قلعة الروم في جنوب تركيا تحكي قصة حضارات الفرات

مركز جذب سياحي مهم يحظى بمكانة فريدة

TT

قلعة الروم في جنوب تركيا تحكي قصة حضارات الفرات

تعاقبت حضارات مختلفة على قلعة الروم الواقعة على نهر الفرات بين محافظتي غازي عنتاب وهطاي بالقرب من الحدود السورية في جنوب تركيا. منها حضارة أورارتو والحضارات البابلية والسومرية والسلجوقية والعثمانية، وللقلعة قدسية خاصة لدى المسيحيين، إذ تقول بعض الروايات إن القديس يوحنا أقام في الجرف الصخري للقلعة خلال العصر الروماني، ونسخ الإنجيل بها وخبأ النُسخ في إحدى مغارات الجرف، قبل أن ينقلها في وقت لاحق إلى بيروت.
وتعد قلعة الروم مركز جذب سياحياً مهماً بتاريخها العريق والدور الذي يعتقد أنّها لعبته في نشر الديانة المسيحية، بالإضافة إلى جمال الطبيعة المحيطة بها.
وتعلو القلعة جرفاً صخرياً تحوّل إلى شبه جزيرة بعد إنشاء سد بيريجيك، وأصبح محاطاً من 3 جهات ببحيرة السد ونهر الفرات وجدول مرزيمان.
وتكتسي المنطقة المحيطة بقلعة الروم، جمالاً مختلفاً في الربيع بشكل خاص، وللقلعة مدخلان رئيسيان، يطلّ المدخل الشرقي على نهر الفرات، والغربي على جدول مرزيمان، وتعدّ أبواب القلعة أحد النماذج الفريدة للنقش على الحجر، فيما تعرّضت أجزاء كبيرة من سورها للدمار نتيجة الكوارث الطبيعية والحروب.
وتحتوي القلعة حالياً على كنيسة القديس نرسيس، ودير بارشاوما المبني في القرن الثالث عشر الميلادي، وبقايا عدد كبير من المباني، وخزانات المياه، والآبار.
وانتهت أعمال الترميم التي كانت تقوم بها وزارة الثقافة والسياحة للأسوار الغربية والشرقية للقلعة، ولدير بارشاوما أخيراً، ويقع الدير في الجزء الشمالي من القاعدة، ويتكون من قسمين متداخلين، تمكن واحد منهما فقط من الصمود حتى الآن، ويوجد فيه عدد من الأقبية المتداخلة.
ويقول خبراء آثار إنّ كنيسة القديس نرسيس، بنيت في القرن الثاني عشر بأمر منه، أو إنّها بنيت بعد وفاته إحياءً لذكراه، وتقع داخل سور القلعة في الجزء الجنوبي منها، وقد تحوّلت في العصر المملوكي إلى مسجد. ولم يتبقّ منها اليوم سوى واجهتها الشرقية.
ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن رئيس بلدية غازي عنتاب، فاطمة شاهين، أمس (السبت)، أنّ البلدية تقوم بكثير من المشروعات لتأهيل الأماكن الأثرية وترميمها، ومن ضمنها مشروع ترميم قلعة الروم، لافتة إلى أن منطقة القلعة تضمّ منازل بنيت في بدايات القرن العشرين، ورُمّمت أيضاً ضمن المشروع.
وأشارت إلى أن ضفاف نهر الفرات احتضنت كثيراً من الحضارات، ومن أبرز الشواهد على ذلك مدينة «زيوغما» الأثرية التي أدرجتها «اليونيسكو» في قائمة للتراث العالمي.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».