أوبرا جديدة لموسيقى «الروك» عن الإمبراطور «نيرون» تشعل نيران الجدل في روما

تعرضت للانتقاد باعتبارها ممارسة مبتذلة تسيء إلى أحد معالم المدينة

أوبرا جديدة لموسيقى «الروك» عن الإمبراطور «نيرون» تشعل نيران الجدل في روما
TT

أوبرا جديدة لموسيقى «الروك» عن الإمبراطور «نيرون» تشعل نيران الجدل في روما

أوبرا جديدة لموسيقى «الروك» عن الإمبراطور «نيرون» تشعل نيران الجدل في روما

لم يكن الإمبراطور الروماني الفاسد نيرون، الذي أمر بإحراق المدينة الخالدة تحت ناظريه، وقتل عائلته بأكملها تقريباً، بذاك السوء كله، وفقاً لعرض موسيقي إيطالي جديد مثير للجدل.
حتى 10 سبتمبر (أيلول) المقبل من المفترض أن يستمر عرض «ديفاين نيرو - روك أوبرا» (نيرون الإلهي - أوبرا لموسيقى الروك)، وأعلن عنها باعتبارها عرضاً عالي الجودة، ولكنها تعرضت للانتقاد أيضاً باعتبارها ممارسةً مبتذلة تسيء إلى أحد معالم روما.
يقول المنتج الفني إرنستو ميجلياتشي: «نيرون الخاص بنا سيفاجئكم، إنه مختلف للغاية عن ذلك الذي قرأتم عنه في كتب التاريخ، إنه نوع ما الإصدار الثاني من نيرون. إنه شخصية معاصرة جداً». لكن القصص الكلاسيكية عن حكم نيرون، التي كتبها منتقدوه، ينظر إليها الآن باعتبارها منحازة. وقد رد المؤرخون الحديثون له الاعتبار جزئيا، مستبعدين على سبيل المثال الأسطورة عن تعمده إحراق روما، «وعزفه» أثناء مشاهدتها تشتعل.
في العرض الموسيقي، يبدو نيرون شخصية حساسة، مخنثاً نوعاً ما يتوق إلى أن يصير فناناً، يتم دفعه إلى الحياة العامة من قبل أمه الماكرة أجريبينا، يتحول للوحشية متى صار في السلطة، ولكن في نهاية المطاف يجد الخلاص مع وفاته.
في ختام العرض الموسيقي، في قطعة تسمى «هنا يبدأ الخلود»، يقارن نيرون نفسه بالمسيح بينما يغني: «أراد السلام والمحبة كثيراً حتى إنه مات، وأنا أريد السلام والمحبة كثيراً، حتى إني قتلت».
العرض الممتد لساعتين، ليس غامضاً دقيقاً ولا طليعياً تجريبياً، ولكنّ به مزيجاً من الإيقاعات الجذابة المستوحاة من تلك المشابهة لموسيقى فريق الروك البريطاني «كوين»، والموسيقى التصويرية لفيلم «ذا غلادياتور» (المصارع)، وموسيقى ديسكو ثمانينات القرن الميلادي الماضي والمسرح الشعبي الروماني، إنه بالتأكيد مسلّ.
وأكبر نقطة تسويقية له هي الموقع: قطاع من المنتدى الروماني مطل على الكولوسيوم (المدرج الروماني) حيث كان يعتقد أن نيرون بني هناك قاعة احتفالات مذهلة تدور باستمرار لمتابعة النجوم واستضاف فيها طقوس عربدة جامحة.
وعملت مجموعات من مصممي الرقصات الحائزين على جائزة الأوسكار، ومصممي الأزياء والملحنين على المشروع ذي الميزانية الضخمة، جنباً إلى جنب مع المنتج المخضرم فرانكو ميجلياتشي، الذي شارك في كتابة أغنية فولاري «لنحلق»، وهي من كلاسيكيات خمسينات القرن الماضي، وربما تكون الأغنية الإيطالية الأكثر شهرة في جميع أنحاء العالم.
غير أن كثيراً من دعاة حماية البيئة اعترضوا على الهيكل الصلب «الوحشي» البالغ ارتفاعه 36 متراً، الذي يضم 3 آلاف مقعد، الذي تم إنشاؤه من أجل العرض. وانتقد آخرون منحة عامة للعرض قيمتها مليون يورو (1.1 مليون دولار أميركي).
وكتب المؤرخ الفني توماسو مونتاناري في صحيفة «لا ريبوبليكا» في أبريل (نيسان) الماضي يقول: «استخدام المنتدى الروماني مسرحاً للعروض الرائجة والآثار الأصيلة كخلفية لعرض موسيقي رديء عن نيرون؟ (...) إنها فكرة فظيعة».
وقد وقف وزير الثقافة داريو فرانسشيني، والمشرف على الآثار في روما فرانشيسكو بروسبريتي، إلى جانب هذه المبادرة التي تشكل جزءاً من حملة أوسع للسلطات الإيطالية التي تعانى من ضائقة مالية، لتعزيز السياحة والاستفادة القصوى من التراث الغني للبلاد.
ويقول بروسبريتي في افتتاحية لصحيفة «كوريير ديلا سيرا»: «غالباً ما يتم استحضار (احتياجات الحفاظ) لتطويق المناطق القيمة، بل على العكس من ذلك، يجب أن تكون جزءاً من حياتنا اليومية، ولهذا اعتقدت أن العرض الموسيقي لن يكون شيئاً مدنساً».
ويدفع المنتجون 250 ألف يورو إلى الخزانات العامة، بالإضافة إلى 3 في المائة من مبيعات التذاكر، لدعم مشاريع الصيانة والحفظ المحلية. وهناك خمسة عروض باللغة الإنجليزية في الأسبوع، برسوم دخول تتراوح من 45 يورو إلى 180 يورو.
وكان العرض الأول للأوبرا الأربعاء الماضي بالإيطالية، في ظروف فوضوية إلى حد ما، إذ تسببت الإجراءات الأمنية المشددة في تأخير بداية العرض لمدة 90 دقيقة. وأدت إلى استقبال مختلط من جمهور الحفل، وشكاوى من جيران «استثنائيين».
وقالت الأخت روزالبا من دير سان سيباستيانو البلاتينو، الذي يقع بجوار المكان، لصحيفة «لا ريبوبليكا»: «إنهم يبدأون (بالضوضاء) في فترة ما بعد الظهر ويستمر الأمر حتى منتصف الليل وما بعده». وأضافت: «عندما يتوقفون، يمكننا أخيراً أن ننام، لكننا نستيقظ للعمل والصلاة والدراسة في الخامسة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».