.

لقاء طارق صالح مع ممثلي الأحزاب السياسية (إعلام رسمي)

وشدد صالح على ضرورة تهيئة البيئة المناسبة للمعركة القادمة، لافتاً إلى أن «دول التحالف لدعم الشرعية قدّمت الكثير من الدعم، وإذا أردنا دعماً إضافياً فعلينا أن نوحّد جهودنا نحو صنعاء». وأعاد تأكيد أن المقاومة الوطنية لن تنشغل عن هدفها في مواجهة الحوثي، ولن تعود إلى «تحرير المحرر»، في إشارة إلى عدم الدخول في صراعات جانبية.

كما عبّر عن تقديره للأحزاب والمكونات السياسية، وعدّ حضورهم دليلاً على «وعي متقدم بأهمية اللحظة الوطنية وضرورة التكاتف في مواجهة المشروع الإيراني».

استعادة الدولة

أكد عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، سلطان العرادة، خلال لقائه رئيس هيئة الأركان العامة الفريق الركن صغير بن عزيز، ووكلاء محافظة مأرب، وعدداً من القيادات العسكرية والأمنية، أن ما تمر به البلاد اليوم هو «نتيجة طبيعية لانقلاب ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني»، مشدداً على أن كل الإشكالات ستتلاشى بمجرد استعادة مؤسسات الدولة.

وقال العرادة إن القوات المسلحة والأمن يشكّلان «عماد الاستقرار والتحرير»، وإن مجلس القيادة يقدّر تضحيات منتسبي المؤسستَين ويتابع قضاياهم بشكل دائم. ودعا إلى تجاوز المشكلات الآنية والخلافات الجانبية وإرث الماضي، مؤكداً أن القضية الوطنية الكبرى هي استعادة العاصمة المختطفة صنعاء.

سلطان العرادة خلال اجتماعه بقيادات عسكرية في مأرب (إعلام رسمي)

وأضاف مخاطباً القيادات العسكرية: «الناس يعلّقون عليكم آمالاً كبيرة... فاحملوا الراية لتحرير البلاد»، مشدداً على استعداد الجميع للتضحية في سبيل إنهاء الانقلاب واستعادة المجد للشعب اليمني. كما شدد على أن اليمن «لن يستعيد مكانته إلا بالتخلص من الميليشيا الحوثية الإيرانية»، معبّراً عن امتنانه لتحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية.

وفي سياق آخر أعلنت السلطات اليمنية في محافظة مأرب عن تسليم 26 جثماناً من قتلى الحوثيين الذين قُتلوا في جبهات مأرب والجوف، بعد التعرف عليهم من قبل الجماعة.

وأوضح العميد يحيى كزمان أن العملية تمت «بوصفها مبادرة من طرف واحد لدواعٍ إنسانية»، وبإشراف من لجنة الصليب الأحمر الدولية، وبتنسيق مع رئاسة هيئة الأركان العامة والجهات المعنية.

وأكد كزمان، وهو عضو الفريق الحكومي المفاوض، أن الحكومة تسعى من خلال هذه الخطوة إلى إظهار حسن النية قبل جولة المفاوضات المرتقبة، وتهيئة الأجواء للانتقال إلى قاعدة «الكل مقابل الكل» في ملف المحتجزين والمختطفين والمخفيين قسراً.

وأوضح أن المبادرة جاءت بناءً على توجيهات عليا ضمن جهود تهدف إلى إغلاق هذا الملف الإنساني الذي يفاقم معاناة آلاف الأسر اليمنية.


الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».