انطلاق «احتفالية تراث بيروت الطبيعي والعمراني» بعروض فنيّة منوّعة

بهدف الحفاظ على موقعي «قصر حنينة» و«دالية الروشة» الأثريين

شعار الاحتفالية
شعار الاحتفالية
TT

انطلاق «احتفالية تراث بيروت الطبيعي والعمراني» بعروض فنيّة منوّعة

شعار الاحتفالية
شعار الاحتفالية

تحظى بيروت باثنين من أصل 50 موقعاً في العالم، أدرجهما «الصندوق العالمي للتراث» في عام 2015، على قائمة المراقبة. هذان الموقعان حُدّدا بـ«قصر حنينة» الواقع عند تقاطع القنطاري - زقاق البلاط، و«دالية الروشة» الذي يقع في منطقة الرملة البيضاء، ويسعى الصندوق إلى رفع الوعي لدى الناس بشأن التهديد المحدق بهما كموقعين أثريين وثقافيين.
ومن هذا المنطلق تنظّم لجنة «تراث بيروت الطبيعي والعمراني» وتحت عنوان «يوم مراقبة التراث»، احتفالية خاصة بالمناسبة تمتدّ على مدى أربعة أيام متتالية تبدأ في 18 مايو (أيار) الجاري وتنتهي في 21 منه.
وأشارت سهير مبسوط، إحدى المشاركات في تنظيم الاحتفالية، إلى أنّ على اللبنانيين الافتخار بهذين الموقعين اللذين لحظهما «الصندوق العالمي للتراث» على قائمة المراقبة من بين مواقع عالمية أخرى. وأضافت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «تأتي هذه الاحتفالية للفت نظر اللبنانيين عامة والفعاليات السياسية والمعنيين بهذا الموضوع خاصة. ونحن كلجنة تراث بيروت أخذنا على عاتقنا القيام بهذه الاحتفالية بناء على رغبة الصندوق المذكور أن من شروطه تنظيم احتفاليات بهذا المستوى للمواقع التي يختارها من أجل حمايتها، والحدّ من الأخطار التي تواجهها من ناحية، ولجذب اهتمام أكبر عدد من الناس بها من ناحية ثانية». وتابعت: «إن إدراج هذين الموقعين وغيرهما من المواقع التراثية العالمية المهددة بالخطر، يستمر وجوده على لائحة الصندوق العالمي للمراقبة لمدة سنتين فقط، وبذلك تكون هذه الحملة ستشرف على نهايتها مع انصرام عام 2017».
وتتضمن الاحتفالية التي تُنظّم للسنة الأولى، عروضاً فنيّة وأخرى ثقافية منوّعة، يتخللها إضاءة شموع في «دالية الروشة»، لتختتم بعدها مع «مهرجان الدالية» الذي يتضمن برنامج نشاطات مختلفة طيلة يوم كامل.
وتستهلّ الاحتفالية في 18 الشهر الجاري، بمعرض فوتوغرافي يضم أعمالاً لتلاميذ مدارس شاركوا في مسابقة أطلقتها اللجنة في أوائل هذا العام حول «أفضل صورة فوتوغرافية» تُلتقط لموقع «دالية الروشة».
هذا المعرض الذي سيشكّل افتتاحية الاحتفالية سيُستضاف في القاعة الزجاجية لوزارة السياحة في شارع الحمراء في بيروت. أمّا في منطقة زقاق البلاط، حيث يقع الموقع الثاني (قصر حنين)، فسيجري مساء اليوم نفسه، عرض فيلم سينمائي لجوسلين صعب بعنوان «حياة معلّقة» في صالة المعهد الشرقي.
وفي اليوم التالي للاحتفالية 19 مايو، تُنظّم اللجنة عرضا بصريا عن الناحية الفنية التي يتمتّع بها موقع «دالية الروشة»، بمشاركة غاليري (تمبيروري آرت) الذي تبقى أبوابه مفتوحة حتى موعد انتهاء الاحتفالية المذكورة. ويُستضاف في المقابل في الموقع الثاني، معرض فني حول «قصر حنينة» وميزاته الهندسية، ابتداء من السابعة صباحاً ليستمر حتى التاسعة مساء.
وتنظّم اللجنة في اليوم الثالث للاحتفالية 20 مايو، نشاطات مختلفة في منطقة زقاق البلاط يتخللها إقامة «سوق الطيّب» للأكلات والمؤونة اللبنانية، وذلك في شارع حسين بيهم، إضافة إلى تنظيم جولات سياحية داخل المنطقة المذكورة للوقوف على أحيائها وأزقتها التراثية، ولا سيما «قصر حنينة» الواقع فيها. كما ستتلى قراءات عن الموقع الأثري المذكور من قبل فادي طفيلي ومنذر بعلبكي تتناول تاريخ القصر والمنطقة ككلّ. وعند السادسة والنصف مساء، ينطلق الجميع سيراً على الأقدام من أمام المنتجع السياحي «صخرة عدن» في منطقة الرملة البيضاء، وصولاً إلى موقع «دالية الروشة»، فيضيئون الشموع على طول الطريق الممتدّ بين الموقعين. ثمّ يتبعه عرض سينمائي في الهواء الطلق لفيلم «أولاد بيروت» لسارة سراج. وبموازاة تلك النشاطات ستجري حملة تنظيف الموقع من خلال لمّ النفايات المنتشرة في أرجائه.
وفي اليوم الأخير للاحتفالية في 21 مايو، تُنظّم لجنة «تراث بيروت الطبيعي والعمراني»، مهرجان «الدالية» الذي يستهلّ نشاطاته من الحادية عشرة صباحاً حتى الثامنة مساء. ويتخلّله عروض موسيقية وجولات بحرية يقودها صيادو السمك في المنطقة، إضافة إلى حوارات ونقاشات تُنظّم في أرجاء «دالية الروشة» التي ستشهد أيضاً إقامة «سوق الطيب». أمّا منطقة زقاق البلاط فستشهد في المقابل خلال اليوم نفسه، نشاطات ثقافية يتخللها نزهة أدبية وجولات ميدانية ومحاضرات وندوات في تاريخ المنطقة يشارك فيها «دار الكتّاب العالميين» في بيروت.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».