تشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية إلى أن نحو 222 مليونا من الأزواج في البلدان النامية يودون تأخير الحمل أو إيقافه. ويهدف البعض منهم إلى تحديد عدد الأطفال الذين يرغبون في إنجابهم، بينما يهدف البعض الآخر إلى المباعدة بين فترات الحمل والولادة. ويمكن تحقيق ذلك باستعمال أساليب منع الحمل المختلفة.
ضرورة وقائية
وترى منظمة الصحة العالمية أن استخدام وسائل منع الحمل يقدم دعما في الوقت نفسه لصحة المجتمعات وتنميتها، كما أنه يعتبر أمرا ضروريا في بعض الأحيان لتأمين رفاهية المرأة واستقلالها، ووقاية فئات محددة من النساء من المخاطر الصحية التي تتعرّضن لها نتيجة الحمل، كتأخير الحمل لدى الشابات المعرّضات لمخاطر الإصابة بمشكلات صحية ومخاطر الوفاة جرّاء الحمل المبكّر، وكذلك الحيلولة دون حدوث حالات حمل بين النساء الأكبر سنا (اللاتي يعتبرن من الشرائح المعرضة أيضاً لأخطار صحية كبيرة).
وتساعد بعض أساليب تنظيم الأسرة (منع الحمل) على الوقاية من انتقال فيروس الإيدز وأنواع العدوى الأخرى المنقولة جنسياً، كما أنها تحد من الحاجة إلى الإجهاض غير المأمون عند حدوث حمل غير مرغوب فيه.
طرق تنظيم الحمل
أوضح الأستاذ الدكتور هشام عرب أن طرق تنظيم الحمل تتغير من وقت لآخر حسب المستجدات الحديثة في عالم الطب، واستعرض بعضا من الوسائل الشائعة لتنظيم عملية الحمل ومنها ما يلي:
* طريقة العد أو الحساب: وهنا يكون الاعتماد على تحديد وقت الإباضة، ويتم منع الجماع في هذه الأيام وذلك لمنع الحمل، وهذه الطريقة تنجح عادة مع النساء اللواتي تكون الدورة لديهن منتظمة كل 28 - 30 يوماً. ويتم تحديد وقت الإباضة بعدة طرق، من أهمها: ارتفاع درجة حرارة الجسم في يوم الإباضة بمقدار نصف درجة عن درجة الحرارة المعتادة، بالإضافة إلى تغيرات في لون وسماكة إفرازات عنق الرحم.
* الطريقة الميكانيكية لتنظيم الحمل: وهي تعتمد على اللولب الرحمي الذي يتم زرعه في تجويف الرحم. واللولب عبارة عن آلة مصنوعة من مادة البلاستيك وقطع نحاسية صغيرة داخل الرحم، تعمل على منع انغراز الأجنة في الرحم، وتقوم أيضاً بتفاعلات داخل الرحم تقلّل من نشاط الحيوانات المنوية ومن وصولها إلى قناة فالوب.
* الواقي الذكري والأنثوي، إذ يعتبر الواقي من أكثر الطرق المتوفرة والرخيصة بين وسائل منع الحمل. ويتوفر أيضاً الواقي الأنثوي الذي يحتوي على حلقة مطاطية من إحدى جهاته وتوضع داخل المهبل. وإضافة إلى الوظيفية الرئيسية للواقي الذكري أو الأنثوي فإنه يقلل أيضاً من انتقال الأمراض الجنسية.
* العلاج الهرموني لمنع الحمل: ويتم في هذا العلاج استخدام حبوب منع الحمل التي تساعد على إيقاف الإباضة، وذلك بإعطاء هرمونات الاستروجين والبروجيسترون، لكنها تكون بكميات قليلة، تساعد على تقليل هرمونات الغدة النخامية، وبالتالي إيقاف نمو البويضات المسؤولة عن الحمل، ويتوفر كثير من أنواع حبوب منع الحمل، التي يختلف فيها تركيز هرموني الاستروجين والبروجيسترون.
تدخل جراحي
* الطرق الجراحية لمنع الحمل (تعقيم المرأة): تعتمد هذه الطريقة على قطع الطريق الواصل بين الحيوان المنوي والبويضة (قناة فالوب)، مع الحفاظ على الدورة الشهرية وانتظامها، إذ إن البويضة ما زالت تنزل من المبايض في موعدها كل شهر لذلك لن تحس المرأة بأي تغيير.
* الطرق الجراحية لمنع الحمل (تعقيم الرجل): ويتم ذلك عن طريق قطع القناة الناقلة للحيوانات المنوية (الحبل المنوي)، حيث يتم قطع الطريق الذي يؤدّي إلى خروج الحيوانات المنوية من الخصيتين باتجاه السائل المنوي. وهذه العملية تجري تحت التخدير الموضعي أو التخدير العام، ولا تحتاج هذه العملية سوى خمس عشرة دقيقة، ويمكننا التأكد من نتائج هذه العملية بإجراء فحصين للسائل المنوي بينهما 4 أسابيع، للتأكد من خلوه من الحيوانات المنوية.
ندوة طبية
وكانت الجمعية السعودية للنساء والولادة قد نظمت بالتعاون مع شركة «باير السعودية» ندوة تثقيفية في مدينة الرياض عقدت في أواخر فبراير (شباط) من هذا العام (2017). دار النقاش فيها حول مستجدات وسائل تنظيم الحمل سواء القديمة منها أو الحديثة.
وأوضح البروفسور علي كوبا استشاري أمراض النساء والولادة في لندن والمتحدث الرئيس في هذه الندوة أن هناك دراسة عالمية أجريت على أكثر من 52000 من النساء المستخدمات لموانع الحمل في الولايات المتحدة. كان هدف الدراسة تحديد تأثير العقاقير التقليدية لمنع الحمل، التي تحتوي على 21 قرصا نشطا تتناولها المرأة يوميا، ثم تتبعها بـ7 أيام من الراحة وهي الحبوب الشائعة الاستخدام بين النساء، مثل مارفيلون marvelon، ياسمين yasmin، سيرازيت cerazette... إلخ، ومقارنتها باستخدام أقراص أخرى حديثة ذات جرعات قليلة تحتوي على 24 قرصا نشطا تعمل على تقليل فترة خلو الجسم من الهرمون إلى أربعة أيام فقط بدلاً من سبعة، وتأتي هذه الأقراص في عبوة تحتوي على 28 قرصا (24 قرصا نشطا و4 أقراص وهمية غير نشطة). وتتم المقارنة من حيث: الجودة والكفاءة، الأعراض الجانبية (آلام الحوض والصداع)، الأعراض المصاحبة للدورة الشهرية (كالنزيف، وفقر الدم «الأنيميا»)، مدى مساعدتها في تنظم الدورة الشهرية للنساء اللاتي يعانين من اضطرابات في الهرمونات، ومدى القدرة على الحماية من مرض بطانة الرحم المهاجرة، والوقاية من أورام الثدي الحميدة.
وجد في نتائج هذه الدراسة التي استخدمت فيها الأقراص الحديثة «ياز بلس» (YAZ plus tablet) ذات الجرعات القليلة أن الخصوبة تعود بنسبة 100 في المائة بعد التوقف عن تناول الحبوب بشهر واحد فقط، وأن هذا العقار الحديث يخفض الأعراض الجانبية خلال فترة الدورة الشهرية، وأنه يحمي بطانة الرحم ويقلل من التهاباته، كما يخفض الأعراض المصاحبة للدورة الشهرية، كالنزف وفقر الدم، وأنه ينظم الدورة الشهرية للنساء اللاتي يعانين من اضطرابات في الهرمونات، كما أنه يقي من مرض بطانة الرحم المهاجرة، وأورام الثدي الحميدة. وعموما فإن حبوب منع الحمل بكل أنواعها لا تهدد العلاقة الجنسية.
وأوضح الدكتور لي فليب، رئيس قسم أمراض النساء والتوليد، جامعة نورث ويسترن، مدينة شيكاغو، ولاية إلينوي الأميركية، أن عقار «ياز» YAZ يتميز بفاعلية فائقة كأحدث وسيلة لمنع الحمل، حيث يهدف إلى تقليص الفجوة الزمنية بين الجرعات للحد من فترات خلو الهرمون بالجسم، ما يقلل من التغيرات الهرمونية خلال فترة الدورة الشهرية للمرأة، فعند استخدام المرأة لأقراص منع الحمل التقليدية، تعاني خلال السبعة أيام الفاصلة من الضعف الجسدي أثناء الدورة الشهرية، وذلك بسبب آلام الحوض والصداع. أما العقار الجديد فإنه يعمل على تخفيض الأعراض الجانبية خلال فترة الدورة الشهرية للمرأة مثل آلام الحوض والصداع.
الجدير بالذكر أن هذا العقار الحديث يؤخذ عن طريق الفم، وأنه أثبت فاعليته على جميع الوسائل الأخرى في عينة الدراسة، وأنه أكثر أماناً للاستخدام لدى النساء.
دواعي موانع الحمل
وحول دواعي اتجاه الكثيرين نحو تنظيم الأسرة، أكد الأستاذ الدكتور حسان عبد الجبار رئيس الجمعية السعودية للنساء والولادة أنه يُثني على توجهات منظمة الصحة العالمية بأن التنامي السريع للدول، والرغبة في تنظيم الأسرة بطريقة تتلاءم مع دخل الأفراد، وتوفير التعليم والخدمات المقدمة للأولاد، خلق من هذا التوجه ميولاً جاداً وحاجة ملحة وضرورية. وأضاف أن المجتمعات تحتاج إلى وعي كامل بكل الوسائل المتوفرة لتحديد الحمل حتى لا تتعرض المرأة للوقوع في أي خطأ قد يعيق تنظيم الحمل إذا رغبت هي وزوجها بذلك فيما بعد.
* استشاري في طب المجتمع