منتدى أصيلة يحتفي بالمفكر محمد سبيلا

من سباقي إبراز أهمية الفلسفة لفهم إشكاليات المجتمع المغربي

جانب من ندوة الاحتفاء بالمفكر محمد سبيلا في خيمة الإبداع  -  المفكر المغربي محمد سبيلا
جانب من ندوة الاحتفاء بالمفكر محمد سبيلا في خيمة الإبداع - المفكر المغربي محمد سبيلا
TT

منتدى أصيلة يحتفي بالمفكر محمد سبيلا

جانب من ندوة الاحتفاء بالمفكر محمد سبيلا في خيمة الإبداع  -  المفكر المغربي محمد سبيلا
جانب من ندوة الاحتفاء بالمفكر محمد سبيلا في خيمة الإبداع - المفكر المغربي محمد سبيلا

احتفت خيمة الإبداع في موسم أصيلة الثقافي الـ39، بالمفكر والباحث المغربي محمد سبيلا في ندوة استحضرت رصيده الفكري والفلسفي بعنوان «الدرس الفلسفي وسؤال الحداثة». وشارك فيها ثلة من طلبته الرائدين اليوم في مجال الفكر بالمغرب ومفكرين ملمين بمنجزه الفكري والإبداعي.
وقدم محمد بن عيسى أمين عام منتدى أصيلة شهادة في حق سبيلا، استهلها باستحضار أستاذه الراحل العميد محمد عزيز الحبابي، مؤسس الدرس الفلسفي بالجامعة المغربية، والذي أشرف وكون نخبة من الطلبة الأذكياء ووجههم للنهل من منابع التراث الفلسفي، وكان في طليعة هؤلاء اسم محمد سبيلا الذي يعود له الفضل في إغناء وإشاعة التفكير الفلسفي ودمجه في منظومة الثقافة الوطنية.
وتحدث بن عيسى عن الراحل محمد عزيز الحبابي، وذكر بمواظبته على حضور دورات موسم أصيلة الثقافي إذ كان مشجعا على المضي في هذا الرهان الثقافي الذي يقترب من عقده الأربعين، وتكريما له تم إطلاق اسمه على حديقة قبالة مكتبة الأمير بندر بن سلطان كرمز للتجدد والمعرفة واخضرار الفكر وقريبا من مكان يزخر بالكتب النفيسة.
من جهته، قال المحتفى به إنه ينتمي إلى المدرسة الفلسفية المغربية وإلى المدرسة الفلسفية المغربية الحداثية بالتحديد، وهي في أغلبها حداثية مع بعض الاستثناءات، واعتبر أنها امتداد لفكر الحركة الوطنية، لأن فكر هذه الحركة كان هو الرغبة في تحرير البلد من الاستعمار لكن أيضا الرغبة في التطوير والتقدم والاندماج في العالم، فالمحور الأساسي للمدرسة الفلسفية المغربية، يضيف سبيلا، هو استمرار التفكير في مصير المغرب في أفق كوني، وفي تعاطيها مع موضوع الحداثة تتميز بالكثير من العقلانية وأحيانا ببعض الراديكالية، وهو ما ميزها عن الكثير من التجارب العربية.
بدوره، تطرق حسونة المصباحي، وهو روائي وإعلامي تونسي، لموضوع الحداثة في بعض دول العالم العربي، وقال إن الحداثة رغم الجهود الكبيرة التي بدلت في كل من تونس والمغرب ومصر ولبنان لم تتمكن من أن تتجذر في المجتمعات العربية بسبب هيمنة الدين في نزعته الأصولية والسلفية على الحياة الاجتماعية والثقافية في البلدان العربية، وهي هيمنة تكاد تكون مطلقة ولا تترك المجال لأي فكر آخر بأن يشهد الرواج والانتشار.
من جهته، تحدث شرف الدين مجدولين، وهو ناقد وباحث وأستاذ التعليم العالي، عن سبيلا واصفا إياه بـ«أستاذ الأجيال» من الطلبة والباحثين والمشتغلين في الدرس الفلسفي المعاصر بالمغرب، ومن دون مبالغة، يقول مجدولين، إن تكريم سبيلا تكريم لزمن ثقافي ولجيل من الباحثين ولعقيدة ثقافية أثمرت ما يمكن وصفه بمجد الدراسات الفلسفية في المغرب المعاصر، ذلك المجد الذي استطاع أن ينقل هذا الدرس من لحظة التدريس إلى التأليف ومن التأسيس إلى التراكم ومن الندرة إلى الوفرة، وهذا التكريم هو بمعنى ما احتفاء بذاكرة الفنون والآداب والفكر والسياسة التي يمثلها موسم أصيلة ببعض منه وبدعامة أساسية لهذه الذاكرة.
وعرف عبد السلام بنعبد العالي، وهو كاتب ومفكر وأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، الفلسفة بأنها أداة للتحديث بلا منازع وهو ما يجعلها عرضة لمقاومات التقليد بشتى مظاهره، ثم إن مفهوم الحداثة نفسه موضوع للتفكير الفلسفي الحديث منذ عهد الفيلسوف «كانت».
أما نور الدين أفاية الكاتب والمفكر وأستاذ الفلسفة المعاصرة والجماليات، فيرى أن سبيلا كائن متعدد ولا يمكن اختزاله في صفة أو تسمية، فهو أستاذ خبر العملية التعليمية وهو فاعل سياسي جرب العمل الجماهيري وأساليب التعبئة والاستقطاب والجدال السياسي والآيديولوجي والحيل المناسبة التي يفرضها الفعل السياسي.
أما عادل حجامي الكاتب والباحث والأستاذ في الفلسفة المعاصرة، فأوضح أنه كثيرا ما يشير الناس إلى ضوء ما حتى يزداد لمعانه، ونحن اليوم أمام رجل بلغ سنا مهيبة عند الفلاسفة وهي سن السعادة الكبرى حيث تتواطأ الحقائق وتتطهر النفس من كل الإغراءات وتمنحها الحرية لكي تصير النفس محض براءة تنزع ما يحمله الجمل من هواجس القيم، وتصبح الروح مجرد وجهة نظر شفافة.
وبدوره استحضر أحمد شراك أستاذ علم الاجتماع وأحد طلبة سبيلا، أسلوبه وطريقته في التدريس والتلقين داخل قاعات الجامعة وحماسه في النقاش خاصة عندما يتعلق الأمر بالتباس ما في نظرية المعرفة التي كان يجيدها.
أما عبد المجيد جهاد أستاذ الفلسفة الحديثة، فتطرق إلى المشروع الثقافي والفكري لسبيلا، وقال إن إعادة التفكير في وضع المثقف وفي الدور المنوط به شكلت أولوية ضمن مشروعه الحداثي ككل وهناك أكثر من مصوغ موضوعي يبرر العودة للسؤال حول دور المثقف في فكر سبيلا.
من جهة ثانية، تحدث مبارك ربيع، وهو روائي وعميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء سابقا، عن انشغالات سبيلا الفلسفية والفكرية ووعيه بالحداثة، قال إن سبيلا نبه من التحديث لأنه أقصر نظرا من الحداثة، فالحداثة فلسفية تروم الإحاطة بالركائز الأساسية والفكرية لهذه الظاهرة الجديدة التي اجتاحت العالم من موقع أوروبي غربي في حين لا يزال العالم العربي يبحث عن مكانه فيها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».