برعاية السيسي... أمين رابطة العالم الإسلامي يخاطب أكبر تجمع لمفتي العالم الإسلامي بالقاهرة

قال إنه يتعين مراعاة الفارق بين فتوى الأفراد وفتوى الدول وإن الفتوى تختلف باختلاف الزمان والمكان والأحوال عند الاقتضاء والإمكان لا بالتشهي ومداهنة الهوى

الدكتور العيسى على منصة حفل افتتاح المؤتمر يتوسط شيخ الأزهر ووزير الأوقاف المصري («الشرق الأوسط»)
الدكتور العيسى على منصة حفل افتتاح المؤتمر يتوسط شيخ الأزهر ووزير الأوقاف المصري («الشرق الأوسط»)
TT

برعاية السيسي... أمين رابطة العالم الإسلامي يخاطب أكبر تجمع لمفتي العالم الإسلامي بالقاهرة

الدكتور العيسى على منصة حفل افتتاح المؤتمر يتوسط شيخ الأزهر ووزير الأوقاف المصري («الشرق الأوسط»)
الدكتور العيسى على منصة حفل افتتاح المؤتمر يتوسط شيخ الأزهر ووزير الأوقاف المصري («الشرق الأوسط»)

شارك أمين عام رابطة العالم الإسلامي عضو هيئة كبار العلماء السعودية، الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، ضمن المتحدثين الرئيسيين في جلسة افتتاح المؤتمر الدولي الذي نظمته دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء حول العالم بعنوان: «دور الفتوى في استقرار المجتمعات»، والمنعقد خلال الفترة من 17 إلى 19 أكتوبر (تشرين الأول) لعام 2017م في مدينة القاهرة برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومشاركة شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، ومفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام، وعدد غفير من مفتي العالم الإسلامي، ورؤساء جمعيات وهيئات إسلامية حول العالم.
وأشاد العيسى، في كلمته، باللقاء الحافلِ بجمعه العلمي المتميز، وهو يستطلع شأناً مهماً، لدَور الفتوى في استقرار المُجتمعات، مستجلياً حلولاً يتطلع إليها علماء ومفكرو الأمة، في مطلب نفيس ينشده الجميع، مشيرا إلى أن شتات الفتوى وعدمَ زمِها بقانونٍ ضابطٍ وفعّالٍ، ولا سيما ما يخص الشأنَ العام «يُعتبر مُعضلة تطِرد سلبا ونعيا كُلَ يوم، ولهذا أثرٌ كبير على سِلْم المجتمعات، واستقرارِها، ولا يقتصرُ ذلك على مجتمعات الدول الإسلامية، بل يتعداها لبلاد ما يسمى الأقليات».
وأضاف أن خطاب الإفتاء يحمِل برسوخه العلمي، وتجلياتِ بصيرتِه توجيهاتٍ توعوية للجاليات الإسلامية تُكسبها الحكمة، وتبعدها عن الارتجال والفوات والعجلة، وما أكثرَ ما يغيبُ المرادُ من النص، فيفوتَ الوصولُ لعِلته في سياق علم المقاصد، حيث يدور الحكم عليها وجوداً وعدماً، وما أقل النظرَ في المآلات واختلافِ الزمان والمكان والأحوالِ، حيث يختلف بها الحكم والفتوى عند الاقتضاء والإمكان، لا بالتشهي ومداهنة الهوى، وما أسعد المفتي بالصواب، وقد احتاط للدليل، واستوعب معنى النص، واستجلى مقاصده، وسلك في ذلك سبيل السعة على الخلق، على جادة الإسلام في الرحمة والتيسير، والتسديد والمقاربة، مدركا أنه لن يُشادَ الدينَ أحدٌ إلا غلبه، في معادلة توازنٍ، لا يُلَقَاها إلا الراسخون في العلم، لا حملتُه مجردا من فقهِه، فربَ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقهُ منه، وربَ مبلغ أوعى من سامع.
ولفت الدكتور العيسى إلى أن كثيراً من الناس قد ضل في تيه بعض حاملي النصوص، فحَسِبوا العلمَ سردَ مادتها المجردة، في استظهار مذهل، واستعراض خداع، يخبط خبط عشواء، كما فات بعضا آخر، الفرقُ بين الفتوى العامة والخاصة، والتفريقُ بين خاصة الأفرادِ أنفسِهم، لاختلاف الأحوال، كما فات كذلك مراعاة الفرقِ نفسِهِ في الفتوى العامة، ولم يتيقظ بعض المفتين لأمرٍ مهمٍ، فغاب عنهم أن الاحتياط في فتوى الأفراد والمؤسسات الخاصة يختلف عن الاحتياط في فتوى المؤسسات العامة، ولا سيما شأن الدول؛ فقاعدة رفع الحرج وعمومِ البلوى تكتنف هذا المحلَ أكثرَ من غيره، وسطحية النظر تغفل عما يكابده، وما أهونَ الحربَ على النظارة.
وزاد أن رعاية جميع ما سبق يصُبُ في مصلحة استقرار المجتمعات وإلْفِهَا، التي تتناولها محاورُ هذا المؤتمر، ويتعين لهذا التصنيف العالي من الفتاوى تخصيصُ إمام فتوى عام لا يزاحَم، أو ردُها لفتوى مجمعية، مع المنع البات من تطرق غيرهم لها، في إطار الحماية القانونية لحظ الصالح العام، مع تكييفِ اختراق هذا الحِمَى بالعمل الجنائي، حيث تخطى سقف حرية الرأي العلمي إلى مداهمة استقرار المجتمع بانتحال اسم الشرع وهو - هنا - في طليعة الأفعال الضارة، ومتى أفضت الحرية إلى هذا النوع من السطو، استحالت لفوضى وجناية عامة في ظرفٍ مشدد، مؤكداً أن هذا كله لا يَصرف العالم عن العناية أيضا بفتوى الأفراد، فلها ارتباط كذلك بالاحتياط لحكم الشريعة مع التأليف عليه.
واعتبر الشيخ العيسى أن من رسوخ علماء الشريعة ويُمن فهمهم الانفتاح على الاختلاف السائغ ورحابة الصدر بالمخالف، وقد أمر الإمام أحمد - رحمه الله - أحدَ تلامذته، وقد سمى كتابَه كتابَ الاختلاف أن يسميَه كتابَ السعة، لافتا إلى أن من نكد الفتوى إثارتُها للوجدان العام، ومصادمة الأعراف المشروعة فيما الجادة بخلافه، وذلك أن جمع القلوب والرفقَ بالناس بتصحيح أعرافهم مطلب شرعي إلا ما كان منها على خطأ بيِن، عندنا عليه من الله برهان، والعالم البالغ ذِروة الاجتهادِ، أحفلُ ما يكون بالسعي حسب الوسع لتخريج أعراف الناس ومعتادِهم على الإجازة والإمضاء، كما هو الأصلُ فيها.
وقال الشيخ العيسى إن «عفو الشريعة قد تسامح عن القياس المُحَرم في بعض المعاملات فأجازها استثناء، منعا لتحريج الأمة في شأن حاجياتها، كما في الباعث على الحكم الاستثنائي للعقد على المعدوم في الإجارة وغيرها، بل شَمِلت الرحمة العفوَ في الكمالياتِ الترفيهية كما في مسألة العرايا وغيرها، ولا توسُعَ في هذا على سياق الشرع».
وأكد الشيخ العيسى، أن «من العنت التضييق على الناس في فهم وتطبيق قواعد رفع الحرج، واستشعار المفتي أنه حارس حكم الحرام دون الحلال، وقد قال تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب)، فجعلهما في التشنيع بحكمهما الكاذب على حد سواء، ومع خطر مقتحِم الفتوى العامة والخاصة على حكم الشريعة ومقصدها في استقرار المجتمعات وإلفها، إلا أن اليقظة لأهمية تشريعها التنظيمي دون المأمول»، لافتا النظر إلى «أنه لا يخفى أن أول ناقض للباعث على الفتوى المجمعية، هو الشتات الناكث لها من قبل كل متكئ على أريكته، لا يتجاوز نظرُه نطاقَ أفقه الضيق، وهؤلاء (على حسن الظن بهم) هم الأقل حظا في تدبر المآلات».
ووصلا لفائدة الفتوى المجمعية تابع أمين عام رابطة العالم الإسلامي: «ما أحسن الوصالَ والتنسيق - عند الاقتضاء - مع الدول ذات التجانس والتقارب لتوحيد الفتوى ما أمكن الحال، وكلما اتحد حكم الشريعة في نظر المجتهدين فيما تمس الحاجة لضبطه، كلما كان أكثر تأثيراً ونفعاً، والمدخل الآخر على مجمعية الفتوى هو تضاربها مع مجمع آخر، وهذا لا بد له من نظر ومعالجة، وإلا زاد الزمانة علة، وما أصعب الاختلافَ في فهم أطر الدين متى تجاوز إطار سعته المسموح بها، وأفضى إلى الشر والنزاع والتشويش، وما شكوى سنة الإسلام اليوم إلا من كثرة الرؤوس في رسمية مرجعيتها العلمية، فكيف بتطفلها وعشوائيتها».
وأوضح أنه وصلا لقانون الفتوى في هذا المعنى يتعين تجريم الاختلاف على فتوى الإمام الجامع للأمة على جادة تآلفها، وإذا كان المخالف ينشد براءة الذمة فقد برئت بفتوى المؤهل وبكفِ كلِ مخالفٍ له بسياسة المانع الشرعي والزاجر القانوني، وكثير ممن يخالِف ويجازف في هذا لا يخلو من دافع مستجِر، أو هوى متبع، ومن جعل علمه غرضا للأهواء اضطرب دينا ودنيا، وتبقى السعة العلمية في هذا الخصوص بعَيْنِهِ في أروقة الدراسات الأكاديمية والمؤلفاتِ العلمية لا في أوساط عموم الناس.
ودعا في كلمته لحماية حِمَى الفتوى من تصنيف الترخيص لها على الموضوعات مع التحفظ على الفتاوى الحية، حيث لا مجال للتدبر ولا التحرير، وشرع الله لا يلقَى جزافا على الهواء، وهو أول ما يُستفرغ له الوسع، دراسة وتأملا ومراجعة، فضلا عما في تلك الفتاوى الطائرة من استدراج المفتي بحبائل الاستفتاء، وكم لكثير منهم من وقائع ذات مخاطر ومزالق، ولإن مضت في زمن سابق ليُسر الحال وبراءة السؤال، فالحال اليوم تختلف.
وأشار الشيخ العيسى أن للمفتي شأنا آخر مع فقه التنزيل بضابط تحقيق المناط، وتتجلى أهمية ذلك فيما يسمى فقه الأقليات أو المهجر حيث الترتيب بين المصالح والمفاسد، أخذا بالأولويات وإعمالا لموازناتها، وما حُرِم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، ونجد الواقعة في المهجر على فتوى الجواز والحل، وفي غيره على المنع والحظر، وبمثل هذا الوعي الإفتائي يكون الفهم عن الله ورسوله، وهو طريق السلامة من أخطاء التأصيل والتنزيل، مضيفا أن على المفتي وهو يحفل باستقرار المجتمع العناية بالبدائل والحلول الشرعية؛ فدين الله سعة ورحمة، لا حرج فيه ولا مشقة، وما حَرم شيئا إلا جعل له عوضَ خير، عَلِمَهُ من علمه وجهله من جهله، يُؤتاه الراسخُ علماً، والمهدي أمانة وصدقاً، كما على المفتي اليقظة لمزلق الزاوية الواحدة في النظر الفقهي، وبسببها جرى التوسع، ثم العنتُ على الناس في باب سد الذرائع على أن من الذرائع ما يدخُل في حيز الوهم أو الإلغاء.
ولفت الدكتور العيسى النظر إلى أن أمور الناس محمولة في أصلها على الجواز والإمضاء، وعلى المفتي الموازنة بين الواجب بحسب الاقتضاء الحكمي للنص، وبين الواقع تنزيلا على مقصد الشرع الحنيف، مراعيا التيسير والتخفيف، وهو ذروة الفقه الشرعي، وذروة المسلك الوسطي، فلا يُهدَر النص، ولا يهمَل الواقع.
يذكر أن عددا كبيرا من علماء ومفكري العالم الإسلامي وحشدا من كبار المدعوين من سياسيين ودبلوماسيين وممثلي أتباع الديانات ناهز الألف شخصية، كانوا ضمن من حضروا المؤتمر، وحظيت مشاركة الشيخ العيسى باهتمام المؤتمرين على المنصة الرئيسية للمؤتمر.


مقالات ذات صلة

كتب فرنسية تقدم قراءة مختلفة للإسلام

كتب كتب فرنسية تقدم قراءة مختلفة للإسلام

كتب فرنسية تقدم قراءة مختلفة للإسلام

كان لافتاً أن تصدر في باريس مجموعة من الكتب الجديدة عن تراثنا العربي الإسلامي الكبير فخلال شهر واحد فقط أو شهرين صدرت مؤلفات عدة عن القرآن الكريم والنبي العظيم.

هاشم صالح
أوروبا يحمل ضباط الشرطة مواد مُصادَرة من شقة بحي موميلمانسبيرغ بعد مداهمة في هامبورغ (أ.ب)

ألمانيا تحظر جمعية إسلامية وتفتش مقرات اثنتين أخريين

أعلنت وزارة الداخلية الألمانية، اليوم الأربعاء، حظر جمعية «إنتر أكتيف» الإسلامية وتعتزم مصادرة أصولها، مع إجراء عمليات تفتيش بجمعيتين إسلاميتين أخريين.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ صورة من الفيديو الذي نشرته فالنتينا غوميز المرشحة الجمهورية للكونغرس عن ولاية تكساس (إكس)

مرشحة للكونغرس تحرق القرآن وتتعهد بـ«القضاء على الإسلام»

أثارت فالنتينا غوميز، المرشحة الجمهورية للكونغرس عن ولاية تكساس الأميركية، موجة غضب عارمة بعد نشرها فيديو على موقع «إكس» وهي تحرق فيه نسخة من القرآن الكريم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا أظهرت نتائج استطلاع للرأي أن 7 من كل 10 مسلمين في بريطانيا يتعرضون لممارسات الإسلاموفوبيا في أماكن عملهم (متداولة)

استطلاع رأي: 4 من كل 10 بريطانيين يشعرون بأن المهاجرين المسلمين لديهم تأثير سلبي على بلادهم

أشار استطلاع رأي إلى أن 4 من كل 10 بريطانيين يشعرون بأن المهاجرين المسلمين لديهم تأثير سلبي على المملكة المتحدة

«الشرق الأوسط» (لندن )
شؤون إقليمية وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير يلوح لأنصاره اليمينيين بمدينة القدس القديمة، 26 مايو 2025 (أ.ف.ب)

بن غفير يؤنب قادة الشرطة لعدم منع الأذان بالمساجد

ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وبَّخ قادة الشرطة لعدم اتخاذ «إجراءات صارمة» لمنع انطلاق الأذان بمساجد البلدات العربية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.


العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
TT

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)

حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، من أن أي إجراءات أحادية أو صراعات جانبية داخل المناطق المحررة من شأنها أن تقوّض وحدة القرار السيادي للدولة، وتمنح الجماعة الحوثية المدعومة من إيران فرصة لمراكمة المكاسب على حساب الاستقرار الوطني.

وجاءت تصريحات رئيس مجلس القيادة اليمني قبل مغادرته العاصمة المؤقتة عدن، الجمعة، متوجهاً إلى السعودية لإجراء مشاورات رفيعة مع شركاء إقليميين ودوليين، في ظل تطورات حساسة تشهدها المحافظات الشرقية، وعلى رأسها حضرموت.

وأكّد العليمي في تصريحات رسمية التزام المجلس والحكومة بنهج الشراكة الوطنية، والمسؤولية الجماعية في استكمال مهام المرحلة الانتقالية، بموجب مرجعياتها المتفق عليها، وفي المقدمة إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

كما أكّد مسؤولية الدولة وحدها عن حماية مؤسساتها الوطنية، وصون مصالح المواطنين، والحفاظ على وحدة القرار السيادي، ورفض أي إجراءات أحادية من شأنها منازعة الحكومة، والسلطات المحلية صلاحياتها الحصرية، والإضرار بالأمن والاستقرار، وتعميق المعاناة الإنسانية، أو تقويض فرص التعافي الاقتصادي، والثقة المتنامية مع المجتمع الدولي.

وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني: «إن معركة استعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية الإرهابية، وتنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية، ستظل في صدارة الأولويات الوطنية». وحذّر من أن أي انشغال بصراعات جانبية، لا يخدم سوى المشروع الإيراني، وأدواته التخريبية، ومضاعفة معاناة اليمنيين، وفق ما نقلته عنه وكالة «سبأ» الرسمية.

تغليب مصلحة حضرموت

وأشاد العليمي في تصريحاته بجهود السعودية التي قادت إلى التوصل لاتفاق التهدئة الأخير في محافظة حضرموت (شرق)، مؤكداً أهمية الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، والبناء على هذه الجهود الحميدة، وتغليب مصلحة حضرموت وأبنائها، بوصفها ركيزة أساسية للاستقرار في اليمن، والمنطقة.

كما جدد دعمه الكامل لقيادة السلطة المحلية والشخصيات والوجاهات القبلية في قيادة مساعي الوساطة، والتسريع بإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، وتمكين أبناء حضرموت من إدارة شؤونهم المحلية، إنفاذاً لتعهدات مجلس القيادة، وخطته لتطبيع الأوضاع في المحافظة.

مظاهرة في صنعاء حيث العاصمة اليمنية المختطفة دعا إليها زعيم الجماعة الحوثية (أ.ب)

ووجّه العليمي في هذا السياق، قيادة السلطة المحلية في محافظة حضرموت، والجهات المعنية في الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والأضرار التي طالت المواطنين، والممتلكات العامة والخاصة، خصوصاً في مديريات الوادي والصحراء، واتخاذ ما يلزم لجبر الضرر، وعدم إفلات المتورطين من العقاب.

كما دعا رئيس مجلس القيادة اليمني جميع المكونات الوطنية إلى نبذ الخلافات، والتحلي بأعلى درجات المسؤولية، وتوحيد الصف في مواجهة التحديات، وإسناد الحكومة للوفاء بالتزاماتها الحتمية، وجعل مصلحة المواطنين، وكرامتهم الإنسانية، فوق كل اعتبار.


تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
TT

تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

عدَّت مصر التصريحات الإسرائيلية الأخيرة عن فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني لخروج سكان قطاع غزة فقط، دون الدخول، عودة لمخطط التهجير المرفوض لديها.

ووسط صخب الانتقادات المصرية الحادة لإسرائيل، أفادت تقارير عبرية بحدوث تأهب إسرائيلي على الحدود مع سيناء، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، «تصعيداً إسرائيلياً جديداً وفقاعة إعلامية بلا أي صدى».

وذكرت قناة «آي نيوز 24» الإسرائيلية، الخميس، أن خلافاً دبلوماسياً حاداً اندلع بين إسرائيل ومصر بعد إعلان الأولى نيتها فتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة لإخراج الفلسطينيين من غزة باتجاه مصر.

وأضافت أن الموقف المصري الذي نفى ذلك أثار ردود فعل حادة في الأوساط الإسرائيلية، حيث علّق مصدر إسرائيلي بلهجة غير معتادة قائلاً: «إسرائيل ستفتح المعابر لخروج الغزيين. إذا لم يرغب المصريون باستقبالهم فهذه مشكلتهم». وقال مصدر أمني إسرائيلي: «رغم بيان المصريين، تستعد إسرائيل لفتح المعبر كما خطط له».

شاحنة بترول مصرية في طريقها إلى قطاع غزة (الهلال الأحمر المصري)

واندلعت شرارة التصعيد الجديد بعد أن قال مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في بيان، الأربعاء: «بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وبتوجيه من المستوى السياسي، سيفتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة حصرياً لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر بالتنسيق مع القاهرة».

وعلى الفور، نقلت هيئة الاستعلامات المصرية عن مصدر مصري مسؤول نفيه ذلك، مؤكداً أنه «إذا تم التوافق على فتح معبر رفح، فسيكون العبور منه في الاتجاهين للدخول والخروج من القطاع، طبقاً لما ورد بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام».

وقالت مصادر مصرية لقناة «القاهرة الإخبارية» إن مصر تؤكد التزامها بمقررات اتفاق وقف إطلاق النار، «بما فيها تشغيل معبر رفح في الاتجاهين، لاستقبال الجرحى والمصابين من غزة، وعودة الفلسطينيين إلى القطاع»، وحذرت من أن «فتح معبر رفح في اتجاه واحد يكرس عملية تهجير الفلسطينيين».

«خطة تهجير مرفوضة»

وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، في تصريحات، مساء الأربعاء، إن «الجانب الإسرائيلي يحاول تحميل مصر الخطة الإسرائيلية بشأن التهجير المرفوضة والمدانة مبدئياً من مصر ودول العالم كله، إما بالضغط على الفلسطينيين للخروج قسراً، وإما بتدمير غزة لجعلها غير صالحة للحياة فيخرجون طوعاً»، مؤكداً أن «التهجير سواء كان قسرياً أو طوعياً خط أحمر بالنسبة لمصر».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أكد رشوان أن بلاده «لن تشارك في مؤامرات تهجير الفلسطينيين»، وذلك رداً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن استعداده لفتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني الخاضع لسيطرة إسرائيل بهدف إخراج الفلسطينيين.

وكان من المقرر فتح معبر رفح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في العاشر من الشهر، غير أن إسرائيل أبقته مغلقاً في كلا الاتجاهين منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قائلة إن على «حماس» الالتزام بإعادة جميع الرهائن الذين لا يزالون في غزة، الأحياء منهم والأموات.

وأعادت «حماس» جميع الرهائن الأحياء، وعددهم 20، مقابل نحو ألفي معتقل فلسطيني وسجين مدان، لكن لا يزال هناك رفات رهينة واحدة في غزة.

جانب من الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

ويرى رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي التصعيد الإسرائيلي «مجرد ضغوط وفرقعة إعلامية ومناوشات متكررة لا تحمل قيمة وليس لها مستقبل، في ضوء معرفتهم الجيدة بالموقف الصارم لمصر برفض تهجير الفلسطينيين خارج البلاد، وأن ذلك لن يحدث تحت أي ثمن»، مضيفاً: «ما تسعى له إسرائيل ضد خطة ترمب، ولن يؤدي لتغيير المواقف المصرية».

فيما يرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية مساعد وزير الخارجية الأسبق رخا أحمد حسن أن ما تثيره إسرائيل «دون داع» يعد أموراً «استفزازية»، يحاول نتنياهو من خلالها الهروب من أزماته الداخلية والتزاماته بشأن اتفاق غزة الذي يشترط فتح المعبر من الاتجاهين للدخول والخروج، مشيراً إلى وجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين تريد العودة، «ولن يكون للإسرائيليين حجة لعدم تنفيذ الاتفاق بعد تسلم آخر جثة».

واستطرد: «موقف مصر حاسم ولا تراجع فيه، حفاظاً على الأمن القومي المصري، وحقوق القضية الفلسطينية».

تأهب على الحدود

بالتزامن مع ذلك، كشفت صحيفة «معاريف»، الخميس، عن أن الجيش الإسرائيلي يعزز استعداداته على حدود مصر والأردن تحسباً لأي تطورات أمنية، لافتة إلى أن الجيش يتعامل مع سيناريوهات قد تتحول فيها التهديدات التكتيكية إلى تحديات استراتيجية.

وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن رئيس الأركان إيال زامير قام، مساء الأربعاء، بزيارة ميدانية للواء 80 على الحدود مع مصر، مشيراً إلى «وجود تحديات في الحدود مع مصر والأردن».

وتوترت العلاقات المصرية - الإسرائيلية منذ اندلاع حرب غزة قبل أكثر من عامين، لا سيما مع رفض مصر احتلال إسرائيل محور فيلادليفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدوديين، وإصرارها على عدم السماح بتهجير الفلسطينيين إليها، وكذلك مع تلويح إسرائيلي مستمر بتعطيل اتفاقية للغاز مع مصر.

وقال العرابي: «تلك الإجراءات الإسرائيلية هي والعدم سواء، وإسرائيل تعلم أنها لا تملك قوة التصعيد، ولا فتح جبهة جديدة؛ لأن الداخل الإسرائيلي سيكون بالأساس ضد أي تصعيد مع مصر، وبالتالي الصدام مستبعد».

وأشار إلى أن هذا النهج متكرر منذ بداية حرب غزة «لتشتيت الاهتمامات والأولويات، وبات لعبة معروفة ولا جدوى منها، وليس أمام إسرائيل سوى تنفيذ الاتفاق، ونسيان أي خطط لتنفيذ التهجير المرفوض مصرياً وعربياً وأوروبياً ودولياً».

واستبعد حسن حدوث أي صدام بين مصر وإسرائيل؛ «لاعتبارات عديدة متعلقة باستقرار المنطقة»، معتبراً التأهب الإسرائيلي على الحدود «مجرد مناوشات لا قيمة لها».