لجنة التراث العالمي لليونيسكو تدرس ملف البلدة القديمة بالخليل

34 موقعاً تنتظر الانضمام للقائمة و5 في خانة الخطر

تدرس اليونيسكو في اجتماعها المقام بمدينة كراكوفا البولندية إدراج 34 موقعاً على قائمة التراث الإنساني ومن ضمنها البلدة القديمة بمدينة الخليل بفلسطين (أ.ف.ب)
تدرس اليونيسكو في اجتماعها المقام بمدينة كراكوفا البولندية إدراج 34 موقعاً على قائمة التراث الإنساني ومن ضمنها البلدة القديمة بمدينة الخليل بفلسطين (أ.ف.ب)
TT

لجنة التراث العالمي لليونيسكو تدرس ملف البلدة القديمة بالخليل

تدرس اليونيسكو في اجتماعها المقام بمدينة كراكوفا البولندية إدراج 34 موقعاً على قائمة التراث الإنساني ومن ضمنها البلدة القديمة بمدينة الخليل بفلسطين (أ.ف.ب)
تدرس اليونيسكو في اجتماعها المقام بمدينة كراكوفا البولندية إدراج 34 موقعاً على قائمة التراث الإنساني ومن ضمنها البلدة القديمة بمدينة الخليل بفلسطين (أ.ف.ب)

تدرس لجنة التراث العالمي في منظمة اليونيسكو، في اجتماعاتها الممتدة من اليوم إلى 12 من شهر يوليو (تموز) في كراكوفا البولندية، ملفات بعضها حساس، مثل ملف مدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة، فيما يأمل 34 موقعاً الانضمام إلى قائمتها الشهيرة.
وحسب ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية، فقد تنضم إلى المواقع الـ1052 المدرجة على قائمة التراث العالمي للبشرية 7 مواقع طبيعية، و26 موقعا ثقافيا وواحد مختلط، اعترافا «بقيمتها العالمية الاستثنائية».
ويشكل الإدراج على هذه القائمة مصدر فخر وطني، ومن شأنه أن يزيد عدد السياح ويسهل الحصول على مساعدات مالية، غير أنه قد يثير في المقابل جدلاً وطنياً واحتكاكات دبلوماسية.
فبعد قرارات اليونيسكو حول القدس التي أثارت استنكاراً وتنديداً كبيرين في إسرائيل، تدرس اللجنة هذه المرة ملفاً آخر شائكاً هو الطلب الفلسطيني العاجل بإدراج البلدة القديمة في مدينة الخليل التي تضم المسجد الإبراهيمي إلى لائحتها.
وقالت مديرة قسم التراث ومركز اليونيسكو للتراث العالمي ميشتيلد روسلر، رداً على سؤال حول احتمال قيام جدل حول هذه المدينة التي تجسد تعقيدات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: «الوضع الجيوسياسي معقد في هذه المنطقة».
لكنها شددت على أن «الأمر لا يتعلق بالسياسة. فعلى صعيد التراث العالمي تكون القرارات تقنية، والهدف هو الحفاظ على تراث يرتدي أهمية استثنائية». وأملت بحصول «نقاش في جوهر» المسألة.
وتعتبر وزارة الخارجية الإسرائيلية، أن إدراج المدينة الواقعة في الضفة الغربية المحتلة سيؤدي إلى «تسييس المنظمة».
وتجري النقاشات حول المواقع الجديدة المرشحة للانضمام بين السابع من يوليو والتاسع منه.
وستدرس اللجنة في الأيام الأولى من اجتماعاتها وضع المواقع المدرجة أساساً في القائمة.
وثمة 5 مواقع قد تنتقل إلى قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، من بينها للسنة الثالثة على التوالي وادي كاتماندو الذي ضربه زلزال عنيف عام 2015، ولا تحبذ نيبال هذا الأمر خشية إبعاد السياح. ومن المواقع الأخرى المرشحة لقائمة التراث المهدد بالخطر الوسط القديم لمدينة فيينا، بسبب مشروع عمراني كبير تقدر كلفته بـ300 مليون يورو، تعرض لانتقادات محلية، لكنه أقر نهاية يونيو (حزيران)، وهو يشمل برجاً يرتفع 66 مترا، أي أكثر من المستوى الذي حددته اليونيسكو لهذا الموقع وهو 43 مترا. وأوضحت روسلر: «في 1999 - 2000، أبلغنا عن مشروع ضخم جرى سحبه. كنت أعتقد أنهم استخلصوا العبرة، لكني كنت مخطئة».
في المقابل، أبدت المسؤولة ارتياحها لاقتراح سحب متنزه كوموي في ساحل العاج عن قائمة المواقع المهددة قائلة: «عندما ندرج موقعاً على هذه القائمة نحدد حالة الحفظ المرغوب فيها. وعندما نصل إلى المستوى المرجو ونقترح سحبه من القائمة، أشعر بالرضا».
ومن دواعي الارتياح الأخرى لروسلر اقتراح إدراج العاصمة الإريترية أسمرة، المعروفة بهندستها المعاصرة، التي تضم قاعات سينما من طراز «آرت ديكو»، ومحطات وقود ذات تصميم استشرافي... وكلها مبان «بألوان باستل فريدة وأطراف وزوايا مستديرة، لتكون شاهدة على الأنماط العقلانية والاستشرافية التي كانت رائجة في زمن إيطاليا الفاشية»، بحسب نص ترشيح إريتريا التي استعمرتها إيطاليا من نهاية القرن التاسع عشر حتى الحرب العالمية الثانية.
وقالت روسلر: «أسمرة مفخرة»، مشيرة إلى «صعوبة العمل في إريتريا»، و«النقص في تمثيل التراث المعاصر» في المشاهد الثقافية. وأضافت ممازحة: «نحن سعداء لورود ملفات من أنحاء أخرى من العالم، لأن هناك أمورا أخرى غير فرنسا، و(المهندس المعماري السويسري الفرنسي) لوكوربوزييه».
وقد أدرج نتاج لوكوربوزييه العام الماضي على القائمة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)