ميرزا الخويلدي

ميرزا الخويلدي
كاتب و صحفي سعودي

«غبقة» رمضانية: الطعام سفير النيات الحسنة

من العادات الرمضانية القديمة، التي نفتقدها اليوم؛ تبادل الأطباق بين الجيران. في حارتنا القديمة، كانت السفرة الرمضانية تتلون بالأطباق التي يرسلها الناس من حولنا، كل طبقٍ يمثل نكهة ومذاقاً وأسلوب حياة. كل طبقٍ كان يسرد حكاية ويروي قصة، تعكس ليس فقط فنون الطهي ونكهاته، ولكن الأهم؛ بساطته وقدرته على ربط البيوت ببعضها، فقد كانت تلك الأطباق تلعب دور سفير النيات الحسنة. طالما ارتبط الطعام بالثقافة. بل بالإنسانية والتحضر. الإنسان هو الكائن الوحيد الذي استطاع أن يطور نظامه الغذائي، لولا ذلك لبقي في الأدغال والغابات والكهوف.

علي الدميني: «واستوينا على بياض الجراحِ»

«غسل الدهر حزننا بالأقاحي واستوينا على بياض الجراح ومهيض الجناح ما زال يقضان حتى أتاه القطى بجناح لا النهيرات جفت بكاء ولا البحر أرخى الهوى للرياح». محفوفاً بقلوب محبيه، الذين زرعهم في سماء مشعة بالنجوم، أو في حقولٍ مزهرةٍ بالوفاء، يرقد الشاعر السعودي علي الدميني، على السرير الأبيض، يخوض واحدة من معاركه للانتصار على الألم والحزن والانكسار... منذ خمسين عاماً وعلي الدميني، يستل من شقاء الدهور «بياض الأزمنة»، يحمل نعش القصيدة؛ أرِقاً قلقاً، باحثاً عن مسارات جمالية شعرية جديدة، تروي ظمأه في الطريق الطويلة نحو غدٍ أجملَ: «وحدي بلا أرقٍ يؤانسني، بدون يدٍ تدل فمي على الذكرى وتسأل عن مكاني». مثّل الدم

«الحرب والسلام»... ما أشبه الليلة بالبارحة!

ما أشبه الليلة بالبارحة...! بداية القرن التاسع عشر (1812) اجتاح الفرنسيون بقيادة نابليون بونابرت الأراضي الروسية واقتحموا موسكو، بعد أن حطموا إمبراطوريات أوروبية عريقة. كان الهدف الأول لنابليون إجبار قيصر روسيا ألكسندر الأول على وقف حركة التجارة مع بريطانيا. كان نابليون قوة قاهرة لا يحتمل الروس مواجهتها، ولكنهم صمدوا، ووقفت الطبيعة إلى صفهم: الجوع والمرض وحتى الآفات وصقيع الشتاء الروسي القارس كلها تحالفت وفتكت بالجيش الفرنسي المحتل بعد أن تكبّد الخسائر الفادحة في صفوفه، فمن أصل نصف مليون مقاتل لم يتبقَّ لنابليون سوى أقلّ من 30 ألفاً حين قرر التقهقر والعودة إلى باريس ليدافع عن عرشه.

آخر الشهود...!

في تلك المنطقة الملتهبة وسط الجليد، التي تقرع منها اليوم طبول الحرب في شرق أوروبا، خرجت قبل سنوات قليلة كاتبة مبدعة من العائلة السلافية ذاتها التي تمزقها اليوم صراعات الأحلاف وطموحات القيصر؛ هي البيلاروسية سفيتلانا ألكسييفيتش الحائزة على جائزة نوبل للآداب عام ، برواية فريدة من نوعها، تروي شهادات الأطفال البيلاروس الذين عاصروا الحرب العالمية الثانية، وفتكت بهم نيرانها وأحقادها، وصبت جام غضبها على مدنهم وعائلاتهم، فتشردوا، وفقد الكثير أمهاتهم وآباءهم، وألفوا الجوع والدموع والوجع. في كتابها «آخر الشهود»، تستقصي على مدى 25 عاماً سيرة الأطفال الذين شهدوا تلك الحرب الأبشع في التاريخ الإنساني، حيث قُ

جودت سعيد... «على من تقرأ مزاميرك يا داود؟»

عاش المفكر السوري جودت سعيد غريباً، ومات غريباً؛ وستبقى أفكاره غريبة حتى تعود البشرية إلى رشدها! استنَّ جودت سعيد منهج «اللاعنف» ضمن ثقافة تقوم على «الغلبة، والثأر، والانتقام، و(ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة)، و(ألا لا يجهلنَّ أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا)»، ووسط بلدان شهدت احتلالات عسكرية واستعماراً أجنبياً غاشماً، ودول قومية مارست سطوة ووحشية في التعامل مع مواطنيها؛ حيث يرضع الطفل ثقافة العنف مع اللبن، وحيث تستعر في صدره كلما كبر مشاعر القهر والانتقام.

التنوير والتنويريون: جابر عصفور مر من هنا

لا يجود الزمان كثيراً بمفكرين عباقرة كالراحل الدكتور جابر عصفور، الذي رحل عن عالمنا في اليوم الأخير من العام المنصرم 2021، بعد أن قضى حياته يوقد مشاعل التنوير في العالم العربي. بعد حُقَبٍ طالت من التيه الفكري والحضاري. سبقت أوروبا العالم بولوجها عصر التنوير، حين فرت من هيمنة الخرافة، وخنوع الإنسان لسيطرة الكهنوت، وأعادت الاعتبار للعقل والتفكير العقلاني، وتحت وهج التنوير اشتعلت الثورة الفرنسية، وقامت نهضة أوروبا الحديثة، منذ أن أشعل الفلاسفة شعلة التنوير في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

المهمشون... لماذا يصمتون؟

في مسرحية «الزنوج» للكاتب الفرنسي من أصول جزائرية جان جينيه، (1910 - 1986)، التي عرضت في باريس 1958، يتم إلباس ممثلين من الزنوج أقنعة ليؤدوا أدوار النخبة الاجتماعية من البيض، هؤلاء قاموا بدور المحققين في جريمة بطلها قاتل أسود أُتهم باغتصاب امرأة بيضاء، يُحاكم النص نظرة الاستعلاء العنصرية نحو السود، وعبر لغة المحاكاة الساخرة يشترك الجمهور الأبيض في الأداء التراجيدي على خشبة المسرح، حيث ينجح الممثلون السود في دفع المشاهدين نحو عالمهم المسكون بهواجس التمييز وقلق الهوية، عندما يندمج الجمهور مع الأداء المسرحي، منفعلاً ومتفاعلاً مع قضية تستدعي كل عناصر الإثارة والحماس والتشويق، وأيضاً الانحياز...

المقهى باعتباره رمزاً ثقافياً...!

في قريتي، التي أصبحت بين البحر والنخل مدينة واسعة، جاءتها المقاهي مع العمال اليمنيين في بواكير الطفرة النفطية في السبعينات. كان عدد قليل من المقاهي ينمو على حافة القرية كاستراحة للعمال، وكانت العائلات المحافظة تحذر أولادها من ارتياد هذا المكان «الـمشبوه». اجتمع في المقهى جميع «الموبقات» آنذاك: التجمع، وشرب الدخان (الأرجيلة)، ولعب الورق والشطرنج والنرد، وتاج تلك الموبقات جميعاً: التلفزيون! في تلك القرية؛ هناك اليوم أكثر من ثلاثين مقهى بطرز فاخرة، تتوزع بين الأحياء السكنية، ويرتادها في الصباح والمساء مئات الشباب والفتيات، وبعضهم أصبح يعقد اجتماعاً أو يكمل عملاً أو يقرأ كتاباً في المقهى.

الفراشة والإعصار...!

«هل رفرفة أجنحة الفراشة في البرازيل يمكن أن تسبب إعصاراً في تكساس؟»؛ إذا كان يمكن لفيروس تافه تاه عن صاحبه في سوق للحيوانات بمدينة ووهان الصينية أن يفتك بالبشرية ويدخل الكرة الأرضية برمتها العناية الفائقة، ويقيد حركة سكانها، ويشل اقتصادها في زمن لا يعلم مداه إلا الله...؟! سؤال الفراشة، طرحه إدوارد لورنز عالم الرياضيات وأستاذ الأرصاد الجوية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أثناء خطابه أمام مؤتمر الرابطة الأميركية لتقدم العلوم، في عام 1972. ومنذ ذلك الوقت بدت نظرية «تأثير الفراشة» تأخذ موقعها في التفكير العلمي.

الفراشة والإعصار...!

«هل رفرفة أجنحة الفراشة في البرازيل يمكن أن تسبب إعصاراً في تكساس؟»؛ إذا كان يمكن لفيروس تافه تاه عن صاحبه في سوق للحيوانات بمدينة ووهان الصينية أن يفتك بالبشرية ويدخل الكرة الأرضية برمتها العناية الفائقة، ويقيد حركة سكانها، ويشل اقتصادها في زمن لا يعلم مداه إلا الله...؟! سؤال الفراشة، طرحه إدوارد لورنز عالم الرياضيات وأستاذ الأرصاد الجوية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أثناء خطابه أمام مؤتمر الرابطة الأميركية لتقدم العلوم، في عام 1972. ومنذ ذلك الوقت بدت نظرية «تأثير الفراشة» تأخذ موقعها في التفكير العلمي.