خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ

أدب الزيارات

هناك مثل عربي قديم يقول «زر غباً تزدد حباً»، وهو قول ما زال شائعاً بيننا، يفيد بأن كثرة الزيارة تقلل الاحترام، وتكثر الملل والكره. ويأخذ المثل صوراً متعددة: تسمعهم في الأردن يقولون: «كثرة الزوار يفقع المرار»، ويقولون في الإمارات «لا تكثر الدوس، ترى يعافونك»، وللهولنديين قول ظريف في ذلك: «الضيف اليومي مثل لص في المطبخ». وأول من قال «زر غباً تزدد حباً» هو معاذ بن صرم الخزاعي. أعمامه من بني خزاعة، وكان فارسهم، وأخواله من بني عك. بيد أنه كان يؤثر قضاء وقته بين أخواله، ويكثر من زيارتهم، مما يُعد على غير عادة العرب، فالرجل عندهم بعمومته، لا بخؤولته.

ملجأ الشعراء

من رجال الأعمال الذين لهم فضلهم على الأدب والشعر في العراق الحاج عبد الله الصراف، الذي كان بيته في النجف ملجأ ومحطة للمثقفين والمتأدبين والمتشاعرين. ولكن زيارة خاطفة طارئة نزلت عليه كالصاعقة في منتصف الليل عندما طرق بابه رهط منهم. كان بينهم د. جليل العطية، ومحمود الحبوبي، والشيخ محمد الخليلي، والشيخ محمد علي اليعقوبي. وجدوا أنفسهم جميعاً تحت رحمة عاصفة ممطرة أحالت دروب المدينة إلى بحر من الوحل والطين.

الحسقلة وما أدراك ما الحسقلة!

عندما تأسست المملكة العراقية في العشرينات، اجتاحت البلاد موجة عارمة من الحماس لبناء الوطن والتخلص من العنعنات الطائفية والعنصرية. تنافس الجميع في هذا المسعى بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية أو الدينية أو القومية. لم يكن المسؤولون يلتفتون الى شيء غير قدرة المواطن وكفاءته وخبرته، قدر الإمكان. لم يعترض أحد عندما رأوا رجلا كرديا مثل بكر صدقي يتولى قيادة الجيش ورئاسة الأركان. ولم يشكُ أحد من الحكم الصادر ضده من محكمة التمييز لمجرد أن رئيسها كان يهوديا، الأستاذ داود سمرة، الضليع في القانون.

ألم الفراق

جمعت ضفاف النيل لسنوات عديدة بين الشاعر حافظ إبراهيم وصديقه الأديب أحمد بدر، ولكن الزمان، مفرق الأحباب، فرق شملهما بعد أن رحل الأستاذ أحمد إلى بريطانيا للدراسة في جامعة أدنبره. شعر الشاعر بألم الفراق وبالشوق الحراق نحو صاحبه، ففاضت شجونه في قصيدة ميمية طويلة نشرها في 15 يوليو (تموز) سنة 1908، بث فيها لواعجه وشكواه من ضيق معيشته.

أشراف روما

لكل جديد مشاكله وطرائفه ولا سيما عند الانتقال من مرحلة إلى مرحلة. كذا جرى في العراق وفي كثير من البلدان العربية عند خروجها من قبضة الحكم العثماني ودخولها في عالم الانتداب والاستقلال في العشرينات والثلاثينات. وحيال انتشار الفساد الإداري والرشى مما كان ولا يزال شائعاً في أكثر دول العالم الثالث، أخذ الناس في العراق يطلقون على المسؤولين عما يجري من ذلك في اختفاء موجودات الدولة أو الواردات أو أموال الجمهور فيقولون: أشراف روما باكوها (سرقوها). وهذا استعمال لغوي، فما علاقة روما ببغداد أو العراق؟ ولماذا لم يفكروا في شيء أقرب؟

زعل الشعراء

ما إن نال العراق استقلاله عام 1920 حتى أصبح قبلة لأدباء الأمة العربية وعلمائها وفنانيها. كان منهم محمد عبد الوهاب ويوسف وهبي وأم كلثوم، ومن الزعماء والمفكرين عادل أرسلان وزكي مبارك وأمين الريحاني وسواهم. أقام رئيس الوزراء ياسين الهاشمي، حفلة تكريمية لعادل أرسلان عند زيارته لبغداد. لم تكن عندئذ أي قاعة للاجتماعات في العراق، فجرى الحفل في «سينما رويال»، التي تحولت فيما بعد إلى «سينما الحمراء» في شارع الرشيد قرب الجسر القديم. جرى تنظيم الحفل بصورة مستعجلة، فلم تصل الدعوات إلى الشاعر معروف الرصافي والشاعر الشعبي الملا عبود الكرخي.

ما أكثر ما قيل في الطمع

لقد كثرت الأمثال والحكم التي قِيلت في الطمع. وكانت العرب قد قالت أطمع من أشعب، وهو معروف. وأطمع من طفيل، وهو رجل من الكوفة ينسب إليه الطفيليون. وأطمع من فلحسن، وأطمع من مقمور. وقيل هذا لأن المقمور يطمع في استرجاع ما قمر وخسره. وقالوا أيضاً أطمع من قالب الصخرة. وهذا مثل تعود حكايته إلى رجل من معد رأى حجراً في اليمن كتب عليه «اقلبني أنفعك». فجاهد في قلبه حتى استطاع فوجد مكتوباً على الجانب الآخر «رب طمع يهدي إلى طبع»، وهو الدنس الشديد الوساخة. فاغتاظ الرجل وراح يضرب رأسه بالصخرة حتى سال مخه وفاض.

الحاجة للمحتاج

هناك كثير من الأمثلة تتعلق بالحاجة، مما يدل على مدى حاجة الجمهور للحاجة. والمثل القائل: «الحاجة للمحتاج» قول يقصد به أن على المرء أولاً أن يسد حاجة المحتاجين فعلاً. فمما أتذكره من حياة المدن العربية، أن كثيراً من الناس في هذه الأيام يذبحون الأضاحي، ويقدمون النذور، ثم يوزعون لحمها على أصدقائهم وجيرانهم وأقاربهم من الموسرين والمتمكنين؛ بل ويأكلون نصف الأضحية قبل أن يوزعوا شيئاً منها.

احتراماً للحفنة المثقفة

إذا كان لنا أن نقيس تأخر دولة واستبدادها بمقدار اضطهادها لعلمائها ومثقفيها، فيمكننا أن نقيس مدى تمدنها وحرصها على التقدم، من مقدار احترامها ورعايتها للعلماء والمفكرين والمثقفين. هكذا كان الأمر في عهد الدولة العباسية وأيام ازدهار الحضارة الإسلامية. وينبغي ونحن نقول هذا، أن نسرد هنا بعض الأمثلة المعاصرة من ذلك، وكان منها حرص المملكة العراقية على مكانة مفكريها ومثقفيها في صدر قيامها بإرساء حكمها الجديد في الثلاثينات. روى لي المرحوم داود السعدي، أحد النواب، كيف أنهم في الثلاثينات، واصل نواب المعارضة ضجيجهم واعتراضاتهم على السلطة.

مقلب على مطرب

لبس الملابس الأوروبية الرسمية في المناسبات الخاصة شيء يعاني منه حتى الأوروبيون؛ فما بالكم ببسطاء الناس في العراق في العشرينات والثلاثينات؟! انطبق ذلك بصورة خاصة على المطربين والفنانين الذين وجدوا أنفسهم مضطرين في المناسبات الرسمية إلى لبس ما كان يُعرف في العراق ببدلة «السموكنك». وقع في هذا المأزق المطرب الريفي الشهير حضيري أبو عزيز، رحمه الله.