من الممكن أن تحيل النجاح إلى رقم يُستند إليه سينمائياً، لديك في نهاية الأمر شباك التذاكر، له إيراد واضح، ولكن كيف يحصل ذلك تلفزيونياً، في ظل قسوة ماراثون رمضان الذي شهد هذا العام كما الأعوام الماضية كثيراً من الأرقام التي تتردد عن كثافة المشاهدة وأغلبها لا تعبر عن الحقيقة، ولكنّها مجرد اجتهادات بحسن نية، أو ربما قناة فضائية تحاول الترويج لنفسها، فتصدر للرأي العام بعض الاستفتاءات الرقمية (المضروبة)؟
عدد من النجوم يكتفي بالصمت، ولكن هناك من يعتبرها معركته، اضطرت ياسمين عبد العزيز قبل أيام أن تعلنها صريحة وبلا مواربة أنا الأعلى أجراً بين كل النجوم، وذلك رداً على التساؤلات التي لاحقتها حول مسلسلها «هربانة منها»، الذي لم يحقق كثافة مشاهدة عالية، صادف المسلسل أكثر من انسحاب في توقيت حرج قبل رمضان، ولهذا يجري تصويره الآن مثل أغلب المسلسلات حتى نهاية رمضان، وكأنّه يخرج ساخناً من الاستوديو مباشرة للشاشة، كان آخر المنسحبين المطرب تامر حسني الذي وضع ياسمين في مأزق، ولكن لأنّها تُشكل ورقة قوية على مائدة شركات الإنتاج التلفزيوني، استطاعت أن تتجاوز كل المعوقات، ربما كانت ياسمين هي الأعلى أجراً بين النجمات كما تقول، ولكن المؤكد أنّ الأرقام التي يحصل عليها النجوم الرجال مثل عادل إمام ومحمد رمضان وكريم عبد العزيز وأحمد السقا تلفزيونياً هي الأعلى.
قانون الحياة الفنية يرفع شعار «قل لي كم هو أجرك، أقل لك من أنت؟»، مع الأسف صارت هذه هي القاعدة في تقييم الفنانين، بل في كثير من مناحي الحياة، صحيح أنّ كل شيء في الدنيا من الممكن إحالته إلى رقم، ولكن ليس صحيحاً أنّ كل ما في الدنيا تزداد قيمته كلما ارتفع الرقم.
كثيراً ما يتنابز النجوم بالأرقام، بل عدد منهم يروج أخباراً للأجر مبالغاً فيها بناء على اتفاق مسبق مع شركة الإنتاج التي كثيراً ما تعلن عن أرقام غير حقيقية يتقاضونها عن المسلسل أو الفيلم أو الأغنية. والمقصود هو أنّ «العيار اللي ما يصيبش يدوش»، ومصلحة الضرائب كثيراً ما تصدق تلك الأرقام وتضاهي الخبر المنشور بالإقرار الضريبي الذي قدمه الفنان، فتكتشف أنّ «البون» شاسع فتأتي الإجابة على لسان النجوم «ده كلام جرائد حد عاقل يصدق الجرائد»!!
بعيداً عن تلك التفصيلة، هل هناك ارتباط شرطي بين الرقم الذي يتقاضاه النجم في التلفزيون ومكانته على الخريطة الفنية بوجه عام، كما يقولون لكل مقام مقال، ولكل نجم أيضاً مجال، كانت وستظل السينما لها قانونها وللتلفزيون قانونه، لدينا نجوم تلفزيون تصالحهم الشاشة الصغيرة وتضعهم في البؤرة، بينما هؤلاء لا مكان مميزاً لهم على شاشة السينما، أفلامهم غير قادرة على جذب المتفرج إلى دار العرض وإقناعه بقطع تذكرة السينما.
لا شك أنّ البعض استطاع اختراق تلك الحواجز بين الشاشتين، بل في «الميديا» كلها مثل عادل إمام، مهما كان مستوى ما يقدمه من الأفلام والمسلسلات والمسرحيات، فإنّنا في النهاية بصدد نجم يحقق أعلى الأرقام في كل الوسائط، ولكن هل هذا ينطبق على الآخرين؟ لدينا نموذج صارخ هو يحيى الفخراني نجم تلفزيوني استثنائي، بل هو يحظى في كثير من الاستفتاءات بلقب «الأول»، ورصيده من الجوائز يشهد بذلك، وعدد من مسلسلاته صار يعاد عرضها كثيراً خارج رمضان بناء على رغبة المشاهدين، إلا أن يحيى مبتعد عن السينما منذ نحو 20 عاماً، كما أن أفلامه بحساب الإيرادات على الرغم من أهميتها وحصولها على مراكز متقدمة في قائمة الأفضل، فإنها لا تحقق الرقم الأكبر في الشباك.
بينما ياسمين عبد العزيز هي النجمة الوحيدة بين جيلها التي لها شباك تذاكر واضح في السينما، ولهذا فمن البديهي أن تقدم لها مشروعات تلفزيونية، إلا أن العكس غير صحيح في مجمله، مهما كان نجاح النجم لافتاً تلفزيونياً، فإن هذا لا يعني أن السينما ترحب به بطلاً.
دعونا مثلاً نلقي نظرة على نجمة صار موطنها الأصلي التلفزيون ولا تمنحها السينما نجاحاً موازياً، لديكم مثلاً غادة عبد الرازق منذ 7 سنوات، ولها مسلسل تلعب بطولته، وعلى الرغم من تباين مستوى ما تقدمه على شاشة التلفزيون، وهذا العام لم يكن مسلسل «أرض جو» لصالحها، فإنها ولا شك تضمن لها كل عام مساحة من الوجود على خريطة رمضان، الوجه الآخر للحكاية وهو أين غادة كبطلة سينمائية؟ كل محاولاتها وآخرها «اللي اختشوا ماتوا» باءت بالفشل في شباك التذاكر، القدرة على جذب الجمهور للسينما، تختلف بين النجوم، وغادة نجمة صار الجمهور متعوداً أن يراها أمامه في البيت بث مباشر، ولا يذهب إليها ويتكبد مشقة دفع ثمن التذكرة، أفلامها كبطلة مع تتابعها مثل «بون سواريه» و«كلمني شكرا» و«ريكلام» و«جرسونيرة» وغيرها تؤكد ذلك، فهي غير قادرة على الجذب.
لديك مثلاً ورقة مثل يوسف الشريف الذي يحجز لنفسه سنوياً مكاناً مميزاً في الدراما، المؤكد أنّه هذا العام يُقدم واحداً من أكثر المسلسلات استحواذاً على الجمهور في «كفر دلهاب»، وهو منذ عام 2012، له مسلسل يحقق قدراً لا ينكر من الجماهيرية، مثل «رقم مجهول»، ليحجز لنفسه مكانة على الخريطة التلفزيونية، كبطل للعمل الفني، ولكن على الجانب الآخر كانت هناك محاولات لصناعة نجم سينمائي باءت بالفشل، حتى إن يوسف شاهين في فيلم «هي فوضى»، راهن عليه وخسر الرهان.
لدينا أيضاً مصطفى شعبان بعيداً عن مستوى أعماله التجارية التلفزيونية بطبيعتها، فإنه لم ينجح سينمائياً، وأيضاً كان يوسف شاهين يراه بطلاً ومنحه الفرصة في فيلمه «سكوت ح نصور»، ولعب بطولة أفلام أخرى مثل «الشرف»، و«النعامة والطاووس»، و«أحلام عمرنا»، و«فتح عينيك» و«رومانتيكا»، إلا أنه لم يصبح بعد نجماً جماهيرياً في السينما، بينما صار نجاحه التلفزيوني مميزاً ومعترفاً به. بدأ صعوده التلفزيوني قبل 16 عاماً في «الحاج متولي»، ابن الحاج نور الشريف، الذي كان متزوجاً من أربعة، ومن الواضح أن اللعبة صارت مفضلة بالنسبة له فصرنا نشاهده بطلاً مع قسط وافر من النساء بداية من «العار»، وتعدّدت المسلسلات مثل «الزوجة الرابعة»، و«مزاج الخير»، و«دكتور أمراض نسا»، و«مولانا العاشق»، و«أبو البنات»، وأخيراً «اللهم إني صايم»، وكلها للحقيقة تحظى بهجوم نقدي كاسح، ولكن في الوقت نفسه تحظى أيضاً بإقبال جماهيري منقطع النظير.
لدينا أمير كرارة هذا العام حقق قفزة جماهيرية في مسلسل «كلبش»، قبلها شاهدنا له أكثر من مسلسل رمضاني كبطل مثل «الطبال»، و«حواري بوخارست»، و«ألف ليلة وليلة»، هذه المرة كان نجاحه استثنائياً ولافتاً، والغريب أن يعرض في «الماراثون» الرمضاني نفسه مسلسل «الحصان الأسود» لأحمد السقا، لم يحقق السقا أي نجاح يذكر، المفارقة أنهما في أفلام العيد يلتقيان في «هبوط اضطراري»، البطل هو أحمد السقا ويقف بطلاً مساعداً في الفيلم نفسه أمير كرارة، هل من الممكن أن يحقق أمير رغبته الدفينة في أن يصبح بطلاً سينمائياً ويتفوق على السقا؟ حلم يبدو الآن بعيد المنال.
أيضاً هذا العام سمية الخشاب التي عادت بطلة في مسلسل تجاري «الحلال»، كان لسمية طموح قبل 16 عاماً لتصبح بطلة سينمائية، ولعبت بالفعل بطولة فيلم «رانديفو»، وشاركت مع المخرج خالد يوسف في بطولة أكثر من فيلم مثل «حين ميسرة»، و«الريس عمر حرب»، ثم تعثرت سينمائياً وعادت للمسلسلات، السينما لا تزال بعيدة.
ياسر جلال كان هو بحق الحصان الأسود في رمضان هذا الموسم بمسلسله «ظل الرئيس» استطاع أن يسرق الاهتمام، وتذكر الناس ياسر مجدداً بطلاً، كانت السينما قدمته ومن خلال فيلمين شارك في بطولتهما أمام نادية الجندي «بونو بونو»، و«الرغبة»، ولكنّه لم يتحقق كنجم شباك، وعاد في أدوار موازية للبطل مثل «شد أجزاء» أمام محمد رمضان، إلا أن حلم البطولة السينمائية لا يزال يراوده.
هناك أيضاً رغبة عكسية لنجم السينما لكي يحقق نجاحاً جماهيرياً عبر الشاشة، وهو مثلاً ما نجح في تحقيقه هذا العام كريم عبد العزيز، في مسلسل «الزيبق»، ومن الممكن أن يلعب التلفزيون دوراً إيجابياً في اتساع دائرته الجماهيرية سينمائياً.
يسمح قانون التلفزيون لنجم السينما بأن يقدم مسلسلاً كل عام أو اثنين، بينما قانون السينما صارم في هذا الشأن لا يسمح بالمثل، فهو لا يمنح ببساطة لنجم تلفزيوني تأشيرة سينمائية تسمح له بالبطولة، إلا إذا كان يتمتع بمواصفات نجم السينما، وتلك ومضة ومنحة خاصة قادرة على جذب الجمهور من البيت إلى دار العرض، لا يتمتع بها إلا عدد محدود جداً من النجوم.
نجوم يصالحهم التلفزيون وتخاصمهم السينما
موطنهم الأصلي الشاشة الصغيرة
نجوم يصالحهم التلفزيون وتخاصمهم السينما
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة