«الحرباية»... مسلسل بلا طموح فني أو فكري

هيفاء وهبي تواجه هيفاء وهبي

محمد كيلاني وهيفاء وهبي كما يبدوان في المسلسل  -  هيفاء وهبي بطلة «الحرباية»
محمد كيلاني وهيفاء وهبي كما يبدوان في المسلسل - هيفاء وهبي بطلة «الحرباية»
TT

«الحرباية»... مسلسل بلا طموح فني أو فكري

محمد كيلاني وهيفاء وهبي كما يبدوان في المسلسل  -  هيفاء وهبي بطلة «الحرباية»
محمد كيلاني وهيفاء وهبي كما يبدوان في المسلسل - هيفاء وهبي بطلة «الحرباية»

كتب أحدهم على صفحته الحمد لله إن رمضان خلانا نشوف هيفاء وهبي ترتدي الخمار وتصلي، كان ذلك بالطبع في مشهد بمسلسل «الحرباية»، ونسي هؤلاء أن هيفاء في أحد مشاهد فيلم «دكان شحاتة» ارتدت النقاب أيضا وذلك قبل نحو 8 سنوات، فالأمر ليس جديدا عليها ولا علينا. يحلو للبعض أن يحطم الخط الفاصل بين هيفاء وهبي الفنانة وهيفاء وهبي الإنسانة، لدينا صورة ذهنية عن هيفاء يسعى البعض حثيثا لتثبيتها، متجاهلين أن هيفاء من المؤكد ليست هي الخادمة «عسلية» بنت البلد الشعبية في «الحرباية».
المسلسل مهدد بالمصادرة حيث إن المنتج والقناة لم يتقدما به للرقابة، قبل العرض، حتى يتم تصنيفه رقابيا فوق 18. كما أن المجلس الأعلى للإعلام في أول تقرير له أرسله للفضائيات، اعترض على مشهد ترقص فيه هيفاء وهبي لزوجها، واعتبره موقفا خليعا يستحق الحذف، بينما المسلسل يستحق المراجعة في كل حلقاته لأنه في تقرير اللجنة لا يليق بشهر رمضان.
دائما هيفاء مع تغير اسم العمل الفني والظروف والمفردات إلا أن الخبر متكرر، والثابت دائما هو أن هناك مأزقا مع الأجهزة الرقابية التي إذا لم تصل إلى حدود المصادرة فهي تلوح باستخدام هذا السلاح، في العادة نستطيع أن نرصد أعمالا درامية أكثر جرأة في هذا الاتجاه، ولكن لأنها هيفاء فلقد أصبحت بمثابة لوحة تنشين.
هل العمل الفني أم أنها هيفاء وهبي؟ لا شك أن هناك ارتباطا شرطيا صار مرادفا لاسم هيفاء، حضورها في أي مسلسل أو فيلم أو أغنية، يعني مباشرة عند البعض أنه مثير للجدل ويحمل تجاوزا ويضرب عرض الحائط بكثير من الثوابت، ليس هذا في الحقيقة هو الواقع في كل مرة، ولكن الصورة الذهنية التي تنتقل بها من عمل فني إلى آخر هي التي طرحت هذا الإحساس.
برغم كل هذا الهجوم الكاسح فأنا أرى أن هيفاء وهبي ممثلة تملك القدرة على التعبير الحركي والجسدي على شرط أن يتوفر نص ومخرج، المأزق أن أغلب الأعمال الفنية التي تعرض عليها تبدو وكأن الكاتب يفكر في استثمار ملامحها أو تحديدا الصورة الذهنية التي ارتبطت بها، فهو يكتب دراما تشبه هيفاء مثلما نشاهدها في «الحرباية» تأليف أكرم مصطفى وإخراج مريم حمدي.
مشوارها في مجال التمثيل يتجاوز نحو عشرة أعوام، بدأتها بفيلم «بحر النجوم» وتتابعت الأفلام مثل «دكان شحاتة» ثم الفيلم الذي صادرته الرقابة قبل ثلاثة أعوام «حلاوة روح»، ثم عاد لدور العرض بحكم القانون، ولكن ظل الإحساس لصيقا بها أنها فنانة تتجاوز الخطوط الحمراء.
لها في الدراما مشوار بدأ قبل ثلاثة أعوام «كلام على الورق»، ثم «مريم» و«مولد وصاحبه غايب»، في الغناء تجد أن هيفاء تغني باللبناني والمصري على مستوى الكلمة واللحن، ولكن دراميا هي لا توجد سوى في مسلسلات درامية مصرية وباللهجة المصرية.
هيفاء مشروع فني يحمل مقومات الاستثمار بدليل أنها مطلوبة سنويا على مائدة رمضان الدرامية وعندما تغيب مثلما حدث العام الماضي، يصبح قراراها، لها رقم في التوزيع على الفضائيات يضعها في المقدمة بين النجمات.
هل هو مجرد استثمار تجاري لفنانة لها نجومية أم أن هناك ما هو أعمق؟ الحضور والاستحواذ على الجمهور والقدرة على إثارة الترقب لا يمكن أن تصبح هي فقط مقومات الفن، مع الزمن ستتلاشى، هي في الحقيقة ممثلة صاحبة موهبة ولكن تحتاج إلى دائرة درامية أوسع لتنتقل إلى آفاق أرحب في الأداء، ولكنهم يخنقونها في إطار واحد لا يتغير.
المطرب الناجح وعبر الزمن هو هدف لكي يجد له مساحة على الشاشة، كانت ولا تزال الدراما هي الدائرة التي يتحرك فيها المطربون، البداية كانت المطربة نادرة عندما نطقت السينما المصرية عام 1932 هي أول من لعبت بطولة فيلم «أنشودة الفؤاد» وبعدها بدأ محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد وليلى مراد ومحمد فوزي وعبد العزيز محمود وعبد الحليم حافظ وصولا لمطربي هذا الجيل، ولهذا لم تبتعد كثيرا هيفاء وقررت النزول لحلبة التمثيل، رغم أن عددا من مطربي هذا الجيل لم يحسموا تماما تلك العلاقة المتشابكة، مثل شيرين أو أنغام فهما توجدان ولكن على استحياء، بينما نانسي عجرم وإليسا وراغب علامة قرروا الابتعاد، ولكن هيفاء حسمت الموقف واحترفت مهنة التمثيل.
رغم أن المطرب عادة ما يهرب من قيود التصوير في المسلسلات، لما تتطلبه بالنسبة له من قيود تحول دون تواصله في الحفلات، الحساب الاقتصادي أحد عوامل هروب المطربين من الدراما، الحفلات تحقق ربحا أكبر، ولكن في العادة لا يذكرون ذلك والحجة المعلنة أنهم لم يجدوا النص، أو لم يجدوا أنفسهم في هذا المجال، في كل الأحوال، المسافة ليست بعيدة، لأن الأصل في المطرب هو الإحساس النغمي وإحالته إلى تعبير بالصوت. الممثل الموهوب يمتلك أيضا القدرة على التعبير الجسدي للنغمة الدرامية، كما أن الإيقاع والتقاطه خيط مشترك بين الممثل والمغني.
هيفاء تجيد التعبير في الحالتين، ولكن هم يرسمون تفاصيل على صورتها الذهنية فهي «عسلية» الجميلة في الحارة والكل يحلم بها، الكل يريد استثمارها، بما فيهم شقيقتها التي أدت دورها الراقصة دينا، النقطة الفارقة هو الحادث الذي تعرضت له هيفاء وهبي في الحلقة رقم 15 وبداية ظهور الطبيب الذي أدى دوره عمرو واكد، فهي في الأساس مطاردة ومتهمة وهكذا سنجد هيفاء وقد انطلقت إلى دائرة أخرى لتعيش مع طبقة الأثرياء والمقصود طبعا أن يشعر المتفرج أنها مطاردة وغير آمنة حتى داخل جدران المجتمع الجديد الذي دخلت إليه صدفة بعد حادث السيارة.
تستطيع أن تقرأ أن الحلقات المقبلة وهي تشير إلى بداية خيط عاطفي، يجمعها مع عمرو واكد لتنتقل من بيئة شعبية سيطرت على أغلب مشاهد النصف الأول من رمضان لتنتقل إلى طبقة ثرية، بمفردات مغايرة لما بدأت به الحلقات في النصف الأول من رمضان.
وكأن الدراما صارت لها ملامح واحدة سابقة التجهيز الدرامي وهذا يحيل الأمر إلى حالة من الثبات والعبثية، وكأنك تشاهد ما سبق لك أن شاهدته مع تغيير فقط في أسماء الأبطال.
في المسلسل استوقفني أداء خالد كمال وفيدرا وتميم عبده، وببساطة كعادته يقدم عمرو واكد دوره، المشكلة هي أن المسلسل لا يملك من أسلحة سوى أن لديه هيفاء، أقصد الصورة الذهنية التي تراكمت لدى المشاهد وكأن هيفاء صار عليها أن تواجه هيفاء، وتلك هي المشكلة!!



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».