الفنان العربي في الدراما المصرية حضور يتحدى جواز السفر

أنصاف الموهوبين يريدون إغلاق الباب

حلاوة الدنيا - هند صبري - هيفاء وهبي - مسلسل 30 يوم
حلاوة الدنيا - هند صبري - هيفاء وهبي - مسلسل 30 يوم
TT

الفنان العربي في الدراما المصرية حضور يتحدى جواز السفر

حلاوة الدنيا - هند صبري - هيفاء وهبي - مسلسل 30 يوم
حلاوة الدنيا - هند صبري - هيفاء وهبي - مسلسل 30 يوم

عدد كبير من الممثلين العرب صاروا يشغلون مكان الصدارة في كثير من المسلسلات المصرية. لا أتحدث فقط عن شهر رمضان، ولكن وجود الفنان العربي على الخريطة الدرامية أصبح يشكّل عمقا استراتيجيا في كل شهور العام، ولم يعد محل تساؤل أو دهشة، حيث لمعت أسماء من تونس ولبنان والأردن وسوريا، مثل إياد نصار وباسل خياط وياسر المصري وهيفاء وهبي ومنذر رياحنة وظافر العابدين وكارمن لبس وسوزان نجم الدين وغيرهم، وهذا الأمر ليس وليد هذا الزمن، ولكنّه متغلغل في طبيعة الإنتاج الفني منذ البداية في زمن السينما و(الأبيض والأسود)، إلّا أنّه مع الانتشار الفضائي أصبح هو الذي يحرك المنظومة الفنية كلها، حيث اتسعت الرقعة التي يتوجه إليها المسلسل لتصبح عربية وليست فقط مصرية، فكان من المنطقي أن يصعد على الفور الكثير من الفنانين العرب، ليتجاوزا حاجز الجغرافيا المحدود بالوطن.
هل لا يزال المشاهد يسأل نفسه هل هند صبري مصرية أم تونسية؟ هل تفرق معه وهو يشاهدها تؤدي باقتدار، دورا مثل أمينة الشماع في مسلسل (حلاوة الدنيا)، هل يتفحّص جواز سفرها، أم أنّه يراها فتاة مصرية تتحدث اللهجة بطلاقة، بل وقبل اللهجة وأهم منها، سيجد مشاعرها وقدرتها على الأداء هي التي تستحوذ على اهتمامه، أتذكر أننا في اللجنة العليا لمهرجان القاهرة السينمائي، ونحن نرشحها لنيل جائزة فاتن حمامة للتميز، لم نسأل أنفسنا هل تحصل عليها باعتبارها مصرية أم عربية؟ وتركنا الباب مفتوحا فهي هند صبري وكفى.
الحقيقة أنّ لا أحد يهتم للأمر بل لا فرق لديهم، إلا مع الأسف، عدد قليل من محدودي الموهبة، الذين يعتقدون أنّ وجودهم في الساحة الفنية مرهون بابتعاد عدد من الفنانين العرب الذين صارت لهم مساحتهم على الشاشة، من ينظر تحت أقدامه يرى أنّهم يزاحمونهم في أكل العيش، بل وصل الأمر قبل نحو 9 سنوات في نقابة الممثلين المصرية، أنّه تمّ الدفع بنقيب الممثلين أشرف زكي، لإصدار قرار متسرع وغير مدروس لتحجيم وجود الفنان العربي في مصر بحجة إتاحة الفرصة للفنان المصري، كان القرار يعوزه ليس فقط الرؤية السياسية التي تؤكد أن مصر هوليوود الشرق، ولكن أيضا غاب عنه البعد الاقتصادي، لأن المسلسلات التي يشارك فيها فنان عربي، لها مردودها التسويقي في البيع للفضائيات، وبالطبع تصدى عدد من الأقلام لهذا القرار الساذج، وقلت يومها في أحد البرامج على الهواء، بعد إصدار القرار بساعات، إنّه سيسقط فور صدوره فهو ولد لكي يموت (إكلينيكيا)، لا أحد من حقه أن يصادر مشاعر الناس، الجمهور يختار ما يريده بحرية مطلقة، وهو الذي يقول للفنان استمر أو توقف.
في كل المجالات نستمع إلى مثل هذه النعرات التي تعبر عن مصلحة صغيرة تحاول أن ترتدي ثوبا فضفاضا بدعوى أن دور الدولة والنقابات، هو الدفاع عن المنتج المصري، هل الفن الذي يخاطب الوجدان من الممكن أن ينطبق عليه قانون البضائع ما بين محلي ومستورد؟، لقد بلغ الأمر أن أحد المطربين أعلن على صفحته أنّ كل مطرب عليه أن يلتزم بلهجة بلده، فلماذا يغني الخليجي أو اللبناني بالمصرية. كان يقصد تحديدا المطرب الإماراتي حسين الجسمي الذي ردّد له المصريون الكثير من الأغنيات الشعبية والوطنية مثل (بشرة خير)، ولم يسأل أحد عن جنسيته، بل من فرط حبهم له طالبوا بمنحه الجنسية المصرية، هل ننسى أغنيات نانسي عجرم التي تهتف بحب مصر، (أنا مصري وأبويا مصري وخفة دمي مصري) من يخرج من القلب يدخل للقلب، وهكذا تقبل الناس حسين ونانسي وإليسا وهيفاء وهبي وراغب علامة ووائل جسار وغيرهم، مثلما تقبلوا قبل 60 سنة المطربة اللبنانية نجاح سلام وهو تغني (يا أغلى اسم في الوجود يا مصر).
القضية في الحقيقة ليست وليدة هذه الأيام بل هي موغلة في القدم، إنّها «الفوبيا» التي تعني الخوف المرضي الشديد، والتي تستخدم فيها كالعادة كلمات مزعجة تتردد على طريقة «جحا أولى بلحم ثوره»، و«اللي يعوزه البيت يحرم ع الجامع»، فمن هو جحا الذي يحاولون إقناعه بتناول الثور وحده؟ وما هو البيت الذي ينبغي أن يستولي على ميزانية الجامع، إنّه الممثل المصري في الدراما الذي لم يعد وحده كما أنّ الوجه الآخر من الصورة هو المذيع المصري، الذي أصبح ينافسه بقوة المذيع العربي، بينما على أرض الواقع سقطت في السنوات العشر الأخيرة تلك الحواجز، حيث صار العمل التلفزيوني عربيا ولا يحق لأحد الآن، أن يفتش في جواز السفر.
الدنيا تجاوزت تلك الشكليات مع تغيير قانون التسويق، إذ أصبح العمل الدرامي يباع إلى الفضائيات العربية بأسماء النجوم. في الماضي، أقصد زمن التلفزيون الأرضي، كان يكفي المسلسل أن يعرض في نطاق بلد الإنتاج، الآن صار هناك أكثر من جهة عربية لها رأي ينبغي مراجعته أولا، عصر الفضاء فرض قانونه الجديد، لأنّ المعادلة الإنتاجية تفرض ذلك على الجميع.
كانت أم كلثوم أول نقيبة للموسيقيين في مصر فور إنشاء النقابة في نهاية الأربعينات، واختاروها بعد منافسة شديدة مع خصمها في ذلك الوقت الموسيقار محمد عبد الوهاب، حين كانت أم كلثوم تحظى بثقة الموسيقيين، مع السنوات الأولى لتولي أم كلثوم مقاليد رئاسة النقابة، فوجئت بهذا الشعار الذي يرفعه عدد من أعضاء النقابة خاصة المطربات (أخي جاوز الظالمون المدى- جاءت صباح بعد نور الهدى)، أم كلثوم تصدت لهذه الصيحات الساذجة، التي أرادوا من خلالها إغلاق الباب أمام المطربة صباح، بعد أن سبقتها بسنوات قليلة المطربة اللبنانية نور الهدى، القصيدة أساسا كما غنّاها ولحنها عبد الوهاب كانت ضد إسرائيل (أخي جاوز الظالمون المدى فحق الجهاد وحق الفدى)، فهل وصل العداء لهذا الحد.
هل من الممكن أن نخصم من أغانينا كل ما قدمته باللهجة المصرية أسمهان، وفريد الأطرش، ونجاح سلام، وسعاد محمد، وصباح، وفايزة أحمد، ووردة الجزائرية، مرورا بسميرة سعيد، ولطيفة التونسية، وصولا إلى أصالة ونانسي وإليسا ووديع الصافي ورائعته «عظيمة يا مصر»، وبالمناسبة الراحل وديع منحوه الجنسية المصرية، ولكني لا أتصور أن الأمر يختلف سواء حمل الجنسية أو ظل فقط لبنانيا.
ظاهرة الفنان العربي في الدراما، نرصدها مع نقطة فارقة في مسلسل (حدائق الشيطان) وذلك قبل 10 سنوات، كان المخرج إسماعيل عبد الحافظ يبحث عن ممثل يلعب دور (مندور أبو الدهب) الثري الصعيدي واعتذر أكثر من خمسة نجوم مصريين لأسباب مختلفة، بعضها يتعلق بالأجر، وكنا على مشارف رمضان ويجب تصوير المسلسل، فقرر المخرج الاستعانة لأول مرة بجمال سليمان في الدراما المصرية، كان قد شاهده في أحد المسلسلات السورية، ونجح جمال وصار له جمهور عريض في مصر، وفتح الباب أمام أسماء أخرى من أبناء بلده جاءوا تباعا، مثل تيم حسن وباسم ياخور وباسل خياط وكندة علوش وجومانة مراد وسوزان نجم الدين وسلاف فواخرجي وسلافة معمار وغيرهم لتمتلئ الساحة. وبالطبع من الممكن أن ننتقد فنانا عربيا يؤدي دورا مصريا ليس لكونه عربيا، ولكن لتعثره في الأداء، مثلما أخفق جمال سليمان قبل ثلاث سنوات، في أداء دور جمال عبد الناصر في مسلسل (الصديقان)، لأنّه لم يستطع ضبط اللهجة بينما نجح مثلا الأردني ياسر المصري، وبنسبة كبيرة، في أداء دور ناصر في مسلسل (الجماعة 2)، الأمر متعلق بالقدرة على التقمّص، لدينا نجوم أضاءوا الشاشات المصرية يستحقون الحفاوة، بدلا من أن يمعن البعض النظر في جواز السفر!!



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».