العبادي: لا نريد مواجهة مسلحة مع الأكراد

ماكرون يعرض دوراً فرنسياً ضمن وساطة أممية بين بغداد وأربيل

ماكرون والعبادي أمام قصر الإليزيه في باريس أمس (أ.ف.ب)
ماكرون والعبادي أمام قصر الإليزيه في باريس أمس (أ.ف.ب)
TT

العبادي: لا نريد مواجهة مسلحة مع الأكراد

ماكرون والعبادي أمام قصر الإليزيه في باريس أمس (أ.ف.ب)
ماكرون والعبادي أمام قصر الإليزيه في باريس أمس (أ.ف.ب)

أكد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أنه لا يريد مواجهة مسلحة مع الأكراد، على خلفية أزمة استفتاء الاستقلال الذي أجراه إقليم كردستان العراق الشهر الماضي. لكنه شدد على ضرورة إلغاء الاستفتاء وعمل قوات «البيشمركة» الكردية في المناطق المتنازع عليها تحت إمرة السلطات الاتحادية.
وهيمن الملف الكردي على محادثات العبادي في باريس، أمس، مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، رغم ردة الفعل العراقية السلبية مبدئياً على اقتراح ماكرون لعب دور الوسيط في الأزمة بين بغداد وأربيل. ولم تغير باريس موقفها الذي يتلخص، كما جاء على لسان ماكرون في حديثه المشترك مع العبادي إلى الصحافة أمس، بثلاث نقاط، هي «التمسك بالحوار سبيلاً للوصول إلى حل، ورفض أي تصعيد خصوصاً العسكري منه، والتمسك بسيادة العراق واستقراره ووحدة أراضيه، وأخيرا التمسك بحصول الأكراد على حقوقهم كاملة، ولكن من ضمن منطوق الدستور العراقي».
وإذا كانت الدبلوماسية الفرنسية قد سعت، بشخص وزير الخارجية جان إيف لودريان وعبر الاتصالات الهاتفية المتعددة بين ماكرون والعبادي، إلى ثني الأكراد عن اللجوء إلى الاستفتاء، إلا أن باريس لم تذهب إلى ما ذهبت إليه واشنطن من إدانة كما لم تطلب أبداً الرجوع عنه.
الجديد في موقف ماكرون أنه لم يطرح وساطة فرنسية فردية ومباشرة بين بغداد وأربيل، بل سلك إلى ذلك طريق الأمم المتحدة، مشيراً إلى أن بلاده «جاهزة للمساهمة بشكل فعال، وإذا رغبت السلطات العراقية في ذلك، في الوساطة... التي أطلقتها الأمم المتحدة». وأضاف أن باريس «مستعدة لمساعدة مبعوث الأمم المتحدة يان كوبيس في الأسابيع والأشهر المقبلة». وكان الأخير حمل مقترحات إلى حكومة الإقليم قبل الاستفتاء، داعياً إلى تأجيله أو التخلي عنه مقابل التزام أممي بالانخراط في المحادثات بين الجانبين.
وبعد الاستفتاء، جاء كوبيس بمقترحات إضافية للحد من تفاقم الأوضاع والبحث عن أسس مشتركة للحوار بين الطرفين في أسرع وقت ودعوة الأطراف الخارجية إلى الامتناع عن التدخل في الشؤون العراقية. وتفيد معلومات نشرتها صحيفة «لو موند» الفرنسية، أمس، بأن رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني طلب من ماكرون الوساطة مع بغداد، وأن هناك بحثاً عن مدينة أوروبية لاستضافة «طاولة حوار» بين الطرفين، وربما وقع الخيار على باريس.
وبانتظار التأكد من معلومات الصحيفة المذكورة التي تأتي في اتجاه مغاير عن نهج التصعيد السياسي والإعلامي والتصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عقب زيارته طهران أول من أمس، فإن أجواء باريس كانت تميل إلى الدعوة إلى الامتناع عن صب الزيت على النار. فالرئيس الفرنسي شدد، إلى جانب أهمية الحوار، على «المصالحة الوطنية وإقامة حوكمة تشمل الجميع وتستجيب لمكونات العراق كافة، بمن فيها الأكراد الذين تقيم باريس معهم علاقات صداقة». أما أسس الحوار فقوامها «احترام وحدة أراضي العراق وسيادته والاعتراف بحقوق الشعب الكردي في إطار الدستور».
وشدد ماكرون على «ضرورة المحافظة على التنوع والتعددية واحترام حقوق الأقليات». وأشار إلى أن باريس تعتبر أن «الاستقرار السياسي» أحد أهم الأهداف في العراق مقروناً بـ«قيام دولة قوية». وأكد أهمية «أن يكسب العراق معركة السلام بعد كسب معركة الحرب على الإرهاب»، مركزا على عزم فرنسا على البقاء إلى جانب العراق حتى دحر «داعش» نهائياً.
وتنم تصريحات ماكرون عن رغبة فرنسية في لعب «دور مفيد» في العراق. ويبدو أن العبادي لا يجد ضيراً في ذلك، إذ اعتبر أن زيارته لباريس تبين مدى تمسك بغداد بالعلاقة معها وحرصها على «بناء أفضل العلاقات في مختلف المجالات». ورأى أن فرنسا «تستطيع بفضل علاقاتها الفريدة مع العراق أن تلعب دوراً مهماً في مساعدتنا على فرض الأمن والاستقرار في بلدنا والمنطقة». لكنه تلافى الإشارة إلى الوساطة التي اقترحها ماكرون.
وأكد العبادي أنه يدعو إلى «حل جميع المشاكل في البلد والمنطقة عبر الحوار». وطالب «الجميع بالابتعاد عن التصعيد والحلول العسكرية»، إذ قال: «لا نريد مواجهة مسلحة ولا نريد أي عداء أو مصادمات». ووجه رسائل إلى الطرف الكردي بتأكيده أنه «ليست هناك درجات في المواطنة في العراق، واحترم تطلعات المواطنين كلها، ومن ضمنها تطلعات المواطنين الكرد... العراق لكل العراقيين».
وشدد رئيس الوزراء العراقي أكثر من مرة أمام ماكرون على أنه يعتبر أن الاستفتاء «خروج على الدستور» الذي صوت له جميع العراقيين بمن فيهم الأكراد. وكرر دعوته قوات «البيشمركة» إلى «أن تعمل جنبا إلى جنب في المناطق المتنازع عليها مع القوات الاتحادية وتحت قيادتها من أجل إعادة الأمن والاستقرار إلى هذه المناطق».
وأضاف أنه «لا يجوز أن يعتدى على السلطة الاتحادية في هذه المناطق» التي يمكن أن تكون الشرارة التي ينطلق منها التصعيد بسبب تعقيداتها السكانية واعتبار أربيل أنها كردية. وطالب العبادي بأن توضع المنافذ الحدودية، وفق منطوق الدستور، تحت إشراف السلطة الاتحادية.
ولم يكن الملف الكردي، رغم أهميته، الوحيد على طاولة المباحثات في اليوم الطويل الذي أمضاه العبادي في باريس مصطحباً وفداً وزارياً واسعاً من سبعة وزراء، بينهم وزير الدفاع، فيما غاب وزير الخارجية. وإلى جانب اجتماع الإليزيه الذي بدأ ضيقاً ثم انضم إليه الوزراء والمساعدون من الجهتين، التقى العبادي بعد الظهر وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي وناقشا ملف محاربة الإرهاب والتعاون الدفاعي والعسكري بين باريس وبغداد.
وأشار ماكرون في كلمته إلى أن «الجنود الفرنسيين يحاربون إلى جانب الجنود العراقيين في الخطوط الأولى للجبهة». وهذه هي المرة الأولى التي يأتي فيها مسؤول فرنسي على ذكر مشاركة مباشرة لبلاده في المعارك ضد «داعش» في العراق. وكشف ماكرون عن طموحات قوية لبلاده في علاقاتها مع العراق. فقد أعلن أنه يريد إقامة «علاقات استراتيجية وشراكة جديدة مع بغداد والوقوف إلى جانبها لمواجهة التحديات المختلفة أمنياً وسياسيا واقتصاديا وثقافياً وتعليمياً».
ولخص أهداف باريس بالوصول بداية العام القادم إلى توقيع اتفاق - إطار لهذه الشراكة الاستراتيجية «يتيح لنا أن نساعدكم في أن تربحوا معركة السلام». وأكد ماكرون مد بغداد بقرض قيمته 430 مليون يورو لهذا العام، كما وقع على مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجالي التعليم الجامعي والبحث العلمي.
والتقى العبادي ووفده رجال أعمال فرنسيين مهتمين بالسوق العراقية. وعلى هامش الزيارة، زار العبادي معرض «مسيحيو المشرق: 2000 عام من التاريخ» في «معهد العالم العربي».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.