المدن الذكية: مرحلة جديدة من التقدم الحضاري في المنطقة العربية

يشهد 2014 إنجاز عدد منها يفوق كل السنوات الماضية مجتمعة

المدن الذكية: مرحلة جديدة من التقدم الحضاري في المنطقة العربية
TT

المدن الذكية: مرحلة جديدة من التقدم الحضاري في المنطقة العربية

المدن الذكية: مرحلة جديدة من التقدم الحضاري في المنطقة العربية

يتغير مفهوم المدن الذكية في مختلف أرجاء العالم، وتجد منطقة الشرق الأوسط نفسها في قلب هذا الحراك الجديد المدهش. وسيشهد عام 2014 إنجاز عدد من المدن الذكية يفوق كل السنوات الماضية مجتمعة، والمحرك الرئيس لهذا النشاط هو الدعم الإضافي الذي تقدمه هيئات عالمية مثل البنك الدولي والحكومات المركزية في دبي والمملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة والصين وغيرها، إلى جانب الاهتمام المتزايد بها من قبل المؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام.
تعريف المدن الذكية
وتحدثت «الشرق الأوسط» مع موكيش تشولاني، مدير أبحاث التوجهات الحكومية في الشرق الأوسط وأفريقيا وتركيا لدى شركة «آي دي سي» IDC لمعلومات واستشارات أسواق تقنية المعلومات والاتصالات العالمية، الذي قال بأنه يجب توافر ثلاث صفات محددة في حلول أي مدينة لتعد ذكية، هي انتشار الحزمة العريضة بشكل واسع لجمع البيانات ونقلها بشكل آني أو شبه آني من أجل جمع البيانات وتجميعها ويجري جمع البيانات عبر مختلف الحلول البرمجية، وذلك عبر أجهزة مثل المستشعرات وعدادات المواقف وقارئات الرخص، أو مباشرة من المواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الاجتماعية.
الصفة الثانية توفر برمجيات وخدمات لمعالجة وتصفية وتوحيد البيانات المجمعة من أجل استكشاف المعلومات وتحليلها ويجب دمج البيانات الجديدة مع مجموعات البيانات السابقة. وتستخدم برمجيات تحليلية لاكتشاف التوجهات وتوقع مخرجات المعلومات، ومن هذه البرمجيات التحليل التنبؤي والتحليل الاجتماعي. وتعرض المعلومات بطريقة آلية بعد ذلك عبر لوحات التحكم أو أدوات إدارة النظم أو التنبيهات التي تعطي الاستجابة المثلى للمعلومات التي جرى تحليلها.
الصفة الثالثة والأخيرة هي توفر آليات الاستجابة التلقائية للمعلومات التي يجري تحليلها. ويجب تجهيز الإجراءات المطلوبة سواء عند الاستجابة الآلية أو تلك التي تتطلب تدخلا بشريا، وذلك للقيام بالتصرف المناسب والاستجابة للمعلومات وتنفيذ الاستجابة المثلى وقياس مخرجات الحلول.
ويعد الهدف النهائي للمدينة الذكية التمكن من الوصول إلى اقتصاد مزدهر فيها، سواء بالنسبة لقطاع الأعمال أو للمواطنين أو للحكومة. ويجب أن تعمل الحلول الفعالة للمدينة الذكية على تحقيق التكامل بين المعلومات والعمليات الموجودة في الأنظمة المختلفة في المدينة. فعلى سبيل المثال، يستلزم ضمان الأمن العام بشكل فعال وذكي أن تقدم الحكومة رؤية شاملة لإدارة حدودها ومراقبتها والاستجابة لحالات الطوارئ وغيرها من الأنظمة ذات الصلة.
مجالات مختلفة
وتوجد خمسة مجالات مهمة يجب التركيز عليها فيما يتعلق بالمدن الذكية خلال السنة المقبلة: التنمية الاقتصادية، والاستدامة، ومشاركة المواطنين، وتطوير نظام بيئي داعم وإبرام الشراكات، والابتكار. وبدأنا نشهد ارتباطا حقيقيا بين هذه الأهداف والابتكارات التقنية، وأصبحت سبل تسخير التقنية لتسهيل «الحياة في المدينة» و«زيارة المدينة» و«التجول في المدينة» و«العمل في المدينة» من المواضيع التي يتمحور حولها النقاش بين رؤساء البلديات ومستشاريهم في أنحاء العالم.
وللمدن الذكية ارتباط عميق بالاستدامة، فهي محرك مهم لمثل هذه المبادرات، وتمثل الكفاءة في استهلاك الطاقة والماء قضايا ملحة في الشرق الأوسط نتيجة الشح في المياه والتغيرات المناخية. وحيث إن المناطق الحضرية من مصادر الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، فقد بدأت المزيد من المدن تدرك الدور الذي يتوجب عليها القيام به من أجل تحسين كفاءة الطاقة وتقليل انبعاثات الكربون. وأصبحت الاستدامة تتطلب جهدا منسقا على مستوى المدينة كلها، إلى جانب استراتيجيات محكمة للمدن الذكية.
أما مشاركة المواطنين، فهي نقطة أساسية وتمثل الخطوة التالية في تأسيس نظام حكم تشاركي ومفتوح. ولتحقيق هذه الغاية، تركز المدن الذكية على توفير شفافية أكبر من خلال عدم تقييد البيانات وإتاحة الوصول إليها بشكل مستمر، ما يزيد من النفوذ السياسي للمواطنين عبر تطوير قدراتهم على استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي والأجهزة المحمولة في أي زمان ومكان. وستشهد الأنظمة البيئية الداعمة والشراكات حركة أكبر من حيث تشكيل وتطوير الشبكات التي تمكن مختلف الشركاء من العمل معا على مشاريع المدن الذكية. وبشكل عام، فإن ذلك سيشمل مختلف منتجي وبائعي التقنية والدوائر المدنية والكليات والجامعات، وعلى الأرجح مستويات أخرى من الإدارات الحكومية البعيدة عن المدن.
ويمثل الابتكار موضوعا أساسيا يساند كل الأجزاء الأخرى، نظرا لأن المدن الذكية بطبيعتها تسعى لحل التحديات الحضرية بطرق جديدة، من خلال تغيير إجراءات العمل وتبديل سلوك العاملين والمواطنين، وفي النهاية إضفاء الطابع المؤسساتي على عملية الابتكار.
المدن الذكية
في المنطقة العربية
واكتسبت مبادرات المدن الذكية زخما في دول مجلس التعاون الخليجي في السنوات الأخيرة، مع إعلان ثلاث دول منها عن مشاريع مدن ذكية في المستقبل: ست مدن اقتصادية جديدة في المملكة العربية السعودية (تكملها جهود الارتقاء بمدن مثل مكة المكرمة نحو وضع المدن الذكية)، وثلاثة مشاريع في قطر (مدينة لوسيل الذكية والمستدامة، وجزيرة لؤلؤة قطر، ومدينة الطاقة القطرية)، ومشروعان في الإمارات العربية المتحدة (مدينة مصدر في أبوظبي، وتحويل دبي إلى مدينة ذكية).
وتركز الجهود الخاصة بالمدن الذكية في أنحاء المنطقة على محورين؛ الأول رفع معايير المدن القائمة، والثاني المبادرات الجديدة. وستبدأ البلديات في المنطقة بتخصيص الموارد من أجل تطوير مشاريع المدن الذكية التي تلبي الاحتياجات الخاصة بالسكان. وتضع السعودية على رأس أولوياتها تطوير معايير التعليم والتدريب، إلى جانب الرعاية الصحية، وصولا إلى مشاريع المدن الذكية. وعلى سبيل المثال، تقوم أربع جامعات عامة في الرياض بالفعل باستخدام نظام مشترك لقبول الطلاب بشكل متزامن يدعى «القبول الموحد»، ومن المحتمل أن يجري توسيعه ليشمل كل أنحاء البلاد لزيادة تأثيره بشكل أكبر. وبالإضافة إلى ذلك، شهدت المملكة أخيرا أيضا نجاح تطبيق حلول الصحة العامة لإدارة الأمراض في أربع مدن لتعزيز إدارة مخاطر الأمراض المعدية. ويسمح النظام للمختصين بجمع ومشاركة وتحليل المعلومات الصحية المهمة من أجل إدارة الصحة العامة، وخصوصا في حالات انتشار الأمراض المعدية. كما يشكل النقل بالطبع محورا رئيسا أيضا، حيث تنفذ حاليا عدة مشاريع عملاقة في أنحاء المملكة لتطوير أوضاع النقل العام في المدن.
مراحل النضج
ويطرح مسؤولو المدن غالبا أسئلة من قبيل كيف يمكن لمدنهم أن تصبح مدنا ذكية؟ وما المدن الأخرى التي يعدها محللو الشركة «ذكية»؟. ويحدد نموذج مراحل نضج المدينة الذكية المجالات الرئيسة لأفضل الممارسات، ويقيسها على مدى خمس مراحل نضج، لتأمين خريطة طريق للبلديات الراغبة في تطوير استراتيجية المدينة الذكية وتطبيقها.
ويضيف موكيش تشولاني أنه في العام الحالي ستكون 15 في المائة فقط من المدن في العالم في المرحلة الثانية من النضج (اغتنام الفرص)، وسيكون خمسة في المائة فقط في المرحلة الثالثة (قابلية التكرار). وستكون معظم المدن في المرحلة الأولى (الارتجال)، التي تتميز بأداء الأعمال كالمعتاد مع اتخاذ القرارات بشكل منعزل وعدم اتساق الميزانيات والإجراءات بين الإدارات المختلفة، وعدم تشارك المعلومات والتقنيات والاستفادة المثلى منها. وتتطلب المرحلة الرابعة (الإدارة) تطبيق أنظمة رسمية تتيح للمدن توقع احتياجات سكانها وقطاع الأعمال فيها وتوفير خدمات وقائية قبل ظهور المشاكل. وفي الوقت نفسه، فإن الوصول إلى المرحلة النهائية (المتطورة) يستلزم إجراءات تحول طويلة المدى تمتد من عشر سنوات إلى 15 سنة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».