مغامرات مايكل باي في أرض العجائب

هل أنقذ الصينيون فيلمه الجديد؟

TT

مغامرات مايكل باي في أرض العجائب

«المشكلة هي في أفلام هذه الأيام. كلها إعادات صنع أو أجزاء… مجموعة من التفاهات».
العبارة لم يتفوه بها المخرج والمنتج مايكل باي، المشهور بسلسلة «ترانسفورمرز» التي يحط حالياً العدد الخامس منها على شاشات العالم، بل قالها واحد من شخصياته في الجزء السابق (2014). صاحب دار سينما يودع زمناً كان فيه الناس ترتاد الأفلام لقيمتها المعنوية والفنية وليس كمناسبة لشراء «البوب كورن» والكولا.
لكن مايكل باي، ابن الثانية والخمسين سنة الذي أمّ العمل السينمائي سنة 1995 بفيلم أكشن كوميدي ناجح عنوانه Bad Boys، يصنع مثل هذه «التفاهات» بنفسه واستخدم التعليق النقدي في ذلك الفيلم من باب القول إنه لا يستطيع فعل شيء حيال الموضوع لأن «الجمهور عاوز كده».
حسناً، هذا الأسبوع أخبره الجمهور بأنه ليس تماماً «عاوز كده» بل ربما له رأي آخر.
الجزء الخامس من السلسلة التي تروي حكاية صراع البشر مع وحوش ميكانيكية ضد وحوش ميكانيكية أخرى، تعثر في مطلع هذا الأسبوع وحدث له ما حدث لفيلم «المومياء» قبل أسبوعين ولفيلم ريدلي سكوتAlien‪:‬ Covenant قبل ذلك بثلاثة أسابيع.
صحيح أن «ترانسفرمرز: الفارس الأخير» (أو «ترانسفورمرز 5») احتل الموقع الأول هذا الأسبوع، إلا أن المبلغ المسجل له (أقل من 70 مليون دولار ببضعة ألوف) إيعاز بأن الجمهور ما عاد يجد في صراع الآلات الميكانيكية ما يثيره. وأن الهدير القوي الذي يصاحبها وهي تمشي أو حين تقع على الأرض فتهتز الصالة ذات الصوت المجسم وترتعد ما عاد له ذات الوقع في النفوس.
بما أنه تكلف 217 مليون دولار لصنع خزعبلاته، فإن طوق النجاة الوحيد بالنسبة إليه هو السوق العالمية وهناك ما يكفي من المنقذين إذ حط في الأسبوع ذاته في 41 سوقاً دولية مسجلاً قرابة 196 مليون دولار.
الصينيون وحدهم دفعوا فيه 123 مليون و400 ألف دولار بينما ساهم الكوريون بـ13 مليون والروس بتسعة ملايين وفي بريطانيا سجل قرابة 6 ملايين وفي ألمانيا 5 ملايين وصولاً إلى إيطاليا التي ضخت فيه مليوناً و900 ألف دولار.
* قوى كبرى
ومع أن هذه الأرقام هي حصيلة ما سجل في أيام افتتاحه الثلاث الأولى (من الجمعة الماضي وحتى مساء الأحد يوم أول من أمس) إلا أنها بدورها لا تكشف عن نشاط حميم لهذا الفيلم بين جمهور معظم الدول خارج شمالي القارة الأميركية. في الواقع، لولا ما حصده الفيلم في الصين، لرفعت شركة باراماونت المنتجة الراية السوداء رسمياً وهذا ما يؤكد سطوة السوق الصينية التي باتت السوق الأولى للفيلم الأميركي خارج الولايات المتحدة.
بالمقارنة، فإن الجزء الرابع من «ترانسفورمرز» قبل عامين ونصف كان سجل 858 مليون دولار في صالات العالم من بينها 16 مليون دولار في كوريا ونحو 11 مليون دولار في روسيا.
على الرغم من أهمية السوق العالمية، فإن هوليوود لا تزال تنظر إلى سوق أميركا الشمالية (تضم الولايات المتحدة وكندا والمكسيك) كالفرصة الذهبية التي عليها الفوز بها. كلمة الفصل الأولى التي إما يدخل الفيلم المعروض الخانة الخضراء سالماً أو الخانة الحمراء خاسراً.
هذا بسيط الإدراك، لأن توزيع الفيلم داخل هذه الدول لا يكلف كتوزيعه في خارجها. بما أن نحو 50 في المائة هو المعدل الذي تتقاضاه الصالات العارضة بنسب متفاوتة ضمن الأسابيع الأربعة الأولى، فإن التكلفة ترتفع إذا ما تم حسبان كلفة طبع النسخ وترجمتها والإعلان عنها وما يداخل كل ذلك أو يتبعه. صحيح أن هذه «الفواتير» هي ذاتها التي تتحكم بعروض الفيلم أميركياً، إلا أنها أقل تكلفة في الداخل من الخارج.
ومنذ مطلع هذا العام وهناك ما يشير إلى أن «القوى الكبرى» (على حد العبارة المستخدمة في مسلسل «ستار وورز») لم تعد تقف تماماً وراء هذه الأفلام.
حتى الآن، ومنذ مطلع السنة الحالية، تم توفير ستة أفلام من هذه الأحجام الكبيرة إلى الجمهور الأميركي نصفها حقق أقل من المطلوب، ونصفها الآخر تجاوز الخطر.
الأفلام التي فشلت هي «قراصنة الكاريبي 5» الذي حقق 155 مليون دولار مقابل تكلفة بلغت 230 مليون دولار. وباعتماد مبدأ التكاليف المذكور أعلاه فإن الصافي من هذا الإيراد لا يتجاوز 88 مليون دولار، مما يكشف عن الهوة الكبيرة بين الميزانية والحصيلة.
الفيلم الثاني هو «آليان: كوفينانت» الذي حرص على ألا تتجاوز تكلفته المائة مليون دولار (غير الدعاية والإعلان) لكن الحصيلة حتى الآن لم تتجاوز الـ75 مليون دولار. والفيلم الثالث هو «المومياء» الذي سجل للآن (في أسبوعين) 70 مليون دولار في مقابل تكلفة وصلت إلى 125 مليون دولار.
* نجاحات مبكرة
الأفلام الناجحة هي «حراس المجرة 2» الذي جمع 337 مليون دولار، و«ووندر وومان» الذي حقق حتى الآن 293 مليون دولار (وما زال عرضه نشطاً) وبالطبع «الجميلة والوحش» الذي هو فيلم كبير الإنتاج (160 مليون دولار) وأنجز داخل أميركا الشمالية وحدها 504 مليوناً.
و«والت ديزني» أنتجت ثلاثة من هذه الأفلام الستة هي «حراس المجرة» و«الجميلة والوحش» و«قراصنة الكاريبي»، وحيدها الخاسر.
«فوكس» أنتجت فيلماً واحداً بينها هو «آليان: كوفينانت» وشركة «يونيفرسال» أنتجت «المومياء» وكلاهما خسر معركته مع الجمهور، بينما أنتجت وورنر فيلم «ووندر وومان» بنجاح.
هذا ما يعيدنا إلى المخرج مايكل باي الذي إذا ما نظرنا إلى جدول أعماله سنجد أنه يضم مشروعين لاحقين تحت راية «ترانسفورمرز» للسنتين المقبلتين معرضين الآن للشطب أو للتأجيل على الأقل.
مايكل باي تعود على النجاح. سلسلة «ترانسفورمرز» هي، بالنتيجة ومنذ أن انطلقت لأول مرّة سنة 2007، دليل ذلك، لكنها ليست الأعمال الوحيدة الناجحة لهذا المخرج - المنتج. بعد «فتيان سيئون» في سنة 1995 سارع بإنجاز فيلم ناجح آخر هو The Rock الذي كان أحد آخر ثلاثة أفلام للممثل المنسحب إلى جزر الكاريبي شون كونيري. الفيلم الكوارثي «أرماغادون» سنة 1998 كان ثالث أفلامه مع بروس ويليس وبيلي بوب ثورنتون وبن أفلك في الأدوار الأولى.
هذا كان أول رابط بين المخرج باي وسينما الخيال العلمي، لكنه مال إلى تحقيق فيلم حربي في سنة 2001 هو «بيرل هاربور»، مع بن أفلك أيضاً والراحل جوش هارتنت وبينهما كايت بكنسايل.
كل أفلامه حتى الآن كانت من فوق الميزانية المعتدلة، لكن هذا الفيلم كان، إلى ذلك الحين، أكثرها تكلفة، إذ وصلت إلى 140 مليون دولار. لكن الجمهور العالمي لم يخبه وحقق الفيلم أكثر من 600 مليون دولار داخل وخارج الولايات المتحدة.
في الوقت ذاته، كان الفيلم الأول الذي واجه فيه باي غالبية نقدية رافضة له. ليس فقط أن نقاد السينما وجدوا أن التمثيل رديء من الثلاثة المذكورين، وأن الحكاية تتبلور كعرض عاطفي بين الثلاثة أكثر من كونها فيلماً عن الكارثة الحربية التي ألمّت بالولايات المتحدة عندما دكت الطائرات اليابانية ميناء بيرل هاربور، بل وجدوا، وعن صواب، أن المخرج إنما أراد استغلال الكارثة العسكرية ومن مات فيها لغاية بذر حبوب قصة حب في تربتها.
العودة إلى جزء ثان من «فتيان سيئون» كان بانتظاره في عام 2003 ثم، وبعد صيام عن الأفلام دام ثلاث سنوات أنجز الجزء الأول من مجموعة «ترانسفورمرز» بميزانية 144 مليون دولار. الإيرادات اقتربت حينها من بليون دولار.
من حينه وهو في أعقاب هذا الفيلم الواحد الطويل باستثناء ثلاثة أفلام غير ناجحة، أكبرها «الجزيرة» (2005)، فيلم حركة وهروب بطلاه إيوان مكروغر وسكارلت جوهانسن. تبعه بفيلم معتدل التكلفة هو «ألم وخسارة» عن ثلاثة رجال من رافعي الأثقال (دواين جونسون وأنطوني ماكي ومارك وولبرغ) الذين يجدون أنفسهم متورطين في شبكة علاقات مشبوهة تكشف عن عصابة تريد استغلالهم.
الفيلم الثالث كان «13 ساعة» الذي خصّه لتناول قيام الجيش الأميركي بإنقاذ موظفي السفارة الأميركية في بنغازي. مبني على حكاية واقعية ومنفّذ كما لو كان المخرج ومصوّره حاضرين لكن الاستقبال النقدي كما الجماهيري لم يكن بذات الشغف.
مايكل باي هو أيضاً منتج مشغول بالعمل بمشاريع من إخراج آخرين، من بينها في السنوات الأخيرة فيلم الرعب «ويجا» (Ouija) وفيلم التشويق «المشروع ألماناك» (Project Almanac) كما الجزء الأخير (والفاشل على كل المستويات) من سلسلة Teenage Mutant Ninja.
باي كان صرح قبل سنوات خمس، ما بين جزأي «ترانسفورمرز» الثالث والرابع، أنه يريد تحقيق فيلم صغير يبتعد فيه عن كل هذه الأعمال الضخمة وذات المسؤولية الكبيرة. اختياراته من المشاريع خارج هذه السلسلة لا تجسد هذه الغاية، وإلى أن يقرر فعلاً تحقيق فيلم عن حالات بشرية متواضعة، فإن ما قاله صاحب صالة السينما في الجزء الرابع من «ترانسفورمرز» يصلح تماماً لكي يعبّر عن الأفلام التي تجذب هذا المخرج أكثر من سواها.


مقالات ذات صلة

«بادينغتون في البيرو»... الدب الأشهر يحفّز البشر على مغادرة منطقة الراحة

يوميات الشرق في فيلمه السينمائي الثالث ينتقل الدب بادينغتون من لندن إلى البيرو (استوديو كانال)

«بادينغتون في البيرو»... الدب الأشهر يحفّز البشر على مغادرة منطقة الراحة

الدب البريطاني المحبوب «بادينغتون» يعود إلى صالات السينما ويأخذ المشاهدين، صغاراً وكباراً، في مغامرة بصريّة ممتعة لا تخلو من الرسائل الإنسانية.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق المخرج العالمي ديفيد لينش (أ.ف.ب)

رحيل ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة

هل مات ديڤيد لينش حسرة على ما احترق في منزله من أرشيفات وأفلام ولوحات ونوتات موسيقية كتبها؟ أم أن جسمه لم يتحمّل معاناة الحياة بسبب تعرضه لـ«كورونا» قبل سنوات؟

محمد رُضا (بالم سبرينغز (كاليفورنيا))
يوميات الشرق أحمد مالك وآية سماحة خلال العرض الخاص للفيلم (الشركة المنتجة)

«6 أيام»... رهان سينمائي متجدد على الرومانسية

يجدد فيلم «6 أيام» الرهان على السينما الرومانسية، ويقتصر على بطلين فقط، مع مشاركة ممثلين كضيوف شرف في بعض المشاهد، مستعرضاً قصة حب في 6 أيام فقط.

انتصار دردير (القاهرة)
سينما النجم الهندي سيف علي خان (رويترز)

سيف علي خان يصاب بست طعنات في منزله

تعرض نجم بوليوود الهندي سيف علي خان للطعن من متسلل في منزله في مومباي، اليوم الخميس، ثم خضع لعملية جراحية في المستشفى، وفقاً لتقارير إعلامية.

«الشرق الأوسط» (مومباي)
سينما لقطة لبطلي «زوبعة» (وورنر)

أفلام الكوارث جواً وبحراً وبرّاً

مع استمرار حرائق لوس أنجليس الكارثية يتناهى إلى هواة السينما عشرات الأفلام التي تداولت موضوع الكوارث المختلفة.

محمد رُضا (بالم سبرينغز)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».