سيرجيو راميريز: الحب والموت والجنون والسلطة موضوعات خالدة في الأدب

الروائي النيكاراغوي الفائز بجائزة ثيرفانتس للآداب قال لـ«الشرق الأوسط» إنه فقد رغبة الانخراط في السياسة

سيرجيو راميريز
سيرجيو راميريز
TT

سيرجيو راميريز: الحب والموت والجنون والسلطة موضوعات خالدة في الأدب

سيرجيو راميريز
سيرجيو راميريز

من المفارقة أن يقول الكاتب النيكاراغوي الشهير سيرجيو راميريز إنه «فقد الرغبة في الانخراط في السياسة»، في الوقت نفسه التي تظل فيه السياسة واحدة من بواعث شغفه كروائي، بل لقد اشتهر على مستوى العالم بتخصيصه جزءاً كبيراً من أعماله الغزيرة لتناول مسألة السلطة ومن يمتلكونها وببراعة وبشكل تفصيلي من خلال شخصيات تشبه بوجه عام القادة التقليديين لأميركا اللاتينية.
وقد يصلح تاريخ راميريز أن يكون قالباً لشخصية من شخصيات رواياته، فقد كان في عام 1979 من الشخصيات الرئيسية المشاركة في ثورة الجبهة الساندينية للتحرير الوطني التي انتهت بإنتاج واحد من أسوأ الأنظمة الديكتاتورية الاستبدادية في تاريخ أميركا اللاتينية. وتم انتخابه في عام 1984 كنائب لرئيس البلاد، لكن بعد بضع سنوات ترك رفاقه، ومن بينهم دانييل أورتيغا، الذي شغل منصب رئيس نيكاراغوا لفترة طويلة، احتجاجاً على هوسهم بالسلطة. ولم يكن راميريز مخطئاً في النأي بنفسه، حيث تعد نيكاراغوا اليوم دولة يحكمها نظام استبدادي، ويعد هذا الكاتب واحداً من أهم وأبرز منتقدي هذا النظام.
وقد تم تكريم راميريز مؤخراً وهو في الخامسة والسبعين من العمر بمنحه جائزة «ثيرفانتس» للآداب، والتي تعادل في مكانتها جائزة نوبل ولكن في الأدب الإسباني، وذلك عن مجمل أعماله التي تزيد على إحدى عشرة رواية، ومجموعة متنوعة من القصص القصيرة، والمقالات، التي كتبها من أعماق روحه.
وتعد أحدث رواياته هذا العام، التي تحمل اسم «لا أحد يصرخ منادياً علي»، تحليلا لوضع السلطة في نيكاراغوا. تحدث راميريز من الاستوديو الخاص به في نيكاراغوا إلى صحيفة «الشرق الأوسط» في إطار حوار «أدخل على نفسه السعادة لأنه يقربه من الشرق الأوسط» كما قال.

> تم ترجمة بعض أعمالك إلى اللغة العربية، هل سنحت لك فرصة للتفاعل مع قراء العالم العربي؟
- للأسف لم يحدث هذا حقاً، فعلاقتي الأدبية بالشرق الأوسط محدودة من وجهة نظري، وأنا أرى حالياً أعمالا لي مترجمة إلى اللغة الفارسية دون علمي. إنه لعار علي لأنني معجب حقاً بهذه المنطقة من العالم ليس فقط بسبب تاريخها أو ناسها، بل بسبب معاناتها. لقد كنت قريباً جداً معنوياً من دول الشرق الأوسط، لكنني لم أسافر يوماً إلى المنطقة.
> هل استخدمت أية إحالات إلى الأدب العربي في أعمالك؟
- لقد قرأت لبعض الكتّاب؛ وهناك رواية أعجبتني للغاية من تأليف كاتب جزائري من منظور شقيق الضحية، وتم نشرها في فرنسا. إن تقنية توظيف الأدب داخل الأدب شيء يذهلني، حيث تروي شخصية في الرواية، وهو شقيق الجزائري القتيل، قصة شقيقه من منظورها. إنها رواية رائعة، وهي آخر عمل أتذكره من الأعمال التي قرأتها.
> إنك أول كاتب من نيكاراغوا يحصل على جائزة «ثيرفانتس». ما الانطباعات الأولى التي شعرت بها في لحظة الفوز؟
- عند معرفتي بفوزي بجائزة بهذه الأهمية مررت بلحظة نور، وبحالة من عدم التصديق، حيث أخذت أتساءل عما إذا كان هذا الأمر حقيقياً أم لا؛ وكان التساؤل الشهير الذي يخطر ببالي هو هل أنا أحلم أم لا، وهذا ما أسميه الشعور بالنور. لا أشعر بالحرج بسبب كبر سني، فأنا كاتب في الخامسة والسبعين من العمر، ومسيرتي المهنية ورائي. هل فوجئت حين منحوني جائزة؟ بالتأكيد فغير ذلك ادعاء. لم يفاجئني هذا فحسب، بل وضعني في حالة من الذهول وعدم التصديق.
> ما الذي تمثله لك هذه الجائزة ككاتب؟
- لقد كانت بمثابة حافز لي، لا نهاية الطريق كما قد تظنين. قد تعتقدين أن بحصولي على جائزة «ثيرفانتس» والعائد المالي سوف أتوقف عن الكتابة وأتمتع بالمال، لكن على العكس من ذلك أشعر بالدافع والرغبة في الاستمرار ومواصلة العمل. لطالما رأيت أن حياة الكاتب لن تنتهي أبداً إلا بموته، وأن المرء يستطيع الكتابة حتى آخر يوم في حياته إذا ظلت رأسه على كتفيه، وهذا ما آمل أن أظل أتمتع به. لذلك دائماً لدي مشروعات أدبية كثيرة. بمجرد مرور هذه العاصفة، التي أربكت إيقاع حياتي المعتاد، آمل أن أعود إلى الاستوديو الخاص بي، وأعمل كل صباح بكل انضباط ودأب كما كنت أفعل حتى أواصل الكتابة والإبداع.
> ما أهمية الجوائز الأدبية في رأيك؟
- أعتقد أن الجوائز تمثل حافزاً بالنسبة إلى الكاتب. أحب وجود الجوائز؛ فأنا أعتقد أنها مهمة بالنسبة للشباب بوجه خاص، لأن فوز كاتب شاب غير مشهور فجأة بجائزة أدبية يفتح أمامه الباب لدخول عالم الجمهور؛ وهذا هو أهم شيء لأنه لا توجد كتابة من دون وجود جمهور.
> تعد السلطة من الموضوعات الأساسية التي تظهر في أعمالك الأدبية، ما السبب وراء ذلك؟
- عندما تحدثت عن تلك الأمور مع غابرييل غارسيا ماركيز، قال لي إن هناك موضوعين أبديين في الأدب هما الحب والموت، وأنا أضيف إليهما الجنون والسلطة؛ لأنها أمور لا تفنى أو تختفي. تتغير الحضارات، وننتقل من عصر الصناعة إلى العصر الرقمي، ومن العصور الوسطى إلى أول كتاب يتم تأليفه في منطقة الرافدين، ومع ذلك الشغف نفسه لا يتغير. تحتوي السلطة في قلبها على الجنون، وهذا ما أقرأه في أعمال سوفوكليس وشكسبير، فجنون السلطة، والتوق إليها هو ما كان يسيطر على ليدي ماكبث، وهذا أيضاً واضح طوال تاريخ أميركا اللاتينية.
لا يزال التقليد الخاص بالقائد القوي هو أكثر أشكال السلطة زيفاً المتجذرة في الطبيعة الريفية لمجتمعاتنا. أشعر بشغف تجاه النظر إلى السلطة بوصفها تعبيراً عما نعايشه من شذوذ؛ فالسلطة بشكلها الحالي أمر غير طبيعي، والسلطة الطبيعية هي تلك التي ترتكز على مؤسسات قوية راسخة شفافة.
ندرك في أميركا اللاتينية أن العكس هو الصحيح؛ فأنا أرى ممارسة السلطة بشكل غير طبيعي، وهذا ما يثير اهتمامي للأسف بصفتي روائياً؛ فأنا كمواطن أشعر بالقلق، وكروائي أشهر بالذهول لأنه إذا لم يكن لهذا الشكل من السلطة وجود، لكننا اضطررنا إلى البحث عن موضوعات أخرى في كتاباتنا، فقد كنا سنصبح حينها دولاً مختلفة تماماً.
> لقد كنت أحد المشاركين الأساسيين في ثورة الجبهة الساندينية، ثم أصبحت نائب رئيس نيكاراغوا، هل تشعر أنك تحررت من السياسة، أو حكومة الرئيس دانييل أورتيغا؟
- لقد ابتعدت عن هذا الطريق الذي اتخذته الثورة بمجرد خسارتنا للسلطة عام 1990، بسبب الطريقة البدائية التي أرادوا اتباعها للعودة إلى السلطة مقوضين بذلك الديمقراطية التي صنعناها بأنفسنا، اقتنعت أنه ليست السياسة هي ما تحررت من أوهامها، فقد كان ينبغي أن تظل السياسة وظيفة نبيلة غير أساسية في جمهورية أفلاطون، لكن حالياً في القرن الواحد والعشرين لا توجد ثقة في السياسة، خاصة بين صفوف الشباب الذين لا يصدقون السياسيين، ويرون أنهم منفصلون تماماً عنهم. إنهم لا يريدون أن تكون لهم أي صلة بالسياسة. أرى أن هذا أمر فظيع ويؤثر سلباً على الديمقراطية لأنه يلغي إمكانية حدوث أي تغير من خلال الأجيال الجديدة وهو أمر ضروري في كل مناحي الحياة خاصة في مجال السياسة.
> إلى جانب كونك كاتبا عميقا، لقد كنت سعيد الحظ لمصادقتك شخصيات أدبية عظيمة في أميركا اللاتينية. ما الذي تعلمته منهم؟
- لقد كنت محظوظاً بقربي من آبائي الروحيين في مجال الأدب. يقول بعض الكتّاب الشباب إنني الجسر الذي يربط بين العظماء وبينهم، وأنا أحب القيام بهذا الدور. لقد كنت قريباً جداً من غابو (غابرييل غارسيا ماركيز)، وكارلوس فوينتس، وخوليو كورتاثر، وما زلت مقرباً جداً من ماريو فارغاس يوسا. لقد كان من حسن حظي أن أتعرف بهم، لكن الأهم من ذلك أن أقرأ لهم قبل معرفتي الشخصية بهم، وأعرف الكثير عن أسرارهم في عالم الأدب. الجدير بالذكر أنهم لا ينتمون إلى مدرسة أدبية واحدة، بل يستخدم كل واحد منهم آليات وأساليب متنوعة ومختلفة عن الآخر.
لقد تأثرت بالعمق الذي يوظف به كارلوس فوينتس تاريخ المكسيك في أعماله الأدبية، وبآليات السرد الخاصة بفارغاس يوسا، التي كانت جديدة ومبدعة تماماً بالنسبة لي، وبالجرأة الأدبية لخوليو كورتاثر، التي كانت تجعله يسخر من كل شيء، ويروج لعالم فوضوي في روايته «الحجلة»، التي كانت من أبرز الأعمال الأدبية بالنسبة لجيلي، وأخيرا بالعالم الرائع المختزل الذي يرسمه غابرييل ماركيز، الذي كان بالنسبة لي الأكثر إبهاراً مقارنة بهم جميعاً، وكان من المستحيل التأثر بغارسيا ماركيز دون تقليده ومحاكاته، فقد كان أسلوبه فريداً متميزاً.
> كيف كان شكل علاقة الصداقة بينك وبين غارسيا ماركيز؟
- لقد كانت علاقة مسلية فقد كنا نستطيع التحدث معاً عن أي موضوع. لقد كان يحفظ غابو كل الأغاني والقصص الشعبية في العالم، وكل قصائد روبين دارييو، عن ظهر قلب. لقد كان متابعاً للأدب، وقارئا نهما لا يكلّ ولا يمل.
> لديك إنتاج غزير مبهر من الأعمال الأدبية، فقد بدأت الكتابة وأنت في الرابعة عشرة من العمر. إذا أردت ترشيح كتاب من كتبك لقراءته فما هو ذلك الكتاب؟
- سوف أبدأ بترشيح رواية «العقاب الإلهي»، التي كتبتها عام 1988، إذ يمكنني القول إنها العمل الذي مثل بداية نضجي الأدبي لأنني في تلك اللحظة كنت أشعر أني قد أصبحت متمكنا من أدواتي؛ إنها تروي قصة قاتل متسلسل.
> ما العمل الذي تشعر بالندم لتأليفه؟
- أندم على الأعمال الأولى التي كتبتها، فقد كنت آنذاك كاتباً مرتبكاً، لكن سيكون ذلك مثل الندم على ولادتي وخروجي إلى الحياة؛ فالمرء ينضج ويخوض تجارب من خلال تلك الأعمال، لذا على العكس من ذلك ينبغي أن تكون تلك الأعمال هي المحببة إلى نفسي حقاً.
> ما مصدر إلهامك؟
- أجد الإلهام في العالم المحيط بي، وفيما أراه وأتذكره. أعتقد أن فترة الطفولة هي نبع الإلهام الأول بالنسبة للكاتب، حيث تكون الطفولة مفيدة حين تكون منسية، فتظهر بشكل آخر، ولا يعد من الممكن التمييز بين ما إذا كانت من وحي الخيال أم من الواقع. المنطقة الساحرة لا تكون واقعية. المناخ الاجتماعي والسياسي، الذي نشأت فيه، ساعدني على رؤية العالم، وأميركا اللاتينية واكتشفت فيه قدرتي على الملاحظة التي لولاها لما كان الأدب موجوداً. الفضول والاهتمام بالتفاصيل من الأمور الضرورية؛ فالأدب لا يتشكل من الأمور العامة بل من التفاصيل والأمور الخاصة؛ فكل ذلك يشكل العالم الموجود داخل عقل الكاتب.
> ما الذي تعكف على كتابته في الوقت الحالي؟
- لدي عدد من الخيارات المتعلقة بكتابة رواية، وربما أبدأ العمل على بلورة بعض أفكار القصص. لا أحب أن أترك القصة لأن تلك هي الطريقة التي تعلمت الكتابة بها؛ ففي البداية أردت أن أكون مجرد راوٍ، لكن من المؤكد أني سأنشر كتاباً جديداً.
> ما الكلمة الإسبانية المفضلة لك؟
- إنها كلمة مستخدمة فقط في نيكاراغوا وهي «كابانغا»، أي الحنين إلى الحب، فمثلا عندما يعاني رجل من هجر امرأة له، ويستسلم للحزن، يقال إن تلك الكلمة هي أدق وصف لحالته. إنها كلمة من أصل أفريقي، فقد بحثت في الأمر، لكنها تستخدم أيضاً للإشارة إلى الحنين إلى كل شيء. كذلك هناك كلمة أخرى أحبها، وهي كلمة «إنغريمو»، وهي تنتمي إلى اللغة الإسبانية في العصر الذهبي، وتعني الوحدة المطلقة أي أن عثور المرء على ذاته في العالم مرتبط بالبقاء وحيداً في العالم.



كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.